هل ينجح ماكرون في ارتداء عباءة شارل ديغول؟

هل ينجح ماكرون في ارتداء عباءة شارل ديغول؟


23/04/2022

منذ أشهر، رفض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الاعتذار عن الماضي الاستعماري لبلاده، ودافع كذلك عن سياساته الرامية إلى ربط بلدان أفريقيا بفرنسا، قائلاً: "لا يمكن لفرنسا أن تبني روايتها الوطنية الخاصّة، إذا لم تأخذ دورها في أفريقيا، وإذا لم تنظر في هذه الصفحات المظلمة أو السعيدة".

ماكرون دافع عن الإرث الاستعماري لفرنسا، داعياً إلى تجاوز الماضي، وبناء المستقبل، قائلاً: "كلنا في هذه القاعة لم نختر تاريخنا وجغرافيتنا، نحن ورثة كل هذا".

ويبدو أنّ التوصيف الذي استخدمته مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية، إبان مبالغة، ماكرون، في الاحتفال بذكرى نداء المقاومة الذي أطلقه ديغول في العام 1940، بقولها إنّ ماكرون يحاول "الاستحمام في مجد ديغول"، يبدو مصيباً، حيث بات حزب "الجمهورية إلى الأمام"، الذي ينتمي إليه ماكرون، أقرب إلى اليمين الديغولي من أيّ وقت مضى؛ حيث يحاول، بحسب الصحيفة البريطانية ذاتها، "إدخال نفسه تحت عباءة الجنرال، في ظل الحديث الداخلي في فرنسا اليوم، عن اكتفاء فرنسا الذاتي، والوطنية الاقتصادية، والحاجة لإحياء عظمة فرنسا".

الجنرال الفرنسي شارل ديغول

يحاول ماكرون ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة، وانتزاعها من التبعية إلى مسار التنسيق، وهو ما ظهر جليّاً في الاصطدام المتكرر بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحليف المركزي لواشنطن في البلقان، ومحاولة إرباك التفاهمات السياسية بين أمريكا وتركيا، على صعيد العمل على الجبهة السورية، والتدخل المباشر في الأزمة الليبية، قبل أن يتجاوز ماكرون جملة التعقيدات الإقليمية والدولية، ويظهر فجأة في بيروت، وأيضاً مشاركته في مؤتمر دول الجوار العراقي، الذي انعقد في بغداد، وتفعيل دور فرنسا في مفاوضات الملف النووي الإيراني، وكذا النشاط العسكري في منطقة الساحل؛ حيث قامت قوات الجيش الفرنسي، في آب (أغسطس) الماضي، بقتل عدنان أبو وليد الصحراوي، زعيم تنظيم داعش في غرب أفريقيا، في غارة جوية.

الوجود العسكري وإعادة الانتشار

تتواجد قوات عسكرية فرنسية في غرب أفريقيا ودول الساحل، وتزايد دور هذه القوات إبان التدخل العسكرى الفرنسى فى مالي، في العام 2013، بناء على طلب من السلطات الانتقالية المالية، بداعي الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين، وما أعقب ذلك من استبدال عملية سرفال الفرنسية فى مالى، بعملية عسكرية أخرى تحت اسم "برخان"، من تنامي الدور العسكري الفرنسي بداعي مكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل، وكانت "برخان" أكبر عملية عسكرية فرنسية في الخارج؛ حيث شارك فيها نحو 4 آلاف جندى فرنسى، على امتداد 5 دول هي: مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا.

 

يحاول ماكرون ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة، وانتزاعها من التبعية إلى مسار التنسيق، وهو ما ظهر جليّاً في الاصطدام المتكرر بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحليف المركزي لواشنطن في البلقان

 

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسيّة، فلورنس بارلي، عن إعادة تنظيم الجيش الفرنسي في منطقة الساحل، وخفض عدد أفراده، مؤكدة في الوقت نفسه أنّ هذه العملية لا تعني انسحاب بلادها من أفريقيا، قائلة: "لن نغادر مالي، نحن نعدّل حضورنا العسكري".

ومن المقرر، وفق الخطة المعلنة، أن يجري خفض عدد القوات الفرنسية، المتواجدة في منطقة الساحل، من أكثر من 5 آلاف مقاتل في الوقت الحالي، إلى نحو 2500 أو 3000 مقاتل، بحلول العام 2023، وفق ما أعلنت عنه هيئة الأركان العامة.

وتتواجد القوات الفرنسية حالياً في قاعدة مينوسما في مالي، لكن الحضور الأكبر لها يتمثل في قاعدة غاو العسكرية في مالي أيضاً، وقاعدة ميناكا، عند المثلث الحدودي، بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتتخذ فرنسا من قاعدة نجامينا في تشاد مركزاً لقيادة العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل.

 ماكرون أجهز على لوبان، حينما اتهمها بالتواطؤ مع روسيا

إنّ إعادة انتشار القوات الفرنسية، وخفض أعدادها يعكس ما يمثله هذا النشاط العسكري من أعباء على خزينة فرنسا، غير المؤهلة للعب أدوار أكبر من حجمها، فالحقبة الاستعمارية التي مضت، كان يغذي وجودها روافد الاستغلال الاقتصادي المباشر للمستعمرات، وعلى الرغم من حصول قدر من هذا الاستغلال في الوقت الحاضر، إلا أنّ فرنسا لا يمكنها منافسة الصين، التي دخلت إلى المضمار بقوة، كما لا يمكن إغفال وجود الطوق التركي، وكذلك الحزام الإيراني، في أفريقيا.

 وعليه، فإنّ البلد الذي أنهكته تداعيات كورونا، ومن قبلها احتجاجات السترات الصفراء، غير مؤهل بالمرة للعب دور مركزي في منطقة الساحل والصحراء، لكن القواعد العسكرية الموجودة، ربما تحتفظ بهذا الوجود، وتمكن باريس من الدخول في تفاهمات دولية عديدة، قد تحصل بموجبها على جملة من المكاسب.

الحرب الأوكرانيّة تمنح ماكرون قوة دفع إضافيّة

كانت الحرب الأوكرانيّة مناسبة هامّة، ربما لمع بفضلها نجم ماكرون في الساحة الأوروبيّة؛ حيث وضعته الأحداث في صدارة المشهد الدولي؛ إذ سارع منذ اندلاع الحرب، إلى قيادة المعسكر الأوروبي الرافض للغزو الروسي، مؤكداً أنّ العالم بات في مفترق الطريق، ومارس ضغوطاً كبيرة على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، فكان أشبه بالوسيط المنحاز لقيم ومنطلقات السياسة الأوروبيّة.

استفاد ايمانويل ماكرون من روسيا استفادة كاملة، سواء من خلال الحرب على أوكرانيا، أو من خلال إبعاد خصومه

وعلى الصعيد المحلي، أسهمت الحرب في صعود شعبيّة ماكرون، كما أضرّت كثيراً بفرص منافسته في جولة الإعادة ماريان لوبان، والتي تأثرت كثيراً بعلاقتها السابقة بالرئيس الروسي، وحاولت التنصل من تصريحاتها السابقة التي أشادت فيها بقيصر روسيا، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في المناظرة الأخيرة، التي جرت قبيل جولة الإعادة، حيث بدا ماكرون واثقاً، رافعاً شعاراته الديغوليّة، بينما ظهرت لوبان أكثر حيرة وارتباكاً.

الكاتب والمحلل السياسي التونسي المقيم بفرنسا، نزار الجليدي، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّ ماكرون أجهز على لوبان بسلاح روسي، مؤكداً أنّ الرئيس الفرنسي الذي يستعدّ لخوض الدور الحاسم نحو تجديد ولايته في الإيليزيه، يسير بخطى ثابتة نحو هدفه، وأنّ هذا ما تأكّد منه الفرنسيون، حتى من أنصار لوبان، بعد انتهاء المناظرة الأخيرة بينهما مساء الأربعاء 20 نيسان (أبريل) الجاري.

الجليدي: لم يجتهد ماكرون كثيراً ليجهز على لوبان حيث سهّلت له المهمة بتذبذبها وعدم إلمامها بالملفات الاقتصادية والاجتماعية

الجليدي أضاف: "لم يجتهد ماكرون كثيراً، ليجهز على خصمه، حيث سهّلت له لوبان المهمة بتذبذبها، وعدم إلمامها بالملفات الاقتصادية والاجتماعية، هذا فضلاً عن الحلول غير الواقعية التي تطرحها".

الصحفي التونسي المتابع للمشهد الانتخابي الفرنسي، أكّد أنّ ماكرون أجهز على لوبان، حينما اتهمها بالتواطؤ مع روسيا، وأنّها قبضت ثمن هذا التواطؤ، بمنحها قرضاً بقيمة 9 ملايين يورو، من بنك روسي مقرّب من بوتين.

من جهتها برّرت لوبان ذلك، برفض ماكرون منحها قرضاً، حينما كان وزيراً للاقتصاد؛ ليجيبها ساخراً؛ بأنّ ذلك ليس من مهامه.

في المحصّلة استفاد ايمانويل ماكرون من روسيا استفادة كاملة، سواء من خلال الحرب على أوكرانيا، أو من خلال إبعاد خصومه.

مواضيع ذات صلة:

ماذا يريد ماكرون من وراء وساطته لحل أزمة أوكرانيا؟.. محلل إيطالي يجيب

ما حظوظ ماكرون الانتخابية؟.. وما علاقة أوروبا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية