زواج القاصرات في إيران: العمائم تزفّ ابنة التاسعة

زواج القاصرات في إيران: العمائم تزفّ ابنة التاسعة


04/06/2018

ترجمة: علي عبيدات

أشارت إحصائيات اللجنة الثقافية والاجتماعية لشؤون المرأة، ووفق إحصائيات نشرت في الإعلام الرسمي، أنّ قرابة 43 ألف قاصر تحت سنّ 15 عاماً تم تزويجهن.

وصرحت عضو مجلس طهران، شهربانو، في يوم المرأة العالمي للعام الماضي، بأنّ 15 ألف أرملة إيرانية تزوجن وهن دون 15 عاماً.

وشهدت إيران زواج آلاف القاصرات في الأعوام الأخيرة، أكثرهنّ تحت السنّ القانوني، ووفق إحصائيات الأعوام بين 1390 حتى 1394؛ كانت حالات زواج القاصرات بين 176 و220 ألف حالة.

على مدار أربعين عاماً تلت الثورة الإسلامية، طُرح تحديد السن القانونية للزواج كثيراً في مجلس النواب

وصرحت النائب، بروانه سلحشوري، بداية أيار (مايو) الماضي، بأنّ مسودة قرار حول زواج القاصرات قيد التحضير، وحُددّت في المسودة السنّ القانونية للزواج، وهي 16 عاماً، وبحسب قولها: "إذا كان الزواج بين 13 و16 عاماً، فلا بدّ من موافقة ولي الأمر والقاضي، وتقرير طبي يؤكد استعداد جسد القاصر للزواج"، وفق ما تنص عليه المسودة.

وعندما عرضت هذه المسودة على رئيس مجلس النواب، قال نواب إنّ "هذا لن يقبل به رجال الدين في مدينة قم، فهم لا يرحبون بزيادة السنّ القانونية للزواج"، وبين كل علماء قم كان الفقيه آية الله مكارم الشيرازي موافقاً على زيادة السنّ القانونية للزواج "لتكون الفتاة بالغة راشدة وتوافق على الزواج"، بحسب قوله.

ويعلق الباحث في الشؤون الدينية، المقيم في فرنسا، جواد أكبرين، على رأي علماء قم بزواج القاصرات وإصرارهم على منع رفعه:  "واجه آية الله الخميني الكثير منذ القيام بالثورة، وكان مجبوراً على مواجهة كلّ معطيات العصر الجديد، بما فيه من منافع ومفاسد وعلوم وتقنية وانجازات بشرية، إلا أنّه آثر أن يقف مع نظامه الديني كما تقتضي مصالحه".

اقرأ أيضاً: إيران.. جهاد في الحريات الشخصية

ومصلحة النظام هنا، وفق أكبرين، "ليست لنفع الشقّ السياسي من النظام فقط، فقد كانت فتاوى وقرارات آية الله الخميني كثيرة، وكان أكثرها من خلال الفقه الذي سيقدم للنظام خدمة السيطرة على المجتمع وخيارات توجيهه، وقد وجهه الكثير من الأحكام الفقهية لمستجدات طرأت على المجتمع، وأخرى كانت موجودة، وغيّر أحكامها مثل: السينما والمسرح ولعبة الشطرنج، وفي شؤون المرأة أيضاً، صدرت أحكام جديدة".

رغم أنّ الأحكام الشرعية –التي لم يعد معمولاً بها اليوم- حدّدت كل القواعد الشرعية كما هو الحال منذ ألف عام، وهنا تكمن المفارقة، فبغضّ النظر عن التطورات الهائلة التي شهدها العالم في كل المجالات، ما يزال الرأي الشرعي هو الفيصل بشأن سنّ الزواج، وحتى الآن يشكّل هذا الخلاف (بين الحكم الشرعي القديم وضرورة التجديد في الخطاب) جدلاً واسعاً بين مؤيدي الرأيين.

 

 

سنّ الزواج... قصّة التأرجح

على مدار أربعين عاماً تلت الثورة الإسلامية، طُرح تحديد السن القانونية للزواج كثيراً في مجلس النواب، وتعلق الحقوقية مهرانگیز کار، المقيمة في أمريكا، على تأرجح السنّ القانونية قائلة "كان قانون الزواج في إيران خاضعاً للشريعة الإسلامية في زمن رضاه شاه، ليبدأ الزواج بعد سنّ التاسعة بالنسبة إلى الفتاة، إلا أنَّ الأمر تغير في عهد ابنه محمد رضا شاه بهلوي، الذي غيّر كثيراً من الأحكام، لتصبح السنّ القانونية للزواج 18 عاماً، وحتى في الحالات الخاصة التي تشمل موافقة القاضي وولي الأمر والمعاينة الطبية والعقلية، فلا تقل السنّ عن 16 عاماً، وبمجيء الثورة تبيّن أن هذا كله يخالف الشريعة الإسلامية، وتم تغييره بالكامل، وعدّه آية الله الخميني تشويهاً للشرع".

اقرأ أيضاً: الإيرانية في يوم المرأة: محاصرة وضرب واعتقال

وتتابع "كان أول ما دخله رجال الدين الأسرة، وأي تشريع شرعه محمد رشا شاه بخصوص المرأة، ومن هذه السنّ القانونية للزواج، وإعادتها لـ 9 أعوام، ثم طرح مجلس النواب في دورته السادسة، التي كان أكثرها إصلاحيين، أن يكون سن 16 عاماً أدنى سنّ للزواج، إلا أنّ مجلس صيانة الدستور رفض مقترح النواب؛ لأنه ينافي الدستور والشرع، ثم أحيلَ الموضوع إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، يوم كان يترأسه هاشمي رفسنجاني، وظلّ في خزائن المجلس مدة طويلة، حتى حددوا 13 عاماً، مع السماح بأقل من هذه السنّ إذا وافق القاضي ووكيل الفتاة".

حول موافقة الأب التي تبيح تزويج ابنته القاصر رغماً عنها فالحكم الديني أقوى من مواد القانون في إيران

لا يمكن الوثوق بالإحصاءات الإيرانية؛ لأنها تتنافى مع الدقة، ففي عام 2017 تزوجت أكثر من 80 قاصرة إيرانية دون 15 عاماً، برجال تجاوزوا الأربعين من أعمارهم، يعلق عالم الاجتماع والباحث المتخصص بزواج القاصرات، كاميل أحمدي، الذي يعدّ زاوج القاصرات في إيران "ظاهرة لا يمكن حصرها جغرافياً للقياس والاستبيان"، ويقول:"سبع محافظات في إيران تسجل أعلى نسب زواج القاصرات تحت 18 عاماً، وهذا وفق ما نشرته منظمة الأمم المتحدة، والمحافظات: خراسان رضوي، آذربيجان شرقي، هرمزغان، خوزستان، سيستان، بلوشتسان، آذربيجان غربي وأصفهان، وتوصلنا لهذا من خلال العمل في هذه المحافظات، كذلك من خلال متابعات عقود الزواج التي تصدر لمتزوجين بأعمار دون 18 عاماً، وحوارات كثيرة مع يافعين وقاصرات تزوجوا حديثاً، ولم يسجلوا زواجهم في المحكمة أو دائرة النفوس، واقتصر التسجيل على العقد الشرعي الذي يكتبه المأذون عند إعلان الزواج، مثل؛ آلاف الزيجات التي لا تسجل في إيران، مثل؛ الزواج الثاني والثالث والرابع، الذي لا يسجل ويقتصر التسجيل على الزواج الأول فقط".

 

 

الأب وخامنئي... لعنة القاصرات

وحول موافقة الأب التي تبيح تزويج ابنته القاصر رغماً عنها، وتؤكد أنّ الحكم الديني أقوى من مواد القانون في إيران، تضيف الحقوقية مهرانگیز کار: "لا يمكنني تصوّر هذه الدولة! فقهاء مجلس صيانة الدستور يملكون الحقّ الكامل في صياغة المجتمع الإيراني وفق رؤاهم، هذه منصة قانونية لا حاجة لنا بها من الأصل. يناضل المجتمع الإيراني، منذ إعلان الثورة وبعدها، كي يكون سنّ الزواج بعد 18 عاماً، ولو لم نكن أمام هذا الواقع لطالبنا بأن يكون سنّ الزواج فوق 20 عاماً، ورغم هذا كله نحن أمام زواج قاصرات في التاسعة من أعمارهن! وهذا لأننا لا نملك مجلساً ينادي باستقلال القانون".

تدخل خامنئي في رفع السنّ القانونية للزواج سيجبر المجلس على الموافقة لأنّها ستكون رغبة المرشد الأعلى

رغم تصريح النائبة بروانه سلحشوري حول طرح مسودة لتعديل سنّ الزواج في مجلس النواب، إلا أنها لم تعلن عن المرحلة التي وصلت لها المسودة، ذلك أنّها ستمرّ على مجلس صياغة الدستور، الذي سيوازنها وفق الشريعة الإسلامية، كما فعل في دورات نيابية سابقة، لكن مدّة تدارس هذه المسودة ستكون طويلة، كما يتصور الباحث جواد أكبرين.

ويعزي أكبرين هذا التأخير إلى أنّ مجلس صياغة الدستور ملزم بتطبيق الشريعة وعدم التصادم مع أي قانون وضعي مقابل الحكم الشرعي، ومن الطبيعي أن يقف موقف الفقه وتطبيق الشريعة في هذا الباب. إلّا أنّ تدخّل آية الله خامنئي في هذا الباب سيشكّل رأياً جديداً إذا تدخل، كما فعل آية الله الخميني سابقاً، يوم أصدر الأحكام بشأن الموسيقى والشطرنج، وبعض الأحكام التي تخصّ المرأة.

ويؤكد أكبرين أنّ مجلس صياغة الدستور لم يقبل، نهائياً، بأيّ تعديل حول السنّ القانونية للزواج، لكن تدخل خامنئي في رفع السنّ القانونية للزواج، سيجبر المجلس على الموافقة والتعديل، لأنّها رغبة المرشد الأعلى.

الصفحة الرئيسية