الفكر الجهادي في مواجهة الديمقراطية

الفكر الجهادي في مواجهة الديمقراطية


20/08/2018

ترجمة: علي نوار


يعدّ وقوع الاعتداءات أثناء العمليات الانتخابية أمراً مألوفاً؛ لأنّ الفكر الجهاديّ يرفض أيّاً من مظاهر الديمقراطية.

ففي يوم الجمعة 13 تموز (يوليو) الماضي، هزّ انفجار هائل مؤتمراً انتخابياً كان منعقداً في ولاية بلوشستان، الواقعة جنوب غرب الباكستان؛ حيث أقدم إرهابي انتحاري على تفجير عبوة ناسفة خلال الفعاليات، ما أودى بحياة 149 شخصاً، على الأقلّ، وإصابة 186 آخرين، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم، الذي صنِّف كواحد من أكثر الاعتداءات دموية في تاريخ باكستان الحديث.

بغضّ النظر عن اسم المنظّمة الإرهابية التي تنفّذ الاعتداءات فإنّ الأساس الأيديولوجي للفكر الجهادي يقوم على عداءٍ للديمقراطية

وقبل هجوم 13 تموز (يوليو)، وفي السياق ذاته، ودون تغيير على فكرة استهداف فعاليات أو منشآت لها علاقة بالانتخابات الباكستانية، التي أُجريت في 25 من ذلك الشهر، شنّت جماعة أخرى، هي حركة طالبان الباكستانية، هجوماً على فعالية انتخابية في بيشاور، ما أسفر عن مصرع 20 شخصاً، على الأقلّ، وإصابة 62 آخرين.

ومع حلول يوم 25 تموز (يوليو)، كان 106 ملايين مواطن باكستانيّ مدعوّين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة للبلاد، لكنّ هذا الاستحقاق الانتخابي كان هدفاً لهجوم نفّذه إرهابي انتحاري في مدينة كويتا، حصد هذا الاعتداء، الذي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، أرواح 31 شخصاً، فضلاً عن إصابة 35 غيرهم.

"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" هو تحالف يضمّ جماعات موالية لتنظيم القاعدة في المغرب

بيد أنّ باكستان ليست الدولة الوحيدة التي تعاني ضغط الإرهاب الجهادي خلال العمليات الانتخابية؛ فقد شهدت الأشهر الماضية هجمات عدّة، في كلّ من أفغانستان والعراق، وحتى ليبيا المتداعية، وكان العامل المشترك بينها جميعاً؛ هو هدف ردع الناس، وإثنائهم عن الإدلاء بأصواتهم.

فقد أقدم إرهابي انتحاري، في نيسان (أبريل) الماضي، على قتل 50 شخصاً، على الأقل، وإصابة 100 آخرين، بعد أن فجّر نفسه بمكتب لفرز الأصوات في كابول، العاصمة الأفغانية، كما شنّ تنظيم داعش هجومين اثنين في طرابلس (ليبيا)، وكركوك (العراق)، أدّيا إلى مصرع 12 شخصاً وثلاثة أشخاص، على الترتيب. وفي الحالة الليبية؛ كان الهجوم قد استهدف مقرّ اللجنة الانتخابية، بينما وقع هجوم العراق في محيط إحدى لجان الاقتراع.

ترجع أفكار الحركة الجهادية العالمية المعاصرة إلى إسهامات فقهاء ينتمون لحقب سابقة مثل ابن تيمية وسيد قطب

بالمثل؛ ألمح تنظيم داعش إلى استهداف الانتخابات البلدية في تونس، ووجّه التنظيم الإرهابي الانتقادات للانتخابات، منتصف آذار (مارس) الماضي، وأشار بشكل غير مباشر إلى حزب النهضة، ذي الخلفية الإسلامية، على خلفية مشاركته في الانتخابات.

وتكرّرت الاتهامات في إقليم الساحل، تحديداً مالي، التي شهدت مؤخراً انتخابات رئاسية، وترتقب انتخابات برلمانية، في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وتتعرّض البلاد لتهديدات من جانب "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"؛ وهو تحالف يضمّ جماعات موالية لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، التي تعدّ مالي ودول أخرى إقليمية مسرحاً رئيساً لعملياتها.

ونشرت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، في منتصف شباط (فبراير) الماضي، مقطع فيديو يحمل عنوان (حول الانتخابات)، دعا فيه قاضي منطقة الصحراء، أبو عبد الرحمن الصنهاجي، السكّان الماليين لعدم المشاركة في أيّ استحقاق انتخابي تشهده البلاد.

تبنّى قطب خطاباً ناقداً لأوضاع أغلب الدول الإسلامية وخلص إلى أنّ سبب انهيار الإسلام هو تأثيرات خارجية مثل الديمقراطية!

وعدّ الصنهاجي الديمقراطية، عملياً، في حدّ ذاتها، ديناً يخالف الإسلام، موضحاً أنّ الالتزام الحقيقي الواقع على المواطنين يتمثّل في عدم الضلوع في هذه "اللعبة القذرة"، وينتهي الفيديو بتوجيه دعوة للجهاد والتضحية في سبيل الله، كسبيل وحيدة ممكنة لتحقيق مستقبل أفضل للمنطقة.

وخيّم الأمن على العملية الانتخابية، التي جرت في 29 تموز (يوليو) الماضي؛ حيث وُجّهت الدعوة للمواطنين الماليين كي يختاروا رئيسهم في ظلّ إجراءات أمنية بلجان الاقتراع، لكنّ العنف كان حاضراً، رغم ذلك، في مناطق عدة من البلاد، ويشير أبو بكر كيتا، المتحدث باسم مهمّة مراقبة من مؤسسة "ويستأ فريكا نتوورك فور بيس بيلدينج"، إلى رصد ظهور رجال مسلّحين بينما يحرقون بطاقات الاقتراع، ويهدّدون الناخبين في عدد من اللجان الانتخابية، لا سيّما في شمال ووسط البلاد.

الأساس الأيديولوجي للفكر السلفي الجهادي يقوم على عداءٍ لدودٍ للديمقراطية

كما أكّد وزير إدارة الأراضي، أنّه من بين 23 ألف لجنة تم تجهيزها للانتخابات، لم تتمكن إلا 644 لجنة منها من العمل، فضلاً عن تعرض ستة آلاف و632 أخرى لأعمال عنف، وكانت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" هي من حاولت توجيه ضربة للانتخابات أثناء سير العملية بشنّ هجوم، مستخدمة قذائف الهاون في أجويلهوك، في منطقة كيدال الواقعة شمال البلاد.

واستهدف هذا الهجوم مقرّ مهمّة إحلال الاستقرار التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (مينوسما) في البلاد، لم يسقط ضحايا، رغم أنّ إحدى قذائف الهاون سقطت على مبعدة 100 متر فحسب من لجنة انتخابية.

لاحقاً؛ سار بيان "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" على خطّ انتقاد الانتخابات، مؤكداً: "يعلم الجميع أنّ الفائز في هذه الانتخابات لن يكون أكثر من مجرّد بيدقٍ تحرّكه فرنسا والدول الصليبية".

بغضّ النظر عن اسم المنظّمة الإرهابية التي تنفّذ الاعتداءات؛ فإنّ الأساس الأيديولوجي للفكر السلفي الجهادي يقوم على عداءٍ لدودٍ للديمقراطية، وبالتالي للعمليات الانتخابية، ووفق هذه الأيديولوجية؛ فإنّ الحكم لله وحده، الواحد الأحد، مع عدّ الديمقراطية نظاماً نجساً، وإحدى صور الشرك؛ حيث يؤلّه الإنسان نفسه، ويستبدل القوانين الإلهية بقوانينه هو.

اقرأ أيضاً: الحرمان العاطفي لدى السلفي الجهادي وحورياته المُغريات!

تتقاطع الديمقراطية وتتواجه مع المفاهيم التشريعية التي يحدّدها السلفيون الجهاديون للمجتمع، الذي يجب أن يحكمه وينظّمه الله وشرعه، كلّ ما هو خلاف ذلك يعدّ ضلالاً، يدفع بالإسلام والمجتمعات الإسلامية نحو هاوية الانحلال، ويجب تصحيحه، ليصبح بالنسبة إلى المؤمنين واجباً يتعّين عليهم الالتزام به، وتطبيق هذه المفاهيم، ونتيجة هذا التفسير الصارم المتشدّد؛ يكون هناك مبرر للعنف الجهادي الذي يصنّف الأنظمة والزعماء السياسيين والناخبين باعتبارهم مسلمين غير حقيقيين، أو مرتدّين يجب التعامل معهم بالطريقة الأكثر فاعلية.

اقرأ أيضاً: من الاستشراق إلى الجهادية الإسلامية

ترجع أفكار الحركة الجهادية العالمية المعاصرة إلى إسهامات فقهاء ينتمون لحقب سابقة وأثّروا بصورة كبيرة في الفكر السلفي الجهادي، مثل ابن تيمية وسيد قطب. وضع الأول أسس الفكر التكفيري، الذي كما ذكرنا، يسمح بتكفير أو إعلان كفر شخص ما، الأمر الذي يفتح الباب بذلك أمام مسوّغ دائم لأعمال العنف، التي هي مباحة وفقاً للرؤية السلفية الجهادية للتعامل مع من لا يتبعون الشريعة الإسلامية.

من جانبه، تبنّى قطب خطاباً ناقداً للأوضاع التي كانت تعيشها أغلب الدول الإسلامية، في النصف الأوّل من القرن العشرين، وخلص إلى أنّ سبب انهيار الإسلام يرجع إلى التلوّث الناتج عن تأثيرات خارجية، مثل: الديمقراطية، أو النزعة القومية التي تعيد المجتمع الإسلامي إلى حالة الجاهلية، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى مرحلة ما قبل الإسلام، لكنّ قطب أضفى عليه منظوراً جديداً، كي يمكن استخدامه كعامل محفّز ودافع نحو حراك الأمّة.

هذا العداء للديمقراطية لا يُعزى إلى موقف إستراتيجيّ أو ظرفي؛ بل تعود جذوره إلى أصول الفكر الجهادي

إنّ هذا العداء للديمقراطية لا يُعزى إلى موقف إستراتيجيّ أو ظرفي؛ بل تعود جذوره إلى أصول الفكر الجهادي، يضاف إلى هذا الهدف الدائم للجهاد العالمي بالضرورة، التهديد الذي وجّهه المتحدث باسم داعش، أبو الحسن المهاجر، في 22 نيسان (أبريل) الماضي، عبر قناة "الفرقان" الرسمية، التي تبثّ رسائل زعماء التنظيم أو المتحدثين باسمه.

وفي الرسالة، التي بلغت مدتها 49 دقيقة، وجّه المتحدّث تحذيراته إلى هؤلاء الذين يجرؤون على المشاركة في العملية الانتخابية العراقية، منبّهاً إلى أنّ إراقة دمائهم مباحة، وكذلك المرشّحون؛ لأنّهم بانخراطهم في هذه العملية يضفون الألوهية على أنفسهم. وبالنسبة إلى الناخبين؛ فإنّ أصواتهم ترفع المرشّحين إلى منزلة تعادل تلك التي يحظى بها الله، وبالتالي، يرتكبون إثماً عظيماً.

اقرأ أيضاً: اقتصاد الحركة السلفية في المغرب العربي

ورغم أنّ تهديدات المهاجر أشارت بشكل واضح إلى الانتخابات في العراق، لكنّها امتدّت أيضاً إلى دول أخرى تشهد وجوداً ملحوظاً للعناصر الجهادية.

تجري هذا العام أيضاً انتخابات في مالي وأفغانستان؛ لذا فمن المحتمل أن تكون هناك حالة من غياب الاستقرار والتخبّط، نتيجة الهجمات التي تستهدف البنية التحتية الانتخابية من جانب الجماعات الإرهابية.


مقال للصحفي ألبارو بيتنكورت بصحيفة الإندبندينتي الرقمية الإسبانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية