بانوراما العام الإيراني: تصعيد واحتجاجات زلزلت الجمهورية

بانوراما العام الإيراني: تصعيد واحتجاجات زلزلت الجمهورية


15/04/2018

بدأ العام الفارسي الجديد 1397، في 21 آذار (مارس) 2018، وكان العام الماضي، مليئاً بالأحداث الداخلية والخارجية التي شهدتها إيران، "حفريات" أعدت عرضاً سريعاً لأبرز الأحداث التي شهدتها إيران في مختلف المجلات؛ المياه، الأقليات، الاقتصاد، المرأة، العمال، السينما، السياسة.

الماء
شهدت إيران شتاءً شحيحاً، في العام الماضي، بالكاد ترك أثره في السدود التي تنشئها وتراقبها شركات مقربة من الحرس الثوري، ولم تقد الدولة أيّة حلول لمشكلة المياه، ويعدّ سدّ گتوند العملاق الذي كلّف الدولة مبالغ هائلة، دون فائدة تذكر مثالاً على سوء تعامل الدولة مع ملف المياه، وكانت شركة "سپاسند" التابعة للحرس الثوري، هي القائمة على مشروع السدّ رغم تحذيرات المختصين، بسبب ارتفاع نسبة الملوحة بسرعة كبيرة في نهر كارون، أحد أكبر أنهار إيران، إلّا أنّ الحرس الثوري أصرّ على بناء السدّ على أرض قريبة من أحواض ملحية.

وحول سوء إدارة الدولة لملفّ المياه في إيران، يقول الباحث أمير توماج، في مقال نشرته مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات: "إنّ سياسات الحكومات الإيرانية المتعاقبة أدّت بشكل منهجي إلى الإسراف في استخدام المياه"، إضافة إلى عوامل أخرى مثل: "الفساد وانعدام الرؤية الصائبة، وبناء الحرس الثوري السدود من دون عوائق، وعدم كفاية الهياكل الأولية لتوزيع المياه، والمشروعات الزراعية غير المجدية، وتدنّي نوعية المياه".

الدولة لم تنجح بإدارة أزمة المياه فعدة أنهار رئيسة كان مصيرها الجفاف ما دفع بالكثير من سكان الأرياف للهجرة

وكانت أزمة المياه في إيران سبباً رئيساً لاحتجاجات واسعة، سجّلت اعتقالات وأعمال عنف بعد أن نشبت بين فلاحين أصفهانيين، ورجال الأمن، ورفعوا شعارات تطالب الدولة بتوفير المياه للمزارعين الذين تموت محاصيلهم عطشاً، دون أن يأخذوا حصّتهم الدورية من المياه، وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد خصّ فلاحي أصفهان ببرنامجه الانتخابي، يوم تعهد لهم أن يعيد الحياة لنهر "زاينده"، ويعطي كلّ فلاح ما يناسب زرعه، كذلك الحال تسجل الأحواز، ذات الأكثرية العربية شحّاً كبيراً بالمياه.
أما خوزستان، فشهدت مظاهرات متكررة نظمها المزارعون اعتراضاً على نقل مياه "ينابيع كارون"، إلى محافظة أصفهان، وقال مراقبون؛ إنّ انعدام المياه سببه جفاف "نهر زاينده"، ما أدّى إلى تدهور حياة المزارعين في المنطقة منذ 17 عاماً، ولم يقتصر الأمر على تدمير زراعات القمح والشعير شرق أصفهان، إنّما تحوّلت الأراضي الزراعية إلى مصدر للغبار والأتربة، وقد اعترف مسؤولو "بيت الزراعة" في محافظة أصفهان، بتأزّم أوضاع مليون فلاح يقيمون في مناطق شرق أصفهان، جرّاء انعدام المياه، الأمر الذي دفع بعضهم إلى ترك محلّ إقامتهم.

ويرى مختصون، منهم وزير الزراعة الإيراني السابق عيسى كالانتاري، أنّ الدولة لم تنجح في إدارة أزمة المياه، فبحيرة أرومية وعدة أنهار رئيسة، كان مصيرها الجفاف "ما دفع بالكثير من سكان الأرياف" للهجرة إلى مدن الأكواخ في المناطق الحضرية"، ويعترف مسؤولون في الحكومة الإيرانية بأنّ "ربع سكان البلاد باتوا يقطنون تلك المدن"، وهذه كما يرى توماج "تربة خصبة للاضطراب الاجتماعي والسياسي"، والدليل أنّ "المناطق المتضررة شهدت احتجاجات متصاعدة في العقد الأخير".

الأقليات
مرّ العام الفارسي (1396)، مليئاً بالأحداث على مختلف الأصعدة، ومحاولة استقصاء حال الأقليات العرقية والدينية في إيران، يشير إلى كثير من الوعود، وقليل من التطبيق، مع عتبٍ كبير يبديه ناشطون في تلك الأقليات.
يرى حيدر بيات، وهو شاعر إيراني من أصل تركي، أنّ حسن روحاني تسبّب له ولأقليته بالإحباط، وعلى حدّ قول بيات: "لم تضع الدولة مطالبنا في سلَّم اهتماماتها، رغم أنّ ناشطي الأقلية التركية هادئون، ويعبّرون عن مطالبهم دون أية مواجهة مع الدولة".
يحافظ بيات على لغته الأصل (التركية)، ويكتب شعره بالتركية، إلّا أنَّ الدولة لا تهتم بهذه اللغة، ولا تسهّل للناطقين استخدامها من خلال النشر والتدريس والترويج لها، ويتساءل في لقائه مع "دويشته فيله" الفارسية، عن سبب تغييب أبناء الأقلية التركية عن الإعلام، تحديداً الذين اعتقلوا العام المنصرم؛ لأنّهم ينشطون ويحاولون نقل صورة تعامل الدولة مع هذه الأقلية ومطالبها.الكاتب يوسف عزيزي بني طرف
العام الماضي أيضاً، شهدت إيران خوضاً في القوميات والهويات، وكانت قضية اللغة التركية حاضرة في بعض وسائل الإعلام المعنية بأحوال الأقليات، كذلك تناول سياسيون وباحثون في علم الاجتماع والفلسفة واقع الهويات والقوميات في إيران منهم؛ المفكر الإيراني المعروف محمد رضا نيكفر، وأحد رموز الفلسفة في إيران، بیژن عبد‌ الکریمي، والباحث والمفكر مراد فرهادپور، الأمر الذي يجعل الحوار حول الأقليات الدينية والعرقية والهويات والقوميات في سلم أولويات الباحثين الإيرانيين.
ورغم الوعود الكثيرة التي تعهّد بها حسن روحاني في دعايته الانتخابية بخدمة الأقليات، بشكل عام، والأتراك على وجه الخصوص، لم يطبق من هذه الوعود، إلّا أّن طباعة ونشر الكتب باللغة التركية أصبح أكثر سهولة، لكن هذا ليس كافياً، كما يروي بيات، فقد وعدهم روحاني بأن يدرسوا لغتهم الأم، وتتاح لهم فرصة المحافظة عليها، ونشر ثقافتهم، ولم يلتزم بهذا الوعد.
يشيرُ الكاتب والناشط يوسف عزيزي بني طرف، وهو من عرب إيران، وعضو رابطة الكتّاب الإيرانيين، إلى تعيين كرديّ سنّي سفيراً لإيران في فيتنام، وتدريس اللغتين؛ التركية والكردية في جامعات تبريز، في حواره مع "دويشته فيله" الفارسية، ويؤكد على تطبيق قرار حسن روحاني بتدريس اللغات الأم للأقليات الإيرانية في المدارس الابتدائية والجامعات، إلّا أنّه يؤكّد التطهير العرقي الذي طبِّق بحق عرب إيران، في الجنوب والجنوب الغربي لإيران، فأكثر ضحايا الاحتجاجات الأخيرة في إيران كانوا من الأقليات.
ومن مظاهر التطهير العرقي التي أوردها بني طرف: أنّ عرب إيران يعيشون مئة يوم بالعام، يتنفسون فيها هواءً ملوثاً، وخمسين يوماً أخرى يتنفسون فيها هواءً قاتلاً في الأهواز، ويعدّ العام الماضي من أصعب الأعوام التي عاشها عرب إيران في تاريخهم.

أميني: في العام المنصرم أغلِقت كثير من المدارس الدينية التي تتبع للسنّة واعتقل علماء سنّة كثر

يصف أحد مسؤولي حملة "نشطاء بلوشستان"، حبيب الله سربازي، حال أتباع الطائفة السنية في إيران، أثناء حواره مع قناة "دويتشه فيله" الفارسية، على هذا النحو: "دائماً أسأل هذا السؤال، وأحاولُ أن أكون منطقياً ومهنياً بالردّ عليه، من خلال الأدلة، لأعطي جواباً حقيقياً، والحق يقال: إنّ حال السنّة في إيران على حاله، ما يزال التمييز قائماً بقوة، ولا شيء إلّا الوعود والشعارات الرنانة، مثل شعار حلّ أزمة المياه والجفاف".

وحول التهميش والتفرقة التي تعرّض له السنّة والبلوش، يضيف سربازي: "حتى سماحة الشيخ عبد الحميد، أحد أهم رموز السنّة في إيران، لم تتم دعوته لحضور قسم روحاني عندما تولّى رئاسة البلاد، كذلك لم يعيّن محافظ من السنّة أو البلوش؛ بل عُيّن محافظ من تيار المحافظين".
وعن نصيب البلوش والسنّة من ردّ الأمن الإيراني على المتظاهرين في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران، قال سربازي: "أثناء الاحتجاجات لم نرَ إلّا الاعتقالات والتهديد، ولم نشعر بأي تغيير، سواء في الجانب الاقتصادي أو التعليمي، الأمر الذي أصابنا باليأس والقنوط من هذه الحكومة، لا الإصلاحيون ولا المحافظون قدّموا أي تغيير".
وقال مفتي أهل السنّة في إقليم كردستان إيران، حسن أميني، في حوار له مع "دويتشه فيله" الفارسية: "لم يشهد السنّة في إيران أيّ تغيير إيجابي، فرص العمل للأقليات الدينية والعرقية على حالها، قليلة ولا تلبي الأعداد الكبيرة، وأصبحت محدودة في العام الأخير، وفي المدن الإيرانية الكبيرة مثل: طهران، وشيراز، وأصفهان، ومشهد، يعيش أهل السنّة كأقلية، ولا يحقّ لهم بناء مسجد، من الثورة الإسلامية، في 1979، حتى اليوم، نحاول الحصول على إذن بناء مسجد، ولا يُسمح لنا".
ويضيف أميني: "في العام المنصرم، أغلِقت كثير من المدارس الدينية التي تتبع للسنّة، واعتقل علماء سنّة كثر، الملا سيد رضا، وهو شيخ سنّي معروف في أروميه، اعتقل وسجن 6 شهور، وأغلقت مدرسته، وتمّ نفيه مدة طويلة، وأنا نفسي استدعيت للمحكمة، ولم يصدر الحكم بي حتى الآن"، وكان أميني وجّه رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، ليضعه بصورة التجاوزات والتفرقة التي يتعرّض لها السنّة في إيران، إلّا أّنه "لم يلمس أيّ تجاوب مع رسالته"، على حدّ قوله، وتمنّى أن يكون العام الجديد مليئاً بالخير والعدل.

الاقتصاد
يلخص الأكاديمي والمحلل الاقتصادي الإيراني، فریدون خاوند، المشهد الاقتصادي الإيراني للعام الماضي، وفي مقالته التي نشرها راديو "فردا" الإيراني، يرى خاوند أنّ معاناة الاقتصاد الإيراني كامنة في الهوة السحيقة بين التنظير الذي يمارسه نظام الجمهورية الإسلامية، والتطبيق الذي يلتمسه المواطن أو الاقتصادي الإيراني.
ويرى خاوند أنّ التحديات الاقتصادية واضحة، ويعرفها النظام الإيراني، "إلّا أنّه لا يتقدم خطوة واحدة نحو الحلّ، فالنظام الإيراني ليس إلّا سلطة دينية متسلطة تواصل عملها المذهبي على حساب الاقتصاد، نظام لا يضع اقتصاد بلاده في سلّم أولوياته، رغم أنّه قادر على أن يجعل من اقتصاده قوّة ضاربة ومستقلة".

بدأ سعر العملة الإيرانية بالانخفاض أمام الدولار منذ العام المنصرم ووصل الانخفاض إلى مستوى غير مسبوق بتاريخ البلاد

وكان العام الماضي مليئاً بالقلاقل والسقطات الاقتصادية في إيران، رغم انعقاد عشرات المؤتمرات والمناظرات والجلسات النقاشية لصياغة حلول اقتصادية، ويضيف خاوند: "لم نحرز من هذا كلّه إلّا شحّ المياه، وانخفاض معدلات النموّ، وتفشّي الفقر والبطالة، وتزايد الفروقات الاجتماعية، وتغوّل الفساد أكثر، وهيمنة السلطة الدينية على مفاصل الدولة، وميزانيتها المنكوبة، وانهيارات في النظام المصرفي، وإفلاس صناديق التقاعد التي خلقت احتجاجات واسعة، وسخطاً شعبياً كبيراً".
ومن جملة التخبطات الواضحة في إدارة الشأن الاقتصادي، ما شهدته البلاد من تخبّط أعضاء الفريق الاقتصادي، الذي اختارته الحكومة لإنقاذ اقتصاد البلاد، بعض أفراد هذا الفريق يرى الخصخصة على أنّها نكتة، بينما يرى غيره أنّ النظام المصرفي في إيران نظام مرعب تقوده أطراف خفية، كذلك أثار المساعدون والمستشارون القانونيون لغطاً واسعاً بتصريحاتهم، التي لا تبشّر بانسجام هذا الفريق، واتفاقه على رؤية واضحة لها أن تنقذ البلاد في العهد الثاني لحكم حسن روحاني، الذي رفع شعارات الإصلاح بشكل ملحوظ.
شهد العام الماضي ممارسات مصرفية محفوفة بالمخاطر، نبّهت الإيرانيين إلى حجم الفساد الإداري المستشري في البلاد، وكانت هذه الممارسات سبباً رئيساً لانتفاضة الإيرانيين، بما بات يعرف بـ "انتفاضة يناير"، فقد غضّ النظام الإيراني بصره عن المتورطين في الفساد المصرفي، كما حدث في بنك كاسبيان؛ الذي قرّر منع سحب الوادئع، وبعدها توقف عن دفع الفائدة، وأعلنَ إغلاقه في أيار (مايو)، ممّا أدّى إلى إغلاق حسابات آلاف الإيرانيين، وكشف عن فساد مستشري في المؤسسات المصرفية المملوكة للنخبة، لا سيما النخبة الدينية والحرس الثوري.

كانت أوّل حصيلة للمتضررين 5 ملايين إيراني، أشعلوا فتيل احتجاجات يناير، ليدافعوا عن مدّخراتهم، إلّا أنّ الدولة لم تسكت، وأودعت 20 ألف مليار دولار أمريكي في هذه المؤسسات المنكوبة، لتعويض هذه الخسارات التي تكبّدها المواطنون، ويرى خاوندي أنّ هذا التعويض مكافأة لمن تسبّبوا بانهيار هذه المؤسسات المصرفية، ووسيلة لحماية النخب من الفضيحة،
وعاش العمال الإيرانيون عاماً صعباً، نفّذوا فيه اعتصامات واسعة، وإضرابات عن العمل، انتهى بعضها باشتباك عنيف مع الأمن الإيراني، وأهمّ أسباب السخط العمالي تأخّر صرف رواتبهم لشهور متتالية، بسبب التعسّر الذي تعاني منه الشركات العملاقة، والإفلاس الذي لحق بشركات كثيرة مثل: شركة "هپکو"، و شركة "آذر آب"، بسبب التضخم الذي تعيشه البلاد، ومنافسة الشركات الأجنبية، بعد الانفتاح الذي ألحق الأذى بشركات وطنية، الأمر الذي أدّى إلى تأخر صرف الرواتب والتعسر المالي، كما نشرت صحيفة "دنيا الاقتصاد"، في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2017.

وفي سياق معدّلات البطالة، كما جاء في إحصائيات إيرانية رسمية، نشرت العام الماضي، فإنّ معدل البطالة قرابة 12.4 في المائة من القوى القادرة على العمل في إيران (نحو 3 ملايين و200 ألف شخص أكثرهم من الشباب)، وأكثرهم حاصلون على شهادات جامعية عاطل عن العمل بين كلّ 3 متعلمين)، بينما تتحدث إحصائيات إيرانية -غير رسمية- عن نسبة بطالة أعلى، سيما في بعض المحافظات الحدودية التي تسكنها الأقليات العرقية مثل: الأكراد، والأحواز العربية.

 

 

وفي سياق العملة؛ بدأ سعر العملة الإيرانية بالانخفاض أمام الدولار، منذ العام المنصرم، ووصل الانخفاض، في الأيام الأخيرة، إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ البلاد؛ حيث تجاوز الدولار حاجز الخمسة آلاف تومان، بعد أربعة آلاف تومان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ويصل الأمر بمحلات الصرافة إلى الامتناع عن بيع الدولار أو اليورو، بانتظار استقرار السوق.

وفي حديث لوكالة "تسنيم"؛ اتّهم عضو لجنة الموازنة في البرلمان الإيراني، جبار كوتشكي، نجاد الحكومة، بالعمل على رفع سعر الدولار، كي تسدّ العجز في الميزانية العامة، لكنّ الحكومة نفت نهاية الأسبوع الماضي، على لسان نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاقتصادية محمد نهاونديان.
وفي شباط (فبراير) الماضي، قامت قوى الأمن بشنّ حملات مداهمة في سوق الصرافة، وسط طهران، واعتقال عشرات المتهمين بالتلاعب بسوق النقد، كما أعلن حينها عن إغلاق أكثر من 750 حساباً مصرفياً، لسماسرة اتّهموا بالإخلال بسوق العملات الأجنبية.
برامج اقتصادية غير موفقة، وأرقام تربك الفريق الاقتصادي، إلّا أنّ الثابت الوحيد في الاقتصاد الإيراني، هو مخصصات القطاعات العسكرية التي وصلت إلى 400 ترليون ريال (ما يعادل 11 مليار دولار) للسنة الإيرانية الجديدة، التي بدأت في 28 آذار (مارس)، ضمن ميزانية خاصة، وبلغت ميزانية "الحرس الثوري" 267 تريليوناً و366 ملياراً و971 مليون ريال، بما فيه الباسيج، وفيلق القدس، الذي يحارب خارج الحدود الإيرانية في الدول العربية، بقيادة الجنرال قاسم سليماني.
في المقابل؛ أقرّت الحكومة 97 تريليوناً و800 مليار و866 مليون ريال للجيش الإيراني، بينما كان نصيب وزارة الدفاع والقوات اللوجيستية للقوات المسلحة 44 تريليوناً و971 ملياراً و355 مليون ريال، وفق وكالة "تسنيم" الإخبارية.
المرأة
لا يمكن القول، إنّ الإيرانيات شهدن سنة مليئة بالاضطهاد والإيذاء مثل العام الماضي، ما تزال مقيدة في تنقلها، وملزمة بالحجاب الإجباري والملابس الشرعية، على حدّ قول الصحفية الإيرانية المتخصصة بحقوق الإنسان، میترا شجاعي، في مادةٍ صحفية موسَّعة أعدتها مع نهاية العام الإيراني، لحساب "دويشته فيله" الفارسية.
تشير آخر الإحصائيات الرسمية لحالات اعتداء الزوج على الزوجة في إيران، في 2016، إلى 77 ألف و280 حالة اعتداء، تمّ تسجيلها بشكل رسمي، ومنذ 2009 حتى 2016؛ ارتفعت حالات العنف ضدّ الزوجة بشكل لافت، باستثناء عام 2014، الذي شهد ثباتاً في النسب دون أن تتراجع، وحتى الآن لم تصدر الدولة أيّة إحصائية رسمية لنسبة الإيرانيات اللائي يتعرضن للعنف.
وعند استلام معاونة الرئيس حسن روحاني، شهبندخت مولاوردي، منصبها، أعلنت أثناء أحد المؤتمرات الصحفية ضياع كلّ النسخ المتبقية من الإحصائيات التي تخصّ الاعتداء على المرأة؛ فمنذ عهد الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي (1997)، لم تقدم الدولة إحصائيات رسمية لنسب الاعتداء على المرأة.

74% من الإيرانيات يتعرضن للعنف اللفظي وأكثر من 42% يتعرضن للعنف الجسدي أما الاعتداء الجنسي فقرابة 11%

وبقي أمر الإحصائيات التي تخص الاعتداء على المرأة والعنف الأسري، مناطاً بمراكز الدراسات التي تتبع للجامعات في إيران، ومؤسسات المجتمع المدني الأجنبية، منها ما نشرته "حملة حماية المرأة من العنف"، وهي حملة تهتم بنساء الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وتقوم عليها ناشطات من مختلف دول العالم، ومن إحصائياته؛ أنّ 66 من النساء الإيرانيات تعرضن للعنف من أزواجهم، ما يعادل 6 نساء من كلّ 10 تعرضن للعنف.
وأعلنت هذه الحملة مبادرة تجمع روايات نساء يتعرضن للعنف من مختلف المحافظات الإيرانية، مثل: جيلان، مازندران، کردستان، لرستان، أذربيجان الشرقية والغربية، أصفهان، خراسان رضوي، خوزستان، فارس، کاشان وهمدان وغيرها من المدن، إلّا أنّ جيلان كانت أكثر محافظة وصلت منها روايات العنف.
ومن خلال جمع الروايات والتحقيق الاستقصائي للحملة؛ تبيّن أنّ 74% من الإيرانيات يتعرضن للعنف اللفظي، وأكثر من 42% يتعرضن للعنف الجسدي، أما الاعتداء الجنسي فقرابة 11%، وكانت نسبة الأزواج الذي يعتدون على زوجاتهم 49%، وبلغت نسبة النساء المعنفات اللواتي واصلن حياتهن بعد الاعتداء، قرابة 43% من المعنفات، بينما 17% منهن طلبن الطلاق بسبب العنف، وتبلغ نسبة النساء اللواتي يخفين الاعتداء عليهن 2%، بينما تصل نسبة النساء اللواتي يلجأن للقضاء بسبب العنف الممارس عليهن 5% فقط.
تمارس منظمات حقوقية دولية الكثير من الضغط على الحكومة الإيرانية، عبر بيانات رسمية تصدر عنها، وتطالب فيها الحكومة بحماية المرأة الإيرانية، والنظر في المساواة بين الجنسين، الأمر الذي ترفضه السلطة، وتعدّه مقايضة مقابل انفتاح إيران على هذه الدول، من هذا ما صرّح به أمين لجنة حقوق الإنسان التابعة للسلطة القضائية في إيران، في 15 آذار (مارس)، أواخر العام الفارسي الماضي: "من غير المعقول أن يتم الترويج لحقوق الإنسان عبر الضغوط، ولا يمكن استيرادها من الخارج، فهي شأن داخلي للدول".
وحول المصادقة على قانون شامل في البرلمان الإيراني لمنع العنف ضدّ المرأة، قالت مساعدة الرئيس في شؤون المرأة، معصومة ابتكار: "نبذل جهوداً كبيرة مع السلطة القضائية ومجلس النواب، للوصول إلى صيغة نهائية لقانون منع العنف ضدّ المرأة وحماية الأسرة الإيرانية".
ومن المسائل التي أثيرت العام الماضي؛ زواج القاصرات، ينصّ القانون الحالي على أنّ سنّ زواج الإناث، يبدأ من 13 عاماً وللذكور 15 عاماً، ويمكن أن تتزوج الأنثى قبل إتمام 13 عاماً، بموافقة ولي الأمر والمحكمة.
وبذل نشطاء وجهات حقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني، وبعض النواب، جهوداً كبيرة لتعديل هذا القانون، منها أنّ أكثر من 80 ناشطاً حقوقياً كتبوا عريضة ووقعوا عليها مطالبين بأن يكون السنّ القانوني للزواج، بعد إتمام 18 عاماً، إلّا أنّهم واجهوا ردوداً قاسية من المراجعيات الدينية ورجال الدين، ومراكز البحوث التابعة لمجلس النواب.

تشير آخر الإحصائيات الرسمية لحالات اعتداء الزوج على الزوجة في إيران في 2016 إلى 77 ألف و280 حالة

وعلقت النائبة عن دائرة العاصمة الإيرانية طهران، طیبة سیاوشي، على تصريحات الرافضين لتعديل قانون الزواج، "من الغريب أن ترفض مراكز بحثية تعديل قانون الزواج، لننتظر من هذه المراكز المرموقة أن تقدّم أسباب رفضها لهذا التعديل"، وعلّل مراقبون رفض بعض النواب تعديل القانون، بارتباطهم مع المراكز البحثية التابعة لمدينة قم، وهم النواب أنفسهم الذين رفضوا دخول الإيرانيات لملاعب وصالات الرياضة في إيران.
ومن أحداث العام المنصرم المهمة، على صعيد المرأة الإيرانية: احتفال الإيرانيات بيوم المرأة العالمي، في 8 آذار (مارس) الماضي، بطريقة مختلفة، وبسقف مرتفع، فقد أفادت تقارير صحفية إيرانية أنّ قوى الأمن منعت نساء متواجدات أمام وزارة العمل الإيرانية، الخميس 8 آذار (مارس) الماضي، من مواصلة وقفتهن التي نظمنها بمناسبة يوم المرأة العالمي، كما قامت قوى الأمن باعتقالات عشوائية، وأعمال عنف أدّت إلى تفريق منظِّمات ومنظِّمي الوقفة، وصل عدد المعتقلين والمعتقلات إلى أكثر من 80 معتقلاً ومعتقلة، وفق صحيفة "شرق" الإيرانية، المقربة من حسن روحاني والإصلاحيين.
وفي هذه الوقفة، كانت مشاركات ممّا بات يعرف بـ "فتيات شارع الثورة"، اللواتي أعلن رفضهن للحجاب الإجباري، منتصف شباط (فبراير) الماضي، في هذه الوقفة، وتمّ اعتقال بعضهنّ، كما حدث أثناء مظاهرات التخلي عن الحجاب الإجباري، وفق ما نقلته صفحة "ماتشولند" الناطقة بالفارسية على تويتر.
كذلك شاركت في هذه الوقفة منظمات يوم خلع الحجاب، الذي بات يعرف بـ "الأربعاء الأبيض"، الذي لبست فيه الإيرانيات شالات بيضاء في محاولة منهنّ لنقل الظلم الذي يتعرضن له في إيران، في كانون الأول (ديسمبر)، احتجاجاً على قانون فرض الحجاب.
وكان ردّ السلطات الإيرانية على هذه الوقفات والاحتجاجات قاسياً، فقد عدّ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، ما يثار حول الحجاب الإجباري من صنع أعداء إيران، وقال: "تهدف الحملة الدعائية الهائلة التي يدفع بها الإعداء إلى خلق زعزعة حول مسألة الحجاب الإجباري في إيران"، وفق ما نقلته وكالة "إيسنا" للأنباء.

وأضاف خامنئي، تزامناً مع يوم المرأة العالمي الذي كان قاسياً على الإيرانيات: "كلّ هذه التكاليف والجهود التي يتكبدها الأعداء، لن ينتج عنها إلّا قيام قليلات من النساء برفع الحجاب عن رؤسهن في بعض الأزقة والنواحي، ولا شيء يكلّل هذه الجهود إلّا الخسة والحقارة".
وخصصت خطب الجمعة، في أكثر المدن الإيرانية، للتأكيد على ضرورة الحجاب الإجباري، كما أكّد المرشد الأعلى، وقال الإمام أحمد خاتمي، وهو عضو في مجلس خبراء القيادة، في خطبته، بمدينة مشهد: "رغماً عن أنوف المعترضين سيبقى الحجاب إجبارياً".
وفي خطبته الحادة، كما وصفها متابعون، قال خاتمي: "يهدف المتحدثون حول الحجاب الإجباري لإفساد الدين"، وفق ما نقله موقع "انتخاب" الإخباري، ويؤكّد أنّ "كلّ المراجع الدينية تضع الحجاب في سلم أولوليات الدين مثل؛ الصلاة والصيام وكل تكاليف الدين، كذلك أكّدت عليه كلّ المرجعيات الشيعية".
وخصص الشيخ محمد علي الجزائري، إمام مسجد الأهواز، والشيخ كاظم صديقي في طهران، وأحمد علم الهدى في مدينة مشهد، خطب الجمعة لتناول موضوع الفتيات "المغرَّر بهنّ"، على حدّ وصفهم، وتأكيدهم على إلزامية الحجاب، و"المؤامرة الغربية" ضدّ إيران، من خلال ترويج هذه الأفكار.

العمال
كان العام الماضي مليئاً بالأحداث المهمة، التي تخصّ العمال في إيران، احتجاجات واسعة بدأت منذ 22 آذار (مارس) 2017، تحدّى فيها العمال إداراتهم وقوى الأمن، وتصاعدت الاحتجاجات في ظّل تردّي الأوضاع المعيشية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بإيران، ووصل الأمر في بعض الاحجاجات العمالية إلى دهس أحد العمال المحتجين (هادي خلفي نيا، العامل بالمجموعة الوطنية لصناعة الفولاذ في الأحواز)، بسيارة مجهولة وفق تصريح اتحاد العمال الحرّ في إيران، لموقع راديو "فردا" في آذار (مارس) الماضي.
وبلغت الاحتجاجات ذروتها، إثر الاحتجاجات المناهضة لنظام الملالي، التي ضربت عدة مدن رئيسة، مطلع كانون الثاني (يناير)؛ حيث شهد أسبوع واحد، في شباط (فبراير) الماضي، أكثر من 30 إضراباً، وتجمعاً فئوياً، شملت انضمام فئات جديدة من العمال والطلاب لصفوف المحتجين ضدّ النظام.
لا توجد إحصائيات دقيقة تصدرها الحكومة حول العمال، إلّا أنّ نصف المجتمع الإيراني من العامل، وفق رئيس المجلس الأعلى للجمعيات المهنية، للعمال هادي أبوي، وتشير بعض الدراسات (غير الرسمية ومنسجمة مع رواية هادي أبوي)، إلى 13 مليون عامل، وعائلاتهم (حوالي 43 مليون نسمة) أي نصف سكان البلاد، سيكونون في فقر وعوز، ويواجهون العديد من حالات سوء المعيشة في العام الإيراني الجديد، أكثر من الماضي، باعتبار الحدّ الأدنى للأجور للعمال عام 1397 الإيراني الجديد، بمليون و114 ألف تومان (حوالي 220 دولاراً في الشهر).
ويؤكّد جوانمير مرادي، عضو اتحاد نقابة العمال في كرمانشاه، واتحاد العمال الحرّ في إيران لـ "دويتشه فيله" الفارسية، على أنّ احتجاجات العمال التي بدأت مطلع العام الماضي، ليست وليدة اللحظة؛ بل هي تراكمات أعوام طويلة، إلّا أنّها مختلفة الآن، أعداد أكبر وسقف مطالب أعلى وإضرابات واسعة وحشود كبيرة، حتى أنّ عائلات كثير من العمال شاركت في الاحتجاجات".
وشاركت لجنة العمل في المجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية، في الضغط على الحكومة الإيرانية، من خلال دعمها موقف العمال ودعوتهم إلى الاحتجاج على ممارسات النظام التمييزية، والقمعية، والمضادة للعمال، مؤكّدين أنّ إسقاط هذا "النظام النهّاب"، وتحقيق الحرية وسيادة الشعب، سيزيل الفقر والبطالة والحرمان فى بلادهم، على حدّ وصفهم.

 

 

ومع دخول العام الجديد، يواصل العمال الإيرانيون تنفيذ احتجاجاتهم وإضراباتهم بدعم من نقابيين وأعضاء اتحادات عمالية في إيران، كذلك بتحريض من أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في باريس، بعد تظاهرات المواطنين الأخيرة في الأهواز، في الأسبوع الأول من العام الإيراني الجديد، التي امتدّت لتصل إلى مجمع قصب السكر في "هفت تبه"؛ حيث أعلن العمال إضرابهم عن العمال حتى إطلاق سراح العمال المعتقلين، وإلغاء قرارات الطرد التي طالت عدداً من العمال المحتجين سابقاً، ممّن تمّ اقتحام منازلهم واعتقالهم.

كذلك الحال، شهد الأسبوع الأول من العام الجديد، إضرابات عمالية في مدن: جوانرود، وسقز، وبانه، ومريوان، وسردشت، وسنندج، وامتنع تجار السوق والكسبة في المدن الحدودية، في محافظتي كردستان وأذربيجان الغربية، عن فتح متاجرهم، وفي مدينة سقز أضربت أعداد كبيرة من أصحاب المحلات، في مجمع الماس التجاري والمجمعات التجارية المحيطة بالسوق، وسوق البزازين، وغيرها من المدن الإيرانية التي يصرّ عمالها على تنفيذ مطالبهم، رغم التهديدات الأمنية، ووصل الأمر بأحد العمال في شركة بهشهر، الواقعة في طريق كرج القديم، بإضرام النار في عدد من العجلات ثم ذهب إلى الطابق السادس من بناية الشركة وأقدم على الانتحار، ونظمت مظاهرات احتجاجیة في حي الثورة بمدینة الأهواز، لإطلاق سراح 160  عاملًا معتقلاً، وفق تصريحات مهدي‌ عقبائي، عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لموقع راديو "فردا".
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي، منبر العمال المحتجين، ووسيلة التواصل المعتمدة بين عمال المحافظات للتنظيم، وتوحيد المطالب، وحتى اختيار الشعارات والمواقع التي سينفّذون فيها اعتصاماتهم واحتجاجاتهم، كذلك وضعت الرأي العام، في إيران وخارجها، بصورة ما يحدث للعمال الإيرانيين.
السينما
لم تكن السينما الإيرانية بعيدة عن شعارات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في حملته الانتخابية، وبعد فوزه بالرئاسة للمرة الثانية، لكنّ تطبيق الشعارات كان مختلفاً عن إطلاقها، كما يرى الناقد السينمائي الإيراني، مهدي طاهباز، في مقالته التي يلخص فيها واقع السينما الإيرانية في العام الماضي، على موقع راديو "فردا".
يدرك حسن روحاني أهمية السينما لدى الشعب الإيراني، كذلك مدى قوة هذه السينما في الساحة السينمائية الدولية؛ لذا استخدم السينما في ولايته الأولى بشكل ملحوظ، من هذا أنّه دعا إلى إعادة فتح صالات السينما المغلقة، إلّا أنّ السينما لم تكن حاضرة –بهذه القوة- في ولايته الثانية، رغم أنّ التعذّر بالعقوبات الدولية، وتعثّر الاقتصاد الإيراني قد انتهى وعانى صناع السينما في إيران من الرقابة المفرطة.
تصدّرت سبعة أفلام إيرانية شباك التذاكر في العام المنصرم، والغريب في الأمر أنّها كانت أفلاماً كوميدية، باعتبار الشعب الإيراني في أمسّ الحاجة للضّحك في ظلّ ظروفه الصعبة التي يعيشها، لتحصد مبيعات فيلمي (تمساح كبير الأنياب 2) و(مرآة العناق)، أكثر من 20 مليار تومان، وفيلم "دورية الإرشاد- 2" وحده أكثر من 20 مليار تومان.

أكثر من 200 صانع فيلم إيراني وجهوا رسالة إلى روحاني مطالبين بإصدار عفو عن السينمائي الإيراني محمد رسولوف

ويرى طاهباز، أنّ محتوى الأفلام الكوميدية لم يكن دسماً، أو يجسد حالات إنسانية فيها من العمق والتأمل ما ينمي الوعي، أو يخلق سجالاً نقدياً حولها؛ بل كان الاعتماد على الكلام المباشر والسطحي، وفي مواضع كثيرة استغلت العبارات العامية، والنكات، والإيحاءات الجنسية، لإضحاك المتلقي، مبدياً استغرابه من سماح الرقابة بمرور هذا المحتوى، بينما تمنَع أفلام قوية تمتاز بثيمة تنقد الواقع الذي يعيشه الإيرانيون.
وبحسب راديو "فردا"؛ ما تزال مشكلة التراخيص، وتكديس الأفلام في وزارة الإرشاد وهيئة السينما، بعض هذه الأفلام من عهد الرئيس السابق، أحمدي نجاد، ومنذ دورة الرئاسة الأولى لحسن روحاني، أفلام تمتاز بنبرة نقدية عالية للمجتمع والحال السياسي والحقوق والحريات، ولا تضمّ أيّة إيحاءات جنسية، أو نكات ساخرة مثل: الأفلام التي تصدرت شباك التذاكر في إيران، وسمحت الدولة بعرضها من المرة الأولى.
يذكر أنّ أكثر من 200 صانع فيلم إيراني، وجهوا رسالة إلى الرئيس حسن روحاني، مطالبين بإصدار عفو عن السينمائي الإيراني، محمد رسولوف، الذي يواجه عقوبة السجن ستّة أعوام، بعد أن استجوبه القضاء في إيران، وصادر جواز سفره، بسبب فيلمه "رجل نزيه"، بتهمة ممارسة "نشاطات تهدّد الأمن القومي"، و"الدعاية لتقويض نظام الحكم الإيراني إلّا أنّ المدة خفضت لعام مع وقف التنفيذ، في كانون الثاني (يناير) الماضي، بحسب صحيفة "شرق" الإصلاحية.

السياسة

شهد العام الماضي، أحداثاً سياسية مهمة، وبعضها أفقد النظام السياسي توازنه، بداية من تولّي حسن روحاني رئاسة الجمهورية الإسلامية، للمرة الثانية، وانتهاءً بالاحتجاجات الواسعة التي عمّت أرجاء إيران وختمت العام، وللوقوف على أبرز الأحداث السياسية؛ أجرى ردايو فردا الإيراني، حواراً ثنائياً مع المحلل السياسي الإيراني المقيم في باريس، مرتضى كاظميان، والكاتب الصحفي الإيراني إحسان مهرابي، المقيم في برلين.

السيد كاظميان، لنبدأ من انتخابات رئاسة الجمهورية، وقد فاز الرئيس روحاني برئاسة ثانية، من أية زاوية تقرأ هذه الانتخابات؟
كاظميان:
كانت الانتخابات حدث العام الماضي الأبرز، وأثرت في كلّ المعطيات السياسية، في عام كامل، فقد شهدت منافسة قطبية بين حسن روحاني وإبراهيم رئيسي، بعد استقالة قاليباف، وكان انحسار المنافسة بين قطبين، لكلّ واحد منهما مساره ومؤيدوه، روحاني صاحب النهج الديني المعتدل، والمنادي بالانفتاح ودعم الاقتصاد، وإبراهيم رئيسي بمنطقه المحافظ، واتجاهه الديني البحت، الأمر الذي عكس ميول الإيرانيين السياسية من خلال اختيار رئيسهم.
وكان اختيار الإيرانيين في هذه الانتخابات، على أسس العودة لتاريخ المرشحيْن، روحاني الذي ينطلق من مدار الإصلاح، وتشخيص المشكلات التي يعيشها الإيرانيون والشعارات الإصلاحية المعتدلة، أما رئيسي فاستذكر إيرانيون كثر ما يثار حوله بشأن إعدامات المعتقلين السياسيين إبان الثورة، وارتباطه بما يعرف بمحاكم الموت التي ترأس كثيراً منها بصفته من أبرز وجوه السلطة القضائية وقتذآك، وقد حالَ هذا بينه وبين قرار الناس باختياره.
وكانت المنافسة بين رئيسي وروحاني، أكبر من أن تكون في سياق رئاسة الجمهورية، فقد شهد العام الماضي، وفترة الانتخابات بشكل خاص، نقاشات وتكهنات بشأن خليفة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، وكان رئيسي وروحاني من أهمّ الأسماء التي يكهن بها سياسيون ومراقبون لخلافة خامنئي، ليكون الفوز بالانتخابات خطوة نحو خلافة خامنئي، وبعد نجاح روحاني بالانتخابات، أمسى احتمال خلافة رئيسي لخامنئي بسيطاً.

السيد كاظميان، كيف تقيم أداء حسن روحاني منذ فوزه بالانتخابات حتى الآن؟ ثمة كثير من المنتقدين وغير الراضين عن أداء روحاني في فترته الرئاسية الثانية.
كاظميان:
في الحقيقة، كانت شعارات حسن روحاني غير منسجمة مع تطبيقه لها بعد فوزه، كذلك لم يكن عمل فريقه الحكومي بمستوى عالٍ من الكفاءة التي وعدوا بها، الأمر الذي ولد الكثير من الانتقادات من مؤيدي روحاني قبل معارضيه؛ لأنّ الشعب انتظر كثيراً من النتائج، ولم يجد ما انتظره، منها فشل روحاني بجلب الكم الهائل من الاستثمارات التي وعد بها، بعد تجاوز أزمة العقوبات على إيران.

ولم تقتصر المشكلة على الوعود والاستثمارات التي لم تأتِ، بل شهد العام الماضي سجالات واسعة مع إدارة ترامب على الصعيد الخارجي، وداخلياً آثر روحاني ألّا يواجه، هو وداعموه، إرادة خامنئي ومراكز قواه، مثل: الأجهزة الأمنية والمرجعيات الدينية، وتجلّى هذا في عدم رضا الناس عن روحاني، وكمّ الغضب الذي أظهرته احتجاجات يناير.

السيد مهرابي، من أهم الأحداث التي جرت العام الماضي، وأشار لها السيد كاظميان، احتجاجات كانون الثاني (يناير) الماضي، فما أسباب هذه الاحتجاجات؟ وما الذي سيترتب عليها؟
مهرابي:
تعامل رجال الدولة مع الاحتجاجات باختلاف واضح، بعض المحافظين والمقربين من خامنئي رحّبوا بالاحتجاجات، ودعموا قرار الناس بالتعبير عن آرائهم؛ لأنّهم ظنّوا أنّ الاحتجاجات ستنال من الحكومة (الإصلاحيين) فقط، إلّا أنّهم غيّروا هذا الرأي بعد أن تطورت الاحتجاجات، وشمل نظام الدولة ككلّ، وخامنئي تحديداً، الأمر الذي جعلهم يتراجعون ويتهمون المحتجين بتنفيذ أجندات أعداء إيران الخارجيين.
وتعامل روحاني مع الاحتجاجات بتناقض واضح، في البداية، قال إنّ الاحتجاجات بسيطة وينفذها عدد قليل من الناس، ورفض ما يقومون به، إلّا أنّها زادت، وبدأت تنتقل من محافظة إلى أخرى، الأمر الذي جعل مسؤولين في الحكومة يصرحون بأنّ سبب هذه الاحتجاجات ليس مقتصراً على الشأن الاقتصادي؛ بل يشمل استياء الناس من القضايا السياسية والثقافية والأمنية أيضاً، وهذا يتنافى مع تصريحات خامنئي، التي أكّد فيها على أنّ الاحتجاجات تحمل بعداً واحداً، وهو الاقتصادي.
بعض القوى السياسية في إيران، مثل الإصلاحيين، أبدت رفضها للاحتجاجات، وعدّتها عابرة ولا تأثير لها، الأمر الذي جعلهم يرفضونها بشدة، إلّا أنّ تزاديها جعلهم يعلنون عن ضرورة سماع مطالب الشعب، وكفالة حقّهم بالتعبير عن أنفسهم.
في نهاية المطاف، لم تأخذ السلطة السياسية درساً من هذه الاحتجاجات، ولم تستفد منه مفاصل الدولة الإدارية، حتى أنّ الأخطاء السابقة نفسها تكرّرت في موضوعات مهمة، مثل الميزانية، كذلك كان النهج الأمني عاملًا استفزازياً، لتزايد هذه الاحتجاجات التي لم تستفد منها الدولة، والأهم أنّ الاحتجاجات سلّطت الضوء على تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في تجمّع الناس وتصدير الاحتجاجات.

السيد كاظميان، شهدت شهور العام الأخير، ظاهرة "فتيات شارع الثورة" اللواتي اعترضن على الحجاب الإجباري، وكان لخامنئي ردّة فعله على هذا. كيف ترى هذه الظاهرة؟

كاظميان:
ممّا لا شكّ فيه، شكلت فتيات شارع الثورة حالةً مهمة في العام الماضي، الاعتراض على الحجاب الإجباري الذي بدأ بفتاة مجهولة الهوية، وعرفت سابقاً "ويدا موحد" كانت بداية لحالات مماثلة شهدتها مدن إيرانية كثيرة، وأصبحت قدوة لإيرانيات كثيرات نفّذن خلع الحجاب في الأماكن العامة، ويعدّ الاعتراض على اللباس الإجباري في الدولة إشارة صريحة لرفض الإيرانيات كلّ أشكال الإجبار في اللباس والحجاب.
عدّت الدولة حوادث خلع الحجاب حالات فردية، وانتهى المطاف بمن خلعن الحجاب سجينات في السجون الإيرانية، ولم يثنِ الاعتقال الإيرانيات عن مواصلة خلع الحجاب والاعتراض على إلزاميته، وفتحن باب الحديث عن حقوق المواطن وحرياته، ولاقى هذا كلّه رواجاً كبيراً عند الناس.
وكانت أهم ردود الأفعال، حول "فتيات شارع الثورة"، ردّة فعل الرجل الأول في النظام الإيراني، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، الذي حاول أن يُسّخف خطابتهن ويعتبرهنّ قلّة لا تعبّر عن كلّ الإيرانيات، حتى أنّه اتهمهنّ بتقاضي الأموال مقابل القيام بهذه التصرفات، وصرّح بهذا في تصريحات رسمية كثيرة، وقد أشرتُ سابقاً إلى أنّ ما تقوم به "فتيات شارع الثورة" نشاط اجتماعي واضح، واعتراض صريح على الحجاب الإجباري، ويعدّ هذا من أهمّ التحركات الاجتماعية التي تشهدها إيران.

السيد مهرابي، من أهم الأحداث التي شهدها العام الماضي، احتجاجات دراويش غناباد التي ردّت عليها الدولة بعنف كيف تقرأ هذه الاحتجاجات؟

مهرابي:
أخذت احتجاجات الدراويش الغنباديون شكلاً مختلفاً عن باقي الاحتجاجات الماضية، وشكلت مفارقة جديدة للطوائف الدينية في إيران، منذ عام 2005، بدأ الضغط عليهم بتخريب الحسينيات، ويقال إنّ غضبهم جاء بعد محاولات رجال الأمن حدّ حرية شيخهم وقطبهم الصوفي نور علي تابنده، الأمر الذي جعل أتباعه ومريديه يستاؤون، وينقلون استياءهم للدولة التي استشعرت قوّة الدراويش، وشعرت بأنّها تحفز جماعات أخرى ضدّ الدولة.
في خطوة الدولة التالية، حاول الأمن الحدّ من حرية زعيم الدراويش تابنده، الأمر الذي استفزّ الدراويش، وجعل الاشتباك مع الأمن يقترب بطريقة تختلف عن خلافات الدولة مع الجماعات السياسية والدينية، التي لا تلجأ للردّ بالمثل، إلّا أنّ الدراويش ردّوا على العنف بقوة كبيرة؛ نظراً إلى الأهمية الكبيرة التي يعطونها لشيخهم وزعيمهم الروحي.
نجم عن الاشتباكات مع الأمن مقتل أحد الدراويش، كذلك قضى عدد من رجال الأمن وأصيب آخرون بجراح بالغة، وتبرّأ قطب الدراويش تابنده، وشخصيات من جماعته من قتل رجال الأمن، معلنين أنّهم لم يقدموا على هذا، إلّا أنّ السلطة القضائية جرّمت الدراويش، وعدّتهم مسؤولين عن اندلاع شرارة الاشتباك مع رجال الأمن.
وفي المحصّلة، دعا قطب الدراويش أتباعه للهدوء، وتدخلت مرجعيات شيعية لضبط التحريض على الدراويش، وعلى شخصيتهم الأبرز القطب تابنده.

السيد كاظميان، شهد العام الماضي حالات وفاة عديدة في السجون الإيرانية، وطالبت جمعية حقوق الإنسان في إيران بتوضيح ملابسات حالات الوفاة، وأعلن الإعلام الرسمي أنّ بعض المساجين انتحروا، منهم البروفيسور كاووس سيد إمامي، الذي تمّ القبض عليه ضمن متهمي "النشطاء البيئيين" وبعد أسبوعين من اعتقاله انتشر خبر انتحاره، ما تحليلك لهذه الحالات التي تروي الدولة قصة انتحارها؟ وهل هي المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه القصص؟

كاظميان:

تجدر الإشارة إلى أنّ العام الماضي شهد أعمال عنف دموية بحقّ المشاركين في احتجاجات يناير الماضي، منها حالات الانتحار التي صرحت بها الدولة حول مساجين انتحروا في السجن، دون أن تقدّم أيّ دليل على هذا، للأسف كانت حالات الانتحار هذه بسبب الضغوطات النفسية والجسدية التي يتعرض لها المساجين، الذين يتحملون أهوال السجن، ولم تكن هذه الحالات فقط لمعتقلي أحداث يناير.
كان ضمن المساجين الذين انتحروا؛ الناشط البيئي كاووس سيد إمامي، أحد النخب الجامعية وناشطي البيئة المعروفين في إيران، أعلنت الدولة بشكل رسمي انتحاره، بعد اتهامه بالتجسس، ومعه نشطاء آخرون في المجال البيئي، وكانت رواية الإعلام الرسمي –القاسية- تروّج لتهمة التجسس بحقّ المرحوم إمامي.
وكان تصريح حسن فيروز آبادي، المستشار العسكري للقائد الأعلى لآية الله علي خامنئي، مثيراً؛ إذ أكّد على أنّ بعض المواطنين يصبحون جواسيس دون أن يعرفوا، لهذا يسجنون بتهمة التجسس، منهم أولئك الذين تستروا وراء النشاط البيئي ليمارسوا تجسّسهم، وقد كشفت الأجهزة الأمنية هذا، وأنّهم متورطون بنقل المعلومات العسكرية التي تهدّد أمن البلاد، للأسف شهدنا هذا العام الماضي.

السيد مهرابي، شهد العام الماضي استقالة عمدة طهران، محمد علي نجفي، الذي قال إنّها لظروف شخصية، إلّا أنّ الضغوطات الخارجية عليه كانت مطروحة، كيف تقرأ استقالة نجفي؟

مهرابي:

من المؤكد أنّ استقالة نجفي جاءت بعد ضغوطات كثيرة ليغادر منصبه، وربّما أراد السيد نجفي أن يشدّ الرأي العام إليه من خلال هذه الاستقالة، كذلك ليكسب ودّ مجلس المدينة، والرئيس روحاني ومعه الإصلاحيون والنواب الموالون لهم.
أهمّ جماعات الضغط التي مارست ضغطها على المحافظة، كانت السلطة القضائية والمقربون من المرشد الأعلى علي خامنئي، وكان كلّ هذا الضغط لحماية العمدة السابق محمد باقر قاليباف، المعروف بتورطه وتستره على ملفات فساد كبيرة، منها الرواتب الفلكية لبعض المسؤولين، وكان من نجفي أن رحّب بفتح هذه الملفات العالقة، وأفشى أسرارها، الأمر الذين لم يقبله المقرّبون من قاليباف.
واستغلت قصة "راقصات البرج"، التي حضرها نجفي (احتفالية عيد المرأة التي حضرها في برج ميلاد غربي العاصمة، التي رقصت خلالها فتيات لا يتجاوزن 11 عاماً، أثارت امتعاض المحافظين كثيراً) ضدّ نجفي، وتم استدعاؤه بسببها، إلّا أنّ محاولة لفت نظر الرأي العام للفساد من قبل نجفي تبقى الرواية الأقوى.

السيد كاظميان، كان تصعيد الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، مثار حديث طويل خلال العام الماضي، من خلال انتقاده للقضاء الذي اتّهمه بــ "الظالم"، بعد سجن مساعده حميد بقائي، ومقربين آخرين كانوا في مناصب مرموقة في عهد نجاد، كيف تقرأ تصرفات وتصريحات نجاد؟

كاظميان:
في الواقع، كان أحمدي نجاد ومساعدوه من نجوم العام الماضي، من خلال هجمته على مؤسسات الدولة، وكان نصيب استخبارات الحرس الثوري، والسلطة القضائية، من تلك التصريحات كبيراً، واستهدف بانتقاداته الكثير من المقربين لخامنئي.
رغم أنّ نجاد عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام إلّا أنّه لم يتوانَ عن توجيه نقد لاذع للمؤسسات التي يرأسها مقربون من المرشد الأعلى علي خامنئي، رغم أنّه يقرّ بأنّه على خط واحد مع خامنئي، فتمتع نجاد بالقرب من خامنئي في الزمن الذي كان فيه هاشمي رفسنجاني على الضفة الأخرى من نجاد، ومن هذه المؤسسات السلطة القضائية التي طعن في عدلها، وطالبها بعقد محاكمات علنية لمساعده المتهم، إلّا أنّ القضاء لم يكترث لكلّ تصريحات.
وبدأ تصعيد أحمدي نجاد منذ اعتقال مساعده في فترة رئاسته حميد بقائي، في تموز (يوليو) العام الماضي، بتهم الاختلاس واستغلال مناصب حكومية، شملت توجيه الرسائل لعلي خامنئي، وعقد مؤتمرات صحفية، كذلك طالب السلطة القضائية بالتوقف عن "ظلمها"، بحسب وصفه، اعتراضاً على إجراءات السلطة القضائية التي حاكمت وسجنت عدداً من أفراد الدائرة المقربة من الرئيس السابق، لتهم مالية واستغلال المناصب الحكومية.

//0x87h




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية