أحمد السعيد: زيارة الرئيس الصيني ستجعل الإمارات مركز التعاون في المنطقة

أحمد السعيد: زيارة الرئيس الصيني ستجعل الإمارات مركز التعاون في المنطقة


19/07/2018

أجرى الحوار: سامح فايز


اختار الرئيس الصيني شي جين بينغ، دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون أول دولة عربية يزورها بعد تجديد الثقة له لفترة جديدة كرئيس للصين، واعتبر محللون أننا أمام زيارة تاريخية، سيترتب عليها تغير كبير في شكل التعاون الصيني العربي، وستكون الإمارات ركيزة ومركزاً لهذا التعاون.

وفي محاولة لاستقراء جوانب الزيارة، وتحولات العلاقات الصينية الإماراتية على مستويات عدة أجرت "حفريات" حواراً مع مؤسس ومدير عام مجموعة بيت الحكمة للثقافة والإعلام بالصين، الدكتور أحمد السعيد، أحد المشاركين في تنظيم فعاليات الأسبوع الثقافي الصيني الإماراتي المقام حالياً على هامش زيارة الرئيس الصيني.

حاصل على جائزة الصداقة من "نينغيشيا" وهي أعلى جائزة على مستوى المقاطعة

أحمد السعيد، مستشار لشؤون التعاون العربي لأغلب مؤسسات النشر الصينية، ومدرج من قبل حكومة الصين المركزية كخبير ومستشار لمشروع ترويج الكتاب الصيني في العالم، وهو المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في مؤسسة إنتركونتننتال الصينية للإعلام والنشر، ونائب رئيس جمعية الخبراء الأجانب والكفاءات بنينغشيا، ومستشار مصلحة الخبراء الأجانب بنينغشيا. ورئيس التحرير التنفيذي للطبعة العربية لمجلة (أدب الشعب الصينية).

زيارة الرئيس الصيني للإمارات تاريخية سيترتب عليها تغير في شكل التعاون الصيني العربي وستكون الإمارات مركز هذا التعاون

حصل السعيد على ماجستير في علم الأعراق البشرية، عن موضوعه: "دراسة إثنولوجية لتاريخ ترجمة القرآن الكريم للغة للصينية"، والدكتوراه في علم الأعراق البشرية في كلية السياسة والقانون جامعة نينغشيا عن موضوع "علاقات التعاون الثقافي الصيني العربي – بيت الحكمة نموذجاً".

والسعيد حاصل، أيضاً، على جائزة الصداقة من مقاطعة نينغيشيا وهي أعلى جائزة على مستوى المقاطعة، وجائزة التميز من الدولة الصينية للإسهامات الخاصة في مجال الكتاب وهي أرفع جائزة ثقافية في الصين، وجائزة مستشار وخبير لمشروع ترويج الكتاب الصيني في العالم، وجوائز أخرى عديدة.

هنا تفاصيل الحوار:

زيارة تاريخية

لماذا وصفت زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ إلى الإمارات، بـ"التاريخية"؟

الرئيس الصيني اختار الإمارات لتكون أول دولة عربية يزورها بعد تجديد الثقة له لفترة جديدة كرئيس للصين، وبعد تعديل دستور الحزب الشيوعي، وإضافة اسمه في الدستور كمؤسس ومنظر لمرحلة حديثة من الاشتراكية الحديثة تحمل اسمه، وبعد تعديل الدستور الصيني والسماح بتولي الرئيس للحكم لأكثر من دورتين.

إذاً نحن أمام مرحلة تاريخية حاسمة من تاريخ الصين، وعندما يقرر شي جينغ بينغ أن تكون زيارته الأولى لدولة عربية هي للإمارات وليس غيرها فنحن أمام زيارة تاريخية، سيترتب عليها تغير كبير في شكل التعاون الصيني العربي، وستكون الإمارات ركيزة ومركزاً لهذا التعاون.

اقرأ أيضاً: لماذا توصف زيارة الرئيس الصيني للإمارات بالتاريخية؟

ويصاحب الزيارة الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية، وتوقيع عدد مهول من اتفاقيات التعاون بين الجانبين، وكلها تركز على صناعات الجيل الثالث، أو صناعات الأفكار والأدمغة، وتتخطى عامدة عصر تبادل البترول والبضائع، كما تشهد عدداً كبيراً من اتفاقيات الاستثمار الصيني في الإمارات، والتي بدورها هي أكبر مستثمر في المنطقة العربية، وهذا مؤشر إلى أنّ الإمارات ستكون مركزاً إقليمياً مهماً للاستثمارات الصينية الكبيرة جداً، ومن ثم نقلها عبر شراكة صينية إماراتية إلى المنطقة، أضف لذلك اختيار الإمارات لتكون محط توقيع الرئيس الصيني لكتابه الجديد، وهذا ذو بعد إنساني ثقافي وفكري مهم يعطي زخماً أكبر للزيارة، ويمكن من خلال قراءة مقال الرئيس الصيني في الصحف الإماراتية الذي نشر أمس أن تتعرف على الأهمية القصوى التي توليها الصين تجاه الإمارات. وسنشهد تقارباً كبيراً صينياً عربياً عن طريق الإمارات العربية خلال السنوات القادمة.

تم اختيار الإمارات لتكون محط توقيع الرئيس الصيني لكتابه الجديد

شهدت السنوات الأخيرة تنامياً سريعاً في العلاقات الإقتصادية الإماراتية الصينية، هل تنامت العلاقات الثقافية بالقدر نفسه؟

الصين، كما أعلن الرئيس الصيني في مقاله، بصدد إنشاء مركز ثقافي صيني في أبوظبي، أضف إلى ذلك أنّ "بيت الحكمة" في الصين توصل لاتفاق مبدئي سيتحول لمذكرة حسن نوايا بينها وبين مجموعة تشانغ جيانع الصينية للإعلام والنشر ودائرة أبوظبي للثقافة والسياحة لإنشاء مركز ثقافي صيني عربي متكامل يعمل في الإطار الشعبي وليس الحكومي، هناك أيضاً دار نشر إنتركونتننتال الصينية افتتحت فرعاً لها ومركز تحرير وتأليف صيني عربي في أبوظبي، وهناك قناة صينية تلفزيونية خاصة مقرها دبي اسمها "الفضائية الصينية العربية"، كما أنّ هذا الأسبوع  شهد تلوّن الإمارات ثقافياً باللون الأحمر؛ لون علم الصين، وكل الصحف والمنشورات والبرامج تتحدث عن الثقافة الصينية، وهناك أطروحات لإنشاء متحف للشاي الصيني في أبوظبي، وستعرض الأفلام الصينية في الإمارات في نفس يوم عرضها في دور العرض ببكين، هناك أيضاً مشروع تبادل ترجمة ونشر سيوقع قريباً بين الجانبين. وأعتقد أنّ الصين تهدف لجعل الإمارات مركزاً ومحطة لنشر ثقافتها في الشرق الأوسط، كما أنّ الثقافة الإماراتية مرحب بها جداً في الصين، وهناك مركز زايد للدراسات في بكين الذي خرّج أكثر من ألف متحدث صيني باللغة العربية.

بيت الحكمة

"بيت الحكمة" ليس له علاقة مباشرة بأي تنسيق مباشر للفعاليات

شارك "بيت الحكمة" في التنسيق الكامل لفعاليات الأسبوع الإماراتي الصيني، في البداية نرغب بالتعرف على مؤسسها أحمد السعيد، واختصاصاتها في المنطقة العربية؟

"بيت الحكمة" ليس له علاقة مباشرة بأي تنسيق مباشر للفعاليات، هو أحد الجهات المتعاونة والمشاركة مثل غيرها من الشركات الصينية، وليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه تنسيق رسمي بين الحكومات عن طريق شركات خاصة أو مؤسسات تجارية؛ ولكن لأنّ "بيت الحكمة" يعمل في مجال التعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، فهو يسعى لإنجاح أي جهود تعاون بين الجانبين، ويسخر جهوده في خدمة الطرفين، وتحت إشراف حكومي طبعاً. وبالنسبة للتعريف ببيت الحكمة فهو كالتالي:

اقرأ أيضاً: لماذا اختار الرئيس الصيني زيارة الإمارات؟

تعمل مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية في مجال التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية، وتمتلك تسع شركات تعمل في هذا الحقل الثقافي بين الجانبين بكل مجالاته، ومنها شركة بيت الحكمة للاستثمارات الثقافية بمصر، مدرسة بيت الحكمة للغة العربية بالصين، وشركة بيت الحكمة للتبادل الثقافي عبر الإنترنت بالصين، وشركة بيت الحكمة للتنمية الثقافية بالصين، وفرعا بيت الحكمة بالإمارات والمغرب، وبيت الحكمة أنشئ بشراكة مصرية صينية منذ عام 2011 وتوسعت في أعمالها التي تهدف في المقام الأول لتكون منصة مهمة ومؤثرة للتعاون الثقافي الصيني العربي، وتعمل المجموعة حالياً في عدة مجالات ثقافية هي: النشر والترجمة وتجارة حقوق النشر، وأفلام الرسوم المتحركة والبرامج والأفلام الوثائقية وحقوق البث، وبنوك المعلومات الرقمية للمحتوى العربي الصيني، وتجارة الكتب الإلكترونية، والترجمة الإلكترونية، وإنشاء أكبر موقع ترجمة بين اللغتين في العالم، توزيع الكتب الصينية في العالم العربي وتوزيع الكتب العربية في الصين عبر مكتبة بيت الحكمة الرقمية ورفوف الكتب التي تتعاون فيها مع المكتبات الكبرى في مصر والصين، والتدريب والتأهيل والدورات التدريبة في كل مجالات اللغة، وأخيراً الصناعات الثقافية بكل أنواعها وتطوير مجال الصناعات الثقافية في الوطن العربي استناداً إلى الخبرة الصينية.

الأسبوع الإماراتي الصيني

ومنذ نشأة بيت الحكمة وحتى الآن تم تصدير حقوق أكثر من 500 كتاب صيني للدول العربية وأكثر من 50 كتاب عربي ترجم ونشر بالصين وتنظم المجموعة كل سنتين مؤتمراً دولياً للناشرين الصينين والعرب يعقد في بكين، كما تمثل الجانب العربي في معرض بكين سنوياً، وتشارك في أكبر المعارض العربية بشكل فعال وعبر سلسلة من الفعاليات التي تصاحب مشاركتها مثل؛ معارض القاهرة والدار البيضاء وأبو ظبي والدوحة والشارقة والجزائر.

اقرأ أيضاً: انطلاق الأسبوع الصيني الإماراتي.. هذه فعالياته

وتنظم بيت الحكمة سلسلة من الفعاليات الثقافية الكبرى سنوياً في معرض القاهرة الدولي للكتاب، بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكذلك في الدار البيضاء بالتعاون مع وزارة الثقافة المغربية وهي المنسقة للمشاركة الصينية في معرض أبوظبي. وتصدر بيت الحكمة جريدة حكومية صينية خاصة بالعربية والصينية أسبوعياً في الصين.

اقرأ أيضاً: الصين تعزز التقارب التجاري في العالم.. ودبي شريكها المحوري

وقد حصلت مجموعة بيت الحكمة هذا العام على تصديق بإنشاء (مركز بيت الحكمة لحقوق النشر والترجمة والنشر بين الصين والدول العربية) من خمس هيئات صينية هي (وزارة الثقافة – وزارة التجارة – وزارة المالية – وزارة الدعاية – الهيئة الوطنية للصحافة والنشر والإذاعة والتلفزيون)، وتصديق آخر من هيئة التنمية والإصلاح الصينية بإنشاء (مركز بيت الحكمة الرقمي للمعرفة العربية، ومنصة الترجمة الصينية العربية على الإنترنت)، كما أنها مؤسسة معتمدة من الحكومة الصينية لنقل الثقافة الصينية للخارج على المستوى الصيني الوطني، وتتعاون بيت الحكمة مع أكثر من 40 دار نشر عربية والغالبية العظمى من الناشرين الصينين، كما أنها مستشار ووكيل لأكبر كيانات النشر الصينية في المنطقة العربية، ومؤخراً راحت تنتج أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الوثائقية وتجهز حالياً أضخم عمل رسوم متحركة عربي صيني سيطلق في أبوظبي نهاية العام المقبل. وتستعد بيت الحكمة أيضاً لطرح أسهمها في البورصة الصينية خلال العام المقبل وتتجازز قيمتها السوقية تبعاً لجهات التقيميم الصينية عشرة ملايين دولار وتمتلك 102 موظف ثابت و50 مترجماً وخبيراً يعملون بشكل جزئي.

هل يوجد مسمى رسمي للدور الثقافي الذي تقوم به بين الصين والوطن العربي؟

لا توجد في الحقل الثقافي مسميات رسمية تمنح لمؤسسات خاصة أو أشخاص، وهو شيء مضر ولا أجد مثل هذا المسمى لأي شخص في العالم، ولا يمكن لبيت الحكمة أن تدعي ذلك، نحن ننسق التعاون بين الجهات الرسمية في الدول العربية والصين، وحصلنا على تصديق من خمس وزارات صينية بأن بيت الحكمة "مؤسسة لنقل الثقافة الصينية للخارج على المستوى الوطني الصيني"، ولكن هذا ليس مسمى رسمياً ولا يمكن أن ندعي ذلك، هناك جهات حكومية تتعاون، وبيت الحكمة كشركة تجارية تنفذ الاتفاقات تحت غطاء الجهات الحكومية، أو تنسق لذلك بدون أي مسميات، هناك مراكز ثقافية حكومية تابعة لحكمة الصين وحكومات الدول العربية ودور بيت الحكمة لا يمكن أن يتخطى هذه المراكز أو يسبقه.

أدب عربي فى الصين

الصين لديها مشاريع كبيرة لنقل أعمالها الأدبية للخارج

هل نستطيع أن نقول بوجود أدب عربي في الصين تأثر به المثقف الصيني؟

مؤخراً أصبح هناك تواجد ملحوظ، سابقاً كان هناك فقط أدونيس ومحمود درويش ويليهما نجيب محفوظ من حيث التأثير، الآن ومن خلال مشروع تبادل الترجمة والنشر بين الصين والدول العربية الذي أشرف بالتنسيق له، أصبح هناك أسماء مثل؛ بهاء طاهر، وجمال الغيطاني، وعزت القمحاوي، ويحيى الطاهر عبدالله، وصبري موسى، وغيرهم، أيضاً هناك خارج هذا المشروع أعمال علاء الأسواني الثلاثة الأخيرة ستصدر خلال شهور بالصينية، وكتاب "حياة محمد" حقق مبيعات جيدة جداً، المشكلة فقط في غياب الدعم العربي الرسمي لترويج الأدب والثقافة العربية في الخارج، وخاصة الصين، الصين لديها مشاريع كبيرة لنقل أعمالها الأدبية للخارج ولا يوجد مثل ذلك في الدول العربية. الصين هي التي تنفق على ترجمة الأدب العربي للصينية.

كيف ترى أهمية تحويل الاحتفال بالأسبوع الإماراتي الصيني إلى مناسبة سنوية؟

الإجابة مرتبطة بالسؤال السابق، الإمارات لها دور إقليمي متعاظم، والصين ترى ذلك بوضوح، كما أنّ الصين تتمتع بالقدرة الفائقة على الحشد المحلي، إذا زرت أي مكان بالإمارات اليوم، وخصوصاً أبوظبي، سوف تشعر بأنك وسط أجواء صينية، الكل يتضافر لإنجاح الزيارة وتنفيذ الأسبوع الصيني، وهذا لا يقدر عليه بهذا الاحتراف وهذه الإمكانيات سوى الإمارات؛ نظراً لقوة الحكومة فيها، وتجاوب المواطنين، ومقارنة بأي دولة عربية فالإمارات بلا شك هي الأنسب والأجدر تنظيماً وحشداً لإنجاح مثل هذه التظاهرات، الإمارات عبر هذه التظاهرات الثقافية يمكن أن تعيد دمج مقومات الثقافة العربية كاملة، وجمع منابعها من دول الزخم الثقافي مثل، مصر، وسوريا، والعراق، والمغرب، وفلسطين، وتقديمها للعالم كثقافة عربية واحدة، وهو تحالف عربي نأمل أن تدعمه الإمارات ثقافياً.

اقرأ أيضاً: العرب والتجربة الصينية

الثقافة العربية غنية ومتنوعة وتحتاج لمن يدعمها ويجمعها ويظهرها، والأسبوع الصيني الحالي هو فرصة ومنصة ليتحول لأسبوع ثقافي عربي صيني مقره إماراتي ومنبعه الدول العربية، ويمكن تكراره عربياً في الصين أيضاً عن طريق الإمارات.

طريق واحد حزام واحد

مبادرة الحزام والطريق تهدف لربط العالم بروابط جديدة مهملة

ما أهمية دور الإمارات في مبادرة "طريق واحد حزام واحد" التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 للعمل على ربط الصين بالعديد من دول العالم؟

مبادرة الحزام والطريق تهدف لربط العالم بروابط جديدة مهملة، أهمها، روابط الإنسانية والتواصل بين قلوب وعقول الشعوب، وتضم المبادرة حالياً 68 دولة حول العالم، تهدف الصين لربطها بسكك حديد، وخطوط ملاحية، لتكون عالماً جديداً بلا أقطاب، والإمارات بوضعها وقوتها الحالية واستقرارها الكبير، وسط من حولها من الدول العربية ودول الشرق الأوسط ،خير شريك لمثل هذه المبادرة، أضف لذلك دور الإمارات الإقليمي وقوتها الاقتصادية ووصول مشروعاتها الاستثمارية لعمق أفريقيا وكل دول الشرق الأوسط، وقيادتها الواعية التي تستطيع تحويل الصحراء إلى أكبر مقصد سياحي في العالم، تسطيع أيضاً من منظور الصين أن تكون خير شريك لتحقيق مباردة ستعيد رسم خريطة العالم.

المجتمع الصيني كان منغلقاً لفترات طويلة وانتهى هذا بعد تولي الرئيس الحالي

ما مدى صحة العبارة القائلة بأن المجتمع الصيني مجتمع منغلق على ذاته؟

المجتمع الصيني كان منغلقاً على ذاته لفترات طويلة، وانتهى هذا تماماً بعد تولي الرئيس الحالي شي جين بينغ. الانغلاق أضر بالصين تاريخياً، وأخّرها لعقود طويلة، وعانت الصين من انغلاقها، وتعرضت للغزو عبر حربي الأفيون الأولى والثانية في القرن التاسع عشر، وأيضاً في الثورة الثقافية القرن الماضي، وهي الآن تدرك أنّ الانغلاق يضرها، الصين تاريخياً كانت في عصر ازدهار خلال حكم أسرة تانغ الملكية قبل 1600 عام، يفوق بكثير قوتها الحالية على الصعيد العالمي، وكانت مركزاً تجارياً حقيقياً للعالم، وبعد عصور سوداء من الانغلاق والبحث عن الطريق الذاتي للنهضة تعيد الصين الآن دورها العالمي، الآن السائح الصيني هو الأكثر سفراً وإنفاقاً في العالم، لا توجد دولة على وجه الأرض ليس فيها صينيون، لا يوجد منتج في العالم لا يباع في الصين، وإن كنت تقصد بالانغلاق هو حجب الصين لمنصات ووسائل التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك ويوتيوب وتويتر) فالصين صنعت قبل أن تحجبها بديلاً قوياً لها، والشعب الصيني لا يعرف أساساً بوجود هذه المنصات بل على العكس تسعى الصين لإخراج منصات التواصل الاجتماعي الصينية للعالم، مثل تطبيق ويتشات المقابل للواتس آب، الذي يبلغ مستخدميه 700 مليون مستخدم منهم 200 مليون خارج الصين. إذاً الصين ترسم خططها الداخلية بنفسها ولا تسمح لأي شيء أن يؤثر على استقرارها الداخلي بالدخول لها، كما أنها تتحكم جيداً في الإعلام والنشر، فهي لديها رؤيتها ومنطقها في ذلك، حيث إنّ دولة تملك خُمس سكان العالم بالتأكيد سيختلف نموذج حكمها عن دول العالم.

ماذا عن نمو الاقتصاد الصيني في الثلاثة عقود الأخيرة وتأثيره على طبيعة المجتمع الصيني ثقافياً واجتماعياً؟

للتعرف على النموذج الصيني في الاقتصاد يجب الرجوع للنظريات الصينية حول الاقتصاد، فلا يمكن تطبيق أفكار الاقتصاد الرأسمالي الغربي على الصين. الصين في عام 1978 وهي في قمة الفقر والعوز، طبقت سياسة الإصلاح والانفتاح وكان شعارها بالممارسة نصل للحقائق، أو الواقع هو الذي يثبت الحقائق وليس النظريات. النظرية الأخرى هي لا يهم لون القطة سوداء أو بيضاء المهم أن تصيد الفئران، كل هذا جعل الصين تجرب كل الخيارات الممكنة لتصل لنموذج صيني من التنمية الاقتصادية، ولكن الآن بعد وصول معدل الدخل للفرد الصيني لحاجز العشرة آلاف دولار سنوياً، فقد حدثت بعض المشاكل الاجتماعية، أهمها، غياب روح الحب والخير، غالباً، بسبب تسارع وتيرة الحياة الاقتصادية، أيضاً غياب أواصر الود بين المجتمع، نظراً للضغوط الاقتصادية، كما سببت سياسة الطفل الواحد بعض القسوة لدى الأجيال الصغيرة؛ نظراً لعدم وجود أقارب وأخوة وأخوات، فغابت مبادئ التشارك والتعاون غير المشروط، ولكن المجتمع الآن يستعيد توازنه ويكثف جهوده للعودة لمبادئ الثقافة الصينية التقليدية، التي تركز على الانسان أولاً. المجتمع الصيني الآن مجتمع غني، وأصبح يهتم بالتنمية الشخصية للأفراد، وهو أمر كان غائباً بنسبة ما سابقاً، هناك أيضاً مشكلة عدم مواكبة بعض فئات المجتمع الصيني للحداثة التي يشهدها المجتمع، وهناك بعض الباحثين الغربيين الذين يتحدثون عن أنّ الصين تشهد حالة تسمى، المكان يسبق الإنسان تطوراً، وأعتقد أنّ هذه المشكلة ستنتهي بظهور الأجيال الجديدة ووصولها لمواقع القرار.

الغزو الثقافي للعولمة

الصين تتحكم جيداً في الإعلام والنشر ولديها رؤيتها ومنطقها في ذلك

كيف تواجه الصين الغزو الثقافي للعولمة الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؟

من حسن حظ الصين أنّ الغزو الثقافي الغربي، بسبب الأزمات الاقتصادية المتوالية وكثرة الصراعات والحروب، انكمش وتراجع كثيراً، ولكن بالفعل هناك تأثير بنسبة كبيرة لدى شباب الصين بالثقافة الغربية، والرئيس الصيني نفسه ذكر هذه المشكلة مرات عديدة، وشدّد على وجوب العودة للجذور، وعصرنه التقاليد الصينية، والحفاظ عليها، وأن تكون الصين وثقافتها في محور معادلة التعامل مع الخارج، وخطط الرئيس الصيني في ذلك تؤتي ثمارها بشكل جيد، الا أنّ الصينيين قلقون من ثقافة جيل مواليد ما بعد سنة 2000، الذي يتضح جداً تأثره الكبير بالثقافة الغربية وعدم معرفته الكافية بثقافتة المحلية، وهي إحدى معضلات الصين الحالية الكبرى.

حدّثنا عن القوى الناعمة وتوجه الصين عقب أحداث "الربيع العربي" نحو نشر ثقافتها في المنطقة العربية والعالم.

الصين لا تراه ربيعاً، ولكنها ترى أنّ ما حدث فرصة مناسبة ليكون لها دور في الساحة الدولية، والمقولة المشهورة وصلت الصين: من يتحكم في الشرق الأوسط يتحكم في العالم كله. ولذلك دخلت الصين لعبة القوى الناعمة ثقافياً، ولكن بخطوات صغيرة ومحاولات جس نبض، ولكن ما سيحدث مستقبلاً وبدايته زيارة الرئيس الصيني للإمارات سيكون مختلفاً بلا شك وبداية عصر جديد للوجود الصيني في المنطقة والعالم.

اقرأ أيضاً: هل تعيد الصين تشكيل العالم اليوم؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية