3 أساليب يستخدمها أردوغان لقمع الصحافة

3 أساليب يستخدمها أردوغان لقمع الصحافة


22/04/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


وفقاً لتقرير "هيومن رايتس ووتش" العالميّ (2019)، فقد فُصِل 130,000 موظّف عام بعد انقلاب عام 2016 بسبب ارتباطهم المزعوم بجماعات إرهابيّة، لا سيّما حركة فتح الله غولن الدّينيّة. وغولن، الّذي يعيش في منفاه في الولايات المتّحدة، يتّهمُه أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب.
وكانت وزارة العدل التّركيّة قد صرّحت أنّ ما يقرب من خُمس إجمالي نزلاء السّجون التّركيّة، بداية من حزيران (يونيو)، جرى اتّهامهم أو إدانتهم بارتكاب جرائم إرهابيّة. واتّهم آخرون بـ"إهانة الرّئيس".
وتقول إيما سنكلير-ويب، مديرة القسم التّركيّ في هيومن رايتس ووتش: "هناك أزمة في حرّيّة التّعبير في تركيا تعود لفترة طويلة مع وجود العديد من الملاحقات القضائيّة الّتي تطال الصّحافيّين على مرّ السّنين". وتضيف: "لقد وصلت تركيا الآن إلى نقطة حيث ثمّة إغلاق كلّيّ للوسائل الإعلاميّة النّقديّة".

هناك أزمة في حرّيّة التّعبير في تركيا
وكانت منصّة الصّحافة المستقلّة، وهي منظّمة مجتمع مدنيّ غير هادفة للرّبح وتعمل لدعم وتشجيع الاستقلاليّة التّحريريّة في الصّحافة التّركيّة، قدّرت عدد الصّحافيّين والعاملين في مجال الإعلام المسجونين بـ 159 شخصاً. والعديد من هؤلاء رهن الحبس الاحتياطيّ. وتحتفظ منصّة الصّحافة المستقلّة بقاعدة بيانات للصّحافيّين المسجونين والمباني الإعلاميّة المغلقة (193) وتنشر تحديثات يوميّة عن حالة العديد من الصّحافيّين وراء القضبان وقضاياهم أثناء تنقّلهم عبر النّظام القضائيّ التّركيّ.

العديد من الصّحف والمحطات التّلفزيونيّة المؤثّرة مملوكة الآن لأشخاص أو شركات صديقة لحزب العدالة والتّنمية الحاكم

وفي شباط (فبراير)، حُكِم على الأخوين أحمد التان ومحمّد التان، وكلاهما كاتب ومعلّق، وزميلتهما نازلي إليجاك، بالسّجن مدى الحياة دون الإفراج المشروط بتهم تتعلّق بالانقلاب. وقد أُفرج عن محمّد التان بكفالة، في حزيران (يونيو)، بعد أن أمرت المحكمة الدّستوريّة التّركيّة والمحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان بالإفراج عنه. ويظلّ كلّ من أحمد التان وإليجاك وراء القضبان. كذلك، تجري محاكمة الصّحافيّ التّركيّ جان دوندار غيابيّاً أثناء وجوده في منفاه في ألمانيا. وأُطلِق سراح الصّحافيّ الألمانيّ-التّركي دنيز يوجال في شباط (فبراير) 2018 بعد قضاء عام خلف القضبان. وقد عاد يوجال، وهو مراسل لدى صحيفة دي فيلت الألمانيّة، الآن إلى ألمانيا ويعتزم مقاضاة تركيا للمطالبة بتعويض عن "احتجازه غير القانونيّ".
وفي 9 كانون الثّاني (يناير) 2019، قضت محكمة في إسطنبول بسجن صحافيّة شبكة دويتشه فيله، بيلين أونكر، 13 شهراً و15 يوماً، بالإضافة إلى غرامة قدرها 8,600 ليرة تركيّة (1,370 يورو، 1,570 دولار) بتهمة "إهانة مسؤول عام والتّشهير به". ومن خلال اشتغالها على معلومات أُفرِج عنها ضمن "أوراق بنما"، كانت أونكر قد نشرت تحقيقاً، في صحيفة جمهوريّة ذات الميول اليساريّة، كشفت فيه أنّ رئيس الوزراء السّابق، بن علي يلدرم، وولديه مقيّدان بخمس شركات خارجيّة في مالطا. وهي ما تزال حرّة في انتظار حكم الاستئناف.

بيلين أونكر

اقرأ أيضاً: "الأردوغانية" بدأت في إسطنبول فهل تنتهي فيها؟
وبعد وقت قصير من اعتقالها، أخبرت أونكر دويتشه فيله: "لقد توقّعنا هذا النّوع من الأحكام". وأضافت: "كان من المتوقّع بالفعل في اليوم الأخير من المحاكمة أن تكون هناك عقوبة. وفي الواقع، كان هناك دائماً شعور بأنّ الدّفاع لا معنى له. لقد كان الحكم متوقّعاً. وهنا، ما كان يُعاقب هو الصّحافة نفسها".

هيومن رايتس: الآلاف من الأشخاص في تركيا واجهوا تحقيقات جنائيّة وملاحقات قضائيّة بسبب منشوراتهم على مواقع التّواصل

وأحد الضّحايا الرّئيسين للحملة على وسائل الإعلام هو الشّعب التّركيّ نفسه، الّذي صار أمام عدد أقلّ من الأصوات النّقديّة. ولم تُغلق حكومة أردوغان وسائل الإعلام فحسب، بل قامت أيضاً بحملة "توحيد إعلاميّ". فالعديد من الصّحف والمحطات التّلفزيونيّة المؤثّرة مملوكة الآن لأشخاص أو شركات صديقة لحزب العدالة والتّنمية الحاكم، والّذي يُعتبر أردوغان جزءاً منه.
وفي آذار (مارس) 2018، صنّفت منظّمة "مراسلون بلا حدود" عمليّة بيع أكبر مجموعة إعلاميّة في تركيا، وهي شركة دوجان ميديا، لصالح شركة ديميرورن القابضة المؤيّدة للحكومة، بـ"موت التّعدديّة الإعلاميّة في تركيا". وشملت الصّفقة صحيفة حُرّيّة اليوميّة وقناة سي إن إن تورك الإخباريّة (والأخيرة عبارة عن مشروع مشترك مع شبكة سي إن إن).
ويقول إيرول أوندروغلو، ممثّل تركيا في مراسلون بلا حدود: "الحكومة تتمتّع الآن بالسّيطرة الكاملة على وسائل الإعلام 2019... ووسط حملة غير مسبوقة على المجتمع المدنيّ والمعارضة السّياسيّة، لم يعد هناك سوى حفنة من الصّحف منخفضة التّداول تُقدّم بديلاً عن دعاية الحكومة".
وبالرّغم من القمع الّذي يطال الأصوات المستقلّة، يواصل الصّحافيّون أداء عملهم. وقد قُبض على الصّحافيّ المستقلّ تونجا أوغريتن في عام 2015 مع خمسة صحافيّين آخرين ووجهت إليه تهمة "منع أو تعطيل نظام تكنولوجيا المعلومات، وتعديل أو إتلاف البيانات" و"ارتكاب جريمة نيابة عن منظمة إرهابيّة غير منتسب إليها". وكانت الاعتقالات مرتبطة بنشر مقال يحتوي على رسائل إلكترونيّة مسرّبة من البريد الإلكترونيّ لوزير الطّاقة بيرات البيرق. ويواصل أوغريتن نشر قصصه الصّحافيّة، بما في ذلك قصصاً يرسلها لخدمة دويتشه فيله التّركيّة، لكنّه يعترف بأنّ الجوّ يجعل من الصّعب عليه القيام بوظيفته.

ويقول: "الصّحافيّون يشعرون بالاكتئاب والتّوتر، ونكتب جميعاً تحت إحساس بالخوف. لكن هذه هي وظيفتنا والبعض منّا يواصل كتابة الحقيقة". ويضيف: "لكن إذا استخدمت أيّ كلمة لانتقاد الحكومة أو أردوغان، يمكن أن توضع في السّجن. أيّ كلمة!"
هذا الخنق للصّحافة النّقديّة له آثار حقيقيّة خارج عالم وسائل الإعلام. فوفقاً لسنكلير-ويب من "هيومن رايتس ووتش"، تؤدّي هيمنة وسائل الإعلام الموالية للحكومة على المجال العام إلى ساحة لعب غير متكافئة.

اقرأ أيضاً: أردوغان والإعلام والأنا المتضخمة
وتقول: "المسألة ليست ما إذا كان النّاس لا يكتبون أشياء نقديّة ولكن إلى أيّ حدّ تتوسّع هذه الأصوات". وتضيف: "عليك أن تعرف المواقع الإلكترونيّة الّتي يجب أن تتصفّحها [لمعرفة وجهة نظر مغايرة] ولا يعرف الجميع أين يجدون ذلك".
والصّحافيّون ليسوا الوحيدين المحتجزين بسبب انتقاداتهم للحكومة أو احتجاجهم عليها علانية. ينصّ تقرير "هيومن رايتس ووتش" المشار إليه على أنّ "الآلاف من الأشخاص في تركيا قد واجهوا تحقيقات جنائيّة وملاحقات قضائيّة بسبب منشوراتهم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ". وقد قامت الحكومة أيضاً بحظر عدّة مواقع إلكترونيّة - بما في ذلك ويكيبيديا - وإزالة محتوى العديد من المواقع الأخرى.
إنّ الحملة على حرّيّة التّعبير وحرّيّة وسائل الإعلام تعني أنّ العشرات من الصّحافيّين والكتّاب والمفكّرين والأكاديميّين يجدون أنفسهم إمّا وراء القضبان أو متّهمين بارتكاب جريمة أو تحت سحابة من الشّكّ يمكن أن تؤدّي فيها أيّ خطوة خاطئة إلى الاعتقال. وقد غادر الكثيرون تركيا وما زالوا يقدّمون تقاريرهم الصّحافيّة من الخارج بينما عدّل الّذين بقوا في الدّاخل روتينهم المهنيّ ليوافق هذا الواقع الجديد.


المصدر: أولي تاغن الصغير، دويتشه فيله



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية