وزير الخارجية التونسي الأسبق لـ "حفريات": النهضة نفذت جرائم دموية والغنوشي يحرّض على العنف

وزير الخارجية التونسي الأسبق لـ "حفريات": النهضة نفذت جرائم دموية والغنوشي يحرّض على العنف


01/08/2021

أجرت الحوار: حنان جابلي

أكد وزير الخارجية التونسي الأسبق، أحمد ونيس؛ أنّ القرارات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد، في 25 تموز (يوليو)، قرارات سياسية جريئة، استجاب فيها لما يتطلبه الواقع التونسي الذي يئنّ تحت الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأنّ صبر الشعب التونسي على سياسات حركة النّهضة، التي ارتكبت عدّة جرائم دموية وأخطاء وتجاوزات، قد نفد. داعياً، في حواره لـ "حفريات"، الحركة إلى العودة إلى حجمها الحقيقي، وألّا تمارس السياسة بأكبر من حجمها، واصفاً تصريحات الغنوشي الأخيرة بأنها تحريض صريح على العنف.

ويرى الوزير ونيس أنّ تركيا تقوم بحساباتها لاغتنام الفرصة من أجل القضاء على الحلم التونسي، وأنّ هناك أيضاً قوى أخرى ستظهر تدريجياً لا يناسبها نجاح تونس، واستغلّت نجاح أطراف إسلامية في الصعود إلى مواقع القرار في تونس لخلق تواجد لها في البلد.

هذا نصّ الحوار:

في البداية، كيف ترى ما حدث في تونس يوم 25 تموز (يوليو)؟

أحداث 25 تموز (يوليو) انطلقت منذ الصباح الباكر، عبر التحركات الشعبية والشبابية في كلّ محافظات البلاد، ضدّ تجاوزات الإسلاميين في الحكم، فضلاً عن سياساتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمعارك البرلمانية التي تسبّبوا فيها منذ 10 سنوات، ذلك اليوم اختُتم بوقفة من الرئيس، رأى فيها أنّ عليه أن يتخذ موقفاً على خلفية الاحتجاجات التي جابت تونس من شمالها إلى جنوبها، مع ضرورة أن يكون مناسباً للخروج من الأزمة السياسية في عمقها، وأركانها الاقتصادية والاجتماعية.

بالتالي، فإنّ يوم 25 تموز (يوليو)، بدأ بمظاهرات وغضب شعبي، وانتهى بتصويب مسار البلاد للاتجاه الصحيح.

هناك من يرى أنّ ما قام به قيس سعيّد تصحيح مسار ومن يراه انقلاباً على الدستور؛ كيف تراه أنت؟

 إذا تخلّينا عن الواقع السياسي الذي تعيشه تونس، وتجاهلنا الغضب الشعبي، والمعارك البرلمانية والانسداد الذي عطّل كل دواليب الدولة، ونظرنا إلى الأحداث من منظور نظري وقانوني بحت، فهو انقلاب؛ لأنّ الفصل 80 لا ينصّ على كلّ القرارات التي اتخذها قيس سعيّد، لكن إذا اعتبرنا الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمطالب الشعبية؛ فهو قرار سياسي جريء، فحياة الشعوب لا تسير فقط وفق المقاييس النظرية، بل تُصرف وتتقدم، وأحياناً بقرارات سياسية بعيدة عن كلّ ما هو نظريّ.

اعتباراً لما حدث من مستجدات؛ كيف تنظر إلى مستقبل تونس القريب؟

في الحقيقة، نحن ما نزال نحلم بالمستقبل الزاهر الذي تستحقه تونس وشعبها، وهذا الداعي القوي لإجماع الكبير بين جيل الاستقلال والأجيال التي خلفتها، نحن قمنا بالواجب حين استقلّت تونس من الاستعمار الفرنسي، وقمنا بإصلاحات عميقة باتجاه الحداثة والتخلّص من مظاهر التخلّف، وكنا على مستوى الحدث حين انطلقت شرارة الثورة، عام 2011، وهو ما وضع المجتمع في مجرى الحداثة تماماً، لكنّ الحزب (حركة النهضة)، الذي ادّعى طيلة السنوات الماضية تشبّثه بالمرجعية الدينية، وساهم في تسيير الدولة وتوجيه الحكم، أعاق كلّ مساعي المجتمع في التقدّم، ما فاقم الإحساس بالملل والتشاؤم لدى التونسيين، الذين خرجوا الأحد الماضي للمطالبة بمحاسبته.

الشعب التونسي أعطى فرصةً لحركة النهضة، التي تدّعي الديمقراطية ولا تمارسها، بالمشاركة في تسيير أموره وتحديد مصير بلاده، بحجم أكبر من حجمها الحقيقي، لكن اليوم يجب أن تعود هذه الحركة إلى حجمها الطبيعي وحدودها الحقيقية، على أن تبقى جزءاً من مكونات المجتمع بحجم أقل.

حسناً.. برأيك كيف ساهم المحيط العربي والإقليمي في أحداث 25 تموز (يوليو)؟

لا أعتقد أنّ محيط تونس له علاقة في الذي حدث يوم 25 تموز (يوليو)، أو في التحركات الاحتجاجية التي عاشتها البلاد، إنّما هي شعلة الثورة التي ظلّت في صدور التونسيين منذ 2011، عادت من جديد لتحجيم حركة النهضة، وإعادتها لحجمها الحقيقي، صحيح أنّ كلّ المجتمعات العربية شهدت هزّة لأنظمتها وسياساتها تأثراً بتونس عام 2011، لكنّ ما حدث في تونس كان تلقائياً ودون أيّ تأثير.

هل يعني هذا أنّه لا توجد محاولات للتدخّل في القرار التونسي؟

طبعاً هناك حسابات تُجرى حالياً في عدّة دول لاغتنام الفرصة من أجل القضاء على الحلم التونسي، وعلى مسار الديمقراطية في تونس، ومن خلالها العالم العربي الذي تتصدره تونس.

من هذه الدول؟

الواضح إلى حدّ الآن أنّ تركيا لا يعجبها ما يحدث في تونس بالمرّة، وقد عبّرت عن ذلك صراحةً، هناك أيضاً قوى أخرى ستظهر تدريجياً، لا يناسبها نجاح تونس، واستغلّت نجاح أطراف إسلامية في الصعود إلى مواقع القرار في تونس لخلق تواجد لها في البلد.

هل تعتقد أنّ ما حدث في تونس سيغيّر الخريطة الجيوسياسية وحلفاء تونس الحاليين؟

كي أكون صريحاً، لو أنّنا واصلنا بعد القرارات اتخاذ كلّ الإجراءات التي تتطلبها اللحظة؛ كتعيين رئيس حكومة، وتشكيل فريق جديد، وغيرها من الإجراءات، لنجحنا في كسب حلفاء جدد، وليس فقط الحفاظ على حلفائنا التقليديين، لكننا تخلّفنا كثيراً وأضعنا الكثير من الوقت، ولم نحسن استغلال اللحظة المباركة التي رحّب بها التونسيون. صحيح أنّ الأوان لم يفت بعد، لكن من الممكن خسارة ثقة بعض المانحين الدوليين.

هل ترى أنّ الوقت حان لتغيير النظام السياسي الذي أثار جدلاً منذ إعلانه؟

نعم، هذا وارد جدّاً، بل وضروري، وسيكون حظنا وقدرنا أن يتغيّر نظام الحكم، خصوصاً أنّ سعيّد، الذي انتقد النظام، أظهر قدرةً عاليةً على تصويب المسار، لكن لم يواصل بقية الإجراءات بالسرعة المطلوبة، ومع ذلك نحن بالانتظار.

حركة النّهضة حاولت في البداية التصدّي لقرارات سعيّد، لكن يبدو أنّها تراجعت؛ برأيك لماذا تراجعت؟ وهل تخطط لأمر ما؟

الحركة قيّمت الساحة يوم الأحد 25 تموز (يوليو)، بعدد المحتجين ومنسوب الغضب الشعبي، وتأكدت من أنّ الشعب قد سئم سياساتها وألاعيبها، ثم عاشت زلزالاً في نهاية اليوم عبر تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وبالتالي غلق مركز ضغطها، وتيقنت أنّ التصرّف السيادي الذي مارسته طوال عشر سنوات قد سُحب منها، فتحوّلت إلى حالة دفاع، وظلّ أمامها خياران لا ثالث لهما؛ إمّا أن تذهب في خيار العنف وتجنيد الشارع ولها القدرة على ذلك، أو أن تذهب في خيار المحاولات السياسية والفعل السياسي السليم، وقد اختارت الثاني، وهذا خيار ذكي جداً، ومن الممكن أن تنجح بفضله بالبقاء في المنظومة السياسية.

وزير الخارجية التونسي الأسبق: تركيا تقوم بحساباتها لاغتنام الفرصة من أجل القضاء على الحلم التونسي، وأنّ هناك أيضاً قوى أخرى ستظهر تدريجياً لا يناسبها نجاح تونس

ولا يجب الوثوق في تراجعها، فمن الممكن أن تعود للتصعيد، وأن تُحدث حريقاً في المجتمع، وأن تنظّم تحركات احتجاجية كثيرة لاستعادة حجمها، الذي لا يتجاوز بطبعه 25% من الناخبين.

برأيك.. ما الذي أوصل النهضة إلى هذه الوضعية؟ ولماذا تصاعد غضب التونسيين منها؟

النّهضة ارتكبت تجاوزات كثيرة وأخطاء عديدة، ونفّذت جرائم دموية؛ فنحن لم ننسَ ملفات الاغتيالات السياسية، وغيرها من الجرائم المتهمة فيها، والتي تسبّبت بأزمات كبيرة للبلد، وهو ما أفاض كأس صبر التونسيين عليها، وفرض عودة مقاييس الديمقراطية الحقيقية.

برأيك.. هل يمكن الوثوق فيها مرّة أخرى وإشراكها في المنظومة؟

أنا أثق في الإنسان بصفته إنسان، ولا أيأس معه مطلقاً، فأنصار الحركة منهم من له تفكير متحرّر وممكن أن يعود بحركته إلى المفهوم الصحيح للسياسة والديمقراطية، بالتالي، يمكن تحقيق الحلم التونسي بيسار البلد ويمينه.

ألا تعدّ تصريحات الغنوشي، التي ألمح فيها إلى إمكانية عودة العنف والإرهاب إلى الشارع التونسي، تحريضاً على العنف يستحق بسببها المحاكمة، خصوصاً أنّ الحصانة البرلمانية قد رفعت عنه؟

في الحقيقة، تصريحات راشد الغنوشي فيها تهديد واضح بالعنف، وفيها رسائل لسعيّد بأنّه إذا لم يعد خطوة إلى الوراء فإنّه سيلجأ هو وحركته إلى تهييج الشارع، وهذا يعني أنّه حالياً في موقع دفاعي ولا يستطيع فعل شيء، خصوصاً بعد الزلزال الذي حدّ من سيطرته على المشهد وهيمنته على الحكم، لكن، في اعتقادي، المعركة ما تزال سياسية، وما تزال في حدود التصريحات السياسية، ولم تصل بعد إلى المحاكمة.

وزير الخارجية التونسي الأسبق: تصريحات راشد الغنوشي فيها تهديد واضح بالعنف، وفيها رسائل لسعيّد بأنّه إذا لم يعد خطوة إلى الوراء فإنّه سيلجأ إلى تهييج الشارع

أعتقد أيضاً أنّ الغنوشي يعي أنّه لم تعد لديه القدرة على حشد الشارع، بدليل ما حصل يوم 25 تموز (يوليو)، والحضور الضعيف للنهضة مقابل أنصار قيس سعيّد، يعني أنّه لم يفقد سيطرته على الحكم والبرلمان فقط، بل أيضاً على الشارع.

ما السيناريوهات التي تراها ممكنة خلال الفترة القادمة؟

كلّ السيناريوهات ممكنة، لكنّني متفائل في أنّ تونس ستتجاوز هذه العقبة أيضاً، وستستعيد خطواتها بالاتجاه الصحيح، نحو إرساء الديمقراطية، وستكون المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني، الذين التقاهم قيس سعيّد وتشاور معهم خلال اليومين الماضيين، الضامن لنجاح التجربة التونسية، إلى جانب حرص المجتمع الدولي على مراقبة مستجدات البلد.

إذا ما سلّم قيس سعيّد الحكم لكفاءات قادرة على العمل والتجميع والتأليف بين مختلف الأطراف، وقادرة على المسك بزمام الأمور، سيستطيع إخراج البلاد من أزماتها

أتوقع أيضاً دخول تونس في إصلاحات دستورية ضرورية، لكنّ ذلك سيكون بعد تشكيل حكومة يختار سعيّد رئيسها، وسيقع إدخال إصلاحات على القانون الانتخابي، وهذا أمر مطروح بشدّة وضروري، لأنّ الرئيس تحدث دائماً عن عدم رضاه على بعض فصول الدستور.

سيناريو الفوضى أيضاً ممكن، فمن الوارد أن ترد الأطراف التي تضرّرت من قرارات الرئيس وفي مقدمتها حركة النهضة الفعل، ولن تقبل المسار الإصلاحي الذي سيمضي فيه سعيّد، رغم وجود جهات، في الداخل والخارج، ستحول دون نجاح هذا المخطط، بالتالي لن يحظى هؤلاء بالمساعدات التي يتوقعونها لتمرير برنامجهم.

هل تعتقد أنّ سعيّد سينجح في إنقاذ البلد من الأزمات التي تعصف به، بعد قراراته الأخيرة؟

نعم، هذا وارد جدّاً، والتاريخ مفتوح، والنخبة قائمة، وإذا ما سلّم قيس سعيّد الحكم لكفاءات قادرة على العمل والتجميع والتأليف بين مختلف الأطراف، وقادرة على المسك بزمام الأمور، سيستطيع إخراج البلاد من أزماتها، كما أنّ تونس لديها من القدرات البشرية والاقتصادية ما يخوّلها للنجاح وفي وقت قياسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية