هل مثلت جماعة الإخوان المسلمين حاجزاً في وجه التطرف؟

هل مثلت جماعة الإخوان المسلمين حاجزاً في وجه التطرف؟

هل مثلت جماعة الإخوان المسلمين حاجزاً في وجه التطرف؟


10/03/2024

يقدّم الإخوان المسلمون أنفسهم، في كثير من الأحيان، خاصة في الخطاب الموجَّه إلى الحكومات والغرب، على أنّهم يمثلون حاضنة للاعتدال، ويحولون دون انضمام الشباب المتديّن إلى الجماعات المتطرفة، وأنّ وجودهم كان ملاذاً للمتديّنين المعتدلين، الذين لولا الجماعة لكانوا جزءاً من التطرف.

اقرأ أيضاً: ماذا تعني المصالحة في الذهنية الإخوانية؟
وفي خطاب سابق، لم يعد الإخوان المسلمون يتحدثون به؛ بل صاروا يستحون منه؛ كانوا يقدّمون أنفسهم على أنّهم خطّ مواجهة ضدّ الشيوعيين والجماعات اليسارية والقومية، التي كانت تمثّل تحدياً للحكومات والعالم الغربي الرأسمالي، لكن وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ونهاية الحرب الباردة في صيغتها الأيديولوجية، القائمة على شيطنة الشيوعية، أصبحت تجربة المواجهة مع الشيوعية تاريخاً مخجلاً للإخوان المسلمين، يتبرّؤون منه أحياناً، ويعتذرون عنه أحياناً أخرى.

الإخوان المسلمين لم يقدموا خطاباً يذكَر في الدعوة إلى التسامح والمحبّة ونبذ الكراهية بل العكس هو الصحيح

والحال أنّ الجماعات اليسارية كانت ممتدة ومؤثرة في المنظمات الشبابية والنقابية في العالم العربي، وتحظى بتأييد واسع بين الشباب، ولم تنجح كلّ جهود الجماعة، كما الحكومات المعادية للشيوعية، في هزيمتها أو إضعافها، لكنّها انهارت من داخلها، ولأسباب ذاتية متصلة بتجربتها وتطبيقاتها المعادية للحريات والنزعات الإنسانية، وعلى أيّة حال؛ إن كان انحسار الشيوعية فضيلة أو مكسباً للأمم، فلا فضل فيه للإخوان المسلمين، مع العلم أنّ كثيراً من الجماعات والدول والطبقات، ومنها الإخوان المسلمون أنفسهم، يدركون اليوم أنّ هزيمة الشيوعية والاتحاد السوفييتي كان خسارة كبرى للأمم النامية وجماعات التحرر والعدالة الاجتماعية، حتى المجتمعات والطبقات الوسطى في الدول الغربية تعرضت لخسائر كبرى في مجال الديمقراطية والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والتشغيل؛ بعد أن تخلّت الدول عن كثير من التزاماتها الاجتماعية، وسلّمت جزءاً كبيراً من الخدمات الأساسية للشركات الربحية، ولم تعد تشعر بضرورة الالتزام الديمقراطي الاجتماعي في غياب الخوف من انتشار الشيوعية في بلادها ومجتمعاتها.

اقرأ أيضاً: الإخوان وداعش ومناهج التعليم
وصعدت الجماعات المتطرفة والعنيفة، كما اكتسحت أفكار الكراهية والتعصب فئات واسعة من الشباب والمجتمعات في عالم الإسلام، ولا يبدو لجماعة الإخوان المسلمين أثر يذكر في مواجهة التطرف والمتطرفين، إن كانت تعمل في هذا الاتجاه ابتداءً، فإذا كانت بريئة من التطرف والكراهية، وتسعى بالفعل في تكريس الاعتدال والتسامح ومواجهة الكراهية والتطرف؛ فإنّها لم تنجح في ذلك بشيء يذكر؛ بدليل الامتداد العميق والمؤثر للتطرف والمتطرفين في عالم الإسلام اليوم.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. المُصالحة المتوهَّمة
والحال؛ أنّ صعود التطرف جاء في سياق معقد من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، التي صاحبت العولمة والشبكية، وبالطبع فإنّ الخطاب الديني يمكن أن يمثل مصدراً للتسامح والاعتدال، لكنّ الإخوان المسلمين لم يقدموا خطاباً يذكَر في الدعوة إلى التسامح والمحبّة ونبذ الكراهية والتعصّب؛ بل العكس هو الصحيح، فإنّهم وإن لم يشاركوا على نحو شامل في العنف، أو إن كانت مشاركتهم في ذلك محدودة ومحددة بظروف سياسية؛ فإنّهم لم يتوقفوا على مدى تاريخهم عن تقديم خطاب يحرّض على العنف والكراهية والتعصب، وللمصادفة؛ فإنّني في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال؛ أستمع إلى بثّ حيّ ومباشر لمحاضرة أحد دعاة الإخوان المسلمين يدعو فيها إلى القتل الشامل، مستشهداً بالآية القرآنية: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾، ويسخر من الدعوة إلى السلام، نحن في واقع الحال في وسط دعوة شاملة للعنف مع وقف التنفيذ، بالنسبة إلى الجماعة نفسها، لكنّ الذين يستمعون إلى هذا الخطاب ويتلقونه، ممّن ليس ملزماً بتعليمات الجماعة و"مرحليتها"؛ ففي وسعه، إن لم يكن لازماً، أن ينهض لضرب الرقاب، ليس من فرق إذاً سوى "المرحلية والتدرج"؛ وهي عمليات مؤجلة لحين القدرة والتمكن، وأمّا مقولات التسامح حتى مع المسلمين المخالفين، فضلاً عن سائر المواطنين، فلم تكن سوى رسالة إعلامية للدبلوماسيين والسياسيين تقدّم لهم ما يرغبون في سماعه.

خطاب الجماعة كان على الدوام مشحوناً بالتقية المعقدة والتنوع الماكر في مستوياته وبحسب جهات التلقي

والواقع أنّ خطاب جماعة الإخوان المسلمين كان على الدوام، وكما يعرف، كلّ من شارك في الجماعة مشحوناً بالتقية المعقدة، والتنوع الماكر في مستوياته، وبحسب جهات التلقي؛ هناك خطاب لأعضاء الجماعة، وهناك أيضاً أكثر من خطاب لفئات في الجماعة، بحسب تشكلاتها ومستويات علاقتها وطبيعة نشاطها، والذي لا يكون معروفاً لكلّ عضو في الجماعة، وهناك خطاب للمتدينين، وخطاب لجميع المواطنين، وخطاب للمواطنين، والشركاء من غير المسلمين، وخطاب للحكومات، وخطاب للمنظمات والسفارات، ومراكز الدراسات، ووسائل الإعلام الغربية، وتتلقى كلّ فئة خطاباً يخصّها ويعجبها.
ويبقى مهمّاً ومجدياً؛ السؤال الافتراضي الأساسي: ماذا لو لم تكن جماعة الإخوان المسلمين؟ هل سيكون التطرّف الديني أكثر أو أقل؟ بالطبع؛ إنّه سؤال افتراضي، على غرار: ماذا سيكون لو أنّ ما حدث لم يحدث؟ أظنّ أنّ عالم الإسلام سيكون أقرب إلى صورته الأصلية النقية لو لم تكن جماعة الإخوان المسلمين، صحيح أنّ الجماعة حوّلت القيم الدينية إلى عمليات تنظيمية ومفاهيم معاصرة وتطبيقات حديثة، لكنّها في ذلك أدخلت المقدَّس في الإنساني، فأساءت إلى المقدَّس والإنساني، ذلك أنّ الله أراد الإنسان مزيجاً من العقل والروح والغرائز والأهواء، وأراد الدّين فكرة خالصة له، ترشد الإنسان إلى المثال الجميل والكامل، لكنّها لا تنظّم رحلته الإنسانية، ذلك عالم مشهود يفهمه الإنسان ويعيشه كما يشهده؛ بعقله، ومشاعره، وسموّه، وواقعيته، ورغباته.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية