مؤتمر إعادة إعمار العراق على وقع الطائفية والفساد

العراق والكويت

مؤتمر إعادة إعمار العراق على وقع الطائفية والفساد


15/02/2018

انعقد في الكويت، خلال الفترة ما بين  12-14 من شباط (فبراير) الجاري، بمشاركة حوالي 35 دولة، إضافة إلى أكثر من ألفي شركة عالمية، مؤتمر إعادة إعمار العراق، ضمن ثلاثة محاور حدّدتها الحكومة العراقية، هي: الأول: إعادة إعمار المناطق المحرَّرة التي تعرّضت للتدمير خلال الحرب على داعش، وتقدّر كلفة إعادة إعمارها بـ 100 مليار دولار، من خلال مِنحٍ وقروض ميسّرة، والثاني: فتح باب الاستثمار، بإعداد قائمة تضمّ 160-250 مشروعاً استثمارياً إستراتيجياً، تشمل الخدمات الصحيّة والمواصلات ومشروعات اقتصادية ضخمة، على رأسها بناء مصافٍ جديدة لتكرير النفط، وإعادة تأهيل البني التحتية، والثالث: إعادة الاستقرار، وهو ما يتطلّب إعادة بناء المساكن في المناطق المحرَّرة، وكانت نتائج المؤتمر حصول العراق على تعهّدات بـ (30) مليار دولار، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة العراقية تتطلّع إلى الحصول على (88) مليار دولار.

واقع العراق يشير إلى أنّه أصبح أسوأ بكثير من الفترة التي عاش فيها تحت الحصار

ورغم أهمية المؤتمر بالنّسبة إلى دولة مثل العراق؛ فرغم مرور 15 عاماً على إسقاط نظام الحكم السابق في العراق، وتولّي قيادة جديدة، إلّا أنّ واقع العراق يشير إلى أنّه أصبح أسوأ بكثير من الفترة التي عاش فيها تحت الحصار (1990-2003)؛ حيث تؤكّد منظمات دولية تابعة للأمم المتّحدة، أنّ ربع أطفال العراق يعيشون تحت خطّ الفقر، وأكثر من مليون طفل في الموصل لا يتلقّون الحدّ الأدنى من الرعاية الصحية، فيما تمّ تدمير أكثر من 100 ألف منزل في محافظات نينوى وصلاح الدين.

جانب من المؤتمر

وباستثناء الحكومة العراقية ومستشاريها، الذين يبدون تفاؤلاً بالمؤتمر ونتائجه، فإنّ شكوكاً عميقة تطرح من قبل أطراف عديدة من داخل العراق وخارجه، في إمكانية تحقيق نجاحات جادّة في مشروعات إعادة إعمار العراق، في ظلّ المعطيات الآتية:

أولاً: الموقف الأمريكي؛ حيث أعلنت أمريكا أنّها لن تكون ضمن الدول المانحة، ولن ترصد أية مبالغ لإعادة الإعمار، وتتركّز المخاوف من أن يتوسّع الموقف الأمريكي، ليس بحجب الأموال عن العراق فقط، إنّما بممارسة ضغوط على الدول المانحة لتخفيض قيمة قروضها، ومِنَحها، ومساعداتها للعراق، إضافةً إلى ضغوطات أخرى على الشركات الأمريكية، والشركات التي تساهم فيها أمريكا.

ثانياً: حجم المخاوف الكبيرة لدى العراقيين، والمانحين الدوليين، والشركات الكبرى، من استشراء الفساد في مؤسسات الدولية العراقية، وهو ما قد يحول دون تنفيذ المشروعات الموعودة، علماً بأنّ تقارير منظمة الشفافية العالمية تشير إلى أنّ العراق احتلّ المرتبة 166 بين 176 دولة، في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم. ويؤكّد متابعون للشأن العراقي أنّ الفساد في الدولة العراقية، وسوء الإدارة العامة، سيكون أحد أبرز معيقات خطط إعادة إعمار العراق.

إنّ شكوكاً عميقة تطرح من قبل أطراف عديدة في إمكانية تحقيق نجاحات في مشروعات إعادة إعمار العراق

ثالثاً: الشكوك بعدالة توزيع مشروعات إعادة الإعمار على المحافظات العراقية، على أساس حجم الضّرر الذي وقع عليها، خلال الحرب على داعش، والاتهامات التي توجه للحكومة العراقية بمواصلة الالتزام بالنهج الطائفي؛ إذ يتردّد أنّ المناطق التي تضرّرت خلال الحرب على داعش، كانت مناطق الأكراد والسنّة، ولم تحصل هذه المناطق على مشروعات كافية (حصّتها أقل من 10% من مجموع مشروعات إعادة الإعمار)، فيما ذهبت الحصة الأكبر من تلك المشروعات إلى المحافظات الشيعية، التي لم تمارس فيها داعش أيّة عمليات عسكرية.

رابعاً: توظيف إعادة الإعمار للتجاذبات السياسية بين الكتل العراقية، وحملات الانتخابات العراقية القادمة في أيار القادم؛ إذ وجّه مؤيّدو رئيس الوزراء السابق (نوري المالكي)، ممن ينتمون لائتلاف دولة القانون، اتّهامات لرئيس الوزراء العبادي باستثمار عقد مؤتمر الكويت في إطار حملته الانتخابية، بعد إعلانه الانتصار على تنظيم داعش، وقد تركّزت الانتقادات على مكان انعقاد المؤتمر وتوقيته، بحجّة أنّ للكويت مطامع في العراق، وأنّه كان من الأجدر أن يعقد مثل هكذا مؤتمر في بغداد، وفي ظلّ الحكومة التي ستتشكّل بعد الانتخابات المقبلة.

أيّة محاولات في إعادة الإعمار لن يكتب لها النجاح ما لم يعد العراق مستقلاً وبمشروع وطني غير طائفي

ويشكّك كثيرون في إمكانية نجاح المؤتمر، في تنفيذ مشروعات جديدة لإعادة الإعمار في العراق، في ظلّ استمرار تهديد الإرهاب، والحديث عن سيناريوهات ما بعد داعش، التي ترجّح استمرار الإرهاب، واستمرار الأزمة السياسية في العراق، خاصّة بين فصائل المكون الشيعي، إضافة للسيطرة الإيرانية على العراق، وفيما إذا كانت نسبة من مخصصات الإعمار ستذهب إلى إيران، في ظلّ أزمتها الاقتصادية الحادّة، وتداعياتها المتمثلة بانتفاضة شعبية انطلقت منذ أواخر العام الماضي.

فيض من التساؤلات تُطرح اليوم، حول إعادة إعمار العراق، في ظلّ استمرار العراق ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، وانقسامات العراقيين بولاءات لهذا الطرف الدولي أو الإقليمي، إلى جانب استشراء الفساد في العراق، الذي يبيع نفطاً بحوالي 75 مليار دولار سنوياً، وحاجته الحقيقية لاستجداء المجتمع الدولي للحصول على مساعدات ومنح وقروض، وفي تقديرنا؛ إنّ أيّة محاولات في إعادة الإعمار لن يكتب لها النجاح، ما لم يعد العراق بلداً مستقلاً، وبمشروع وطني لا يقوم على القومية العربية، ولا على الطائفية والمذهبية، فقد تمّ تجريب هذين المشروعين، قبل عام 2003 وبعده، وها هي النتائج حتى اليوم عنوانها: سرقة العراق، والمزيد من دماء أبنائه، بكلّ طوائفهم ومذاهبهم.

الصفحة الرئيسية