"أرض الله الواسعة".. داعش في مهمة إرهاق آسيا الوسطى

داعش والقاعدة

"أرض الله الواسعة".. داعش في مهمة إرهاق آسيا الوسطى


13/03/2018

"أرض الله الواسعة" هو أحدث إصدارات تنظيم داعش الإرهابي، الذي يعلن فيه التنظيم بشكل صريح عن انتشاره في أفغانستان، التي يطلق عليها (خراسان)، ويدعو فيه المسلمين في العالم للهجرة إلى أرض الخلافة الإسلامية الجديدة، بعد أن فقد مركزه الرئيس بـ "الرقة" و"الموصل".

الخطير في الأمر هو "دعشنة" آسيا الوسطى كلّها، وهذا التمدّد الذي يهدف إلى تعقيد أزمة هذه المنطقة، واستخدام التنظيم، الذي سرعان ما يفقد منطقة لنجده يتوسع في أخرى، لخدمة الأهداف التي يوظَّف من أجلها في الملفات الإقليمية والدولية.

الفيديو يبدأ بالخيول التي يمتطيها عناصر التنظيم، وهم يرفعون الرايات السوداء، وبعدها جموع من داعش، وهي تغذّ الخطى لتقديم البيعة للبغدادي، وفجأة ننتقل إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتحدث عن القضاء على التنظيمات في أفغانستان خلال عام، إلّا أنّ خطيب التنظيم يتحدث عن تمدّدهم، وأخذ البيعات من جموع الشعب الأفغاني، على صيحات التكبير، وهذه هي الرسالة الأخيرة من هذا الخطاب الإعلامي.

مهمة إرهاق

إنّ تلك التقارير التي تتحدث عن امتداد داعش بنسبة 30% من أراضي أفغانستان، ونقل عناصر التنظيم في طائرات مموّهة، هي الأبرز بعد انحساره جغرافياً، بالطريقة نفسها التي استخدمها عناصره من قبل، في ضرب داعش بالتنظيمات الأخرى، ولإرهاق الجميع.

ويبدو أنّ مهمة داعش القادمة هي إرهاق طالبان، كما تهديد كلّ دول المنطقة، خاصة الصين، الغول الذي يقف على أقدام من ورق، لكنه سيحولها لأقدام من حديد، كي يسهل عليه ابتلاع العالم. 

تصاعد نفوذ تنظيم داعش المتطرف في نسخته الأفغانية وكشف تقرير للأمم المتحدة أنّ قرابة 24 ولاية في أفغانستان مناصرين لداعش

داعش يُستخدم الآن لإرهاق الصين وروسيا وباكستان، في مهمة إرهاق واضحة لهذه الدول، لكن الخاسر الأكبر هو حركة طالبان، التي كانت تقوم بتعطيل المفاوضات بينها وبين الحكومة الأفغانية، فيما يسمى بـ "الإرجاء التكتيكي"، لأسباب قد تكون داخلية في الحركة، فضلاً عن شرط واشنطن الأساسي، وهو دخول جماعات مسلحة أخرى في الحوار، وهو ما رفضته الحركة التي تعدّ نفسها الممثل الحصري والوحيد للشعب الأفغاني، لكنّها الآن لم تصبح وحيدة؛ بل يشاركها منافس تقليدي هو داعش.

داعش في نسخته الأفغانية

وفق تقارير غربية، تصاعد نفوذ تنظيم داعش المتطرف في نسخته الأفغانية؛ حيث كشف تقرير للأمم المتحدة أنّ قرابة 24 ولاية في أفغانستان مناصرين لداعش، وأنّ معظم المنضمين الجدد هم أفراد جرى تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضها كان على خلاف مع القيادة المركزية لحركة طالبان، أو أنّهم يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن الحركة.

هناك تقارير أخرى تحدثت عن أنّ المنضمين هم مقاتلون آخرون، أتوا مباشرة من مناطق النزاع بسوريا والعراق، وهم يشكلون حالياً، بحسب حكومة كابول، النواة الصلبة لتنظيم داعش في البلاد.

تقارير غربية: "داعش أفغانستان" نجح في استقطاب مئات الشباب من مناطق الشرق الأفغاني

في الفيديو، العشرات داخل المساجد يقدمون دون وعي البيعة للبغدادي، فيما تشير تقارير غربية إلى أنّ "داعش أفغانستان" نجح في استقطاب مئات الشباب من مناطق الشرق الأفغاني، خاصة من "المدارس الدينية التابعة للتيار السلفي"؛ حيث يتلقون تدريبات في المنطقة الجبلية شرق أفغانستان، ما دفع مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة، محمود صقيل، إلى التحذير من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده، الذي وصل إلى سبعة آلاف مقاتل.

ووفق تقارير استخباراتية، وبحثية من عدد من مراكز غربية مهتمة بظاهرة الإسلام الجهادي المسلح، فإنّ ما يقرب من 20 ألف مقاتل تابعين لما يسمى "الحركة الإسلامية الأوزبكية"، أعلنوا ولاءهم لزعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي، بعد إعلان وفاة الملا عمر، الذي كان وجوده يقف حجر عثرة، في سبيل هذه البيعة، وانتقل بعضهم إلى أفغانستان.

