اعتصام قناة الشرق يكشف أزمة الإعلام الإخواني

الإعلام الإخواني

اعتصام قناة الشرق يكشف أزمة الإعلام الإخواني


08/04/2018

تصاعدت أزمة قناة "الشرق" الموالية لجماعة الإخوان، بعد قيام رئيس مجلس إدارتها أيمن نور بطرد عدد من العاملين ومقدمي البرامج فيها، واستعان، في سبيل ذلك، وفق شهود عيان وعدد من الإعلاميين المحتجّين، بعدد من "البلطجية" للاعتداء عليهم خلال اعتصامهم أمام مقر القناة في العاصمة التركية، ما دفع آخرين للاستقالة احتجاجاً على هذا التعامل مع زملائهم.

استمرار مسلسل الفساد

وكما توقعت "حفريات" في تقريرها الذي نشر في 21 كانون الثاني (يناير) الماضي استمر مسلسل الفساد الذي يضرب الفضائيات الإخوانية، وعلى رأسها قناة "الشرق"، التي بدأ عاملون فيها الأسبوع الماضي اعتصامهم الثاني في غضون هذا العام، مطالبين بزيادة مستحقاتهم المالية، ما دعا أيمن نور، إلى فصل عدد منهم واستدعاء الشرطة التركية، وعدد من ذوي الجنسيات الأجنبية، الذين وصفهم المعتصمون بــ"البلطجية" لفض ذلك الاعتصام، وإنهائه بالقوة.

بدأ عاملون في قناة الشرق الأسبوع الماضي اعتصامهم الثاني في غضون هذا العام

استغاث العاملون بقادة جماعة الإخوان المسلمين، وبــ"الشعب المصري"، عبر البث المباشر على صفحات عدد منهم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لإنقاذهم مما أسموه "طغيان" أيمن نور، الذي اتهموه أنّه "استولى على أموال القناة في سبيل رفاهيته الشخصية، وعقد مؤتمرات في الفنادق التركية"، بينما لا يجدون هم قوت يومهم، ولا تكفي رواتبهم لدفع إيجارات مساكنهم، وفق المعتصمين.

واتهم المعتصمون نور، خلال البث المباشر من هواتفهم، بأنّه "ينفق أموالاً طائلة على حراسه الشخصيين، ثم يزعم أمام العاملين بالقناة أنها "فقيرة"، وأنّ عليهم الانصياع له لأنّهم "جوعى"، والأوضاع الحالية هي الأفضل لهم، بدلاً من أن يتم إلقاؤهم في الشارع بلا مأوى.

استغلال وتواطؤ

أمام عدسات الموبايل المفتوحة على البث المباشر، قال المعتصمون إنّهم أُلقوا بوحشية في شوارع إسطنبول، وقبض أحد الحراس على رقبة عبدالله الماحي، مقدم البرنامج الصباحي، وألقى به في الخارج، وظلّ بعض المعتصمين محتجزين في الداخل، وتقاطر زملاء لهم للتضامن معهم.

شنّ المحتجون هجوماً حاداً على الإعلامي صاحب البرنامج الرئيسي في القناة، معتز مطر، متهمين إياه بأنّه تواطأ مع "نور" في مواجهتهم، وكشفوا عن أنّه يتقاضى شهرياً 20 ألف يورو من أجلها تخلى عنهم، وتركهم معتصمين في الخارج لينطلق بحلقته المسائية، دون التعرض لقضيتهم، أو الإشارة لها بأي صورة، وقال محمد طلبة رضوان، مقدم أحد البرامج، إنّ "مطر" انضم لجبهة أيمن نور وتجسس على العاملين بالقناة.

عبدالله الماحي

وقال رضوان إنّ "أيمن نور قام بعمل ملفات لكل العاملين بالقناة لتهديدهم في الوقت المناسب، متهماً إياه بــ"الكذب" وبـ"امتصاص دماء هؤلاء الشباب بالقناة، وبالنصب عليهم في الخارج".

استغاث المعتصمون بقادة جماعة الإخوان المسلمين و"الشعب المصري" لإنقاذهم من "طغيان" أيمن نور

من جهتها أصدرت إدارة القناة بياناً قالت فيه: "فيما يُثار من قضية استدعاء قناة الشرق لأفراد من الشرطة التركية، يجب أن يتم توضيح بعض الحقائق وهي: تقع قناة الشرق داخل منطقة تجارية ذات أهمية كبرى فى مجال التجارة بمدينة اسطنبول، وعليه فإنّ المنطقة يتم حراستها بأمن خاص ينظم عملية دخول وخروج الأفراد والسيارات للمنطقة، ونتيجة ارتفاع الأصوات والتصايح من قبل المجموعة التي حاولت اقتحام مقر القناة، فقد قام الأمن الداخلي لمجمع المركز التجاري باستدعاء بعض أفراد من الشرطة التركية لتأمين المنطقة والمكان بصفة عامة، والقناة بصفة خاصة، وعندما شرعت قوة الشرطة التركية في اصطحاب بعض الزملاء ممن صدرت منهم فعل التصايح والانفعال والتعدي على زميل آخر بالقناة تركي الجنسية، لقسم الشرطة، تدخلت إدارة القناة فوراً وذلك لمنع أفراد الشرطة من القبض على أي من الزملاء العاملين، حتى ممن صدر منهم بعض التجاوزات".

صاحب البرنامج الرئيسي في القناة، معتز مطر

لا حياة لمن تنادي

لم تلقَ استغاثات المعتصمين صدى لدى قادة جماعة الإخوان، الذين تجاهلوا الأزمة برمّتها، وفق المراقبين للمشهد، وبدت وكأنّها غير آبهة بأحداثها التي كشفت عن أزمات إعلامييها في الخارج، والصراعات الطاحنة التي تعصف بهم.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تنحاز فيها الجماعة للإدارة في مواجهة الصحفيين؛ حيث شهدت صحيفة "الحرية والعدالة"، المعبرة عن الحزب، احتجاجات قام بها العاملون فيها، العام 2013، وقت حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، مطالبين بزيادة رواتبهم، ومنحهم عضوية نقابة الصحفيين المصرية.

اتهم المعتصمون أيمن نور بالاستيلاء على أموال القناة لرفاهيته الشخصية بينما لا يجدون قوت يومهم

الخبير في شؤون الجماعات، ماهر فرغلي، يرى أنّ التنظيم "يبخل على إعلامييه بالمال، فيخصص لهم رواتب ضعيفة، لا تتشابه مع أقرانهم من الإعلاميين".

ومع ذلك فلم تكن تشعر الجماعة بالراحة للمجموعة الصحفية داخل تنظيمها، ووضعت عليهم دوائر حمراء، ما يعني أنّ نسب ترقيهم داخل التنظيم ضئيلة للغاية، معتبرين أنّ كون العنصر اختار أن يكون صحفياً لهو دليل على احتمالية سقوطه من التنظيم، أو أنّه سيتمتع بروح جدلية لا يحبذها التنظيم في عناصره، وفق فرغلي.

الناشط المصري رامي جان، أحد إعلاميي القناة العائدين من تركيا

مشكلة الجماعة مع الإعلام

ويضيف فرغلي: شكلت المجموعات الصحفية الإخوانية كانتونات معزولة عن بقية الوسط الصحفي، ذهبت لربط نفسها بالتنظيم، ورفضت دخول عناصر صحفية غير منتمية للجماعة، إلا أنّها سمحت بالزج بعناصر إخوانية في صحف أخرى محاولين إخفاء هويتهم وانتمائهم للجماعة، تكون مهتمهم نقل ما يجري داخل الصحيفة من كواليس.

ويسترسل قائلاً: بعد الإطاحة بمرسي، هرب قادة الإخوان إلى تركيا وقطر وماليزيا، فباتوا في حاجة لهؤلاء الإعلاميين، فطلبوا من أغلبهم ترك مصر والالتحاق بهم، لم يكن ثمة ما يدعو كثيراً منهم للهرب، فلم يكونوا ملاحقين أمنياً، ومنهم من كان مستقراً مهنياً في جرائد وفضائيات غير معادية للدولة المصرية، لكنهم تحت ضغوط الإغراء ظنوا أنهم سيلقون وضعاً أفضل في الخارج، لكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفنهم كالعادة.

ادعت إدارة القناة أنها اضطرت لاستدعاء الشرطة رداً على الانفعال والتعدي على زميل تركي الجنسية

من جهته، يحيل الباحث في شؤون الجماعات، أحمد الشوربجي، موقف قادة الجماعة إلى بنيتهم التنظيمية، والفكرية، التي تحمل  كراهية عميقة وتاريخية للصحافة والإعلام "فالعمل التنظيمي السري يتناقض مع جوهر العمل الصحفي والإعلامي، الذي يسعى لاختراق ما يدور داخل الكيانات المغلقة، وكشفها وتسليط الضوء عليها".

ويضيف قائلاً: لا تؤمن الجماعة بالصحافة المهنية المجردة؛ بل ذهبت لتشكيل صحف تماثل النشرات الدعوية، التي يتم حشوها بعشرات من المقالات التي تخدم التنظيم، وتمجد أفعاله، وتحاول حسب الظروف المواتية ممارسة هدم الدولة، ومحاولة الوصول للسلطة.

دعا رامي جان أحد إعلاميي القناة العائدين من تركيا المعتصمين للرجوع إلى مصر متهماً الإخوان بالتغرير بهم

وكان الناشط المصري رامي جان، أحد إعلاميي القناة العائدين من تركيا، صرح في حديثه لموقع "اليوم السابع" أمس أنّ "المعادلة أصبحت صفرية بين أيمن نور والعاملين ويستحيل أن يستكملوا مع بعضهم الطريق"، مضيفاً: "المتواجدون في الخارج تنتابهم حالة تعب شديد جداً وحياتهم صعبة ويريدون العودة لمصر لكنهم يتخوفون"، ودعاهم للرجوع إلى مصر إذا لم يتورطوا في أعمال العنف، مشيراً إلى أنّ هناك مجموعة من الشباب متواجدون في تركيا لأنهم "مضحوك عليهم من جماعة الإخوان التي غررت بهم".

تنبئ أحداث اعتصام قناة الشرق، بدخول الإعلام الإخواني مرحلة جديدة من الأزمات، في ظلّ تجاهل صرف مستحقات صغار العاملين بها، والتنصل من التزاماته المادية تجاههم، وصل حد تهديد عدد منهم بما وصفوه بـ"كشف المستور" عن علاقة المحطة الفضائية بجماعة الإخوان.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية