وزير خارجية لبنان وقد فاض كأسه: "تخلصوا من حزب الله والشامبانيا علينا"

لا يؤخذ على محمل الهزل التصريحُ الأخير الذي جرى تسريبه، الأسبوع الماضي، لوزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب متحدثاً عن حزب الله ومخاطباً الأمريكيين: "تخلصوا من الحزب والشامبانيا علينا".

ما قاله بوحبيب، وكشفت عنه صحيفة "عكاظ" السعودية، كان مجرد دردشة مع صحفيين، ولم يتوقع الوزير اللبناني (الذي أخذ راحته كثيراً في الكلام)، أن يتسرّب التسجيل، وينشر على الملأ؛ فيتسبب بأزمة سياسية أخرى تضاف إلى الأزمة المتدحرجة التي فجّرها وزير الإعلام جورج قرداحي بتصريحاته، (قبل أن يُوزّر)، عن الحرب التي يشنها التحالف العربي لردع المليشيات الحوثية المدعومة من إيران والتي انقلبت على الشرعية في اليمن.

ما قاله بوحبيب الذي بدا أنه كان شديد الاطمئنان لمحاوريه كلام يدور كل يوم في الخفاء، والجميع يعرفه جيداً، فالأمريكيون يعرفونه، والسعوديون، واللبنانيون أيضاً. الجميع يدرك الضرر الذي يسبّبه حزب الله للدولة اللبنانية، وللداخل اللبناني السياسي والاقتصادي والأمني، وللعلاقات اللبنانية العربية والدولية، ويدركون أيضاً ضعف الدولة أمام هذا الواقع. ما قاله بوحبيب هو أنّ "المملكة العربية السعودية تحمّل لبنان ما لا قدرة له على احتماله، أي مواجهة حزب الله..".

تقليم أظافر حزب الله

الأمريكيون أيضاً يدركون أيضاً هذه المعضلة، ويعون أنّ عزل لبنان بهذه الطريقة وحصاره إنما يدفعه إلى أحضان حزب الله ومن خلفه إيران، لذا يحاول الأمريكيون، كما أفاد موقع "المدن"، التعامل مع الأمر الواقع المفروض على الأرض، وهو أنّ "حزب الله الآن هو الحزب الأقوى، حصار لبنان لن يساهم سوى في زيادة قوته، الحل بالنسبة إليهم هو إن كانوا عاجزين عن إزالته، فعلى الأقل يقلّمون أظافره بهدوء".

كيف لدولة تحترم سيادتها أن ترضى بوجود ميليشيا تخوض معارك خارج الحدود في سوريا واليمن وغيرها وتنشئ فروعاً مسلحة في دول العالم، لتحقيق مصالح راعيها الإقليمي إيران؟

ولا يعني الهدوء الذي تتعامل به الإدارة الأمريكية مع ملف حزب الله أنها تتغاضى عن تقييمها إليه بصفته أكبر تهديد لأمن لبنان واستقراره، فقد أكدت الناطقة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جيرالدين غريفيث، أنّ حزب الله هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى مفاقمة أزمات لبنان، ويتزايد اعتراف العالم بحقيقته كلّ يوم. فهو ليس مدافعاً عن لبنان كما يزعم، "إنّما هو منظمة إرهابية مكرّسة لتنفيذ أجندة إيران". ولفتت في تصريح صحفي، إلى أنّ أنشطة الحزب الإرهابية وغير المشروعة هي التي تهدّد أمن لبنان واستقراره وسيادته، فهو أكثر اهتماماً بمصالحه ومصالح إيران الراعية له، من اهتمامه بمصالح الشعب اللبناني، وأنّ أنشطته "الإرهابية والاقتصادية المشبوهة" زادت من معاناة الشعب اللبناني.

وتؤكد التقارير الصادرة من عدة أطراف عربية ودولية أنّ أي حل لا يشمل سلاح حزب الله وتنمّرَ هذا التنظيم، ولا يضع حداً لشهوة الحزب التوسعية، لن يفضي إلى حل، بمعنى حل دائم يتمكن من خلاله لبنان من استعادة أنفاسه والوقوف على قدميه.

المسكّنات لم تعد تنفع

وترى قراءات سياسية أنّ الجولات التي يبذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العائد لبيروت بعد مشاركته في قمة المناخ بمدينة غلاسكو، لن تثمر بشكل يضمن الاستقرار إذا لم يتفق اللبنانيون على مواجهة حزب الله ووضع حد لاستفزازاته.

وتقول التقديرات إنّ أزمة قرداحي ومن بعده أزمة بوحبيب قد يتم محاصرتها، وقد يجري حقن لبنان بمصل مسكّن ريثما تمر العاصفة، لكنّ الأزمات البنيوية التي سببّبها حزب الله لن تتوقف، وسيبقى التصدّع قائماً.

اقرأ أيضاً: 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن هذا القيادي من حزب الله

القوى السياسية اللبنانية في مجملها تدعو إلى محاصرة نفوذ حزب الله وسلاحه وقوننة ذلك، وفتح آفاق للعلاقة مع الخارج العربي، وبخاصة الخليجي. وفي هذا السياق جاءت مطالبة المطارنة الموارنة، نهاية الأسبوع الماضي، بضرورة الإسراع في ترميم العلاقات مع دول الخليج وإزالة أسبابها، منتقدين تعطيل عمل الحكومة.

وفي بيان لهم إثر اجتماعهم الدوري برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي، أكد المطارنة الموارنة أنّ "ظروف البلاد المأساوية كانت تقتضي أن تتألف حكومة بمنأى عن التسييس، مهمتها الأساسية استجابة الشروط الدولية الموضوعة لمساعدة لبنان، ولا سيما البدء بتنفيذ الإصلاحات على كل صعيد. إنه من المعيب حقاً تحوّل التماسك الوزاري تعطيلاً للسلطة الإجرائية وزيادة في شلل البلاد ونزيفها. وإنّ أبسط موجبات المسؤولية الوطنية الترفع عن الخلافات السياسية والإقبال على العمل الدؤوب تنفيذاً للبيان الذي نالت الحكومة الثقة على أساسه".

ودعا المطارنة "المسؤولين في الدولة إلى الإسراع في ترميم العلاقات مع دول الخليج، وإزالة أسباب الأزمة، وعودة حركة التصدير والاستيراد معها".

استقالة قرداحي أولاً

من جهته، انتقد مسؤول الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور، مقاربة السلطة في لبنان للأزمة مع الخليج، مؤكداً أنّ الخطوة الأولى التي كان يفترض أن يقوم بها لبنان على الأقل كبادرة حسن نية هي استقالة قرداحي. وقال جبور لصحيفة "الشرق الأوسط": "كان المطلوب من اللحظة الأولى، ولإظهار حسن النية والحرص على العلاقات العربية، دعوة صارمة لاستقالة قرداحي، وفي حال لم يستجب أن تلتئم الحكومة بمعزل عن انقسام مكوناتها لإقالة الوزير". وشدد على أنّ "المطلوب بإلحاح هو استقالة الوزير ومن ثم ألا يبقى لبنان منصة لاستهداف الدول الخليجية أو إطلاق المواقف السياسية (ضدها) أو إبقاء الحدود المفتوحة للمخدرات وللخلايا الأمنية التي تُدرّب في لبنان لاستهداف الدول الخليجية وغيرها".

النائب المستقيل ميشال معوض: لم يعد ينفع استقالة وزير من هنا أو وزير من هناك. المطلوب إسقاط منظومة متكاملة لسلطة يديرها حزب الله وتتبنى سياساته العدائية

ورأى جبور أنّ "الفريق السياسي في لبنان إما أنه يفتعل عن سابق تصوّر وتصميم أزمة من أجل عزل لبنان عن رئته الخارجية الأساسية، أو أنه لا يستحق أن يكون في الموقع الموجود فيه"، مضيفاً أنّ "التعامل مع هذه الأزمة أظهر مرة جديدة أنّ الفريق الحاكم غير مؤهل ليكون في الموقع الذي تبوأه". ووصف ما يحصل بـ"الكارثة الكبرى، حيث إنّ الفريق الحاكم لا يقدّر ماذا يعني قطع العلاقات الخارجية ومصلحة لبنان والشعب ولا يكترث لمستقبل لبنان، ولا يدرك أهمية علاقات مع محيطه وما قدمته المملكة إلى لبنان سياسياً واقتصادياً وغيرها". وتابع: "إننا أمام واقع يستدعي انتفاضة وثورة والذهاب إلى تغيير السلطة".

وكتب النائب المستقيل ميشال معوض عبر حسابه على "تويتر": "‏وكأنها لم تكن تكفينا تصريحات جورج قرداحي لتأتي التسريبات الصادمة لعبد الله بو حبيب (وزير الخارجية)، لم يعد ينفع مع مثل هذه الحكومة استقالة وزير من هنا أو وزير من هناك وبات المطلوب استقالة أو إسقاط منظومة متكاملة لسلطة يديرها (حزب الله) وتتبنى سياساته العدائية ضد المصالح اللبنانية وتتسبب بعزلته".

الكتائب: حزب الله يريد عزل لبنان

من جهته، أكد المكتب السياسي لحزب الكتائب في اجتماعه الدوري أنّ "الأزمة التي اندلعت بين لبنان ودول الخليج ليست بنت لحظتها ولا تلخّص بكلام وزير الإعلام، بل هي نتيجة مسار من التنازلات والمساومات أقدمت عليها المنظومة وانتهت بالاستسلام التام لإرادة (حزب الله)، عبر انتخاب حليفه لرئاسة الجمهورية (الرئيس ميشال عون) وتغطية الحكومات المتعاقبة التي خضعت لإرادته، ومنحه مع حلفائه الأكثرية النيابية عبر قانون انتخاب فُصّل على هذا المقياس".

اقرأ أيضاً: عن مشكلة "حزب الله" مع العدالة...

ورأى حزب الكتائب أنّ "حزب الله وبعدما سيطر على القرار السياسي في البلد، بدأ تنفيذ أجندته بعزله عن العالم وإبعاده عن أصدقائه وتغيير وجهه التاريخي، بهدف استخدامه ورقة تفاوض، فكيف لدولة تحترم سيادتها أن ترضى بوجود ميليشيا تخوض معارك خارج الحدود في سوريا واليمن وغيرها وتنشئ فروعاً مسلحة في دول العالم، لتحقيق مصالح راعيها الإقليمي إيران، فيما أهل البلد يهجرون وتتم ملاحقتهم في الدول التي لجأوا إليها".

ورفض حزب الكتائب ما وصفه بـ"منطق الرضوخ لمحاولة (حزب الله) إنجاز وضع اليد على الدولة"، ورأى أنّ "الحل الفوري لاستعادة لبنان من حكم الميليشيا وتواطؤ المافيا، هو بإعطاء الأولوية المطلقة لعملية الانتخابات، عبر حماية دولية تؤمن انتقالاً سلمياً للسلطة، فلا يكون تهرباً منها لا بالمماطلة ولا بالردود ولا بالطعون، وتقع على عاتق اللبنانيين، في لبنان والاغتراب، مسؤولية كبيرة لاختيار ممثلين وطنيين، سياديين، كفؤين وقادرين على تقديم بديل جدي، لبناء لبنان الجديد".

اقرأ أيضاً: تحقيقات المرفأ: هل تسعى الحكومة لحل لا يغضب حزب الله؟

التطورات المقبلة ستحمل المزيد من المفاجآت، لكنها لن تكون في صالح لبنان، ما دام حزب الله يسيطر على مقادير الأمور فيه، وفي هذا يقول الكاتب السعودي فهد سليمان الشقيران: "على من اختار إيران أن يذهب معها، ويقتدي بتجربتها، وأن يطلب دعمها، وأن يرسل محازبيه للعمل هناك والإقامة هناك، والدراسة هناك، بخاصة حزب الله والتيار الوطني الحر".

اقرأ أيضاً: في ظل احتكام حزب الله إلى السلاح... هل ينعش اللبنانيون ثورتهم؟

 وتابع: "ساسة لبنان هم من اختاروا إيران؛ العماد ميشال عون قالها قبل تولي السلطة إنه من المحور الإيراني. جبران باسيل رفض إدانة التدخل الإيراني في الشؤون العربية؛ رفض إدانة استهداف مصافي (أرامكو)، رفض إدانة العدوان الحوثي على السعودية، بالطبع إدانته ليست قيمتها منه هو، بل من ما يمثله منصبه السياسي؛ الذي شغله كبار رجالات الدولة في لبنان قبل أن يصبح منصباً بلا جدوى".