متى تخرج الأعمال الفنية من صندوق الصور السطحية للمتدينين؟

متى تخرج الأعمال الفنية من صندوق الصور السطحية للمتدينين؟


08/07/2018

ساهمت مجافاة المتديّنين لوسائل الترفيه العصري، غير الدينية، من سينما ومسرح وغناء، في جعلهم مطيّة إضحاك وسخرية في بعض هذه الأعمال، أو على الأقل، ضحية للصورة النمطية التي تربط المتدينين بتقطيبة الحاجبين والجهل والإرهاب.

لأعوام طوال بقيت صورة المتدين حبيسة المأذون الشرعي الذي يتحدث الفصحى ولا يعي من الحياة أكثر من الأذكار والتسابيح

لأعوام طوال، بقيت صورة المتدين حبيسة المأذون الشرعي الذي يتحدث الفصحى ولا يعي من الحياة أكثر من الأذكار والتسابيح، أو المتديّن النهم حيال الملذّات من طعام ونساء مع غطاء ديني سطحي يتمثل في ثوب قصير ولحية كثّة وطاقية بيضاء على الرأس.

الصوفي أيضاً كان جزءاً من هذه المنظومة، لكن عوضاً عن تناول الصوفية وفلسفتها، كان يحضر في حالة هذيان وثوب مهلهل وطلاسم لا ينفك يرددها، وفي أحسن الأحوال كان الدرويش الذي تقال على لسانه ثيمة العمل الأخلاقية أو الذي يأتي مبشراً بمولود بعد عسر إنجاب أو عودة غائب مفقود الأمل من رجوعه.

ثمة خلط في فيلمي "الإرهابي" و "الإرهاب و الكباب" بين المتدين والمتطرف

وكما هو الحال بالنسبة لمعظم نتاج السينما الغربية التي تخلط بين مفهوميّ؛ العربي والإرهابي، فإنّ في الأعمال الفنية العربية من يخلط بين مفهوميّ؛ المتدين والإرهابي أو على الأقل المتشدد دينياً، باستثناء بعض الأعمال التي أوضحت الفرق بين الطرفين. ولعل من الطرافة أنها أعمال ذات طابع شبابي مثل "الحياة منتهى اللذة" و"سهر الليالي" و"أنا مش معاهم"، على سبيل المثال لا الحصر، ولو كان ذلك على سبيل التلميح فقط، فإنّ على الطرف المقابل أعمالاً شهيرة يتسيد قائمتها الفنان عادل إمام، وتحديداً في حقبة التسعينيات، كرست الخلط الآنف على نحو فج.

الطرافة في الأعمال التي تخلط بين المتدين والإرهابي أنها تسطح الفكر الذي تقوم عليه الجماعات المتشددة

على سبيل المثال، هناك فيلما "الإرهابي" و "الإرهاب و الكباب" اللذان وإن عرضا شيئاً من حقيقة الجماعات الإرهابية، إلا أن ثمة خلطاً حدث فيهما بين المتدين والمتطرف، حتى وإن كان هذا على صعيد إلغاء وجود المتدين من الأساس، ليحل المتطرف وحيداً في الميدان. كما أن بعض هذه الأعمال أوجد الشخصية المتدينة لاستدرار الضحك والسخرية. على سبيل المثال مسرحية "الواد سيد الشغال".

اقرأ أيضاً: فيلم "جواب اعتقال": تناول نمطي لظاهرة التنظيمات الإرهابية

مؤخراً، بات إمام يسعى لتصحيح الخطأ الآنف؛ لربما عقب زواج ابنته من نجل قيادي إخواني، ولربما بعد أن خفت الموجة المحمومة للتيار المتشدد في مصر والذي ضرب أهدافاً مدنية وسياحية آنذاك روعت العامة أكثر من السلطات، فبات الهجوم على ثيمة التدين عموماً ينطوي على تساوق مع الشعبوية. من الأمثلة على بعض هذه الأعمال التي حاولت تصحيح ما سبق "عمارة يعقوبيان" و"العراب" وعوالم خفية" وغيرها.

اقرأ أيضاً: عبد الكريم قادري: السينما العربية اكتفت بالسخرية من الإرهابي

الطرافة في الأعمال التي تخلط بين المتدين والإرهابي أنها تسطح الفكر الذي تقوم عليه الجماعات المتشددة، فتظهر الأمر كما لو أنه انتقام فردي من مسؤول في الأمن أو بسبب البطالة أو النهم الجنسي، وما إلى ذلك من عوامل لا تفضح ضخامة الترتيبات والتعقيدات التي تقف خلف هذه الجماعات وترسم لها خط سيرها. ولعلّ هذه بحد ذاتها مثلبة؛ إذ كيف سيصار لمحاربة الإرهاب دون تقييم حقيقي لدرجة خطورته والسيناريوهات التي يعمل بمقتضاها؟

اقرأ أيضاً: الإرهاب في السينما.. المشاهد لاعب وحكم

واحد من الأعمال التي وقعت في هذا الفخ مؤخراً كان المسلسل الفلسطيني الكوميدي "وطن ع وتر"، الذي لم تصل درجة كفاءة مناقشته للأمر أكثر مما يمكن أن يصله طالب في المرحلة الابتدائية، وتحديداً ما يتعلق بتنظيم داعش، وإن كان يحسب للقائمين على المسلسل إيضاحهم المستمر للفرق بين شخصية المتدين والسياسي الذي يستخدم الشعارات الدينية والإرهابي. هذه بحد ذاتها كانت نقطة قوة، برغم ضحالة المناقشة.

اقرأ أيضاً: السينما العربية تطرق أبواب الدين: الانتقال من الترفيه إلى التنوير

في زمن بات فيه الإعلام هو الصانع الرسمي للمواقف الشعبية تجاه ظاهرة ما، فإنّ مسؤولية التفريق بين المتدين والإرهابي ضرورية وليست ترفاً. فإذا ما كان التناول سطحياً، فلن يُرضي حينها سوى الشريحة غير الواعية، أو تلك التي تبحث عن أول تفسير أو حقيقة لتتعلق بها. ولعل هذا آخر ما يريده صناع الفن والسلطات الأمنية، على السواء.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية