هل يمكن النظر للعدوان باعتباره غريزة إنسانية؟

هل يمكن النظر للعدوان باعتباره غريزة إنسانية؟

هل يمكن النظر للعدوان باعتباره غريزة إنسانية؟


10/01/2023

"الدافع وراء الفكرة لا يجعلها صواباً أو خطأ، وتحليل الدوافع ليس حجة على الصواب أو الخطأ". إريك فروم

يوضح عالم النفس إريك فروم (1900 – 1980)، في كتابه؛ "تشريح التدميرية البشرية"، الصادر عن دار نينوى العام 2016، طبيعة العاطفة "النيكروفيلية" التدميرية لدى البشر، والظروف الاجتماعية التي من شأنها أن تغذيها، مُشيراً إلى أنّ ما يصيب الثوريين من استحواذ فكرة العنف والتدمير يؤشر إلى الجاذبية القوية للنيكروفيليا في العالم المعاصر.

هناك نوع خبيث من العدوان؛ أي القسوة والتدميرية وهو نوع خاص بالبشر يغيب إجمالاً عند معظم الحيوانات

ويؤكّد فروم أنّ المساعدة في مواجهة هذه الأزمة لا تكون من خلال استدعاء "القانون والنظام" ومعاقبة المجرمين؛ بل من خلال تغيرات جذرية في بنيتنا الاجتماعية والسياسية، من شأنها أن تعيد الإنسان إلى دوره الأسمى في المجتمع.
إنّ فهم النزعة التدميرية لدى الإنسان يمكن أن يفيد في فهم العنف والتطرف والإرهاب، ويضع الظاهرة في سياق سيكولوجي؛ إذ نحتاج، كما يقول فروم، إلى إنشاء الشروط التي تجعل من نموّ الإنسان، هذا الكائن الذي لم يبلغ تمامه واكتماله الفريد في الطبيعة، الهدف الأعلى لكل التدابير الاجتماعية. فالحرية الحقيقية والاستقلال وإنهاء كل أشكال السيطرة الاستغلالية، تُمثّل الشروط اللازمة لتحريك محبة الحياة؛ وهي القوة الوحيدة التي يمكن أن تهزم محبة الموت.

غلاف الكتاب
في هذا السياق، يقول ج. سي. سمتس؛ "عندما أنظر إلى التاريخ أكون متشائماً، ولكنني عندما أنظر إلى ما قبل التاريخ أكون متفائلاً"، ويقصد بذلك ما يمكن أن يلحقه الإنسان المعاصر بنفسه وبالطبيعة من دمار وضرر، حيث صاحب التدمير التطور الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي، ما يجعل لعلم النفس مكانة مهمة في استيعاب أزمة الحضارة وترشيدها.

ويتراوح تفسير السلوك العدواني، بين الغريزية والسلوكية؛ أي النظر إلى العدوان باعتباره غريزة إنسانية، أو سلوكاً مكتسباً بفعل البيئة المحيطة، وقد نشر كونراد لورنتس Konrad Lorenz،  وهو باحث في السلوك الحيواني كتاب "في العدوان" عام 1966، مُقرراً أنّ السلوك العدواني للإنسان ناتج عن غريزة فطرية مبرمجة، ويتجلى ذلك في الحروب والجريمة والمشاجرات الشخصية. وفي المقابل، يرد عالم النفس السلوكي، بورهوس سكنر، هذه الظاهرة إلى السلوك الإنساني.

فهم النزعة التدميرية لدى الإنسان يمكن أن يفيد في فهم العنف والإرهاب ويضع الظاهرة في سياق سيكولوجي

ويقول فروم إنّه "يمكن ببساطة رد العدوان الدفاعي إلى سلوك غريزي، لكن هناك نوع خبيث من العدوان أي القسوة والتدميرية، وهو نوع خاص بالبشر وغائب إجمالاً عند معظم الحيوانات". 
ويُدرس كتاب فروم، على أساس التحليل النفسي للسلوك الإنساني العدواني والدوافع المُنشئة لهذا السلوك، والتي قد تكون شعورية، لكنها في أغلب الأحيان لا شعورية، كما أنّها مُتحدة، في معظم الوقت مع بنية طبع مستقرة نسبياً، وبحسب فرويد فإنّ الحياة تحكمها عاطفتان؛ الحب والتدمير، وبذلك يعطى التدميرية البشرية صفة عاطفة إنسانية أساسية.
إنّ عواطف الإنسان هي محاولته في خلق معنى للحياة، وفي أن يخبر أقصى ما يستطيع أو يظن أنّه يستطيع أن يحقق من الشدة والقوة في الظروف المعطاة، والحقيقة أنّ كل العواطف البشرية، الخيرة والشريرة على السواء، لا يمكن أن تُفهم إلا بأنّها محاولة شخص لخلق معنى لحياته؛ حيث يُنشئ الإنسان الخير والشر والجمال والقبح أثناء لحاقه لعواطفه؛ فالناس ينتحرون بسبب إخفاقهم في تحقيق عواطفهم المتعلقة بالحب والشهرة والانتقام، ولا ينتحرون بسبب الحرمان الجنسي.

عالم النفس إريك فروم (1900 – 1980)
لكن ذلك لا يعني أنّ التدميرية والقسوة ليستا مرذولتين، بل هما مدمرتان للحياة، للجسم والروح، ولا تدمران الضحية وحدها، بل تدمران من يقوم بالتدمير أيضاً، إنّهما تعبران عن انقلاب الحياة ضد ذاتها في المجاهدة لخلق معنى لها.

وكان ف. ت. مارتيني، قد عبّر في عام 1909، عن روح النيكروفيليا في عمله الأدبي "البيان المستقبلي"؛ حيث يمكن أن يفتتن الإنسان بكل ما هو مضمحل، غير حي، تدميري، وميكانيكي، ومثال ذلك شعار "يحيا الموت" الذي كان يطلقه حزب الكتائب الإسباني الفاشي والذي تأسس عام 1934. إنّ ذلك يهدد بأن يصبح المبدأ السري لمجتمع يشكل فيه قهر الطبيعة بالآلة المعنى الصميميّ للتقدم؛ حيث يصبح الشخص الحي ملحقاً بالآلة.

كل العواطف البشرية الخيرة والشريرة على السواء لا يمكن أن تفهم إلا بأنّها محاولة شخص لخلق معنى لحياته

لقد كان فهم الطبيعة الإنسانية شاغلاً للفلاسفة والمفكرين منذ أقدم العصور؛ أي ما الذي يجعل الإنسان إنساناً، وهكذا عرف الإنسان بأنّه كائن عاقل، أو حيوان اجتماعي، أو يستطيع أن يصنع الأدوات، أو الرموز. ويوحي تاريخ البشرية بأنّ إنسان العصر الحديث يختلف كثيراً عن إنسان الأزمنة السابقة، وتظهر الدراسات الأنثروبولوجية للشعوب تنوعاً في العادات التقاليد والقيم والأحاسيس والأفكار إلى حد أنّ كثيراً من الأنثروبولوجيين وصلوا إلى مفهوم مفاده أنّ الإنسان يولد صحيفة بيضاء تكتب عليها كل ثقافة نصها.
وممّا يشجع أيضاً على إنكار الطبيعة الإنسانية الثابتة، كيف كان الإنسان يعقل العبودية لدرجة أنّ فيلسوفاً عظيماً كأرسطو ومثله معظم، إن لم يكن جميع، المفكرين والعلماء حتى القرن الثامن عشر دافعوا عنها، وعلى العموم، يقول فروم، إنّ المرء يشير بارتياب إلى "الطبيعة الإنسانية" في قبول حتمية سلوك بشري؛ كالجشع والقتل والغش والكذب.

مواضيع ذات صلة:

كتاب ينقد الأصولية فكرياً من خلال واقعها .. كيف؟

قراءة في كتاب الليبرالية: حين تعتدي سلطة المال على الحرية
 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية