وفاة إمام عبدالفتاح.. ناسك الفلسفة وإمامُ الترجمة

وفاة إمام عبدالفتاح.. ناسك الفلسفة وإمامُ الترجمة


19/06/2019

وسط زحمة الحياة التي طالما زهد فيها وربأ بنفسه أن تشغله عما نذر عمره له، رحل أمس الثلاثاء، إمامُ الترجمة العربية وعاشق الفلسفة إمام عبدالفتاح إمام بعد فترة مرض قصيرة، عن عمر ناهز ٨٥ عاماً.

اقرأ أيضاً: طيب تيزيني.. شاهد على "موت الإنسان" وسوريا الجريحة

أثار إمام، المولود بالشرقية العام 1934 لوالد من علماء الأزهر، الاستغراب بكم الأعمال الكثيرة التي ارتبطت باسمه بما ينوء به رجل واحد، فقد أصدر ما يقرب من مائة كتاب ما بين تأليف وترجمة ومراجعة، ومن أشهر مؤلفاته: "المنهج الجدلي عند هيجل"، "مدخل إلى الفلسفة"، "أفكار ومواقف"، "تطور الجدل بعد هيجل" (3 أجزاء)، "الديمقراطية والوعي السياسي"، "كيركجور، رائد الوجودية"، جزءان، "هوبز فيلسوف العقلانية"، "الطاغية" عدة طبعات، "الأخلاق والسياسة"، و"معجم ديانات وأساطير العالم".

ظل إمام مخلصاً لنصيحة أستاذه زكي نجيب محمود: ليكن المعجم أقرب شيء إلى يدك

كما أشرف عضو الجمعية الهيجلية بكندا واتحاد كتاب مصر على ترجمة موسوعة "كوبلستون" الصادرة عن المركز القومي للترجمة والتي تعد الأهم في تاريخ الفلسفة الغربية، وترجمَ بعض أجزائها.

الحيرة التي يثيرها الرجل حد التشكيك بنسبة كل هذه المنجزات إليه سرعان ما تتلاشى حين يدرك من لم يعرفه كيف عاش هذا العاشق للكتاب؛ فهو يقول في آخر مقابلاته إنّه بعد أن بلغ من العمر عتياً لم يكن له أي هواية أو عادة تشغله عن الورقة والقلم، وأكد أنّه لم يجلس يوماً على مقهى مستغرباً ممن يضيعون الساعات فيه، "ليس لي في الدنيا سوى فوضى مكتبي.. أنام مبكراً وأصحو في الرابعة أو الخامسة وبعد إفطاري أنكب على مكتبي.. ولا أشاهد التلفاز إلا لماماً.. حياتي كلها هي الكتب".

ارتبط اسم إمام، في بداية حياته الفكرية، بترجمة أعمال الفيلسوف الألماني هيج

ارتبط اسم إمام، في بداية حياته الفكرية، بترجمة أعمال الفيلسوف الألماني هيجل، منذ أن نال درجة الماجستير من آداب القاهرة، وكان موضوعها "المنهج الجدلي عند هيجل" العام 1968، كما نال درجة الدكتوراه من آداب عين شمس وموضوعها "تطور الجدل بعد هيجل" بمرتبة الشرف الأولى العام 1972.

اقرأ أيضاً: رحيل برنار دادييه أعظم كتّاب ساحل العاج

تنقّل إمام عبد الفتاح مدرساً لمادة الفلسفة بين جامعات جامعة القاهرة وعين شمس، والمنصورة، والزقازيق الكويت، وطرابلس، وكلية الدعوة الإسلامية- وجامعة سبها بليبيا، وأشرف وناقش العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة.

بعد مسيرته الأكاديمية الحافلة اكتفى الراحل في السنوات الأخيرة بالعمل في الترجمة والإشراف على مترجمين شباب أنجزوا سلسلة "أقدم لك" للمجلس الأعلى للثقافة، التي صدر منها حتى الآن ما يقرب من سبعين عدداً.

 

 

رغم خبرته الواسعة في مجال الترجمة التي بدأت منذ المرحلة الجامعية، ظل إمام عبدالفتاح حتى آخر أيامه مخلصاً بتواضع لنصيحة أستاذه زكي نجيب محمود "ليكن المعجم أقرب شيء إلى يدك، ولا تقل لنفسك أنا أعرف هذا المصطلح، وقد سبق لي ترجمته".

الحيرة التي يثيرها إمام حد التشكيك بنسبة كل هذه المنجزات إليه تتلاشى حين يدرك المرء كيف عاش هذا العاشق للكتاب

يقول إمام إنّ أول صدمة صادفها في عالم الترجمة ذلك "القول المحبط"، على حد تعبيره، "كل مترجم هو خائن"، وهو يعارض تعميمه بشدة مؤكداً صعوبة قبوله بحجة أنّ المترجم لن يستطيع أن يكون موضوعياً ودقيقاً؛ بحيث ينقل إلى لغته روح النص الأصلي الذي يقوم بترجمته، "ما دام لم يحرّف في الترجمة أو يخطئ في النقل".

في كتابه الشهير "الطاغية"، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، ثم في كتابه "الأخلاق.. والسياسة"، يلخص إمام عبد الفتاح رويته الفلسفية للسياسة التي تميل إجمالاً إلى المنهج الوسطي الواقعي الذي يفرق بين الأخلاق والسياسة دون التقليل من أهمية كل منهما أو إنكار الاتصال والتعاون بينهما؛ "الحكم لا يستقيم أبداً طالما تداخلت معه أمور من قبيل الدولة الدينية، والمستبد العادل.."، مؤكداً  "مازلت أؤمن إيماناً راسخاً لا يتزعزع أنّ تردي الأوضاع العربية يعود بالدرجة الأولى للنظام السياسي وليس إلى الأخلاق كما يظن البعض ولا إلى الدين كما يتوهم البعض الآخر".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية