الوجود الإيراني في سوريا بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الروسي

الوجود الإيراني في سوريا بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الروسي


30/08/2018

الدكتور عماد علوّ


بعد أن باتت معالم الحل السياسي في سوريا أكثر وضوحاً، اثر التدخل الروسي المباشر في الصراع المسلح الدائر في سوريا منذ سبع سنوات فان من المهم الاشارة الى أن إسرائيل كانت منذ البداية ضد أي تغيير في دمشق لأنها تعايشت مع النظام  السوري على مدى نصف قرن تقريباً، ورغم الخلاف والقطيعة، فان إسرائيل تعتبر جارتها سوريا أكثر أمناً وانضباطاً حتى من مصر والأردن اللذين ارتبطت معهما باتفاقيات سلام ، الا أن ضعف القدرات العسكرية السورية نتيجة الصراع المسلح مع فصائل المعارضة المسلحة المدعومة اقليميا” ودوليا” ، شجع الإيرانيون حلفاء النظام السوري على تعويضها بقوات وميليشيات ايرانية واخرى مدعومة من قبل طهران مما غير بشكل كبير من  المعادلة الأمنية والسياسية ليس في الداخل السوري بل في منطقة الشرق الاوسط ، وما عزز ذلك التدخل العسكري الروسي المباشر في الصراع السوري منذ عام 2015.

وقد جاء الاعلان عن  نشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية في هضبة الجولان في الثاني من آب 2018 تطورا” لافتا” في الدور الروسي ليس في سوريا فقط بل في منطقة الشرق الاوسط . حيث شكل هذا التطور اشارة واضحة الى مساهمة روسية فاعلة في حماية اسرائيل تنسجم وتتفق مع الاستراتيجية والنهج الأمريكي في هذا الاتجاه ، كما ينسجم ويتفق ايضا” مع السعي الامريكي لتحجيم وانهاء الدور والوجود العسكري الايراني على الاراضي السورية .

و كانت موسكو في التاسع من مايو 2018، دعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحضور العرض العسكري للاحتفال بيوم النصر كضيف شرف، وبعد أن عاد نتنياهو إلى تل أبيب شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات جوية استهدفت 50 موقعًا عسكريًّا تابعًا للقوات الإيرانية وحزب الله في سوريا.

ثم تبعتها تصريحات وتقارير اعلامية اسرائيلية في 29 مايو 2018، اشارت الى أن الاتفاق بين تل أبيب وموسكو على إخراج كل القوات العسكرية التابعة لإيران وحزب الله من سوريا ، والبقاء على القوات السورية الحكومية فقط. ومن الجدير بالذكر أن روسيا تنشر اكثر من 48 ألف جندي في سوريا.

والسؤال المطروح هو ما اذا كان هناك اتفاق غير معلن  بين روسيا وإسرائيل لضرب القوات الإيرانية وإزاحتها من سوريا، وبخاصة أن موسكو لم تعلق على الهجمات الإسرائيلية، ولم يعترض نظامها الدفاعي في سوريا تلك الضربات. بل انها ارسلت وزير خارجيتها سيرغي لافروف ورئيس الاركان الروسي الى اسرائيل من اجل وضع النقاط على الحروف وتعزيز التعاون والتنسيق العسكري والامني بين موسكو وتل ابيب في اطار الترتيبات النهائية لإعادة الامور الى ما كانت عليه في سوريا قبل الثورة السورية في عام 2011 .

وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوسائل الاعلام الإسرائيلية، إن «القوات السورية الحكومية هي فقط من لديها حق البقاء في الجنوب، ويجب خروج أي قوات أجنبية أخرى»، مشددًا على ضرورة التزام طهران بذلك الاتفاق.

وحسبما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن التلفزيون الإسرائيلي، فإن إسرائيل توصلت إلى اتفاق سري مع روسيا، لإبقاء القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا بعيدة عن الحدود الإسرائيلية.

وفقا الى “الصفقة” المشار إليها، فإن إسرائيل ستقبل بعودة قوات النظام السوري إلى الحدود على مرتفعات الجولان، في مقابل ضمانات روسية بعدم وجود أي قوات إيرانية أو ميليشيات تابعة لها مثل حزب الله اللبناني في المنطقة. وبموجب الاتفاق، ستطلب روسيا من كل القوات الأجنبية الموجودة في سوريا الرحيل، بما في ذلك الإيرانية وميليشيات حزب الله .

ان مضمون الاتفاق الروسي الاسرائيلي بضمان الأمن الإسرائيلي أفقد إيران ورقة استثمار أمني وسياسي طالما طمحت إيران إلى إمساكها أسوة بالحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل، لكنّ انتزاع هذه الورقة بتسليم إيراني يكشف إلى حد بعيد قوّة هذا الاتفاق في الجنوب السوري بمباركة أميركية وتعاون أردني، أنّ إيران ليست طرفا فيها، بل هي طرف يستجيب بسلاسة لمتطلبات إبعادها عن هذه المنطقة بالكامل.

هذه الاتفاقات والتنسيق الروسي الإسرائيلي يأتي في وقت تتعرض في طهران لحملة من الضغوط والعقوبات الاقتصادية الامريكية والدولية لإجبارها على (تعديل او تغير سلوكها في الشرق الاوسط)  في وقت تشهد مدن ايرانية عديدة احتجاجات شعبية واسعة النطاق نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد ، بعبارة أدق ثمة واقع ايراني يكشف عن استنزاف اقتصادي يطال الدولة ومخاطر مالية غير مسبوقة و ارتفاع سقف البطالة ،في غياب أيّ خطط  فعالة تبشر بالخروج من هذا الحال ما يعني توقع المزيد من التدهور المالي والاقتصادي والمزيد من الفوضى التي يدفع الشعب الايراني وحده ثمنها .

ومن الطبيعي أن كل تلك الأمور ستؤثر في قرارات القادة في إيران، إضافة إلى أن الاتفاق الروسي الإسرائيلي لا يعنى بالتأكيد إنهاء الدور الإيراني في سوريا، ولكنه قد يكون فقط محاولة قصيرة المدى لتجنب صراع لا فائدة منه ، بل ان عواقبه قد تكون وخيمة على طهران ودمشق، وهو أمر غير خافي عن اذهان القادة الايرانيين وسيكون عليهم التفكير  بحجم الخسائر التي يمكن ان تتعرض لها ايران من وراء التهديدات الامريكية و الإسرائيلية احتمالية خسارة حليف مهم مثل روسيا في حال رفضهم الانصياع للمطالب الروسية بالخروج على الاقل من الجنوب السوري اولا” ثم الخروج من سوريا لاحقا”  .


عن "المركز الأوروبي"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية