تركيا في القرن الأفريقي: حنين العثمانيين الجدد للهيمنة

تركيا وأفريقيا

تركيا في القرن الأفريقي: حنين العثمانيين الجدد للهيمنة


17/04/2018

تنشط تركيا في القارة الأفريقية، كلاعب إقليمي، يبحث عن مزيد من الشراكات الإستراتيجية، مع الدول الإقليمية، وهوامش أكبر للحركة، تتحرى من خلالها إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، بأدواتها الناعمة وتأثيراتها الثقافية وتدخلها الخشن أحياناً، فضلاً عن عقد صفقات اقتصادية، وفتح مجالات التواصل السياسي والدبلوماسي؛ فثمة تواجد عسكري على السواحل الشرقية الأفريقية، وفي حوض البحر الأحمر، عبر قاعدة عسكرية تتمركز في الصومال، وأخرى في منطقة سواكن، بالسودان،  التي تتماس مع الحدود المصرية والقريبة من السعودية.
ويركز الخطاب السياسي لأردوغان، في أفريقيا، حول أهمية الحفاظ على العناصر المشتركة، المتصلة بالهوية والدين، والتي تترافق مع طموح "العثمانيين الجدد"، داخل أنقرة، لاستعادة مناطق نفوذهم، التي كانت تخضع لسلطان الخلافة العثمانية، بيْد أن  الرئيس التركي، يؤكد طوال الوقت على طبيعة الدور التركي، التنموي والإغاثي، فقط، في سبيل دعم الاستقرار بدول أفريقيا.
أضحت اسطنبول مقراً جاهزاً لاستضافة قيادات دينية وكبار رجال الدين الأفارقة

أدوات تركيا الناعمة للهيمنة

لئن ظلت تركيا تعمد إلى تنحية دور رجال الدين في شؤون السياسية، وعدم لعب دور على الصعيد المحلي والخارجي، بحسب ما يقره الدستور بعلمانية الدولة؛ لكن ثمة تحوّل يجري بالتبعية، في ظل الأدوار الجديدة والطموح السياسي، الذي يؤسس له حزب العدالة والتنمية، في سياسته الخارجية، نحو أفريقيا، والمتمثل في جانب منها في تقوية الروابط الدينية، فأضحت اسطنبول مقراً جاهزاً، لاستضافة قيادات دينية وكبار رجال الدين الأفارقة، بالتنسيق والتعاون المباشر، مع إدارة الشؤون الدينية التركية، التي رأت في دعم الأفراد والجماعات والمؤتمرات، ذات التوجه الديني، ما يخدم مصالحها القومية.
كما تنتشر في الصومال، بصورة لافتة، مدارس الأئمة والخطباء الدينية، التي تخرج فيها أردوغان، وذلك عبر تمويل مباشر، من هيئة وقف الديانة التركية، التابع للحكومة التركية.

يترافق الخطاب السياسي لأردوغان في إفريقيا مع طموح العثمانيين الجدد داخل أنقرة لاستعادة مناطق نفوذهم

ومنذ كانون الثاني (يناير)، عام 2008، أعلن الاتحاد الأفريقي، أنّ الدولة التركية أصبحت شريكاً إستراتيجياً، وهو العام ذاته الذي انعقدت فيه، أول قمة تركية أفريقية، في مدينة إسطنبول.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، انعقدت القمة الثانية، التي استضافتها مدينة مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، حيث تنامت الزيارات الرسمية إلى القارة السمراء، من جانب أردوغان، التقى فيها برؤساء وقيادات نحو 24 دولة، وفي المقابل، زادت تركيا من عدد سفاراتها، في أفريقيا، من 12 سفارة، في عام 2009، إلى 40 سفارة حالياً، ويوجد في أنقرة سفارات لنحو 33 دولة أفريقية.
وتسهم تركيا بالدعم في موازنة الاتحاد الأفريقي، بشكل سنوي، بقيمة مليون دولار، حيث تقدر قيمة الاستثمارات التركية، بنحو 6 مليارات دولار.
العثمانيون الجدد
وعلى المستوى التعليمي والثقافي، دأبت تركيا على توفير منح للتعليم، لنحو أكثر من 15 ألف صومالي، للدراسة بالجامعات التركية، فضلاً عن إنشاء المدارس التركية بالصومال، والترويج لتعلم اللغة التركية، من خلال الإعلان عن فرص عمل، طوال الوقت، لمن يتقنون اللغة التركية، وتغيير أسماء بعض الشوارع من العربية إلى التركية، في الصومال.
يبدو الانفتاح على أفريقيا من جانب تركيا، أمراً حيوياً يفصح عن تداخلاته الاقتصادية والأمنية والسياسية المعقدة؛ فالقارة السمراء التي تضم نحو54 دولة، وتتميز بوفرة وثراء مواردها الطبيعية وثرواتها، تعد منطقة جاذبة للاستثمارات، كما تسجل أسرع معدلات نمو، ومن ثم، فإن محاولات تركيا تستهدف تأمين طرق التجارة الدولية، والسيطرة على سواحل البحر الأحمر.

يبدو الانفتاح على أفريقيا من جانب تركيا أمراً حيوياً يفصح عن تداخلاته الاقتصادية والأمنية والسياسية المعقدة

وتمثل منطقة شرق أفريقيا أهمية قصوى في التحكم بالملاحة الدولية، التي تمر عبر البحر الأحمر، بما تشكله من حجم التجارة الدولية البالغ 15%.
ويعمد الوجود التركي في البحر الأحمر، إلى استنزاف قوى بعض الدول، التي تباعد المواقف الإقليمية بينهما، فيأتي تدشين قاعدة عسكرية، في منطقة سواكن السودانية، القريبة من الحدود المصرية، مصدراً لتهديد الأمن القومي المصري، ولمنطقة الخليج بوجه عام، لما يشكله البحر الأحمر من أهمية إستراتيجية، للأمن الخليجي، حيث تبعد سواكن، عن السواحل السعودية 297 كم.

تركيا وإيران، كلتا الدولتين تطمحان بمدّ نفوذهما السياسي وتمددهما الاستخباراتي

تركيا وإيران: البحث عن ممرات دافئة
وتشير دراسة بعنوان: "تنسيق محتمل: إيران والتوجهات التركية نحو إفريقيا"، للباحث المصري، محمد عبد القادر خليل، إلى أن تركيا تسعى لمد النفوذ العسكري التركي، إلى القرن الإفريقي، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة؛ إذ وقعت بالفعل اتفاقيات أمنية، مع كل من، كينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا؛ لتدريب قوات الأمن في تلك الدول على مكافحة الإرهاب.
وأوضحت الدراسة، المنشورة في مركز الخليج للدراسات الإيرانية، أن التوجه التركي العسكري نحو الصومال، والسودان، وقطر، يعكس الاهتمام المتزايد بأمن الممرات الملاحية، ورغبة تركيا في توسيع نفوذها لتأكيد دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط، بالمقارنة مع الفواعل الإقليمية الأخرى، التي تسعى بدورها لإنشاء قواعد عسكرية حول الممرات الحيوية ذاتها.

تسعى تركيا إلى مد النفوذ العسكري لها إلى القرن الإفريقي وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة

وكشفت الدراسة التقاطعات والاتفاقيات بين تركيا وإيران على الساحة الإفريقية؛ فكلتا الدولتين تسعيان إلى "تعزيز نفوذهما السياسي، وتمددهما الاستخباراتي، وحماية مصالحهما الاقتصادية، وإيجاد مراكز تدريب، أو قواعد عسكرية على الساحة الأفريقية، تسهم في إعادة خلط المعادلات القائمة، وتعزيز دعم ومساندة الدول الإفريقية لبلدان الجوار للمنطقة العربية، لا للقضايا والمصالح العربية".
ويمثل الوجود التركي في أفريقيا في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، يمثل تهديداً أكثر منه فرصة، كما أفاد خليل ؛ إذ إن هناك تنسيقاً، متعدد الجوانب، بين تركيا وإيران على صعيد أكثر من أزمة، كما أنّ حجم الخلاف بين دول الخليج - وفي مقدمتها السعودية - شاسع، لكنه ليس كذلك بين تركيا وإيران. ودعت الدراسة إلى الحذر من احتمال التنسيق بين تركيا وإيران في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة إلى الأمن العربي والخليجي، كما حدث في مواجهة الأزمة الخليجية الأخيرة.

الصفحة الرئيسية