حظر النقاب في أوروبا... هل هو حرب على المظاهر الإسلامية؟

حظر النقاب في أوروبا... هل هو حرب على المظاهر الإسلامية؟


12/08/2018

على عادتنا، نحن العرب والمسلمين، في الاهتمام الفائق بأمور هامشية، وإهمال الأمور الأكثر أهمية، تبرز من آن إلى آخر قضايا كاشفة لأولوياتنا واهتماماتنا، بعد أن حفرنا لأنفسنا مكاناً مستحقاً في قاع الأمم، وفي سلّم الحضارة.

من بين تلك القضايا التي قتلت بحثاً، لكنّنا لم نفقد حماسنا بعد لإعادة تدويرها مع غيرها من القضايا الهامشية؛ قضية النقاب، وهل الحظر الأوروبي الأخير الذي انطلق من إحدى الدول الإسكندنافية، وهي الدنمارك، تجاه النقاب وفرض عقوبة مالية على من ترتديه في الأماكن العامة، تتراوح بين 160$ إلى 1500$، هو شكل من أشكال حصار المظاهر الإسلامية؟ أم هو لون من ألوان التنظيم القانوني للمجتمع الأوروبي، بحسب ما يريده الضمير الأوروبي، لا الضمير العربي والإسلامي؟ بالطبع، فنحن نتحدث عن ضيوف، حتى إن نالوا جنسية تلك البلاد.

بداية، ربما لم تنتبه أوروبا لكلّ تلك المظاهر، ولم تعادِها، قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولم يشكُ أحد من تمييز سلبي تجاه العرب والمسلمين قبل تلك الأحداث الكارثية.

الأمر سياسي أكثر منه ديني؛ لذا حرص بعض دعاة الإسلام السياسي مبكّراً على وضعه في الواجهة، كمادة دعاية وتعبئة

لو ناقشنا قضية النقاب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، أعني داخل دولنا، فالأمر متباين إلى حدّ بعيد، تتدخل فيه عوامل السياسة والاجتماع، واحترام العادات والتقاليد، مع الحرص على التأكيد أنّ كفالة الحرية في النقاب، لا تعني قناعة هذه الدولة أو تلك بفرضيته.

الأمر، فقهياً، يخضع لرأي سلفي قاطع بحرمة كشف الوجه والكفين، بالنسبة إلى المرأة، وأبرز تلك الفتاوى بالطبع؛ فتوى الشيخ ابن باز، الذي يرى أنّ النقاب فرض على النساء في غير الحج والعمرة؛ لأنّه ستر لهنّ عن الفتنة، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}؛ فالحجاب أطهر لقلوب الرجال وقلوب النساء، وأعظم ما في المرأة من الزينة وجهها؛ فالواجب هو ستره، والتنقّب بالحجاب الساتر حتى لا تفتِن، ولا تفتَن"، لن نناقش الفتوى بالطبع، وهل هي اختيار اجتماعي يتم إلباسه لباس الدين، أم العكس؟ لكنّنا فقط نؤكد، جرياً مع نفس المنطق الفقهيّ، أنّ المسألة عند جمهور الفقهاء تبدو مختلفة عمّا ذهب إليه؛ يرى الجمهور أنّ عورة المرأة كلّ جسدها، عدا الوجه والكفّين، أي أنّ الوجه والكفين يجوز كشفهما.

ليس من حقّنا أن ننكر على القوم ما يرونه محققاً لأمنهم ونقول لدعاة الإسلام السياسي: اهتموا بالجوهر لا بالشعارات

القضية خلافية، إذاً، والمشقة تجلب التيسير، فإذا كان واقع المرأة والمجتمعات اليوم يجعل هذا الاختيار الشخصي محققاً لعنت أو مشقة، سواء لمن ترتديه، أو للمجتمع الذي انفجرت أوضاعه، ولم يعد يحترم هذا الزيّ، فتخفّى فيه البعض للسرقة أو الاحتيال أو الإرهاب؛ فالأولى أن تكتفي المنتقبة بزيّ محتشم، يستثني الوجه والكفين، وهو ما يقول به، كما أسلفنا، جمهور واسع حول العالم الإسلامي، سواء علماء الأزهر في مصر، أو علماء الزيتونة في تونس، والقرويون في المغرب، وعدد غير قليل من علماء باكستان والهند وتركيا؛ بل حتى من غلاة السلفيين، الشيخ ناصر الدين الألباني، في كتابه "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنّة"، يرى أنّ الوجه والكفين ليسا بعورة.

اقرأ أيضاً: الإسلام في أوروبا: هل يحتكر الإسلام السياسي تمثيل المسلمين؟

أعتقد أنّ الأمر سياسي أكثر منه ديني؛ لذا كان حرص بعض دعاة الإسلام السياسي مبكّراً على وضعه في الواجهة، كمادة دعاية وتعبئة، وشكل من أشكال تمايز ما يسمى بالصف الحركي؛ لذا ليس غريباً أنّ أوّل من قالوا بفرضية النقاب؛ أبو الأعلى المودودي، في كتابه "الحجاب".

الأمر له مستويان: الأوّل في مجتمعاتنا، وقد تكفلت المجامع الفقهية ببيان الأمر فيه، أما في أوروبا فليس من حقّنا، فيما أظنّ، أن ننكر على القوم أن يشرّعوا لأنفسهم ما يرونه محققاً لأمنهم وسلمهم الاجتماعي، أما الدعاية التي يطلقها بعض دعاة الإسلام السياسي، الذين يطيب لهم أن يركبوا كلّ موجة بالحديث عن مؤامرة تستهدف الإسلام والمسلمين، وما يسمَّى بالمظاهر الإسلامية، فنقول لهم: بالله عليكم، اهتموا بالجوهر، وقدّموه، وتخلّوا قليلاً عن الشعارات والرموز، التي لم تستدع سوى سلوكيات غريبة، أساءت إلى الدين، وإلى دولنا ومجتمعاتنا، بجريرة أفعالكم.

الإسلام مليء بالقيم التي تتجاوب مع الفطرة الإنسانية ولا تصطدم مع قانون أو عرف فلماذا يصرّ البعض على الصدام؟

لفتني في حيثيات حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في تأييد حظر النقاب في بلجيكا؛ أنّ "الانسجام المجتمعي أهم من حقّ الفرد في التعبير عن دينه".

ما يدحض أنّ في الأمر مؤامرة غربية؛ هو هذا التباين في موقف أوروبا من القضية؛ حيث يسرى حظر كلّي أو جزئيّ في فرنسا وأستراليا وبلغاريا وولاية بافاريا الألمانية، بينما بقيت العديد من الدول غير مهتمة بالموضوع.

حتى تلك القوانين الغربية التي حظرت، لم تذكر النقاب أو البرقع صراحة؛ بل نصّت على أنّ أيّ شخص يرتدي شيئاً يغطى وجهه في مكان عام، سيعاقب بالغرامة، رجلاً كان أم امرأة.

اقرأ أيضاً: الإسلام والمجتمعات المسلمة في أوروبا: التاريخ والإطار القانوني والمنظمات

الإسلام مليء بالقيم والرموز والإشارات، التي تتجاوب مع الفطرة الإنسانية، ولا تصطدم مع قانون أو عرف، لماذا يصرّ البعض على الصدام الذي لا يعني سوى الحدّية في التصوّر والسلوك، بما يخلق الخوف من الدين، والدين لم يأتِ ليخيف الناس؛ بل ليجعلهم أكثر أمناً وسعادة؟!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية