..وقطاع غزة أيضاً يضيق باللاجئين السوريين

غزة

..وقطاع غزة أيضاً يضيق باللاجئين السوريين


09/07/2019

في العام 2012، وبعد احتدام الأزمة السورية؛ ترك مدينته حلب، وأصوات البراميل المتفجّرة تنشر الرعب في كلّ مكان، مهاجراً إلى مصر، بحثاً عن الأمان، لكنّ الظروف الحياتية في القاهرة لم تمكنه من البقاء فيها، الأمر الذي دفعه للبحث عن مكان آخر، لعله يحقق أحلامه، ويعيش حياة كريمة بعيداً عن الحروب.

منذ اندلاع الحرب في سوريا قدمت إلى قطاع غزة ٢٨ عائلة سورية الأصل في محاولة لإيجاد ملاذٍ آمن للعيش

وبعد عدة محاولات، تمكّن المواطن السوري، أبو أحمد (48 عاماً)، من دخول قطاع غزة عبر الأنفاق الأرضية التي حُفرت لنقل البضائع من الجانب المصري إلى قطاع غزة، وتم تخصيص جزء منها للأفراد، فكانت رحلته، هو وعائلته المكونة من خمسة أفراد، مليئة بالمخاطر.
يقول أبو أحمد، لـ "حفريات": "نعيش في قطاع غزة منذ سبعة أعوام، وفي الفترة الأخيرة أصبحنا نعاني الويلات، فنحن هربنا من "موت أكبر" إلى "موت أصغر"، فالحياة في غزة مغموسة بالإرهاق والانتظار المتعب، فلم نكن نتوقع أن نعيش بتلك الأوضاع المتردية نتيجة الحصار والبطالة، التي ارتفعت إلی ٥٢% بين سكان القطاع".

اقرأ أيضاً: لاجئون فلسطينيون في ذكرى النكبة يقاومون النسيان بسلاح الأمل
وبعد تردّي الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، أصبح أبو أحمد وسواه يفتقدون إلی أدنى مقومات الحياة؛ الأمر الذي دفع غالبية السوريين إلى مغادرة القطاع، "لا نمتلك بيوتاً، ولم نحصل على بدل إيجار، سواء من الحكومة الفلسطينية أو من مؤسسات أخرى، ولم نتمكن من الحصول على وظائف في القطاع الحكومي، فقرار قدومي إلى غزة كان من أسوأ القرارات التي اتخذتها في حياتي".

أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة
ويلفت أبو أحمد إلی أنّه بالكاد استطاع الحصول على فرصة في مجال عمله (المحاسبة)، ليستطيع سدّ رمق أطفاله، ودفع إيجار منزله، لافتاً إلی أنّه يسعى لمغادرة قطاع غزة، ليتوجه صوب إحدى الدول الأوروبية "لعلّه يجد حياة كريمة على عكس الحياة في قطاع غزة".
التعايش مع الغزيين
من جهته، يقول الشيف السوري وريف قاسم، لـ "حفريات": "أعيش في قطاع غزة منذ سبعة أعوام، وعملت في طهي الطعام، المهنة التي توارثتها عن أجدادي، والغزيّون تقبلوا وجودنا بينهم، وشعرنا أننا داخل سوريا، لكنّ الظروف القاسية التي مرّ بها القطاع خلال الأعوام الماضية أثرت علينا كثيراً".

اقرأ أيضاً: السوريون في لبنان بين الخطاب العنصري والترحيل الممنهج

ومنذ اندلاع الحرب في سوريا قدمت إلى قطاع غزة ٢٨ عائلة سورية الأصل، في محاولة لإيجاد ملاذٍ آمن للعيش داخل القطاع، "إلا أنّ ضبابية الواقع السياسي والاقتصادي حالت دون تحقيق ذلك، فهناك ٢٠ عائلة بأكملهم مضطرون إلى مغادرة غزة متجهين نحو الدول الأوروبية، بحثاً عن الأمن والسلام اللذين لم يجدونهما داخل الدول العربية، فلم يبقَ سوى ثماني عائلات، لديهم رغبة الهجرة خارج حدود غزة"، كما يقول قاسم الذي يشدد على أنّ السوريين في قطاع غزة عانوا ويلات الحصار، وتأثروا من الانقسام الفلسطيني بين حركتي "فتح وحماس"، وارتفاع نسبة البطالة، فهم بالكاد يستطيعون تأمين لقمة العيش "المغمسة بالعناء تارة، والذلّ تارة أخرى".
لاجئ سوري: الحياة في غزة مغموسة بالإرهاق والانتظار المتعب‎

سجن كبير
تمكّن السوريون الأصليون من العيش في قطاع غزة، وأسسوا مشاريع تجارية ومطاعم ونقلوا ثقافة الطعام الشامي إلی القطاع، إلا أنّ الأزمات الاقتصادية والأوضاع السياسية والحروب التي تعرض لها القطاع على مدار الأعوام الماضية غيرت واقعهم، وشعروا بأنهم في سجن كبير، وذلك بحسب الشيف قاسم.

تمكّن السوريون الأصليون من العيش في قطاع غزة، وأسسوا مشاريع تجارية ومطاعم ونقلوا ثقافة الطعام الشامي إلی القطاع.. ولكن!

وإلى جانب السوريين الأصليين، الذين لجأوا إلى قطاع غزة هرباً من الحرب الدائرة في سوريا، هناك عدد من الفلسطينيين أنفسهم، الذي لجأوا إلى الأراضي السورية، بعد تهجيرهم قسراً عام 1948، وأقاموا في مخيمات اللجوء السورية التي يقدّر عددها بـ 12 مخيماً.
وتعدّ سوريا من أهم الدول التي لجأ إليها الفلسطينيون بعد النكبة، عام 1948، وقُدرت أعداد الفلسطينيين الذين وصلوا إليها آنذاك بـ 85 ألف لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكان الجزء الشمالي من فلسطين، خاصة صفد وحيفا ويافا، وسط ظروف معيشية أفضل بكثير من بعض الدول العربية، ولكن الأزمة الراهنة دفعت الكثير منهم إلى مغادرتها والبحث عن مكان أكثر أمناً.

اقرأ أيضاً: الهلال الأحمر الإماراتي يواصل توزيع "كسوة الشتاء" على اللاجئين السوريين
محمود أبو ندی (42 عاماً) مدرس لغة عربية، لجأت عائلته من مدينة صفد الفلسطينية قسراً، عام ١٩٤٨، إلی سوريا لتسكن في مخيم اليرموك، وفي نهاية عام ٢٠١٣؛ لجأ هو وأسرته، المكوّنة من أربعة أشخاص، إلى قطاع غزة، بعد تدمير مكان سكنهم بالكامل.
أبو ندى أبلغ "حفريات": "لم تكن لديّ رغبة في الخروج من سوريا، إلا على مدينة صفد، التي هُجِّرت منها عائلتي، ولكن الظروف كانت أقوى مني، فالحرب أجبرتنا علی المغادرة دون تفكير، فبعد قضاء عدة أيام في مصر، توجهت إلی قطاع غزة، بواسطة الأنفاق الأرضية، قبل تدميرها من قِبل الجانب المصري".
الشيف السوري وريف قاسم مع عاٸلته في غزة

رحلة شاقة وغريبة
وبعد رحلة سفر شاقة وغريبة "وصلت وعائلتي إلی قطاع غزة. في البداية حصلت علی فرصة عمل مؤقتة في حكومة حماس، وسكنت في بيت للإيجار، وبعد عام ونصف العام لم يُجدَّد العقد، بذريعة الأزمة المالية التي تمر بها الحكومة، وبعد ذلك عملت مدرساً في إحدى المدارس الخاصة".
ويردف: "الراتب الذي أحصل عليه لا يلبي جزءاً من احتياجات عائلتي، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لم تقدم لنا المساعدات التي قدمتها لنا فور وصولنا إلی القطاع، فأحلامنا تبددت وأوضاعنا المعيشية ازدادت سوءاً".
ويعرب أبو ندى عن رغبته في مغادرة قطاع غزة، للبحث عن مكان يحقق فيه أحلامه، هو وعائلته، بعيداً عن الأزمات والقتل والتدمير، لكنّه لن يتمكن من ذلك في الوقت الراهن لعدم امتلاكه المال الكافي للسفر.

اقرأ أيضاً: تركيا ترحّل لاجئين سوريين لإثبات روايتها بمحاربة الإرهاب!
وتعليقاً على ذلك، يقول رئيس هيئة تنسيق اللاجئين السوريين في غزة، محمود أبو شاويش: "تمكّن ما يقارب 500 شخص من فلسطينيي سوريا، الذين كانوا يسكنون في مخيمات اللجوء، ويحملون وثائق سورية، من الدخول إلی قطاع غزة، عبر الأنفاق الأرضية والمعابر الحدودية، وأوضاعهم المعيشية في غاية الصعوبة، لعدم امتلاكهم الهوية الفلسطينية والتأمين الصحي".
ويضيف: "لا يحقّ لفلسطينيي سوريا الحصول علی وظائف حكومية حال توفرها، إضافة إلی حرمان الكثير منهم من الحصول علی خدمات وكالة الغوث الدولية، وعدم تمكنهم من الالتحاق بالمدارس؛ حيث إنّهم يتمنّون العودة إلی مخيمات اللجوء في سوريا، بسبب سوء الأوضاع المعيشية في غزة".
ويوضح أبو شاويش؛ أنّ "اللاجئين الفلسطينيين الذين قدموا من سوريا يعيشون تحت خطّ الفقر، ودخل الفرد لا يتجاوز خمسة دولارات باليوم الواحد، ويوجد بينهم من لا يمتلكون بيوتاً، ويقطنون عند أقاربهم"، لافتاً إلی أنّ "عدداً كبيراً منهم تركوا القطاع خلال الأعوام الماضية، وهاجروا هرباً من الحياة المأساوية في غزة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية