إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية في القرن الإفريقي: إنه وقت المصالحة

القرن الإفريقي

إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية في القرن الإفريقي: إنه وقت المصالحة


10/09/2018

تشهد منطقة القرن الإفريقي تغيرات إستراتيجية متلاحقة، تهدف لإعادة ترتيب منطق التحالفات الإقليمية. فمنذ المصالحة التاريخية بين الجارتين؛ إريتريا وإثيوييا في تموز (يوليو) الماضي، تسارعت وتيرة الزيارات الثنائية المتبادلة بين قادة دول المنطقة، في ملمحٍ جديد يشير إلى تشكيل المنطقة وفق أسس جيواستراتيجية جديدة.

آخر فصول تلك المساعي، الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى إريتريا الثلاثاء الماضي، بعد عودته من المنتدى الصيني الإفريقي الذي انعقد الأسبوع الماضي في بكين، وقد تبعه إلى أسمرة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، وعقد زعماء الدول الثلاث قمّة استمرت يوماً واحداً.

اقرأ أيضاً: مَن يسعى لزعزعة الاستقرار في إثيوبيا والقرن الإفريقي؟

ولم تُكشف أجندات القمة، لكنّ مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، أعلن أنه قضى هو والوفد المرافق له في يومهم الأول برنامجاً حافلاً بالنشاط، بدأت بزيارة لميناء عصب، ومن ثم معاينة طريق عصب السريع الذي يرتبط بالحدود الإثيوبية، كما قام الوفد بجولة في منياء مصوع، لمعاينة السفينة الإثيوبية التي فازت بالمناقصة لتصدير الزنك الذي ينتجه منجم بسشا في إريتريا لأول مرة.

القمة التي جمعت كلاً من زعماء الصومال وإريتريا وإثيوبيا

كما أجرى رئيس الوزراء الإثيوبي مباحثات مع الرئيس أفورقي، لتقييم وتسريع تنفيذ بنود الاتفاق التاريخي، الذي قررت فيه إثيوبيا وإريتريا في التاسع من تموز (يوليو) الماضي، إنهاء حالة العداء التي استمرت 20 عاماً بين البلدين. وخلال زيارته، شارك رئيس الوزراء الإثيوبي في إعادة فتح سفارة بلاده في أسمرة.

بات من الواضح أنّ منطقة القرن الإفريقي تتجه إلى إعادة ترتيب منطق العلاقات البينية فيما بينها

وتعتزم إريتريا تحسين علاقات النقل بينها وبين إثيوبيا من خلال تحديث طريق يمتد من مينائها في عصب إلى البلدات الحدودية مع إثيوبيا. وحسبما أفاد التلفزيون الإريتري الرسمي، الأربعاء الماضي، تجري خطط لتحديث الميناء في عصب، وتوسيع الطرق التي يربطها ببلدة بوري الحدودية الإثيوبية إلى أربعة ممرات، علماً بأنه يوجد حالياً ممران بريّان فقط لم يتم استخدامهما لمدة عقدين.

افتتاح السفارة الإثيوبية في أسمرة

أما الرئيس الصومالي، فظهر فور وصوله إلى أسمرة وهو يوقّع اتفاقات مع الزعيمين؛ الإريتري والإثيوبي، وهي اتفاقات وُصفت بأنها تعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية، دون ذكر تفاصيل محددة.

وكان الرئيس الصومالي زار العاصمة الإريترية قبل نحو شهرين، على رأس وفد رفيع، بدعوة من نظيره الإريتري، وأمضى 3 أيام بعد قطيعة بين البلدين دامت نحو 15 عاماً.

اقرأ أيضاً: هل ستنجح إثيوبيا بإنهاء حالة الحرب مع جارتها إريتريا؟

ويرى بعض المراقبين أنّ الاهتمام الصومالي المفاجئ بإريتريا لا يستند إلى أية رؤية إستراتجية ذاتية، بقدر ما هو تبعية لإثيوبيا وتنفيذ لأجنداتها في المنطقة.

صعود إريتريا

من الواضح لمتابعي الشأن في القرن الإفريقي، سواء تعلَّق الأمر بالعلاقات بين دوله، والنزوع الواضح نحو تحسين العلاقات البينية، أو بالسباق الدولي نحو النفوذ في البحر الأحمر، أنّ دول القرن الأفريقي ومحيطها الإقليمي تعرف اصطفافات بدأت محاورها تتشكَّل بصورة علنية، وأضحت إريتريا تلعب أدواراً بارزة في هذه الاصطفافات.

ظهرت قبل أسابيع بعض الإشارات إلى وجود تحركات تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجيبوتيين والإريتريين

في أول الأمر، بزرت إريتريا بحكم موقعها الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر والقريب من باب المندب، كعنصر فاعل في لعبة التحالفات الإقليمية في المنطقة في أعقاب العمليات العسكرية باليمن، والتي يقوم بها التحالف المكون من 10 دول بقيادة السعودية، وأصبح البحر الأحمر أولوية بالنسبة لدول الخليج، ليس من أجل تطويق الحوثيين والحد من سبل إمدادهم عبر البحر، بل أيضاً من أجل توسيع النفوذ الإستراتيجي ووضع اليد على المنافذ البحرية التي تمر عبرها نسبة كبيرة من النفط والغاز.

اقرأ أيضاً: دور الإمارات في تسريع المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا

أظهرت إريتريا تفاعلاً مع هذا الاهتمام الإقليمي بالقرن الإفريقي، وأظهرت اصطفافها العلني إلى جانب الإمارات والسعودية. وجاءت المصالحة التاريخية مع إثيوبيا، تتويجاً للمسعى الرامي إلى إعادة تأهيل إريتريا، وقد توالت منذ ذلك الحين الدعوات المنادية للمجتمع الدولي بهدف رفع العقوبات عن إريتريا.

سياسة إثيوبيا الإقليمية

أما تحركات إثيوبيا في المنطقة، فتهدف في المقام الأول إلى تنويع فرص وصولها إلى المنافذ البحرية في المنطقة، لتأمين مصالحها الاقتصادية الإستراتيجية. ومع ازدياد حجم الشحنات السنوية من البضائع العابرة، تسعى إثيوبيا إلى توفير طرق بديلة من جيبوتي.

رئيس إريتريا: هذا هو موسم السلام في القرن الإفريقي، ويجب أن يكون السلام شاملاً للجميع

كما تهدف أيضاً إلى التوصل مع سلام دائم مع الجبهات المسلحة التي لطالما آوتها الجارة إريتريا خلال حربهما الباردة الطويلة. وأعلنت الحكومة الإثيوبية، مؤخراً، أنها توصلت إلى اتفاق مع مجمل الحركات المعارضة الرئيسية بشأن نزع السلاح منها وتسريحها وإعادة إدماجها.

وتواصلت عودة جماعات معارضة مسلحة إلى البلاد، وآخرها جماعة "باتريوتك جينبوت 7" ، التي عادت السبت الماضي من قاعدتها في منطقة تيغراي الشمالية التي تشترك في حدود طويلة مع إريتريا. وأظهرت الصور التي شاركتها قناة "فانا" مقاتلين سابقين في شاحنات تحمل أعلاماً إثيوبية وإريترية.

جماعة "باتريوتك جينبوت 7" التي عادت مؤخراً من قاعدتها في منطقة تيغراي الشمالية

وفي ظل إدارة آبي أحمد، تم العفو عن  أندرغاشو تسجي، وهو أحد مسؤولي الجماعة، الذي كان ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بحقه. كما التقى رئيس الوزراء الإثيوبي مع زعيم آخر للجماعة في خلال زيارته للولايات المتحدة الشهر الماضي، هو برهانو نيغا.

وسبق ذلك، تصويت البرلمان الإثيوبي في تموز (يوليو) الماضي على رفع اسم الحركة من قوائم الإرهاب، كم رُفعت من قوائم الإرهاب بشكل مماثل كل من جبهة تحرير أورومو ((OLF  وجبهة تحرير أوغادين ((ONLF. وأعلنت جميع تلك الجماعات والحركات المسلحة وقف إطلاق النار وتعليق عملياتها المسلحة.

بين جيبوتي وإريتريا

جيبوتي، في ظل هذه المعادلة، أضحت الطرف الأضعف في عملية إعادة ترتيب التحالفات الجارية في المنطقة. وكانت جيبوتي أبدت احتجاحاً علنياً على الصومال، في أُثناء زيارة الرئيس الصومالي إلى إريتريا الشهر الماضي، حين طالب برفع العقوبات عن إريتريا.

اقرأ أيضاً: خطوة الإمارات في إثيوبيا

وبرّرت جيبوتي اعتراضها بعدم اهتمام الرئيس فارماجو بالدفع باتجاه حل نزاعها الحدودي مع إريتريا أثناء سعيه لاستعادة العلاقات مع أسمرة. وقالت السفارة الجيبوتية في مقديشو إنّ بلادها "صدمت بشدة" من نداءات الرئيس محمد عبدالله فارماجو بإزالة العقوبات.

وترجع القيود الاقتصادية المفروضة على إريتريا منذ العام 2009 إلى رفض أسمرة لسحب القوات من حدودها المتنازع عليها، وإلى دعمها المزعوم لجماعة الشباب التي تنشط في الصومال.

وجاء في بيان سفارة جيبوتي: "من غير المقبول رؤية دعم الصومال الشقيق الأعمى لإريتريا التي تحتل جزءاً من أراضينا ولا تزال تنكر وجود سجناء جيبوتيين". وأضافت: إنها لن "تتسامح مع تلك المواقف بينما أبناؤنا يقاتلون لاستعادة السلام والاستقرار في الصومال". في إشارة إلى المساهمة الجيبوتية، إلى جانب أوغندا وكينيا وبوروندي وإثيوبيا، في تشكيل بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام التي يبلغ قوامها 20.000 جندي المتواجدة في الصومال (أميسوم) لدعم الحكومة المحلية في  قتالها ضد حركة الشباب.

احتجت جيبوتي على اصطفاف الصومال مع إريتريا ضدها

ويعود الخلاف الحدودي بين إريتريا وجيبوتي إلى ما قبل استقلال البلدين، حول جبل وجزيرة دوميرا؛ إذ نصت اتفاقية أبرمتها فرنسا وإيطاليا اللتان كانتا تستعمران البلدين، على أنّ الجزيرة منطقة بلا سيادة ومنزوعة السلاح، وفي العام 2008 اندلعت اشتباكات بين الجنود الإريتريين والجيبوتيين، واتهمت جيبوتي وقتها إريتريا باحتلال جبل وجزيرة دوميرا.

وظهرت قبل أسابيع بعض الإشارات إلى وجود تحركات تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الجيبوتيين والإريتريين. وكانت إحدى تلك البوادر، الزيارة التي قام بها وزير خارجية جيبوتي إلى إثيوبيا لإيصال رسالة من الرئيس غيلة إلى رئيس الوزراء الإثيوبي لطلب الوساطة مع إريتريا.

اقرأ أيضاً: عودة روسيا العظمى عبر بوابة القرن الإفريقي

وأعربت إثيوبيا عن استعدادها للإسهام في تطبيع العلاقات بين إريتريا وجيبوتي، وفي خطوة عملية لذلك المسعى، زار جيبوتي الخميس الماضي، وزراء خارجية كل من إريتريا وإثيوبيا والصومال، وهي أول مرة يزور جيبوتي مسؤول إريتري رفيع المستوى منذ أكثر من عشرة أعوام.

ونقل وزير خارجية إريتريا، عثمان صالح، رسالة من الرئيس أسياس أفورقي إلى نظيره الجيبوتي يقول فيها إنّ "هذا هو موسم السلام في القرن الإفريقي، ويجب أن يكون السلام شاملاً للجميع". وقد استقبل الوفد من قبل العديد من كبار الوزراء. وقال وزير الإعلام الإريتري يماني ميسكيل إنّ غيله أبلغ الوفد أنّ "جيبوتي مستعدة للمصالحة".

لأول مرة منذ أكثر من 10 أعوام يزور جيبوتي مسؤول إريتري رفيع المستوى

في محصلة هذه التحركات، بات من الواضح أنّ منطقة القرن الإفريقي تتجه إلى إعادة ترتيب منطق العلاقات البينية فيما بينها وتحسينها والدفع بها إلى حد الشراكة الاقتصادية والأمنية، والرابحان الأبرزان من هذه العملية هما إثيوبيا والنظام الإريتري الذي عاد إلى الساحة بقوة، بينما تبدو جيبوتي وكأنها بدأت تستوعب الدرس، وتفادت بأعجوبة الوقع في عزلة إقليمية بقبولها المصالحة مع إريتريا بدون شروط، أما الصومال فتتسم سياستها الخارجية بالضبابية والتبعية لإثيوبيا، وليس من الواضح الموقع الفعلي لها من عملية الترتيب الجارية في القرن الأفريقي، والتي ستنعكس آثارها في المستقبل القريب، ومن لا يسارع إلى ذلك سيفوته القطار!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية