الأكراد.. أين يتواجدون؟ وهل حصلوا على حقوقهم السياسية والثقافية؟

الأكراد.. أين يتواجدون؟ وهل حصلوا على حقوقهم السياسية والثقافية؟


08/10/2019

ترجمة: علي نوار


تقع كردستان في منطقة جبلية شاسعة بين جنوب شرقي آسيا الصغرى (الأناضول) وشمالي الشرق الأوسط وجنوبي القوقاز. والأكراد هم شعب له أصول هندوأوروبية (ويوجد من يقولون بأنّهم من أصول ميدية). يتحدّث الأكراد اللغة الكردية التي تتفرّع إلى لهجات عدّة مثل الكرمنجي والسورانية وإلخ، وهي لغة هندوإيرانية تربطها صلة قرابة باللغة الفارسية. لكن فوق كل ذلك يتكوّن الشعب الكردي من أشخاص صعبي المراس ونبلاء ومضيافين.

من المثير للاهتمام أنّ مستوى الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للأكراد يتعاظم في ظلّ الدول الهشة أو مناطق النزاعات

بعد وصول الإسلام إلى هذه المنطقة، أصبح تاريخها يدور على الحدود بين الإمبراطوريتين؛ العثمانية والفارسية. لم يكن الأكراد محظوظين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى. فقد تحالفت الإمبراطورية العثمانية مع ألمانيا والحلف الثلاثي الذي ضمّ ألمانيا وإمبراطورية النمسا والمجر ومملكة إيطاليا. وإثر هزيمتها في الحرب، بدأ تفكّك أوصال الإمبراطورية العثمانية واحتلال الأناضول (تركيا الحالية) على يد الحلفاء. وفي ذلك الوقت جرى توقيع معاهدة سيفر في آب (أغسطس) من العام 1920 التي شملت تقسيم الإمبراطورية العثمانية. علّق الأكراد آمالاً عريضة على هذا التقسيم، وكانوا يتطلّعون لإنشاء دولة كردية في جنوب شرقي الأناضول. إلّا أنّ حرب استقلال تركيا اندلعت بقيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي كان يضع نصب عينيه التخلّص من بنود معاهدة سيفر. واجهت جيوش الحلفاء الرفض عام 1922 وبعدها بعام في 1923 جرى توقيع المعاهدة الجديدة وهي معاهدة لوزان التي تمخّضت عن ميلاد الجمهورية التركية لكن اختفى فيها أي أثر لخطة إنشاء دولة كردية (أو حتى ذكر لهذا الشعب).

خريطة كردستان
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تعزّزت الحدود الراهنة بين الدول بحيث باتت كردستان مُقسّمة ليصبح هناك اليوم أربعة أقاليم هي: كردستان الشمالي (أو كردستان التركية)، وكردستان الجنوبي (أو كردستان العراقية)، وكردستان الغربي (روجافا أو كردستان السورية)، وكردستان الشرقي (أو كردستان الإيرانية). وبسؤال بعض الأكراد عن المناطق التي يعتقدون أنّها توفّر ظروفاً إيجابية سواء الاعتراف السياسي أو الثقافي، جاءت الإجابة ومن الأفضل للأسوأ: كردستان العراق، روجافا (سوريا)، كردستان إيران، كردستان تركيا. ومن المثير للاهتمام هنا أنّ مستوى الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للأكراد يتعاظم في ظلّ الدول الهشة أو مناطق النزاعات، أما حين توجد دول قوية (تركيا وإيران) فيحدث العكس. لكن لماذا؟ هذا ما سنحاول استكشافه في كل من الأقاليم الأربعة.

كردستان العراق

كردستان العراق أو كردستان الجنوبي هو إقليم يتمتّع بالحكم الذاتي يقع على الأراضي العراقية. تعود بدايات تعزيز وضعه ككيان سياسي معترف به إلى حرب الخليج الأولى عام 1991 حين فرضت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا "منطقة حظر جوي" للحيلولة دون دخول المقاتلات العراقية إلى هذا الإقليم. وليست هذه هي المرة الأولى حيث سبق وأن حدث تدخّل غربي في نفس المنطقة أثناء حملة (الأنفال) عام 1988 عندما نفّذ نظام حزب البعث بقيادة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين مذبحة راح ضحيتها ما يزيد عن 50 ألف كردي. وفور إعلان إقامة منطقة الحظر، بدأ إنشاء المؤسسات السياسية الكردية التي تأكّد موقفها في الدستور العراقي الجديد الذي صيغ عام 2005 في أعقاب غزو العراق عام 2003.
ينقسم إقليم كردستان العراق إلى ثلاث محافظات: دهوك وإربيل والسليمانية، إضافة إلى مناطق أخرى في الجنوب تسيطر عليها الميليشيات المسلحة الكردية المعروفة باسم (بيشمركة). أغلب سكّان الإقليم هم من الأكراد، رغم أنّ هناك أقليات أيزيدية وعربية وآشورية وكلدانية وأرمنية وتركمانية.

اقرأ أيضاً: أكراد في تركيا.. كيف حدث الانتقال من السلاح إلى صناديق الانتخاب؟
ويوجد في كردستان العراق، وهو الإقليم الأكثر استقراراً وأماناً على مستوى البلد العربي، منطقتان سياسيتان مختلفتان. فمن جانب يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي دهوك وإربيل، وهو الحزب الذي يتزعمه مسعود بارزاني والذي يهيمن على الحكومة المشتركة للإقليم. وتتمتّع هذه المناطق بعلاقات طيّبة مع المناطق التركية المجاورة (التي تصدّر إليها جزءاً كبيراً من البترول الذي يستخرج بعيداً عن إشراف الحكومة المركزية العراقية) على الرغم أنّ المنطقة الجبلية هذه- التي تقع على الحدود بين تركيا وإيران- تشهد انتشار عناصر حزب العمال الكردستاني العدو الأول للحكومة التركية.
ومن جانب آخر يسيطر على محافظة السليمانية حزب كبير أيضاً هو الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده جلال طالباني. وتتمتّع المحافظة بأواصر وطيدة مع الجارة إيران.

علم كردستان العراق
لكن إقليم كردستان العراق يسيطر كذلك سواء بشكل كُلّي أو جزئي على مناطق أخرى مهمة جنوبي أراضيه مثل؛ سنجار والموصل وكركوك. وكان بسط النفوذ هذا ممكناً بفضل القتال الذي خاضته قوات البيشمركة ضد تنظيم داعش. وفي الحقيقة، فإنّ إقليم كردستان العراق وبدعم من الولايات المتحدة والغرب، كان أحد أبرز الأطراف التي ساهمت في عملية طرد وهزيمة التنظيم الإرهابي. وقد عزّز ذلك العنصر موقف واستقلالية الحكومة الإقليمية لكردستان العراق السياسية بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: رسالة أوجلان... هل تصنع السلام بين أكراد سوريا وتركيا؟

وربما كان ازدياد نفوذ حكومة إقليم كردستان هو ما دفع رئيس الإقليم وقتها مسعود بارزاني إلى إجراء استفتاء حول الاستقلال في 25 أيلول (سبتمبر) من العام 2017. وجاءت النتيجة بموافقة 92.7% من الناخبين على الاستقلال. لكن ما حدث بعد ذلك هو أنّ هذه النتيجة لم تقبلها الحكومة المركزية في العراق ولا حتى المجتمع الدولي، ولم تعترف سوى إسرائيل بنتيجة الاستفتاء. نتيجة لذلك قدّم بارزاني استقالته من منصبه. وبدا أنّ الأمور عادت لسابق عهدها "طبيعية" منذ ذلك الوقت. والجدير بالذكر أنّ إقليم كردستان ينشئ علاقاته الخارجية الخاصة به ولديه مكاتب تمثيل في عدد من الدول الأخرى.

اقرأ أيضاً: العراق "فاترينة" عرض .. 6 أسلحة يستخدمها أردوغان ضد الأكراد

لكن هل النظام الحاكم في كردستان العراق استبدادي؟ للأسف وكما هو شائع في المنطقة، يراود المرء شعور بأنّ الإجابة هي نعم. فعلى سبيل المثال وفي محافظتي إربيل ودهوك، يراقب الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل خانق وبطابع قبلي أي وكل شيء يتحرّك. لدرجة أنّ بعض المحلّلين يصفون بارزاني بأنه "أردوغان كردستان".

روجافا (كردستان سوريا)

يعدّ مصطلح (روجافا) أو (الإدارة الذاتية لشمال سوريا) مرادفاً للعلمانية السياسية والكونفيدرالية الديمقراطية والديمقراطية المباشرة واللامركزية والاشتراكية التحرّرية والتنوّع الثقافي والمساواة بين الأنواع والتنمية البيئية. و(روجافا) هي منطقة تتمتّع بالحكم الذاتي في شمال سوريا لكنّها غير معترف بها دولياً ظهرت في 2014. وينقسم الإقليم إلى سبع مناطق فرعية ذاتية الحكم ويعيش فيها الأكراد والعرب والآشوريون والأرمن والتركمان والشراكسة والأيزيديون، لكن الأكراد يمثّلون الأغلبية. وقد ساهم الدور البارز الذي لعبته كل من (وحدات حماية الشعب) و(وحدات حماية المرأة) في انتزاع السيطرة على الأراضي وإنزال الهزائم بتنظيم داعش وكذلك جبهة النصرة، في حصول (روجافا) على الدعم الاقتصادي والعسكري من الولايات المتحدة ودول الغرب.

اقرأ أيضاً: السجون التركية تحظر صور كاسترو وجيفارا في زنازين الأكراد

بالتالي، أصبح أكراد سوريا، الذين تعرّضوا تاريخياً للتهميش أكثر من أي فئة أخرى في سوريا الأسد قبل الحرب؛ حيث لم يكن لديهم أي اعتراف سياسي، يحظون باعتراف سياسي كامل في هذه الديمقراطية الهشة للغاية. لكن ينبغي هنا التوقّف لبرهة كي نحدّد عدة نقاط مهمة في هذا الصدد.

علم (روجافا)

تسيطر (قوات سوريا الديمقراطية)، التي تشكّلت عام 2015، على روجافا. ومن بين أبرز الفصائل التي يضمّها الحزب يظهر حزبا (وحدات حماية الشعب) و(وحدات حماية المرأة) اللذان يتبنّيان أفكاراً "تقدّمية ديمقراطية" مستلهمة من حزب العمال الكردستاني، وقد اكتسب هذا الحزب قوّته تدريجياً خلال الحرب السورية؛ حيث كان له دور كبير في إنزال الهزيمة بتنظيم داعش سواء على الأراضي السورية أو العراقية؛ حيث نفّذ عمليات في منطقة سنجار بالعراق.

ورغم أنّ روجافا قامت على أساس الدستور الذي صيغ عام 2015 وكونها إقليماً أو منطقة ذات أغلبية سكّانية كردية، إلّا أنّها رسمياً إقليم متعدّد الأعراق والقوميات؛ حيث لا سيادة لعرق على الآخر (ولا نوع على الآخر). كما أنّها لا تطمع في الاستقلال عن باقي سوريا، بل تتطلّع لأن تظل إقليماً يتمتّع بالحكم الذاتي ضمن الفضاء السوري.

روجافا لا تزال ديمقراطية حديثة أسّسها الأكراد ولا تحظى باعتراف رسمي فضلاً عن هشاشتها البالغة

وتوجد محطّتان فارقتان في تاريخ روجافا القصير للغاية؛ الأولى إيجابية وهي معركة كوباني (تشرين الأول/أكتوبر 2014-كانون الثاني/يناير 2015) حين نجحت (وحدات حماية الشعب) و(وحدات حماية المرأة) الكردية في وقف زحف عناصر تنظيم داعش وطردهم من هذه المنطقة. والأخرى خسارتهم السيطرة على منطقة عفرين في أقصى غرب روجافا نتيجة لعملية عسكرية شنّها الجيش التركي بالتعاون مع (الجيش السوري الحر) المدعوم من أنقرة.

اقرأ أيضاً: الأكراد والثورة الإيرانية.. مسلسل بلا نهاية من المآسي

لكن روجافا لا تزال ديمقراطية حديثة أسّسها الأكراد، ولا تحظى باعتراف رسمي فضلاً عن هشاشتها البالغة. على أنّ مشكلتها الكبرى التي تهدّد بقاءها تكمن في الجار التركي إلى الشمال منها. فالحكومة التركية لا تنظر إلى الفصائل الكردية سوى أنّها توابع لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة منظّمة إرهابية شديدة الخطورة والعدو الأول للدولة التركية. ويكاد الاتصال بين تركيا وروجافا يكون معدوماً. فقد أنشأت تركيا سوراً بطول 828 كلم بطول الحدود مع سوريا؛ أي أطول من أي جدار حدودي يفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك. ولعل أوضح الأمثلة على تبعات هذا الفصل هو ما حدث لمدينة القامشلي الواقعة في الشطر الشرقي من روجافا، والتي تُعدّ مدينة نصيبين التركية هي امتدادها الشمالي، بيد أنّ القامشلي باتت اليوم معزولة بشكل كامل عن نصيبين بسبب السور.

اقرأ أيضاً: أكراد كردستان ينتفضون ضدّ تركيا لهذا السبب

ويوجد لروجافا عدو آخر هو دونالد ترامب. فقد كانت الحكومة التركية ترغب في القضاء على روجافا، لكنّها تراجعت عن ذلك إثر مسارعة الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية إلى تقديم الدعم لهذا الإقليم حتى اليوم. لكن في أحد خطاباته التي عادة ما تثير الجدل، كشف رئيس الولايات المتحدة أنّ تنظيم داعش جرت هزيمته عن بكرة أبيه وأنّه يريد سحب القوات الأمريكية المنتشرة في سوريا وتحديداً بمنطقة روجافا. وكما حدث في مرات كثيرة سابقة لم يصدق ترامب في كلامه ولم يتحوّل إلى واقع حتى الآن. إلّا أنّ التأثير الناجم عن تصريحات ترامب كانت بثّ الخوف؛ لا سيما بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرابع من آب (أغسطس) الماضي أنّ بلاده ستعاود في المستقبل القريب غزو شمال شرقي سوريا.
بيد أنّ التعقيد الذي يبدو عليه الجيران قد يكون له تأثير مغاير ويساهم في صقل التجربة الديمقراطية الجديدة، رغم صعوبة ذلك على أرض الواقع.

كردستان إيران

تُعتبر جمهورية مهاباد هي الدولة الكردية الوحيدة التي حظت بالاستقلال حتى الآن، وذلك خلال الفترة بين كانون الثاني (يناير) 1946 وحتى كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، وكان موقعها هو إقليم أذربيجان الغربية في شمال غربي إيران حالياً. كانت هذه الجمهورية قصيرة الأمد تحصل على الدعم من الاتحاد السوفييتي السابق بهدف الحيلولة دون تحالف الشاه رضا بهلوي مع النازيين، ورغم ذلك احتل الجيش الأحمر الروسي والجيش البريطاني إيران منذ 1941 حتى بعد قليل من انتهاء الحرب العالمية. لكن جذور هذه الدولة تعود إلى سلسلة من الاحتجاجات التي قادها زعماء القبائل الكردية ضد نظام الشاه الإيراني، مثل ثورة سمكو أغا شكاك والتي جرت خلال الفترة بين عامي 1918 و1920.

اقرأ أيضاً: الأكراد في سوريا.. ورقة ضغط بيد تركيا وساحة لتصفية الحسابات

ورغم كل هذه السوابق، إلّا أنّ إيران قد تكون الدولة التي يخفت فيها الصوت القومي الكردي لأدنى درجة ممكنة. لا بد هنا من الإشارة إلى رابطة القرابة الثقافية التي تجمع بين الأكراد والإيرانيين. فاللغتان؛ الكردية والفارسية، تتشابهان فيما بينهما لدرجة بعيدة؛ حيث تنتميان إلى الفرع الإيراني من اللغات الهندوأوروبية. كما أنّ هناك أصواتاً عدة في إقليم كردستان الإيراني تؤكّد أنّ "المشكلة تكمن في عدم اتحاد القبائل المختلفة أو زعماء الأكراد".
ومع ذلك، يبدو أنّ اللغة والثقافة الكردية محظورتان بشدّة في إيران بعد الثورة الإسلامية. وبحسب التقارير الواردة من هناك، فإنّ اللغة الكردية لا يتم تدريسها في المدارس كما أنّ استخدامها في المعاملة الرسمية لا وجود له. وفيما يخص الاعتراف السياسي، وبغضّ النظر عن وجود إقليم كردستان في البلاد- وعاصمته مدينة سنندج- والذي يشمل جزءاً من الأراضي الكردية تاريخياً، فضلاً عن تلك التي تقع شمال غربي إيران وتشهد حضوراً سكانياً كردياً ملحوظاً مثل أذربيجان الغربية وكرمانشاه وإيلام، فليس ثمة مؤسسات سياسية كردية. مشكلة أخرى إضافية هي اعتناق أغلب الأكراد للمذهب السني من الإسلام في دولة مذهبها الرسمي هو الشيعي.

اقرأ أيضاً: هل تقطع تفاهمات الأكراد الطريق على تركيا في الشمال السوري؟

يُنظر لإيران التي تعيش فيها أعراق مختلفة مثل؛ الأكراد والفرس والآذريين والبلوش، بوصفها إحدى أكثر الدول تسامحاً ودفئاً في العالم، وكذلك باعتبارها دولة ذات حكم ديني تبتلع وتخنق كل شيء، بما في ذلك الثقافة الكردية. ويقول أستاذ في جامعة كردستان بسنندج إنّ هذه المدينة تشهد ومنذ عقود طوال تعايشاً بين ثقافات وأديان مختلفة. لكن في أعقاب الثورة الإسلامية، أصبحت الأجواء أكثر انغلاقاً. رحل الأرمن واليهود عن المدينة. ويعاني الأكراد السُنّة الذين يعيشون في سنندج وضعاً غير مريح ومعقّد للغاية.

ربما يبدو أنّ إيران لا تشهد وجود ميليشيات مسلّحة مقارنة بباقي الأقاليم الكردية الثلاثة الأخرى، لكنْ هناك فصيلان مسلّحان مدعومان من حزب العمال الكردستاني التركي ويتبنّيان نفس أيدولوجيته وينشطان بين الفينة والأخرى ضد الحكومة الإيرانية وهما: حزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) النشط منذ 2004، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الذي يعمل منذ عام 1979. ويتّخذ عناصر الحزبين الجانب الآخر من الحدود وعلى وجه الخصوص جبل قنديل في كردستان العراق ملاذًا لهم. وبالفعل وفي تموز (يوليو) الماضي شنّت قوات الحرس الثوري الإيراني قصفاً بالصواريخ والطائرات بدون طيار (درونز) على مواقع لـ "جماعات إرهابية" على الحدود مع كردستان العراق، وفقاً للأنباء المتداولة.

كردستان التركية

رسمياً، لا وجود للأكراد في تركيا. يُطلق عليهم مصطلح "أتراك الجبال". ومنذ ميلاد "الجمهورية التركية" على يد أتاتورك، يجرى إعلاء كل ما هو تركي في سياسة ممنهجة للهيمنة وإسكات وإذابة أي ثقافة أخرى مغايرة، سواء الكردية أو الأرمنية. لا يتمتّع أكراد تركيا حالياً بأي اعتراف سياسي أو ثقافي. ويُحظر بتاتاً استخدام اللغة الكردية في النظام التعليمي، ويمكن في بعض الحالات الحديث عن تمييز أصيل ضد اللغة والثقافة الكردية.

مركز ديار بكر، كردستان التركية


على الجانب الآخر يخوض حزب العمال الكردستاني نزاعاً مسلّحاً منذ العام 1978 مع قوات الأمن التابعة للدولة التركية التي تشنّ أيضاً عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية والعراقية. وكل ذلك يصل الآن إلى مرحلة من التدهور في مجال حقوق الإنسان بشكل عام لا سيما بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل المزعومة ضد أردوغان في تموز (يوليو) من العام 2016. ومن باب الفضول تجدر الإشارة إلى أنّ الدولة التركية حجبت مئات من المواقع الإلكترونية بينها الموسوعة العالمية (ويكيبيديا). ويصف نفس الأستاذ من جامعة سنندج رئيس تركيا بعبارة "أردوغان فاشي!".

رسمياً لا وجود للأكراد في تركيا ويُطلق عليهم مصطلح أتراك الجبال

ويُعتقد أنّ 40 ألف شخص لقوا مصرعهم منذ نشوب النزاع. وقد جرت وقائع إعدام خارج نطاق القضاء وحالات تعذيب ونزوح للسكان وحرق للقرى وانتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان. وتُنسب أغلبية هذه الانتهاكات للقوات المسلحة التركية، رغم أنّ حزب العمال الكردستاني مسؤول عن بعضها كذلك.

وعلى الأرجح تمتلك الدولة التركية وحدها الحلّ المستقبلي للمشكلة، والذي يمرّ عبر خلق إطار أقل شمولية وأكثر ديمقراطية يسفر عن منح قدر من الاستقلالية السياسية للمحافظات الواقعة في جنوب شرق البلاد التي تسكنها أغلبية كردية، مع الوضع في الاعتبار أنّ هذه الاستقلالية لن تكون مجرّد خطوة أولى نحو الانفصال، ويقع على حزب العمال الكردستاني جزء من الحل ويتمثّل في التخلّي ودون أي شروط عن استخدام العنف كوسيلة للنضال السياسي، وقبول هذه الاستقلالية السياسية لا سيما بعد صدور تصريحات عن قيادات الحزب في أكثر من مناسبة تفيد بأنّ الهدف هو الوصول لـ"كونفيدرالية ديمقراطية" داخل تركيا وفي الدول الثلاث الأخرى وليس انفصالاً كلياً. لكن حدوث هذا الاتفاق يبدو على أرض الواقع عملية شديدة الصعوبة، لا سيما وأنّ أغلبية الأتراك من غير الأكراد لديهم شعور بالرفض تجاه الأكراد، ما يعني أنّ أي حكومة قد تقدم على خطوة فتح قناة للتفاوض مع حزب العمال الكردستاني وتسهّل منح هذه الاستقلالية ستخسر الانتخابات التالية بنسبة كبيرة.

"الأيزيديون هم على الأرجح المجموعة الأكثر تعرّضاً للتهميش والرفض في العراق"

لكن ذلك لم يحل دون حدوث محاولات عدة للتفاوض بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني علاوة على عدد من المبادرات لإلقاء الحزب الكردي لسلاحه طرحها من السجن زعيم الحزب عبد الله أوجلان. وكانت آخر هذه المبادرات تلك التي قُدّمت في 2012. واستغرقت المحادثات ما يزيد عن عامين حدث خلالها نوع من الانفتاح والاعتراف بالثقافة الكردية وتقدّم في مسألة الديمقراطية داخل البلديات على يد (حزب الشعوب الديمقراطي). لكن هذا الانفتاح باء بالفشل عام 2015. ففي أعقاب الحصار الذي فرضه تنظيم داعش على مدينة كوباني في إقليم روجافا، لاحقت الحكومة التركية اتهامات بمساعدة التنظيم الإرهابي، ما أسفر عن موجة من الاحتجاجات في كبرى المدن الكردية بتركيا، وكذلك سلسلة من الهجمات التي نفّذها حزب العمال الكردستاني.

وإزاء هذا الوضع، قرّرت الحكومة تعليق المفاوضات وشنّت حملة اعتقالات موسّعة بحق سياسيين ونشطاء أكراد. وطبقاً لتقرير صادر عن (مجموعة الأزمة العالمية)، فقد شهدت الفترة بين تموز (يوليو) 2015 وآب (أغسطس) 2019 في تركيا مصرع أربعة آلاف و551 شخصاً نتيجة لاستئناف النزاع. وتعرّض حي الجنوب ذو الأهمية التاريخية الكبيرة والواقع في قلب مدينة ديار بكر بديعة الجمال للتدمير أثناء الفترة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 وآذار (مارس) 2016. وتكرّر الشيء عينه في مدينتي جزرة ونصيبين الواقعتين على الحدود مع سوريا. حيث تدخّلت الحكومة التركية في 20 آب (أغسطس) الماضي ببلديات ديار بكر ووان وماردين التي كان (حزب الشعوب الديمقراطي) يحكمها منذ الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت في 31 آذار (مارس) 2019.

قد يبدو المناخ يبعث على التشاؤم، لكن لا مفر من الاستمرار في محاولة التوصّل إلى تسوية وإيجاد المبادرات من أجل إحلال السلام.

لاليش، مكان مقدس للأزيديين

الأيزيديون أيضاً أكراد

عند استعراض أوضاع الشعب الكردي لا يمكن بأي حال من الأحوال تناسي الأيزيديين. وهم مجموعة عرقية تعتنق ديانة سبقت ظهور الإسلام، وهي الأيزيدية. وهم أكراد لكنّهم لم يتعرّضوا لعملية أسلمة وحافظوا على ديانة قديمة للغاية مثل الزرادشتية التي تشبه بدرجة ما الأيزيدية رغم أنّ الأخيرة تحمل طابع التوفيق بين الأديان وتتأثّر بصورة كبيرة بالإسلام السني. يبلغ تعداد الأيزيديين 600 ألف شخص تقريباً، وتوجد تجمّعاتهم التقليدية في محافظة نينوي بالعراق، وتحديداً منطقتي سنجار وشيخان، اللتين تخضعان حالياً لسيطرة كردستان العراق بشكل جزئي بالنسبة لسنجار وبصورة كلية في حالة شيخان. هناك أيضاً تجمّعات سكانية أيزيدية في كردستان العراق مثل مدينة خانك. يُعتبر الأيزيديون هم المجموعة الأكثر تعرّضاً للتهميش والرفض في العراق. هناك وجود محدود لهم كذلك في سوريا وتركيا وجورجيا وأرمينيا وألمانيا والولايات المتحدة.

اكتسب الأيزيديون شهرة عالمية على خلفية مذبحة سنجار التي وقعت في آب (أغسطس) 2014. ففي بدايات صيف 2014، أحرز تنظيم  داعش تقدّماً في شمال العراق وصولاً إلى منطقة سنجار. كانت مدينة وحي سنجار تحت سيطرة قوات البيشمركية الكردية العراقية. لكن وإزاء تقدّم عناصر "داعش" انسحب سبعة آلاف مقاتل من ميليشيات البيشمركة بشكل غريب في الثاني من آب (أغسطس) من المنطقة دون سابق إنذار أو حتى التنسيق لعملية إجلاء منظمة للمدنيين. وهنا وقعت الكارثة. لاقى الأيزيديون دون أدنى قدر من الحماية المقاتلين المتعصّبين الذين جاؤوا بحثاً عنهم، لم ينظر لهم عناصر "داعش" على أنّهم عراقيون بل مجرّد عبدة للشيطان. وليس المقال بصدد إفراد مساحة للأحداث المهولة التي جرت في الأيام والأشهر التالية. لكن سنجار شهدت شتاتاً مأساوياً عقب المذبحة، واضطر 100 ألف شخص للنزوح من مسقط رأسهم، ويتواجد أغلبهم بمخيّمات لاجئين لا يتحدّث عنها أحد تحت إدارة السلطات المحلية في دهوك بكردستان العراق، ومخيّمات مثل خانك وبييرسيفي حيث ينتظرون مستقبلاً مبهم المعالم. لا يزال هناك عدة آلاف من اللاجئين الأيزيديين في سوريا (روجافا) وتركيا واليونان. بينما نجح آلاف آخرون في بدء حياة جديدة بألمانيا وكندا وأستراليا.

هل هناك حاجة لتأسيس كردستان كبرى مستقلّة؟

يقول الخبير كونسويلو نونييث من (المبادرة العالمية لأمّهات من أجل السلام) إنّ "المسألة الكردية لن تصل إلى تسوية عن طريق الحرب، ويمكن حلّها فقط عبر مائدة التفاوض؛ الأكراد لا يطالبون بدولة، بل الحكم الذاتي ومواصلة إحياء ثقافتهم". وهم بالفعل بحاجة لاستقلالية سياسية وتقدير ثقافي وحدود مفتوحة وتعدّدية ثقافية. وفيما يخصّ الاعتراف السياسي، فيجب دعم ومساندة ودفع الحكومات المحلّية القائمة بالفعل في العراق وسوريا والعمل على إطار أوسع بحيث يضاف لهذه الجهود إحلال الاستقرار ودمقرطة هاتين الدولتين "الفاشلتين".

أما في الدولتين القويتين؛ إيران وتركيا، ذات الحكومات الشمولية، فينبغي الذهاب باتجاه الاعتراف السياسي بالشعب الكردي والارتقاء بصلاحيات السلطات المحلّية في المناطق التي يمثّل الأكراد فيها أغلبية. هناك اقتراح آخر رغم أنّه بعيد عن التطبيق وهو ذلك الذي طُرح قبل عامين بالتزامن مع استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق، بتأسيس دولة كردية صغيرة تشمل إقليم كردستان العراق والمناطق ذاتية الحكم ذات الأغلبية الكردية في دول تركيا وإيران وسوريا وكذلك أرمينيا وأذربيجان.

منذ حقبة الإمبراطورية العثمانية والملوك القاجاريين في بلاد فارس، مرّ على كردستان أعراق متنوعة مثل؛ الكرد والعرب والترك والأرمن والآوريون والكلدانيون والأيزيديون والآذريون والشراكسة والشيشانيون واليهود. استمرّ هذا الثراء الثقافي والديني في كل من كردستان العراق وروجافا، لكنّه اختفى بصورة كبيرة في كردستان التركية عقب التطهير العرقي الذي نفّذه هناك أتاتورك. والحقيقة أنّ هذا التنوّع الثقافي يعد أحد أبرز القيم المميزة للمنطقة، ويفترض أن تلتزم أي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي قد تقوم بهذه المنطقة باحترام وإدماج جميع الفئات؛ بعبارة أخرى أن تكون متعدّدة الثقافات. وخير مثال على ذلك هي روجافا التي يُنظر لها بوصفها نموذجاً لمؤسّسة علمانية؛ حيث تتعايش كافة المجموعات العرقية الموجودة بقدر من المساواة، حتى مع كون الأكراد هم الأغلبية.


تقرير عن الأكراد والدول التي يتواجدون بها، إعداد أستاذ الاقتصاد الإسباني خوسيه أندريس فرناندث كورنيخو ونشرته النسخة الإسبانية من صحيفة (هافنغتون بوست)

رابط عن الترجمة الإسبانية: https://bit.ly/2lBiT0J



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية