عامر الوائلي: الأصولية تحول الإرهاب من التكفير إلى التوحش

عامر الوائلي: الأصولية تحول الإرهاب من التكفير إلى التوحش

عامر الوائلي: الأصولية تحول الإرهاب من التكفير إلى التوحش


27/09/2023

اعتبر الباحث العراقي الدكتور عامر عبد زيد الوائلي أنّ الأصولية تحوّل الإرهاب من التكفير إلى التوحش، فضلاً عن كونها معطى رئيسياً لفهم أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب، متتبعاً مسارها تاريخياً، معيداً إليها سبب تحول ظاهرة الإرهاب من التكفير إلى التوحش.
وأشار الدكتور الوائلي إلى أنّ الإرهاب يلقى دعماً من ثلاثة أطراف: الدعم الغربي، والدعم العربي، والدعم الشعبي، وكلها تحاول الاستفادة من أعمال العنف والتطرف والإرهاب وتتصارع من أجل امتلاك المجال والسيطرة سياسياً واقتصادياً بتوظيف الدين لتحقيق مصالح مختلفة.
ودعا الدكتور الوائلي إلى ضرورة عقد مصالحة ما، معتبراً أن "الحلول السلميّة تعمّق المصالحة العربيّة العربيّة وتحقق التعاون المنشود بين الدول".
والدكتور عامر عبد زيد الوائلي أستاذ جامعي بكلية الآداب في جامعة الكوفة. ألّف العديد من الكتب وأشرف عليها، منها: نقد العقل العربي عند محمد عابد الجابري، يوتوبيا القول السياسي، اليوتوبيا والفلسفة، جدلية العلاقة بين التصوف والعرفان في الإسلام، وغيرها.
"حفريات" التقته فكان هذا الحوار:
تتنامى ظاهرة الإرهاب في العالم عموماً، وفي المنطقة العربيّة على وجه الخصوص، فهل لهذه الظاهرة علاقة بالدين؟ أو بعبارة أخرى هل لها علاقة بفهم مخصوص ومنغلق للدين؟

إنها الأصوليّة (الارثوذكسيّة)، التي تعدّ مفهوماً مركزياً في فهم ظاهرة الإرهاب؛ إذ تحوّله من التكفير إلى التوحش. دائماً الإجابة عن هذا السؤال تحرج المؤسسات الدينيّة التي تجد ظاهرة الإرهاب تتحرك ضمن مبانيها ومنطلقاتها؛ لهذا يصعب أنْ تقف منه موقف الناقد، خصوصاً في ظلّ غياب رؤيّة تجديديّة للمباني، تواجه التراث مواجهةً نقديّةً شجاعة، وتفصل بين النص والقراءة التاريخيّة له.
وقد وقف محمد أركون من المسألة موقفاً مهماً عندما شخّص الخلل وأرجعه إلى لحظة تاريخيّة من تشكُّل التراث: إنها لحظةُ تشكُّل الأصوليّة (الأرثوذكسيّة) التي كانت بداياتها مع السلاجقة، ومشروعهم في البحث عن مشروعيّة سياسيّة وجدوها في مزج الدين بالسياسة وإعلانهم الأصوليّة، التي أحدثت قطيعةً مع ما سبق من خلال التعدديّة والتنوع في القراءات الكلاميّة والمذهبيّة.

توظيف الدين في الصراعات يعد خطراً كبيراً، فهو مثل المواد النوويّة تبقى آثارها إلى أزمنة طويلة مقبلة

أشار أركون إلى الأصوليّة (الأرثوذكسيّة) التي أصبحت التيولوجيا الدينيّة الأم، وهي مختلفة عن الإسلام في الحقبة التي سبقت الدولة السلجوقيّة، اختلافاً كبيراً، ويمكن معرفة ذلك من محمد أركون نفسهِ في كتابه "نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل مسكويه والتوحيدي".
لكن مع السلاجقة وإعلان الخليفة العباسي للقواعد التي تمثِل الإسلام، تشكّلَ خطابٌ جديد. وجاء الغزالي بتحديده للمؤمن والكافر وتمييزه بينهما في المشرق، وسار تلميذه ابن تومرت في المغرب على نهجهِ تحت شعار (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وبهذا تشكّلت الأصوليّة الأشعريّة وانتشرت في دول الأتابكة والأيوبيين والمماليك، حتى جاء الشيخ ابن تيميّة فأسس للسلفيّة وجذّرها، وقد استعادتها السلفيّة النجديّة، وكل الفصائل اليوم تعدُ ترجمةً وتفسيراً وشرحاً لها.

ضمن هذه البنية تشكّلت نصوص التكفير والتوحش، وهي بيئة سياسيّة ودينيّة تُشكّل المرجعيّة لكل ما يحدث اليوم، وبالآتي لا يمكن إيجاد حلول وهذه البنية هي البنية التي تحرك الإعلام والتربيّة والتعليم العالي. فلا تجد اختلافاً بين هؤلاء وهم يتحدثون عن الظاهرة؛ لأنّهم ينتمون إلى المرجعيّات الفكريّة نفسها التي تكوّنت في العصر الوسيط وتَمّ تأبيدها وأصبحت خارج التاريخ ويصعب نقدها من داخل الخطاب؛ لأنها تشكِل سلطة ثقافيّة ودينيّة ومؤسسات دعويّة تشكّل الحاضنة والداعمة لكل ما يحدث؛ فهي تجد فيه الجانب الشرعي؛ وقد انتقلت من القراءة التيولوجيّة إلى القراءة الأيديولوجيّة الحركيّة العسكريّة.

هناك تشابك كبير بين السياسة والدين والمخاطر الاجتماعيّة، والهواجس الأمنيّة، ليس في منطقتنا فحسب بل في العالم

وقد تم استثمار كل هذا في الدولة الحديثة التي ترفع من الماضي بحسب القراءة السلفيّة بوصفه أُنموذجاً كاملاً للخلافة التي سحبت أيضاً على الدولة العثمانيّة، وبالمقابل تبخس النظم السياسيّة القائمة، على الرغم من أنّ الحاضر بكل الأحوال أفضل من الماضي بالمقاييس كلها إلا أنّ هذه الرؤيّة دعمتها كثير من الدول عبر إعلامها في بحثها عن شرعيّة سياسيّة مفقودة شعبياً؛ فأخذت تبحث عنها بالعودة التبجيليّة للماضي، فتم إنتاج أجيال تحلم بالعودة إلى الماضي وزمن الجهاد والفتوحات.. الخ.
وهنا نستطيع أن نوظِف قراءات فلسفة التاريخ عند توينبي فنقول: عندما توقّفت دولة العرب مع العباسيين انتعشت رابطة الدين السلفيّة حتى تحافظ على الهويّة التي عزلت العرب عن الاندماج بالحضارة وعلومها.

ثلاثة أشكال لدعم الإرهاب
يتغذّى الإرهاب من الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة المتدهورة في المنطقة، ولكن يبدو أنّ هذه الجماعات التي أصبحت تنظيمات دوليّة وتعلن أنّها دول مثل "داعش" تحتاج إلى من يدعمها ماديّاً. هل يمكن لكم أن تبيّنوا لنا مَنْ هي الجهات الماليّة التي أسهمت في تمويل هذه الجماعات الإرهابيّة.

هناك ثلاثة أشكال للدعم: الأوّل: الدعم الغربي الذي يشرعن الثاني: الدعم العربي؛ والثالث هو الدعم الشعبي من قبيل المؤسسات الدينيّة السلفيّة التي تعتمد على دعم العامّة من الناس حقوقاً شرعيّة.
بمعنى أن الصراع الإقليمي بين الدول المتصارعة فيما بينها؛ إذ تسعى إلى مد نفوذها سواء بالتوافق الدولي أم بالاختلاف مع الغرب، وهذا يجعل الإقليم منقسماً، ويُشجِع على خلق حروب بالنيابة تشنّها تشكيلات شبه عسكريّة، تنفِذ أجندةً لدول الإقليم بشكل غير مباشر، مما يجنِبُها التّبِعات القانونيّة، هنا يحاول الغرب استثمار الانقسام الإسلامي الذي هو انقسام يولِده الصراع على النفوذ بين دول الإقليم وهو صراع سياسي عادي، إذ يحاول الغرب إشغال المسلمين بعضهم ببعض، من أجل حماية حلفائه.
وبالآتي سمح الغرب للدول العربيّة في دعم التشكيلات شبه العسكريّة التي تحوّلت إلى تنظيمات عسكريّة دينيّة، سواء في سوريا أم في العراق أو اليمن على أساس إثني طائفي، وفي ليبيا ومصر على أساس مناطقي وسياسي مما ولّد انقساماً سياسياً ومناطقياً وجعل من الأمر يبدو وكأنه حربٌ طائفيّة مفتوحة في الجزء الاول وفي الجزء الثاني، وكأنّها صراعٌ لفصائل أو معارضةٍ مسلّحةٍ.
إذ تمثّلَ الجزء الأول في تصريحات "جو بايدن" التي توضِح من هي الاطراف التي كانت وراء ظهور داعش والنصرة في سوريا وداعش في العراق، فهو قد حدّد تلك الدول بالأسماء ومن يريد معرفة الأمر يمكنه الرجوع الى التصريحات، طبعاً هذا جاء بفعل احتدام المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا.
ويبدو أنّ الدعم غربي، من أجل النفوذ وعربي إسلامي من أجل النفوذ الإقليمي، لكنّ الأمر أخذ مساعي مختلفة بعد خروج الإرهاب عن دائرة السّيطرة.
عشتم حقبةً عصيبةً مع دخول "داعش" إلى الموصل. هل يمكنكم أن توضّحوا كيف استفاد هذا الكيان من الدعم المالي. وكيف كان يوفّر الأموال لمقاتليه، ومن أين تأتيه الأموال لشراء العتاد الحربيّ؟
التجربة العراقيّة مع داعش تجربة مريرة ترتبط بأشكال الغزو التي تعرض لها العراق ومنها الغزو المغولي بكل قسوته، إلا أن الغزو هذه المرة قد خلق انقساماً عنيفاً ومزّق لحمة المجتمع، وجعل المواطنين الذي أمضوا حقبةً من التعايش والمواطنة يتحولون إلى أعداء وينهبون بيوت بعضهم بعضاً، ويشاركون في أعمال قتل وخطف واستباحة للدماء والأعراض والأموال لمجرد الاختلاف المذهبي والطائفي، مما ولّد مصائب لا يمكن زوال آثارها بسهولة.
أمّا عن الدعم فلا شكّ في أنّ هناك جهات إقليميّة ودوليّة، فضلاً عن جهات محليّة مهّدت للغزو وتعاونت معه واتّخذت أكثر من وسيلة من أجل الاستثمار السياسي، فسهّلت دخول الأموال والمتطوعين، وسهّلت تهريب الآثار العراقيّة والنفط العراقي وقدّمت أشكالاً متنوعةً من الدعم المالي والمعنوي والسياسي من أجل توظيف كل هذا سياسياً.

لابد من مصالحة سياسيّة عراقية تحاول تجاوز أخطاء الماضي وبناء ثقة متبادلة تُجنّب الناس الانقسامات السياسيّة

أما أشكال الموارد الأخرى فهي محليّة من سرقة الممتلكات العامة والآثار والفديات الماليّة عن الخطف وتهريب النفط، والاستيلاء على ممتلكات من كفّرهم من الأيزيديّة والمسيحيّة والشبك والتركمان، فضلاً عن التبرعات القادمة من الخارج إقليمياً ودولياً، وممتلكات المؤسّسات الرسميّة التي عدّت غنائم حرب مهّدت في حقبة التوحش إلى الانتقال في تأسيس الخلافة بحسب التنظير العقائدي المشترك بين أغلب التنظيمات التي ورثتها وتربّت عليها في التربيّة والتعليم والإعلام والجوامع والأحزاب حتّى تحوّلت من النظريّة إلى الممارسة وانتقلت من التوحش إلى الخلافة. كل هذه شكّلت موارد مهمّة للتنظيم في إدامة تواجدهِ وفرض دولته المزعومة.

المال والإرهاب
إذا كانت هناك أطراف أو دوائر ماليّة تموّل الجماعات الإرهابيّة فيعني ذلك أنّ هذه الجماعات خاضعة لها وتطبّق أجنداتها. هل لكم أن تقدّموا مثالاً على هذا الارتباط؟

أعتقد أن التموين يبين إستراتيجيّة الداعم وغاياته المباشرة أو غير المباشرة، فالدول تقوم بشن حروب غير مباشرة على الدول المجاورة تتم عبر دعم الحركات الإرهابيّة وتمويلها.
وهذا واضح وبيّن لمن لديه عقل وتأمل، فهناك جهات داعمة للإرهاب ترتبط بالفصائل الإرهابيّة برابطة (عقائديّة ودينيّة وسياسيّة) وتمارس الدعم؛ لأنها تريد تغيير النظام السياسي الذي لا يتوافق مع غاياتها، وهي أجندة اتّبعها الغرب في تغيير الأنظمة بذريعة دعم الديمقراطيّة وتمارسه بعض الدول الإقليميّة بدعم وتمويل فصائل في (مصر والعراق وسوريا)، عوضاً عن تدخلها المباشر وأحياناً تتدخل بشكل مباشر إذا ما وجدت هنا تأييداً دولياً وشرعيّةً للتدخل.
وهناك كثيرٌ من التّهم التي تظهر في الصحف الغربيّة ودوائر القرار تتّهم دولاً معيّنة بدعم فصائل معينة إعلامياً وعسكرياً ومالياً.
ومن هنا يمكن الإشارة إلى ما كتبه دايفد أندرو وينيرج David Andrew Weinberg، وهو صحفي وباحث أمريكي يعمل في معهد الدفاع عن الديمقراطيّة؛ إذ كتب مقالاً عنوانه "قطر وتمويل الإرهاب الممولون السرِّيون للقاعدة في سوريا" يبين طرق الدعم وأشكاله ومستوياته ويعتمد على مراكز القرار في أمريكا والدوائر الأمنيّة، ويستعرض تفاصيله ويحللها.
هناك علاقة جدليّة بين رأس المال أو بعض الدوائر الماليّة والإرهاب. فإذا كان الإرهاب يستفيد من رأس المال فما هي استفادة رأس المال من تفشِي ظاهرة العنف والإرهاب.
أوّلا، أتناول المحور الأول أي استفادة الإرهاب من رأس المال، هناك مقاربة اقتصاديّة تدعو إلى دراسة البعد الاقتصادي للظاهرة الارهابيّة؛ إذ تبدو مقاربة غريبة؛ إلا أنّها مبرّرة؛ لأنّ هناك تشابكاً كبيراً بين السياسة والدين والمخاطر الاجتماعيّة، والهواجس الأمنيّة، ليس في منطقتنا فحسب بل يتعداها إلى المحيط الإقليمي والعالمي.
فالإرهاب لا يخلو من أنّ له بعداً اقتصادياً سواء كان للإرهابيين أم الداعمين من خلال كلفة تحقيق الهدف لدى الطرفين؛ أي وتفاوت الإنتاج والطلب، مما يجعل الأثر الكبير للأسباب الاقتصاديّة في استمرار الدعم أو انقطاعه. فنحن نواجه مع داعش منظّمة إرهابيّة تختلف عن التنظيمات السابقة في التمويل والحجم، فهي منظّمة إرهابيّة كبيرة الحجم قياساً بالتنظيمات القديمة التي تتّصف بصغر الحجم، وهذا يعود إلى المخاطر الأمنيّة والتكلفة الاقتصادية؛ لهذا كانت صغيرة الحجم سابقاً؛ أما داعش فهي تعوّض كبر حجمها بسعة سيطرتها على الموارد التي تسد جزءاً من التكلفة الاقتصاديّة لهذا قيل في بعض الدراسات: "ومع أنّ التنظيم يحصل على تمويل مادي خارجي من دون شك، إلا أنّ له القدرة على تمويل نفسه. فيخلق موارد جديدة؛ لأنّه يحتل أراضي، ويستثمر بنىً تحتيّة، وموارد في المناطق الواقعة تحت سيطرته. كما أنه يفرض الضرائب، وله حضور ناجح على وسائل التواصل الاجتماعي، ومشروع أيديولوجي وبرامج دعاية متطوِرة. فمن منظور اقتصادي، إلى حدّ ما، هو أقرب لكونه "دولة".
كيف يمكن تحويل داعش إلى مشروع فاشل اقتصادياً؟ هذا يتحقق من خلال القضاء على مواردها عبر تحرير الأرض وهذا ما حدث لحد الآن؛ الأمر الثاني: يحتاج من الدولة إلى تكوين خلايا أمنيّة مصغرة الحجم سريعة التحرك تستطيع أن تحقق الاستجابة السريعة في متابعة النشاطات الارهابيّة؛ لأنها عندما تُحوَّل من وجود عسكري كبير إلى وجود إرهابي صغير، فلا بدّ من نشاط أمني يحقق استجابةً سريعة في زمن قصير.
إنّ الوقت هو أهم العوامل في العمليات الإرهابيّة، فالثواني والدقائق قد تغيّر مصير منفذي العمليات الإرهابيّة. على المستوى القصير؛ أما على المستوى الطويل، فعلى الدولة أن تعمل على جعل العمل الإرهابي مكلفاً ومحدوداً التأثير أي خفض شدة الإرهاب. أي من حيث الفعاليّة والتأثير الذي ينشده العمل الإرهابي. وهذا يتحقق من خلال العمل الأمني المبرمج والمكثّف والديناميكي في سرعة الاستجابة للخطر الإرهابي؛ أي الجمع بين العمل الآني والعمل الإستراتيجي المتواصل والمترابط. فالتغير في نشاط الإرهابيين على المدى القصير لا يمكن أن يكون معياراً لفعاليّة إجراءات الحكومات ضد الإرهاب أو لفشل مساعيها، وبدلاً من ذلك يمكن للحكومات تقدير مدى فعاليّة سياساتها على المدى الطويل.
ثانياً، أعتقد أنّ الغايات غير المعلنة وهي المسكوت عنه في دعم الإرهاب في العراق هو أنّ دول الإقليم تريد إنتاج دولة مريضة ضعيفة لا تشكل خطراً على دول الإقليم مع اختلاف موقفها وتنوّع أهدافها؛ فهي تتشابك في تهميش دور العراق وجعله ضعيفاً وتحقيق مصالحها: (الاستراتيجيّة والاقتصاديّة والعسكريّة)، لكنّ دعم الإرهاب خطر يمكن أن يعود عليها بنتائج كارثيّة، فعلى هذه الدول أن تدرك أنّ العراق المعافى خير لها من بلدٍ مقسّم لا ينتج منه إلا نتائج خطيرة، وهذا الأمر أثبته شعب العراق وحكومته وقوّاته الأمنيّة عندما كان يقدم إلى محاربة الإرهاب بأسلوب وطني إنساني؛ يد تحارب ويد تقدِم العون والمساعدة، وقد اشتركت كل الأطياف في هذا. وقد خلق ذلك تحولاً في مواقف بعض الدول الداعمة للإرهاب وأقوالها وقد أدركت الخطر أخيراً.

توظيف الدين لمنافع سياسية
علامَ يراهن رأس المال عندما يدعم الإرهاب ماليّاً. ألا يمكن أن ينقلب السحر على الساحر، فيصبح الإرهاب العدوّ اللدود لمن أسهم في نشأته ورعايته؟

الأمر مؤكد إنّ استعمال الإرهاب في الصراع الإقليمي من أجل تحقيق أهداف سياسيّة؛ إذ يتم توظيف الدين من أجل منافع سياسيّة آنيّة، لكنّ توظيف الدين في الصراعات يعد خطراً كبيراً، فهو مثل المواد النوويّة تبقى آثارها إلى أزمنة طويلة مقبلة؛ فمازال عالمنا يدفع ثمن حروب الماضي اليوم؛ هذا من ناحيّة ومن ناحيّة أخرى هناك دول دعمت الإرهاب وقد رجع إليها وحرقها وهي اليوم تدفع الثمن سواء في المنطقة العربيّة أم الإسلاميّة أو في الغرب ومثال ذلك ما يحدث في السعوديّة وسوريا وباكستان ودول الغرب.
فالإرهاب خطر كبير، وأعتقد أن هناك صحوةً اليوم وهذه الصحوة تتمثل في موقف هذه الدول وقد تغيّر دورها من الإرهاب، كما حصل في الحرب على الإرهاب في تحرير الموصل فهناك انفتاح عربي على العراق وهذا أمر إيجابي.
فكّ الارتباط بين رأس المال والجماعات الإرهابيّة، هل هو حلّ للقضاء على الظاهرة؟
بالتأكيد، الحل الأمني ليس هو الحل الكلي؛ بل هناك جملة من الأفكار أجدها ضروريّة على المستوى المحلي وطنياً، وعلى المستوى الخارجي إقليمياً ودولياً.
على المستوى المحلي: لا بدّ لنا من مشروع مصالحة اجتماعية بين أبناء المجتمع وبخاصّة في داخل المناطق التي كانت حاضنة للإرهاب، فهذه بحاجة إلى مصالحة بين المكونات التي تعرّضت إلى الاعتداءات الإرهابيّة دعمها أناس من داخل طائفة معيّنة ومن داخل العشيرة الواحدة أو المنطقة الواحدة هناك قتل من أبنائها؛ لأنهم جزء من الدولة كرجال أمن أو من المؤسسات الرسميّة أو من المنخرطين في العمليّة السياسيّة هم أو أسرهم، تم قتلهم بعد تكفيرهم كما هو الحال داخل الطائفة السنيّة التي انقسمت على نفسها بين داعم بإرادة أو مكرهٍ أو بفعل سياسات سابقة غير سليمة جعلت من هؤلاء يتحوّلون إلى حاضنات؛ بالمقابل هناك ضحايا أفراد أو عشائر أو مدن: رجال أمن، أو عشيرة ، أو مدينة حديثة أو البغدادي، كلها تعرضت إلى هذا العنف الوحشي داخل السنّة.
أما بين السنة والشيعة والعرب والتركمان والأكراد الأفيليّة، الشبك، أو الطوائف الأخرى الأيزيديّة والمسيح، فهنا تأتي المصالحة المجتمعيّة، مصالحة سياسيّة تحاول تجاوز أخطاء الماضي وبناء ثقة متبادلة تُجنِب الناس الانقسامات السياسيّة وإزالة أسباب (الاغتراب السياسي والإعلامي والتربوي)، والتنميّة الاقتصاديّة المتوازنة.
أمّا إقليمياً ودولياً: فحاول العراق أن يعمّق صلاته بالدول التي وقفت وساندت مقاومته للإرهاب إقليمياً ودولياً، فهذه دول عززت صموده بوجه الإرهاب؛ لكن مع بناء علاقات متوازنة إقليمياً والانفتاح عربياً وإزالة المخاوف عبر الحوار، والتفاوض السليم الذي يجعل الخصم المشكلة وليس الآخر سواءً أكان عراقياً أم عربياً فنظرة العرب تجاه العراق يجب أن تكون منصفةً وموضوعيّة، فقد قدّم العراق كثيراً من الضحايا من أبنائه.

الصفحة الرئيسية