أفغانستان والنبوءة

لأفغانستان مكانة خاصة لدى الجهاديين؛ فمنها يخرج أصحاب "الرايات السود"، وفق بعض الروايات التي يستندون إليها، وأنهم سينتقلون منها في اتجاه "دابق"، تلك المدينة الواقعة بريف حلب شمال غرب سوريا، وتبعد 45 كيلومتراً عن الحدود التركية، لما لها من قدسية خاصة؛ حيث ينتهي الحال إلى معركة آخر الزمان "مرج دابق"، لذا فداعش اهتم بالتواجد بها، ومنذ إعلان وجوده رسمياً بأفغانستان، في كانون الثاني (يناير) 2015، وهو ينفذ إعدامات جماعية بحق المنتمين لحركة طالبان، وبثّ المكتب الإعلامي لـ "ولاية خراسان" في فترات متفاوتة، إصدارات مرئية وصوراً تظهر ذبح وقتل عدد من مقاتلي طالبان الذين انخرطوا في الحرب عليه.

كما جاء على لسان الشيخ حافظ سعيد خان، والي خرسان، أحد القادة السابقين لحركة طالبان باكستان، وأحد المعروفين برفضه للمصالحة مع الحكومتين الأفغانية والباكستانية، في حوار أجرته معه مجلة "دابق"، الناطقة باللغة الإنجليزية، في 2016: "‏‫‏‫الحرب بيننا وبين طالبان ما زالت قائمة".

صراع الاستقطاب

إنّ الإصدار الجديد لداعش يشير بوضوح إلى أنّ معركة الاستقطاب والتمدد مرشحة للزيادة، خاصة مع حركة طالبان، التي كتب المتحدث باسمها، قاري يوسف أحمدي، في رسالته: إنّ ممثل "داعش" في أفغانستان، عبد الرزاق مهدي، "وجد أخيراً أنّ أنشطة الجماعة موجهة ضد الاسلام والمسلمين".

وأضاف أحمدي: مهدي كان مسؤولاً، أيضاً، عن الاتصالات بين مسلّحي داعش في أفغانستان والعراق، داعياً جميع عناصر التنظيم إلى "الانضمام إلى طالبان من أجل الوحدة بين المسلمين"، وفق تعبيره.

الإصدار الجديد لداعش يشير بوضوح إلى أنّ معركة الاستقطاب والتمدد مرشحة للزيادة، خاصة مع حركة طالبان

حكومة كابول باتت تراقب بعين القلق الوضع في المناطق الشرقية من البلاد، خاصة إقليم هلمند، حيث شوهد بعض "الإرهابيين" المتمردين على "طالبان"، وهم ينفقون الأموال من أجل تجنيد الشباب لمصلحة تنظيم داعش، والمفيد في هذا السياق الاستشهاد بتقرير ميداني نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، وجاء فيه، على لسان أحد كبار القادة القبليين في شمال هلمند، إنّ كثيرين من شباب وأطفال الإقليم ــ بما فيهم ابنه الجامعي ــ تم تجنيدهم، وإنّ أعلام "داعش" السوداء وصور زعيمه أبوبكر البغدادي منتشرة في كل مكان.

أما الأسوأ من هذا؛ فهو الأنباء التي انتشرت حول قيام بعض عناصر الجيش النظامي وقوات الشرطة الأفغانية بالالتحاق أيضاً بصفوف "داعش" تحت إغراء المادة.

بحسب تقرير لجنة "القاعدة وطالبان" بالأمم المتحدة، فإنّ "عدداً غير قليل" من غير الأفغان قدموا مباشرة من العراق وسوريا، ليشكلوا النواة الصلبة لتنظيم "داعش" في أفغانستان، وهو ما تؤيده تصريحات صادرة عن مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة؛ إذ حذّر من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده، الذي وصل إلى سبعة آلاف مقاتل.

أمراء الحرب الأفغاني في المواجهة

لقد عاد قلب الدين حكمتيار، أحد أهم أمراء الحرب في أفغانستان طيلة العشرين سنة الماضية إلى الواجهة؛ إذ إنّه أعلن، وبكل صراحة، رفضه أن تكون حركة طالبان ممثلاً وحيداً للفصائل المتناحرة مع الحكومة الأفغانية، وقال إنّها حركة سرطانية، عميلة لأجهزة استخبارات، وأنشئت خصيصاً للقضاء على الجهاد!!

إصدار "أرض الله الواسعة" يظهر تغيراً في أولوية القتال سواء بين طالبان والسلطة الأفغانية الحالية أو بين كلّ الفرقاء بالمنطقة

طالبان، على مدار الشهور الماضية، بدأت في اغتيال عدد من قادة الفصائل الإسلامية الأخرى، ومنهم حاجي عبد الغفور، والمولوي رحمان غل، والمولوي هاشم، الذين قتلوا شرق أفغانستان، بحجة أنّهم ذهبوا لطهران، وأنّ حكمتيار ذاته تحالف مع الشيعة، رغم أنّ الحركة أرسلت هي ذاتها وفداً، في الأسابيع الماضية، إلى طهران!

ووسط هذا الجوّ من الخلافات والصراعات الداخلية، تتمدّد داعش، ليس في أفغانستان فحسب، لكن في باكستان كذلك، وتحديداً في مركز الثقل الكبير للجماعات المسلحة، وهو (وزيرستان).

إنّ إصدار "أرض الله الواسعة" يؤكد أنّ هناك تغيراً في أولوية القتال، الذي سيحدث، سواء بين طالبان والسلطة الأفغانية الحالية، أو بين كلّ الفرقاء في هذه المنطقة، كما أنّ ظهور داعش بهذا الشكل، وانتقال مركز ثقلها من الشام لوسط آسيا، سيؤدي لإضعاف موقف طالبان التفاوضي، وينقل المعركة ما بين طالبان وكابول، إلى ما بين داعش طالبان، الأمر الذي تريده أمريكا.

 

الصفحة الرئيسية