هل ينفجر الملف الاجتماعي في وجه الحكومة التونسية؟

هل ينفجر الملف الاجتماعي في وجه الحكومة التونسية؟


07/12/2021

تواجه حكومة نجلاء بودن التي عيّنها الرئيس التونسي قيس سعيّد في سياق استثنائي، تأزماً اجتماعياً، تحرّكه اتفاقيات اجتماعية سابقة عقدتها الحكومات المتتالية ولم تلتزم بتنفيذها، فاستمرّت بتأجيلها، بسبب السياق الاقتصادي والسياسي، الذي لم يستقر منذ أواخر 2010.

وعاشت تونس على وقع احتجاجات شعبية واسعة خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب إخلال الحكومات السابقة، بتعهداتهم خصوصاً المتعلّقة بملفات التشغيل، وقد زادت حدّتها بعد أن أعلن الرئيس قيس سعيّد إلغاء قرار تشغيل من طالت بطالتهم، واعتبره أداة للحكم سابقاً، وليس للتنفيذ.

عاشت تونس على وقع احتجاجات شعبية واسعة خلال الأسابيع الأخيرة

احتجاجات لم يهدأ صخبها في الشارع التونسي، منذ الإعلان عن الحكومة، حيث شهدت ساحة "القصبة" بالعاصمة تونس، عشرات التظاهرات للعاطلين من العمل، وفي مقدمتهم المعلمين وأصحاب الشهادات العليا المشمولين بقانون الانتداب في الوظيفة العمومية، عقب الاحتقان الذي عاشته مدينة عقارب من محافظة صفاقس (وسط جنوبي تونس) للمطالبة بغلق مكب النفايات بالمنطقة حمايةً لصحتهم.

مؤشرات اجتماعية مقلقة

وتبلغ نسبة البطالة في تونس اليوم، حوالي 18 بالمائة، بينما يبلغ عدد التونسيين تحت عتبة الفقر بحسب المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية)، حوالي مليوني تونسي، من أصل 11 مليون نسمة، وتتفاوت بين الجهات وتتراوح بين 2 بالمائة وأكثر من 50 بالمائة في بعض المناطق الداخلية.

الوضع الاجتماعي التونسي المتأزم قد تفاقم كثيراً بفعل أزمة كورونا، التي أضرّت بالفئات الأكثر هشاشة، والتي كانت لديها انتظارات كبيرة، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد

ويرى الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أنّ هذه النسب تكرّس التفاوت الاجتماعي بين المحافظات، بسبب فشل السياسات الحكومية المتعاقبة منذ 2011، مشدّداً على أنّ التفاوت قد تعمّق كثيراً وأضرّ كثيراً بالجهات التي قامت الثورة على إنصافها.

وقال بن عمر لـ"حفريات"، إنّ الوضع الاجتماعي المتأزم قد تفاقم كثيراً بفعل أزمة كورونا، التي أضرّت بالفئات الأكثر هشاشة، والتي كانت لديها انتظارات كبيرة، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، والتي باتت تُعرف بقرارات 25 تموز (يوليو).

يرى الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أنّ هذه النسب تكرّس التفاوت الاجتماعي بين المحافظات

وتشمل هذه الفئات أغلب المعطلين عن العمل، وعمال الحظائر، والدكاترة المعطلين عن العمل، بحسب رمضان بن عمر، واصفاً خطوات الحكومة في هذا الشأن بـ"الخجولة"، خصوصاً أنّها لم تعلن عن برامج واضحة، ولا سياسات متوقعة.

اقرأ أيضاً: الإسلاميون في تونس وهواية ملاحقة الوهم

الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رجّح أيضاً أن تتخذ التحركات والاحتجاجات الحالية نسقاً تصاعدياً، على أن تختلف عن مظاهرات كل يناير، لأنّها امتدت إلى أغلب الجهات، ولم تقتصر فقط على العاصمة وبعض الجهات المهمشة.

اتفاقيات عالقة

ولم تنفذ الحكومات التونسية تعهداتها في كثير من الملفات، ومن بينها اتفاقية فض اعتصام "الكامور" الموقعة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، حيث أعلن ممثلو تنسيقية الكامور بمحافظة تطاوين جنوب تونس، الدخول في حركات تصعيدية من بينها غلق وحدة الضغط عدد 4 (الفانا)، وذلك وفق ما جاء في البند الأخير من الاتفاقية، والذي ينص على العودة إلى النقطة صفر في صورة إخلال أحد الطرفين بما اُتفق عليه.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي: الدولة ليست لقمة سائغة... ومتمسك بالدستور والحريات

كما نفذ مئات الحاصلين على شهائد جامعية من العاطلين عن العمل منذ أكثر من عشر سنوات، مظاهرات احتجاجية بأغلب محافظات البلاد، وأقدموا في مدينة القصرين (وسط غرب) على اقتحام مقر المحافظة، والاعتصام داخلها، تعبيراً عن رفضهم القاطع لقرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بعدم تفعيل القانون عدد 38 لسنة 2020، الخاص بانتدابهم في الوظيفة العمومية على دفعات.

توتر الوضع الاجتماعي بتونس

وكان الرئيس سعيد قد اعتبر أنّ "قانون الانتداب في الوظيفة العمومية، الذي وقعه السنة الماضية، وُضع كأداة للحكم واحتواء الغضب وهو ليس قابلاً للتنفيذ"، مؤكداً أنّه "لابد من انتدابات حقيقية تمكّن الشباب من خلق الثروة، في إطار قانون مختلف عن الأوهام الكاذبة".

اقرأ أيضاً: باحث تونسي يقارن بين "الموساد" و"النهضة" في التخلص من الخصوم

وينص القانون 38 لسنة 2020 على توظيف حاملي الشهادات العليا، الذين فاقت مدّة بطالتهم 10 سنوات، في الوظيفة العمومية مباشرة وعلى دفعات، غير أنّ رئيس الجمهورية اقترح صيغة تشغيل مختلفة، من خلال شركات أهلية خاصة.

تفقير وتهميش

وحرّك التهميش مدينتيْ منزل بوزيان والمكناسي التابعتين لمحافظة سيدي بوزيد، حيث تم إقرار يوم غضب، أغلقت خلاله كل المؤسسات العمومية والمرافق أبوابها، فيما قطع المحتجون الطريق في منزل بوزيان للتعبير عن استيائهم من مواصلة تهميش الجهة.

اقرأ أيضاً: الأمين العام لاتحاد الشغل يتعرض لتهديدات بالقتل.. هل تعود الفوضى إلى تونس؟

وأعلن "حراك 24 ديسمبر" في منزل بوزيان، في بيان له أنّ يوم الغضب يأتي على خلفية "ما يتعرّض له أبناء الشعب من تهميش ممنهج وتفقير مقصود، وأمام المماطلة التي تنتهجها كلّ السلطات منذ الثورة إلى اليوم، والتهرّب من محاضر الاتفاق على غرار ما يحصل لعمّال منجم فوسفات المكناسي وإخلال الدولة بكلّ اتفاقياتها معهم".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: ارتباك في ليبيا وأكاذيب في تونس وخطاب فارغ في الجزائر‎

وأكّد البيان أنّ هذا التحرك هو للتنديد بما يحصل كذلك لأبناء منزل بوزيان، والعبث بتضحياتهم على مدار سنوات، وما يتعرّضون له من مضايقات ومحاكمات وملاحقات أمنية، فيما أكد الناشط في الحراك الاجتماعي عبد الحليم حمدي أنّ وضع المكناسي ومنزل بوزيان وأغلب دواخل تونس، بقي على حاله برغم مرور حوالي 11 عاماً على الثورة.

الناشط عبد الحليم حمدي لـ"حفريات": "الحراك الاجتماعي لم ينقطع خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، بل أنّنا صرنا نطالب بالأساسيات كالماء الصالح للشرب، كما تعمّدت الدولة تفقير المزارع الفقير".

وقال حمدي في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ الشباب في هذه الربوع انتظر تغيير واقعه وأن تُفتح له الآفاق وفرص للعمل، لكن لا شيء قد تحقق، لافتاً إلى أنّ "الحراك الاجتماعي لم ينقطع خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، بل أنّنا صرنا نطالب بالأساسيات كالماء الصالح للشرب، كما تعمّدت الدولة تفقير المزارع الفقير".

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يتهم أطرافاً داخلية بالتآمر على مؤسسات الدولة.. ما القصة؟

عبد الحليم حمدي شدّد أيضاً على أنّه المناطق التي انتفضت ضدّ نظام بن علي صارت تعاني تصّحراً تنموياً كاملاً، وغياباً كلياً للرؤى الاقتصادية والاجتماعية، فلم تتحقق مطالب الشغل ولا التنمية، ولا الدولة قامت بدورها.

الحكومة عاجزة

وتواجه حكومة بودن تحديات مطروحة على المدى القصير أبرزها إعادة التوزان للمالية العمومية في ظل ارتفاع عجز الموازنة، ووجود حاجة ماسة لتعبئة موارد مالية جديدة، فيما دعاها الاتحاد التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) إلى ضرورة إيلاء أهمية قصوى للملف الاجتماعي جراء تفاقم البطالة وارتفاع معدل الفقر وتدهور القوة الشرائية.

اقرأ أيضاً: الأمن التونسي يحبط هجوماً إرهابياً... من هو منفذه

وبرغم التفاؤل الذي عقب لقاء جمع وفد عن الاتحاد العام التونسي للشغل بأعضاء الحكومة، حول بوادر توافق  في التفاوض حول الملفات العالقة بين الطرفين، وسط إشادات من المتابعين بهذا الانسجام الممهد لتأسيس تقارب في المواقف من أجل حلحلة الملفات الاجتماعية والحفاظ على مبدأ استمرارية الدولة، لا يزال الوضع غير مستقر، ومستقبل علاقات الطرفين غير واضح.

اقرأ أيضاً: هل تاجر حزب النهضة الإخواني بالجنسيات التونسية؟ تحقيق يطال موظفين في هذه الوزارات

ويستبعد المحلل السياسي بولبابة سالم أن تنجح الحكومة الحالية في حلحلة الملفات الاجتماعية المطروحة على طاولاتها، ولا إنقاذ الوضع الاقتصادي الذي تدهور بشكل كبير، معتبراً أنّ حكومة بودن في وضعية صعبة للغاية بسبب عجزها عن إيجاد حلول للمشاكل المطروحة.

يستبعد المحلل السياسي بولبابة سالم أن تنجح الحكومة الحالية في حلحلة الملفات الاجتماعية المطروحة على طاولاتها

ولفت سالم في تصريحه لـ"حفريات"، إلى صعوبة موقف الحكومة أمام الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات السابقة مع الأطراف الاجتماعية، ووعود التشغيل الكثيرة، إلى جانب المطلبية المتزايدة باستمرار، مؤكداً أنّ المؤسسات الدولية صارت تمتنع عن منح تونس قروضاً وهبات، بسبب الوضع السياسي الغامض.

اقرأ أيضاً: الباحثة التونسية بدرة قعلول لـ"حفريات": الغنوشي رجل مخابرات صنعته بريطانيا

وفي ضوء ذلك، لا يعتقد المحلل السياسي جمعي القاسمي أنّ هناك توجهاً جدياً نحو البدء في معالجة الملفات الاجتماعية العالقة، وذلك بحسب الاجتماعات الوزارية الجارية، مشيراً إلى أنّ التقديرات الأولية تدفع باتجاه مزيد من التفاقم الذي قد ينعكس في شكل احتجاجات وتحركات اجتماعية على مستوى الشارع.

لا يعتقد المحلل السياسي جمعي القاسمي أنّ هناك توجهاً جدياً نحو البدء في معالجة الملفات الاجتماعية العالقة

ويرى القاسمي بحسب تصريحه لـ"حفريات"، أنّه على الحكومة أن تبدأ فوراً في إيجاد حلول ولو مؤقتة للمشاكل الاجتماعية، بانتظار القيام بإصلاحات كبرى، من أجل احتواء ما قد يحصل ولو بشكل ظرفي، خصوصاً أنّنا في شهر يناير الذي سيشهد الاحتجاجات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية