هل يُمثّل وباء كورونا حقبة جديدة في التاريخ البشري؟

هل يُمثّل وباء كورونا حقبة جديدة في التاريخ البشري؟


21/03/2020

تجلّى التطوّر الحاسم في التاريخ البشري؛ بالقفزة التي قام بها الإنسان العاقل من "مرحلة الدفاع عن النفس" تجاه الوحوش والغرباء، إلى "مرحلة الهجوم" وشنّ الغارات و"حروب ما قبل التاريخ" التي تعود إلى أكثر من 10000 عام، حسب تقديرات علماء التاريخ والأنثروبولوجيا المعاصرين.

اقرأ أيضاً: "كورونا" بين الحقيقة والخرافة والمؤامرة
وفي هذه المرحلة؛ ركّز الإنسان على تطوير أدوات القتل والحرب وأخذ يتفنّن فيها ويستخدمها ضد كافة الأعداء سواء من البشر أو الحيوانات، إذ يدّعي علماء الأنثروبولوجيا أنّ تطوير وسائل رمي الرمح، وتقنيات صيد الكمائن جعل من العنف المحتمل بين أطراف الصيد مكلفاً للغاية، وهذا ما فرض التعاون والحفاظ على الكثافة السكانية المنخفضة لمنع المنافسة على الموارد، وقد يكون هذا السلوك هو السبب في تسريع الهجرة إلى خارج أفريقيا منذ نحو 1.8 مليون عام؛ كنتيجة طبيعية لتفادي الصراع.


واستمرّت هذه الفترة من "حروب ما قبل التاريخ" إلى ما بعد ظهور الإنسان العاقل منذ نحو 315000 عام، ولم تنتهِ إلا مع حدوث التحولات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالمدن والتحضّر، إذن؛ كان التحوّل الكبير الذي مرّ عبر عصور طويلة من التقدم مرهوناً بالوصول إلى مرحلة التمدّن والتحضّر؛ وبالتالي اجتماع الكثير من البشر في مكان مُحدّد وبشكلٍ دائم.

ركّز الإنسان سابقاً على تطوير أدوات القتل والحرب، وأخذ يتفنّن فيها ويستخدمها ضد كافة الأعداء سواء من البشر أو الحيوانات

وبالطبع، إنّ هذه المراحل من التقدّم والتطوّر المتفاوت عبر سيرورة الزمن؛ تعني مراحل وحقباً في سيرورة العولمة كما نعيشها اليوم، وهي لا تختلف أو تتمايز إلا بطول أو قصر هذه الحقب من سيرورة العولمة وما تحمله من تطورات وتسارع؛ خاصة في الآليات التكنولوجية.
لقد كانت الحرب بشكلٍ عام، وتطوّر تكنولوجيا الحرب بشكل خاص؛ المُحرِّكَ الأكبر لتقدّم الحضارات في التاريخ، وعلى الأغلب فإنّ معظم التكنولوجيا المدنية في الاتصالات والمواصلات والنقل والصناعة، والطب، بدأت في المختبرات العسكرية أولاً، ثمّ انتشرت بعد ذلك لتدخل في الاستخدام المدني وتطورت لاحقاً بتطور أساليب استخدامها.
أساليب الإرهاب  
يشتمل الإرهاب على مجموعة من التهديدات المعقدّة؛ منها الجريمة المنظمة في مناطق الصراع، والمقاتلين الإرهابيين الأجانب، و"الذئاب المنفردة " التي تشرّبت ثقافة التطرف، فضلاً عن أساليب الإرهاب المتعارف عليها في أدبيات الإرهاب؛ كاستخدام المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرات.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: متى تنتهي الأزمة وتعود الحياة إلى طبيعتها؟
ولا يخفى على خبراء ومنظري الإرهاب على حدٍ سواء؛ أنّ أساليب الإرهاب تتطوّر باستمرار وتتسارع مع تطوّر آليات العولمة التكنولوجية، وأنّ هذه التصنيفات لأساليب الإرهاب هي لغايات حصر ومتابعة خطره ومكافحته بعد أنّ تَعولَمَ وانتشر في كافة أنحاء العالم، وأصبح خطر حصول الجماعات الإرهابية على المواد الإرهابية "الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرات" خطراً حقيقياً، وبالتالي فهي لا تعني بالضرورة حصول مثل هذا النوع من الإرهاب في الماضي أو حالياً، لكنّ احتمالية حصوله في المستقبل ورادة جداً، وتحديداً الإرهاب البيولوجي الذي لفت أنظار العالم بعد انتشار وباء الكورونا.


ويُمكِنُ للاعتداءات الإرهابية التي تُستخدم فيها المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرات، أنّ تُخلّف تبعات كارثية تطال المجتمعات والبنى التحتية، وينطوي الإرهاب البيولوجي على إطلاق أو نشر عوامل بيولوجية عمداً؛ مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الحشرات أو الفطريات أو السموم، وقد تكون طبيعية أو مُعدّلة من قبل الإنسان، بنفس الطريقة في الحرب البيولوجية.

اقرأ أيضاً: ما التداعيات الجيوسياسية لوباء كورونا؟
وبحسب خبير الإرهاب الدكتور جاسم محمد؛ مدير "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، فإنّ الإرهاب البيولوجي هو الإطلاق المتعمد للفيروسات أو البكتيريا أو المواد السمية أو غيرها من العوامل الضارة الأخرى التي تُسبّب المرض أو الوفاة للبشر أو الحيوانات أو النباتات، وفق تعريف "الإنتربول" على موقعه الرسمي.

إنّ التحوّل الكبير الذي مرّ عبر عصور طويلة من التقدّم؛ مرهون بالوصول إلى مرحلة التمدّن وبالتالي اجتماع الكثير من البشر في مكان محدّد وبشكلٍ دائم

ويُمكنُ أن تأخذ الأضرار الناجمة عن مثل هذه الحوادث أبعاداً هائلة، وتُسبّب أمراضاً ووفيات واسعة النطاق، وتثير الخوف والذعر على نطاق عالمي. ومن الواضح أنّ الحاجة إلى إستراتيجيات منظمة للوقاية والتأهّب والمواجهة؛ ماسّة، لذلك نُلاحظ أنّ "الإنتربول" يقوم بتنفيذ عدد من المحاضرات وحلقات العمل والتمارين والتدريبات على كيفية التعامل مع الإرهاب البيولوجي؛ بهدف مواجهة هذا التهديد من خلال تزويد الأفراد المعنيين بمكافحة الإرهاب والاستخبارات والجريمة السيبرية بالمعارف والمهارات اللازمة لإجراء تحقيقات سرّية على الشبكة الخفية، الأمر الذي يزيد من كفاءة الأفراد لكشف وجمع الأدلة المرتبطة بانتشار المواد البيولوجية والكيميائية على الشبكة الخفية.
على سبيل المثال؛ ترمي إحدى حلقات العمل إلى احتواء التهديدات البيولوجية التي تطرحها العودة المحتملة للمقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى بلدانهم، وتشمل إعداد واعتماد آليات وقائية لضمان عدم نقل معارفهم المتعلقة بالأسلحة البيولوجية إلى جهات من غير الدول.

اقرأ أيضاً: هل لدى العرب والهنود والأفارقة مناعة ضد كورونا؟
وفي تمرين آخر؛ ركّز "الإنتربول" على المحاكاة في تحديد القدرات الحالية لأجهزة إنفاذ الوطنية؛ إذ تقوم البلدان، من خلال محاكاة حادث إرهابي بيولوجي، بتطبيق سياساتها وإجراءاتها المُتّبعة في هذا المجال، ويتيح ذلك للبلدان تقييم التنسيق بين الأجهزة الوطنية الرئيسية وتحديد مقتضيات التدريب الإضافية.
وفي إطار التدريب على إدارة مسرح جريمة بيولوجية؛ يتمُّ توجيه أجهزة إنفاذ القانون إلى كيفية التعرّف بشكل أفضل على مسرح جريمة بيولوجية، والتصدّي له وإدارته، حيث إنّ التدريب يغطي الجوانب الرئيسية؛ مثل التوعية بالحادث، وتبادل المعلومات والبيانات الاستخباراتية ذات الصلة، ورصد الحادث، فضلاً عن كيفية استخدام معدات الوقاية الشخصية، وجمع الأدلة، والعمل المرتبط بالأدلة الجنائية.

اقرأ أيضاً: "كورونا" امتحان عالمي وشخصي
ويرى "الإنتربول" أنّ التواصل مع العموم أثناء حادث بيولوجي أمر بالغ الأهمية؛ لضمان الاستقرار الاجتماعي والسماح لأجهزة إنفاذ القانون بالسيطرة على الوضع بشكل أفضل، وتُوجّه حلقة العمل هذه أجهزة إنفاذ القانون نحو الاعتبارات الرئيسية التي ينبغي مراعاتها قبل وقوع حادث بيولوجي وأثناء الحادث وبعده، وتشمل أيضاً نوع المعلومات التي ينبغي نقلها إلى الجمهور؛ استناداً إلى طبيعة التهديد والحادث.

اقرأ أيضاً: كورونا.. أسئلة مطروحة على "غوغل" واهتمامات العرب
ومن حلقات العمل المُهمة التي قام بها "الإنتربول"؛ "حلقة عمل بشأن المهارات في التحقيقات البيولوجية المشتركة"، حيث هدفت هذه الحلقة إلى تعزيز تبادل المعلومات والتعاون بين المحققين التابعين لأجهزة إنفاذ القانون، والمتخصصين في الصحة الحيوانية والبشرية؛ عند التصدّي لحادث بيولوجي. ومن خلال فهم أولوياتهم وقيودهم المختلفة؛ تصبح الجهود المشتركة في التحقيقات أكثر فعالية في احتواء الأوبئة البيولوجية وكشف هوية الجناة.
حقبة فيروس كورونا
لم يعد العالم بعد حقبة فيروس كورونا نفس العالم الذي نعرفه. فعالم اليوم هو؛ قبل كورونا، وبعد كورونا، تماماً كما كانت الكثير من الأحداث في العالم تصوغ بدايات ونهايات التاريخ، فقد كان انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي عام 1989؛ بداية حقبة جديدة وانطلاقة لسيرورة العولمة الحالية، أو نهاية التاريخ كما ادعى "فرانسيس فوكوياما" ذات يوم، وكان مخطئاً.

لا يخفى على خبراء ومنظري الإرهاب على حدٍ سواء أنّ أساليب الإرهاب تتطور باستمرار وتتسارع مع تطوّر آليات العولمة التكنولوجية

ثمّ بعد عقد من الزمان؛ جاءت هجمات أيلول (سبتمبر) عام 2001 الإرهابية، لتُشكّل بداية حقبة أخرى مختلفة، أعتقد أنّ حافتها قد انكسرت فقط مع ظهور فيروس كورونا في الصين بداية عام 2020، حيث يبدو العالم اليوم أكثر وحدة وتضامناً من أي وقت مضى. 
ولقد كان من المثير للدهشة قيام تنظيم داعش بتحذير مقاتليه والمتعاونين معه من السفر إلى الدول الأوروبية بعد انتشار الوباء فيها؛ فقد دعا تنظيم "داعش" الإرهابي مقاتليه إلى تجنّب المدن الأوروبية في الوقت الحالي خوفاً من إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، ووجّه التنظيم في أحدث إصدارات جريدته "النبأ"؛ تحذيرات لأعضائه من السفر إلى أوروبا التي تعاني من تفشّي الفيروس، وذلك من أجل الحفاظ على أرواحهم.


وحثّ "داعش" عناصره على الابتعاد عن "أرض الوباء" لتقليل خطر التعرّض للمرض القاتل الذي وصفه بالطاعون، قائلاً؛ "لا يجب أن يدخل الأصحاء أرض الوباء، ولا يخرج المصابون منه"، كما حث التنظيم أنصاره على غسل أيديهم وتغطية أفواههم عند التثاؤب والعطاس لمنع انتشاره، كما ذكر "أنّ الأمراض لا تعدي بذاتها ولكن بأمر الله وقدره"، معتبراً أنّ الفيروس "عذاب أرسله الله لمن شاء".

اقرأ أيضاً: كيف لوّث فيروس كورونا الاقتصاد العالمي؟
وفي بداية ظهور فيروس كورونا وانتقاله للعديد من الدول، أبدى تنظيم داعش الإرهابي سعادته بانتشار وتفشّي الفيروس في إيران، ساخراً من طريقة تعامل المسؤولين الإيرانيين في مواجهته، والتي وصفها بـ "الفاشلة".
ليس هناك حدود لعبقرية الإنسان وإمكانياته وتطوّر الجنس البشري والقفزات التي حققها عبر التاريخ، ولكنْ هناك حدود، ربما تكون وهمّية، لقدرته، وقد تجلّى ذلك في تسخير الإنسان العاقل لكل ما في الطبيعة لخدمته وخدمة أغراضه وأهدافه ورغباته، التي كانت تتطور باستمرار من خلال التجربة والتكرار وتراكم المعرفة.

دعا تنظيم داعش الإرهابي مقاتليه إلى تجنّب المدن الأوروبية في الوقت الحالي خوفاً من إصابتهم بفيروس كورونا المستجد

ولم يعد الحديث اليوم عن خطر فيروس كورونا خيالاً ومزحة يتناولها الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي، بل واقعاً صلباً ومرعباً، وفي الحقبة الحالية من العولمة يتحدّ العالم ضد هذا الوباء، لكنّ هذا لا يعني التعويل على حدود قدرات الجماعات الإرهابية أو الأفراد "الذئاب المنفردة" على استخدام الإرهاب البيولوجي فقط؛ إذ يجب أن لا يحجب عنا النظر في الخطر المحتمل الذي يمثله حصول هذه الجماعات الإرهابية على المواد البيولوجية.
ولذلك؛ يولي "الإنتربول" أهمية كبرى لخطر الإرهاب البيولوجي؛ فهو يرى أنّه في ضوء تزايد استخدام الشبكة الخفية لتنفيذ الأنشطة الإجرامية، بات الحصول على المواد البيولوجية والأسلحة والمعلومات المرتبطة بالإرهاب البيولوجي ونقلها وتهريبها دون حسيب ولا رقيب، خطراً ملحّاً أكثر من أي وقت مضى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية