العلويون في تركيا: قصة طائفة اضطهدها العثمانيون والجمهوريون والإسلاميون

العلويون في تركيا: قصة طائفة اضطهدها العثمانيون والجمهوريون والإسلاميون


25/11/2017

لقد صارت الضغوط على المجتمع العلويّ في تركيا اعتياديّة على نحو يدعو للقلق.

على غرار المجتمعات المسيحيّة واليهوديّة واليزيديّة في تركيا، كان العلويّون أيضاً ضحايا للاستعلائيّة الإسلاميّة لعدّة قرون - سواء في الإمبراطوريّة العثمانيّة أو في الجمهوريّة التركيّة.

يمثّل العلويّون أقليّة دينيّة تركيّة متمايزة لها إيمان وفلسفة وثقافة في توافق إلى حد كبير مع النزعة العلمانيّة والإنسانيّة. ويقدّر المجتمع العلويّ في تركيا بعشرات الملايين - ما يصل إلى 25 في المئة من تعداد السكّان، وهو ما يجعل منها أكبر أقليّة في البلاد. لكنّ هذا الرقم يظلّ تقريبيّاً فقط، لأنّ العلويّين، من الناحية القانونيّة، "غير موجودين" في تركيا. فالحكومة التركيّة لا تعترف بهم على نحو رسميّ، ومن ثمّ فهي لا تشملهم بتعداد سكانيّ خاصّ وتعتبرهم "مسلمين".

تتّخذ الضغوط على العلويّين بتركيا أشكالاً عدّة كالقتل الجماعيّ وعدم الاعتراف بأماكن العبادة الخاصّة بهم والاعتقالات التعسفيّة

الطغيان الأردوغانيّ لا يستثني العلويّين

قام مسؤولون في مطار اسطنبول، مؤخراً، بمصادرة جواز سفر فاطمة تونج، وهي زوجة الكاتب المعارض عزيز تونج. وكانت السيّدة تونج تستعدّ لركوب طائرة متّجهة إلى ألمانيا عندما أخبرها المسؤولون بأنّ جواز سفرها قد ألغي لأنّ "هناك أشخاصاً خطرين في عائلتها"، وأنّها إذا كانت تريد السفر خارج تركيا، ينبغي على زوجها وابنها العودة إلى البلاد. وكان جواز سفر عزيز تونج قد ألغي بمقتضى محاكمة سياسيّة تلاحقه في تركيا.

ويعيش كلّ من السيّد تونج، وهو كاتب عمود ومؤلّف لكتابين حول مذبحة العلويّين عام 1978 في مدينة ماراش في جنوب شرق تركيا، وابنه، في المنفى في ألمانيا منذ عامين، نتيجة للاضطّهاد الحكوميّ. وصرّح تونج قائلاً: "إنّ هذا التصرّف يعدّ احتجازاً صريحاً لرهائن".

"هذا أمر غير قانونيّ وغير أخلاقيّ وغير إنسانيّ. لم يحدث ذلك لي فقط؛ بل حدث لكثير من الناس في تركيا.. وكما يمكن معاينة ذلك، هناك.. طغيان جامِح [في تركيا]. لقد اضطّررنا للعيش في المنفى لأنّنا نتكلّم عن هذه الأشياء. وبمثل هذه الطرق تجري معاقبتنا".

تمثّل العلويّة ديانة وفلسفة وثقافة متمايزة لها وجود سابق على الإسلام كما تتوافق مع النزعة العلمانيّة والإنسانيّة

وتتّخذ الضغوط على المجتمع العلويّ في تركيا أشكالاً عدّة - مثل القتل الجماعيّ، وعدم الاعتراف الرسميّ بأماكن العبادة الخاصّة بالعلويّين، والاعتقالات التعسفيّة. وبخاصّة منذ الانقلاب الفاشل ضدّ الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان في عام 2016، ألقي القبض على العديد من العلويّين؛ لأنّهم على علاقة مزعومة بشيء تُطلِق عليه الحكومة التركيّة "منظّمة فتح الله الإرهابيّة"، نسبة إلى رجل الدّين الإسلاميّ فتح الله غولن، الذي يعيش منذ عام 1999 في المنفى في ولاية بنسلفانيا. وكانت الحكومة التركيّة قد اتّهمت غولن بتنظيم محاولة الانقلاب.

ومن الأمثلة الأخرى على اضطّهاد العلويّين ما يلي:

لقد ألقي القبض على أركان توبتشو، وهو مدرّس في مدرسة ثانويّة ورئيس لجمعيّة مرتضى العلويّة البكتاشيّة للتعليم والثّقافة في مدينة سبارتا، على سبيل المثال، أثناء التحقيقات المتعلّقة بالانقلاب لـ"كونه عضواً في منظّمة فتح الله" في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016.

آنذاك  أيضاً، ألقي القبض على حسن أتيش، وهو زعيم دينيّ علويّ في مدينة إزمير، لكونه عضواً في منظّمة فتح الله و"لاستخدامه بيلوك"، وهو تطبيق للرسائل المشفّرة ربطته الحكومة بمنظّمة فتح الله.

ولسوء الحظّ، تتصاعد حملة الحكومة على العلويّين؛ الآن، يتمّ استهداف الصحافيّين العلويّين أيضاً. فقد أغلقت قناة TV10 التلفزيونيّة، التي تُعرَف بـ"صوت العلويّين"، في أيلول (سبتمبر) 2016 بعد الانقلاب الفاشل، زعماً بأنّها "تهدّد الأمن القوميّ وتنتمي إلى منظّمة إرهابيّة".

كما اعتُقِل فيلي بويوكشاهين وفيلي حيدر غولتش، وكلاهما من المسؤولين في قناة TV10 العلويّة، في 10 كانون الثاني (يناير). واعتُقِل، مؤخراً، كمال دمير، وهو موظّف في القناة نفسها.

يقول شكري يلدز، الرئيس السابق للقناة، "إنّ هذه الاعتقالات والمضايقات الحكوميّة المتعمّدة لوسائل الإعلام العلويّة ليس لها أي معنى سوى أنّها محاولة لإعادة تشكيل وسائل الإعلام العلويّة". واعتبر يلدز الاعتقالات "هجوماً على الإيمان والصمود العلويّين".

يخفي العلويّون هويّتهم بسبب الاضطهاد والتميّيز الممنهج الذي يتعرّضون له

الماضي: مذابح وقتل على الهويّة

يتعرّض المواطنون العلويّون أيضاً للتهديد داخل منازلهم: الرسومات والكتابات المعادية والصلبان الحمراء توضع على أبوابهم وجدرانهم. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، رسم جناة مجهولون صلباناً حمراء على الأبواب الأماميّة لـ 13 منزلاً علوياً. وبعد أسبوع، في حي باتشليفلر في اسطنبول، وضعت بشكل مشابه علامة حمراء رمزيّة على باب عائلة علويّة أخرى. وكُتِب أيضاً على الباب: "اخرجوا أيّها الوثنيون من أوطاننا" إلى جانب كلمة "الإسلام".

يُقلِق هذا التّخريب المتعمّد لمنازل العلويّين المجتمع العلويّ، على أقل تقدير؛ فقد تعرّضوا لمذابح ومجازر عديدة في تركيا. وتشمل هذه المذابح، على سبيل المثال لا الحصر، مذبحة كوتشغري عام 1921، ومذبحة درسم (تونيجلي) بين عامي 1937-1938، ومذبحة إرزينجان زيني غيدي عام 1938، ومذبحة مالاطيا عام 1978، ومذبحة سيفاس عام 1978، ومذبحة ماراش عام 1978، ومذبحة عام جوروم 1980، ومذبحة سيفاس عام 1995، ومذبحة حي غازي في اسطنبول عام 1995.

وكان العلويّون ضحايا هجمات جسديّة أخرى في منطقة أورتاجا في محافظة مولا عام 1966، ومنطقة البستان في محافظة ماراش عام 1967، ومنطقة هيكيمهان في محافظة مالاطيا عام 1968، ومنطقة كيريكان في محافظة هاتاي عام 1971، وذلك بين هجمات أخرى في أماكن أخرى. وخلال هذه المذابح أو المجازر، قُتِل العديد من السكّان العلويّين أو اضطّروا إلى الفرار من مدنهم.

وفي سياق شرحه لمسألة إخفاء العلويّين لهويّتهم بسبب الاضطهاد والتميّيز الممنهج الذي تعرّضوا له، يقول كمال بلبل، وهو كاتب علويّ وناشط حقوقيّ: "إذا ذهبت إلى وسط حيّ كيزيلاي في أنقرة اليوم، وسألت النّاس عمّا إذا كانوا علويّين، فإنّ الغالبية سوف تنكر ذلك".

"لأنّ ما تمّ المرور به لا يمكن أن يمحى من الذّاكرة. والقتل الذي لاحق العلويّين لم يحدث فقط في يوزغات وتوكات وأماسيا، إنّما أيضاً في تراقيا وأنحاء البحر الأبيض المتوسط. والأضرحة العلويّة، التي بنيت على قبور الشخصيّات الدينيّة المبجّلة، نُهِبت وسُلبت وأحرِقَت ودمّرت".

لكن ما هي العلويّة؟

لقد حظرت الحكومة التأسيسيّة للجمهورية التركيّة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، العلويّة وأماكن العبادة الخاصّة بها في عام 1925، في حين قامت الحكومة نفسها بمأسسة الإسلام السنيّ من خلال إنشاء "ديانة" (مديريّة الشؤون الدينيّة) في عام 1924. وكانت "ديانة"، وما تزال، تمثّل انتهاكاً كبيراً للعلمانيّة. ومنذ ذلك الحظر، لم يُعترَف رسمياً بالعلويّة، وجرى حرمان العلويّين من الحريّة الدينيّة وحريّة التّعبير عن إيمانهم.

تمثّل العلويّة ديانة وفلسفة وثقافة متمايزة، لها وجود سابق على الإسلام. كما تتوافق مع النزعة العلمانيّة والإنسانيّة. والنظر إلى العلويّة باعتبارها طائفة أو تفسيراً إسلاميّاً يُعدّ خطأ شائعاً.

قامت مجموعة من رجال الدّين العلويّين بتنظيم حلقة دراسيّة عن العلويّة في مدينة ديرسم (تونجيلي) في عام 2015، واتفّقوا هناك على أنّ نموذج الإيمان العلويّ يخرج عن نطاق الإسلام.

وقال مصطفى جيانش، وهو زعيم دينيّ علويّ حضر تلك الحلقة الدراسيّة، إنّ العلويّة والإسلام السنيّ "لا يتقابلان أبداً على الخط نفسه".

كاتب علوي: إذا ذهبت إلى وسط أنقرة، وسألت النّاس عمّا إذا كانوا علويّين، فإنّ الغالبية سوف تنكر ذلك

"في المذهب السنيّ، يؤدّي النّاس الصلاة خمس مرّات في اليوم ويقومون بالصّوم لمدّة شهر، وهذه الأشياء لا وجود لها في الإيمان العلويّ. وفقاً لإيماننا، إنّ الله يسكن الإنسان وليس في السماء. وفي الإيمان العلويّ، المرأة مقدّسة والطّلاق من أصعب الأمور. ليس هذا هو الحال في المذهب السنيّ، حيث يعتقد المسلمون السنّة أنّ الرجل يستطيع الزواج من أربع نساء".

ويؤكّد الباحث العلويّ البارز محمد بيرق أيضاً أنّ العلويّة دين متمايز ومنفصل عن الإسلام.

"لأنّ شعبنا [في تركيا] لا يفكّر إلّا في الأديان السماويّة عندما يُنَاقَش الدّين، لا يستطيع النّاس التقاط فكرة أنّ العلويّة تمثّل ديناً متمايزاً. ويسألون على الفور "من هو إله ومن هو نبيّ العلويّة؟". ومع ذلك، هناك فئة تسمّى بالأديان الطبيعيّة وهي ما زالت موجودة. والعلويّة تندرج تحت هذه الفئة".

ويوضّح بيرق أنّ العلويّة قد أخذت أشياء معيّنة من ديانات أخرى ومنحت بعض الأشياء، وأنّها أقرب إلى المسيحيّة منها إلى الإسلام.

"على سبيل المثال، لا يمكن للمرء أن يرى عُشر التشابه الموجود بين العلويّة والمسيحيّة في التشابه بين العلويّة والإسلام.... يعود تاريخ الإسلام إلى 1400-1500 عام على الأقل وعاش كلاهما [العلويّون والمسلمون] جنباً إلى جنب أو مع بعضهم البعض في هذه المنطقة. ومن ثمّ أخذت العلويّة بعض العناصر من الإسلام وقامت بصهرها في داخلها. على سبيل المثال، هناك فارق كبير بين ثقافة عليّ في العلويّة وعليّ في الإسلام. لقد خلقت العلويّة طائفة دينيّة جديدة ومتمايزة من عليّ".

حظرت الحكومة التأسيسيّة للجمهورية التركيّة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، العلويّة وأماكن العبادة الخاصّة بها في عام 1925

يسرد بيرق بعض الاختلافات بين العلويّة والإسلام قائلاً:

"يمتلك الإسلام خمسة أركان، لكن العلويّة لا تمارس ركناً واحداً منها. على سبيل المثال، يقوم العلويّون بالصّوم، لكنّه صوم يختلف تماماً عن نظيره في الإسلام. ولا يقوم العلويّون بأداء الحجّ [إلى مكّة]، أو تلاوة الشهادة [الإعلان الإسلاميّ للإيمان]. ولا يؤدّي العلويّون الصلاة [الصلوات الخمس]... وحتّى يكون المرء مسلماً، ينبغي عليه أن يقبل متطلّبات الإيمان. يقول المسلمون: "أؤمن بإله الإسلام ونبیّه وكتابه واليوم الآخر وأنّ الخير والشر كلاهما من عند الله". لكن لا يؤمن العلويّون بأيّ من هذه الأشياء. ولا مكان عندهم لأركان أو متطلّبات الإيمان الإسلاميّ. وبالتّالي، فإنّ العلويّة هي إيمان متمايز. ومن الخطأ تماماً أن نراها ككيان أو نسخة أو طائفة أو نحلة إسلاميّة".

ووفقاً لبيرق، فإن مفاهيم بعض العلويّين الخاطئة عن دينهم من بين الأسباب التي تجعلهم يقولون إنّهم مسلمون. يقول بيرق: "بسبب البروباغندا التي تمتدّ لقرون، والتي كان العلويّون عرضة لها، يعتقد البعض منهم أنّهم مسلمون حقيقيّون". ويضيف أنّ الخوف من الاضطهاد يمثّل سبباً أكثر إثارة للقلق فيما يتعلّق بإنكار العلويّين لدينهم.

"مع استمرار العيش تحت ضغوط سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة، فإنّ الخوف يسكن العلويّين من التصريح بأنّ العلويّة تقع خارج نطاق الإسلام. إنّه من المستحيل عليهم التعبير عن أنفسهم بحرية".

إنّ عضويّة تركيا في حلف شمال الأطلسيّ منذ عام 1952، ومفاوضاتها من أجل عضويّة كاملة في الاتحاد الأوروبيّ منذ عام 2005، وعدداً لا يحصى من الاتّفاقات العسكريّة والاقتصاديّة والدبلوماسيّة مع الغرب، كلّها أمور لم تفعل شيئاً للحدّ من اضطهاد الأقليّات الدينيّة في البلاد.

أوزاي بولوت، معهد غيتستون


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية