هل يكسب ماكرون "الصوت المسلم" اليوم؟

هل يكسب ماكرون "الصوت المسلم" اليوم؟


24/04/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

قبل عامين، تركت تشينز وعائلتها منزلهم في رويل مالميزون، إحدى الضّواحي الغربيّة لباريس، وانتقلوا إلى برمنغهام. تقول معلّمة المدارس الابتدائيّة: "شعرت وكأنّني في حاجة إلى استراحة من فرنسا".

في إحدى المناسبات، تقول: "كنت أسير في الشّارع وقال لي مُسنّ: "يجب أن تعودي إلى بلدك". لقد ولدت وترعرعت في باريس، وحتّى والداي وُلدا في باريس". وفي مرّة أخرى، شرعت امرأة في الصّلاة على الطريقة المسيحيّة، خوفاً منّي".

لكن لم تكن عنصريّة النّاس العاديّين فقط هي التي دفعتها للرّحيل؛ بل الرّسائل القادمة من القمّة. تقول: "لا يشعر المرء بالتّرحيب في بلده"؛ بسبب ارتداء الحجاب "لم أتمكّن من العمل مع المدارس العادية، ولم أستطع العمل في المدارس الخاصّة، وبعض الشّركات لا تقبل بي، عليَّ العمل بجدّية أكبر لإظهار أنّي، "على الرّغم من" كوني مسلمة، سأقوم بالعمل كما ينبغي. يريدون منّا أن نعمل مع المجتمع، لكنّهم يريدوننا أن نزيل حقيقة أنّنا مسلمون، الحجاب لا يغيّر المعلّمة التي أنا عليها".

في نهاية المطاف، أدّى الذّعر الأخلاقيّ من ارتداء الأمّهات المسلمات للحجاب أثناء مرافقتهن أطفالهن في الرّحلات المدرسيّة إلى تغيير الأوضاع. انتهزت تشينز الفرصة للانتقال إلى المملكة المتّحدة، عام 2020، وتعيش الآن في برمنغهام.

ماكرون في عيون خصومه: يريد قتل قدرة المسلمين على أن يكونوا مواطنين

في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2020، بعد وقت قصير من رحيلها، ألقى الرّئيس إيمانويل ماكرون خطاباً سأل فيه: "اليوم، في مجتمعنا، ما الذي يعرّض جمهوريّتنا للخطر؟"، وجاء جوابه: "الانفصاليّة الإسلامويّة".

أضاف ماكرون: "أحياناً، في مواجهة ضغوط المجموعات والجاليات، يفكّر المسؤولون المنتخبون… في فرض قوائم شراب، في المقاهي، تتناسب مع القيود الدّينيّة... يستبعد مسؤولون منتخبون آخرون... الرّجال أو النّساء، خلال أوقات معيّنة، من حمّامات السّباحة".

شجب هذه الأمثلة باعتبارها "فشلاً جمهوريّاً"، ووعد بقوانين جديدة مناهضة للانفصاليّة" لقمع المؤسّسات العامّة التي تقدّم الطّعام الحلال، أو دورات السّباحة أحاديّة الجنس، أو أيّة تدابير أخرى تهدف إلى مراعاة المواطنين المسلمين.


كي يهزم ماكرون لوبان في الانتخابات، عليه أن يحمّس أنصار ميلانشون للتّصويت له، لكنّ العديد من هؤلاء هم من المسلمين أنفسهم الذين قضى ماكرون في تشويه سمعتهم

شعرت تشينز بالخيانة. تقول: "قبل انتخابه، كان يقول إنّ "البوركيني" (ملابس السّباحة المحتشمة التي ترتديها بعض النّساء المسلمات) ليس مشكلة، وإنّ المسلمين ليسوا مشكلة"، وتضيف: "ثمّ انقلب علينا".

في انتخابات 2017، صوّتت لصالح ماكرون ضدّ المرشّحة اليمينيّة المتطرّفة، مارين لوبان، في الجولة الثّانية. هذه المرّة، وعدت لوبان بحظر الحجاب تماماً، وفرض غرامات على من يرتدينه، وإصدار قانون جديد يحظر "الأيديولوجيّات الإسلامويّة".

لكنّ تشينز، التي عادت إلى باريس من أجل الجولة الأولى من الاقتراع، الأحد، غاضبة للغاية من خيانة ماكرون لدرجة أنّها ليست متأكّدة ممّا إذا كانت ستهتمّ بالتّصويت له هذه المرة، حتّى ضدّ لوبان، تقول: "الأمر أشبه بالاختيار بين الطّاعون والكوليرا".

فتيحة بوشلغم، محاضرة في الهندسة تعيش في الدّائرة 20 في باريس، تقول: "ماكرون هو أحد الأشخاص المسؤولين عن الطّريقة التي سلكت بها المحادثة حول الإسلام منعطفاً خاطئاً حقّاً في هذا البلد". وتضيف: "تسبّب في إثارة رهاب الإسلام بصورة كبيرة/ ويتحدّث طوال الوقت عن الانفصاليّة الإسلامويّة. عندما تستمع إليه، لا تجده يتحدّث عن الإرهاب أو التّطرّف، إنّما عن جميع المسلمين".

المرشّحة اليمينيّة المتطرّفة، مارين لوبان

بالنّسبة إلى ياسر اللواتي، رئيس المنظّمة غير الحكوميّة التي تتّخذ من باريس مقرّاً لها "اللجنة من أجل العدالة والحرّيّة للجميع"، انتُخِب ماكرون ليكون "مناهضاً للوبان". لكن، بدلاً من ذلك "أمضى خمسة أعوام في تأجيج رهاب الإسلام وإصدار قوانين (قائمة على رهاب الإسلام)".

الآن، كما يقول، ترقى الجولة الثّانية من الانتخابات، ماكرون مقابل لوبان، إلى خيار "بين اليمين المتطرّف والفاشيّة". يقول: "يقود ماكرون أجندة يمينيّة متطرّفة منذ أن وصل إلى السّلطة. لكن إذا وصلت لوبان إلى السّلطة، فستزداد الأمور سوءاً".

ميلانشون "اليساريّ الإسلاميّ"

تشينز وفتيحة، وعلى ما يبدو معظم مسلمي فرنسا، صوتتا لمرشح اليسار الرّاديكاليّ، جان لوك ميلانشون، في الجولة الأولى من الانتخابات الرّئاسيّة. تقول تشينز: "لو انتُخِب، (لكان) هناك عدد أقلّ من القوانين المعادية للمسلمين. على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، كان الجميع يقولون: من فضلكم اذهبوا للتّصويت، إذا أردنا أن نعيش كمسلمين وأحرار، فعلينا أن نصوّت لميلانشون".

شهدت المناطق ذات الكثافة السّكانيّة المسلمة أصواتاً كبيرة للاشتراكيّ الدّيمقراطيّ، فاز ميلانشون بمنطقة إيل سان دوني، في باريس، بنسبة 62 في المئة، وجاء ماكرون في المرتبة الثّانية، بنسبة 14 في المئة، وأيّد حوالي 51.5 في المئة ميلانشون في الدّائرة الخامسة عشرة لمارسيليا، والتي تضمّ أيضاً عدداً كبيراً من السّكان المسلمين، في حين أظهر أحد الاستطلاعات أنّ 69 في المئة من النّاخبين المسلمين يعتزمون دعم اليسار، مقارنة بـ 14 في المئة فقط ممّن أيّدوا ماكرون.

لا أحد يعرف على وجه اليقين عدد المسلمين في فرنسا؛ فثمّة قانون يعود إلى القرن التّاسع عشر يمنع الدّولة من تضمين أسئلة حول العرق والدّين في التّعداد السّكانيّ، لكن من الواضح أنّ هناك في فرنسا مسلمين أكثر من أيّة دولة غربيّة أخرى؛ حيث تشير بعض الدّراسات الاستقصائيّة إلى أنّ الرّقم يُقارب 6 ملايين شخص، أي 10 في المئة من السّكان.

من النّاحية النّظريّة؛ يجب أن تكون هذه كتلة تصويتيّة قويّة، لكن يبدو أنّ اليسار الفرنسيّ لم يدرك ذلك إلّا مؤخّراً، يقول اللواتي: "عندما يتعلّق الأمر بالمسلمين، ما يزال اليسار يعاني من مشكلة مع الجالية المسلمة. اليساريّون لا يُشمِلون المسلمين في أحزابهم. بالنّسبة إليهم، المسلمون أناس ينبغي إنقاذهم إمّا من الفاشيّين أو من أنفسهم". ويضف: "ميلانشون حرّض على رهاب الإسلام في الماضي، لكنّه تغيّر في اللحظة الأخيرة".

لكن حشد أصوات المسلمين على المدى الطّويل سوف يحتاج إلى أكثر من مجرّد تحوّل في الخطاب، يقول اللواتي: "هناك استياء. ما نفتقر إليه في فرنسا هو وجود شبكة شعبيّة أكثر كثافة".

مرشح اليسار الرّاديكاليّ، جان لوك ميلانشون

أصبحت أيّة محاولة لتنظيم الجاليات المسلمة أكثر صعوبة، بسبب قمع ماكرون السلطويّ للمجتمع المدنيّ المسلم. عام 2020، أغلق وزير الدّاخليّة جيرالد دارمانين عدداً من المجموعات التّابعة للجالية المسلمة، بما في ذلك "جماعة مناهضة رهاب الإسلام"، التي قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"؛ إنّها "لعبت دوراً رئيساً في توفير الدّعم القانونيّ للمسلمين الذين يواجهون التّمييز بسبب هويّتهم وفي توثيق الأثر التّمييزي على المسلمين لتدابير مكافحة الإرهاب في فرنسا".

بموجب قوانين الرّئيس الجديدة "المناهضة للانفصاليّة"، تتمتّع الدّولة بسلطات كاسحة عندما يتعلّق الأمر بإغلاق المنظّمات الإسلاميّة. يواجه اللواتي ومنظّمته غير الحكومية ثلاث دعاوى قضائيّة. يقول: "نستعد للأسوأ، يمكن إغلاق أيّة منظّمة".

يحاجج اللواتي: "هذه سياسة استعماريّة كلاسيكيّة، فعلوا الشّيء نفسه في الجزائر"، كانت الإدارة الفرنسيّة في الجزائر في القرنين التّاسع عشر والعشرين سعيدة بالسّماح للنّاس بأن يكونوا مسلمين في وطنهم، أو أن يذهبوا لأداء فريضة الحجّ، طالما تُرك المسيحيّون مسؤولون عن إدارة كلّ شيء آخر.


لجولة الثّانية من الانتخابات، ترقى إلى خيار "بين اليمين المتطرّف والفاشيّة". حيث يقود ماكرون أجندة يمينيّة متطرّفة. لكن إذا وصلت لوبان إلى السّلطة، فستزداد الأمور سوءاً

حتّى إدارة منظّمات إسلاميّة "تدافع بشكل أساسيّ عن حقوق المسلمين"، تُوقَف الآن من قِبل الدّولة، كما تقول بوشلغم. "لا أعرف ما إذا كان لدينا الحقّ في التّنظيم السّياسيّ في هذا البلد، ليس لدينا الحقّ في الوجود ككيان سياسيّ، لا أتحدّث عن تطبيق الشّريعة الإسلاميّة، أتحدّث فقط عن منظّمة للدّفاع عن حقوقنا".

عندما انضمّ اليساريّ ميلانشون إلى مظاهرة ضدّ هذه الموجة من رهاب الإسلام، بما في ذلك هجوم إرهابيّ فاشيّ على مسجد في جنوب غرب فرنسا، أُدين بأنّه "يساريّ إسلاميّ"، وحاجج وزير التّعليم في حكومة ماكرون، جان ميشيل بلانكير، عام 2020؛ بأنّ "هناك معركة يجب خوضها" ضدّ "الأطروحة التّداخليّة (إطار نظري لتحليل الهويّات يأخذ في الاعتبار العرق، والجنس، والطبقة)... القادمة من الجامعات الأمريكيّة".

 وأعلنت الجماعة القوميّة "المدرسة والأمة"، التي دعمت المرشح اليمينيّ المتطرّف إريك زمور؛ أنّ كلمات بلانكير مأخوذة من كتيّباتها "كلمة كلمة". وفي شباط (فبراير) 2021، نقل وزير التّعليم العالي، فريديريك فيدال، هذه المعركة إلى الجامعات، وأعلن "التحقيق" فيما يسمّى بـ "التّحيّز اليساريّ الإسلاميّ" في الأوساط الأكاديميّة.

في مناظرة تلفزيونيّة في بداية الحملة الانتخابيّة، هاجم أحد رجال ماكرون، دارمانين، لوبان لعدم تشدّدها بما يكفي مع المسلمين. قال: "أصبحت لوبان ناعمة بعض الشّيء". "أنت في حاجة إلى تناول بعض الفيتامينات. لست صارمة بما فيه الكفاية هنا... إذا فهمتك جيّداً، فأنت على استعداد لعدم إصدار تشريعات بشأن الدّين، وتقولين إنّ الإسلام ليس مشكلة حتّى".

 المرشح اليمينيّ المتطرّف إريك زمور

يقول اللواتي إنّ نية ماكرون واضحة: "إنّه يريد قتل قدرة (المسلمين) على أن يكونوا مواطنين. إنّه يجعل من المستحيل أن تكون مؤمناً معاصراً، إذا أراد المسلمون يوماً ما أن يكونوا سياسيّين، أو الانخراط، أو حتّى التّعبير عن آرائهم السّياسيّة، فإنّ الحكومة لديها الوسائل لقمعهم".

وفوق كلّ هذا، كانت الانتخابات مدفوعة بتصعيد الشّرطة للعنف ضدّ الجاليات السّوداء والمسلمة. في 26 آذار (مارس)، أطلقت الشّرطة في منطقة سانت دينيس النّار على رجل أسود، يُدعى جان بول بنجامين ويبلغ من العمر 33 عاماً وأب لطفلين، وأردته قتيلاً. كان قد اتُّهم بسرقة شاحنة صغيرة. لاحقاً، اتّضح أنّه احتفظ بالشّاحنة لأنّ صاحب العمل، وهو مقاول من الباطن في (أمازون)، لم يدفع له حقوقه الماليّة. وقد قوبل الغضب من القتل ومن التّقارير الإعلاميّة التي صوّرت القتيل على أنّه لصّ، بفِرق مكافحة الشّغب والاعتقالات، ممّا جعل كثيرين يشعرون بحماسة ضئيلة تجاه نظام ماكرون.

في المنطقة التي تعيش فيها بوشلاغم في باريس، هناك الكثير من الأشخاص المنحدرين من أصل شمال أفريقيّ، كما تقول. في كلّيّة ابنها، "يطرح المعلّمون أسئلة - تشعر وكأنك تحت المراقبة المستمرّة. لدينا شعور بأنّنا مراقبون، وأنّ النّاس لا يثقون بنا. يعتقدون أنّ النّاس يُخفون شيئاً ما داخل منازلنا".

كان الوضع سيّئاً إلى درجة كافية في عهد الرّئيسَين السّابقين، ساركوزي وهولاند، كما تقول، لكنّه تصاعد بعد الهجمات في "باريس باتاكلان" وجرائم قتل "شارلي إيبدو" عام 2015.

تقول: "إنّه ليس ماكرون فقط. كلّ الطّبقة السّياسيّة تصرّفت وكأنّ كلّ المسلمين مسؤولون عن هذا، حتّى في حزب جان لوك ميلانشون، هناك أشخاص كثيرون لا يحبّون المسلمين".

خلال حملته، واصل ماكرون مهاجمة المسلمين. في منشور سُلّم إلى كلّ مواطن فرنسيّ، خلط بين الإسلام والجريمة، ووعد بـ "تعزيز الأمن اليوميّ ومحاربة الإسلامويّين - استكمال مضاعفة وجود سلطات إنفاذ القانون في الشّوارع العامّة وتجنيد 8,500 قاضٍ إضافيّ". كما وعد "بالدّفاع عن حدودنا الوطنيّة والأوروبيّة بقوّة حدوديّة جديدة".

لكنّ بوشلغم تعتقد أنّ لوبان ما تزال أسوأ، تقول: "أعرف من أين أتت لوبان، إنّهم خطيرون حقّاً".

لوبان والجزائر والفاشيّة الإمبراطوريّة الفرنسيّة

غزت فرنسا الجزائر عام 1830، وعلى مدى العقود الثّلاثة التّالية، قتلت قوّاتها حوالي ثلث السّكان، حوالي مليون شخص. كما وثّق المؤرّخون عمليّات اغتصاب وتعذيب جماعيّ على يد القوّات الفرنسيّة.

 ما يزال يُحتَفل ببوغود كبطل في فرنسا

وكان الجنرال الذي قاد هذه الحملة، توماس روبرت بوغود، حاكماً عامّاً للجزائر، ما يزال يُحتَفل ببوغود كبطل في فرنسا، وله تمثال على واجهة متحف اللوفر، وهناك مجرم حرب رئيس آخر خدم في الجزائر سمّيت مدارس حضانة باسمه في باريس ونانت.

على مدى القرن التّالي، كانت الجزائر رسميّاً دائرة تابعة لفرنسا، لكنّها حُكمت بنظام (مثل الفصل العنصريّ)، كما تقول بوشلغم. "والداي جزائريّان، كانا صغيرين خلال الحرب الجزائريّة (حرب الاستقلال 1954-1962)، لكنّهما عرفا أيضاً الحكم الاستعماريّ، أعرف من عائلتي ما حدث".

لكنّها تقول إنّ المواطنين الفرنسيّين البيض لا يعرفون هذا التّاريخ "كنت أتحدّث إلى زملائي في العمل، الذين اتّضح أنّهم لا يعرفون الشّخصيّات المشهورة، النّاس هنا في فرنسا لا يريدون مواجهة الحقيقة بشأن ما حدث في المستعمرات السّابقة. كثيرون لا يدركون حقّاً ما حدث. ما يزال لديك مدارس وتماثيل هنا في باريس تحمل أسماء المستعمرين الرّئيسين في الجزائر وبقيّة أفريقيا. إنّهم يعتقدون أنّنا نبالغ فقط (بشأن جرائم الاستعمار) لنجعلهم يشعرون بالذّنب. يعتقد الفرنسيّون أنّ عليهم أن يفخروا بماضيهم، يتملّكهم اعتقاد بأنّ الأشخاص الذين استُعمروا فقط هم غير القادرين على قبول "سلع الحضارة". في المدرسة، لم نتحدث عن استعمار الجزائر، فقط حرب الاستقلال".

رسميّاً، كانت الجزائر المستعمَرة مجرّد جزء آخر من فرنسا، ممّا يعني أنّ الجزائريّين، على الرّغم من أنهم ليسوا مواطنين فرنسيّين (كانوا "رعايا")، أمكنهم الهجرة إلى العاصمة الفرنسيّة. في وقت مبكر من عام 1924، قام 100,000 بذلك.

يقول جيم هاوس، خبير الهجرة في جامعة ليدز: "بعد عام 1919، كانت جماعات الضّغط الاقتصاديّة في الجزائر تخشى خسارة قوّتها العاملة الاستعماريّة لصالح أرباب العمل الفرنسيّين في فرنسا القاريّة، ودعمت هذه الجماعات الحملات الصّحفيّة المعادية في فرنسا القاريّة التي شجبت الإجرام والاعتداء الجنسيّ المفترضين للرّجال الجزائريّين، صور نمطيّة ما تزال قائمة إلى حدّ كبير".

تأسّست "الجبهة الوطنيّة" اليمينيّة المتطرّفة، التي أصبحت الآن "التجمّع الوطنيّ" الذي تقوده مارين لوبان، عام 1972، تكوّن جزء كبير من الدّائرة المقرّبة للجبهة من الجنود العائدين من الحرب الجزائريّة، في حين كان استياء المستعمِرين العائدين وغيرهم من اليمينيّين من قرار قبول الرّئيس شارل ديغول باستقلال الجزائر من العوامل الرّئيسة في دعم هذا الحزب اليمينيّ المتطرّف. جان ماري لوبان، قائدها الأوّل ووالد مارين، كان مظلّيّاً في الحرب الجزائريّة ووجّهت له اتّهامات بممارسة التّعذيب.

تقول تشينز: "أعتقد أنّ الجزائر تُسبّب الكثير من الانقسام في فرنسا"، وتضيف: "أجدادي من جهة هم من الجزائر، كانوا الجيل الأوّل، كانوا "زبّالين" وعمّال، لكنّ أصحاب الأصول الجزائريّة الآن جزء من المجتمع. يُظهرون أنفسهم. النّاس لا يحبّون ذلك، إنّهم لا يمانعون في أن تكون "زبّالاً"، لكن عندما تريد الحصول على وظيفة أفضل، تواجه مشكلات".

كي يهزم ماكرون لوبان في الانتخابات، عليه أن يحمّس أنصار ميلانشون للتّصويت له، لكنّ العديد من هؤلاء هم من المسلمين أنفسهم الذين قضى الأعوام القليلة الماضية في تشويه سمعتهم؛ لذلك فلا عجب من أن تُظهِر استطلاعات الرّأي أنّ كثيرين لن يأبهوا. إذا سقطت فرنسا في أقصى اليمين، فلن يجد ماكرون سوى نفسه، ومغازلته للعنصريّة، كي يلوم.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

آدم رمزي، أوبن ديموكراسي، 15 نيسان (أبريل) 2022


مواضيع ذات صلة:

ما سر غياب "خطر الإسلاموية" عن الانتخابات الفرنسية؟

الانتخابات الفرنسية.. هل ثمة تغيير في استراتيجية مواجهة الإسلام السياسي؟

كيف اخترقت جماعة الإخوان الجالية المسلمة في فرنسا؟

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية