إي-صامد: تطبيق إلكترونيّ لتقليل البطالة بين الفلسطينيّين

إي-صامد: تطبيق إلكترونيّ لتقليل البطالة بين الفلسطينيّين


01/10/2018

أحمد صبرا صديق لبنانيّ في مدينة ملبورن الأستراليّة يعمل مصوّراً محترفاً (فيديو وصور)، ولم يتردّد منذ أن عرفته قبل 5 أعوام عن تصوير فعاليّات فلسطينيّة وثقافيّة عربيّة بلا مقابل، وآخرها أمسية شعريّة نظّمها، في ملبورن بأستراليا، مركز ابن رشد للثّقافة العربيّة الذي أرأسه. وأثناء عملنا على مونتاج فيديو إحدى الفعاليّات، قال لي أحمد إنّه استعان بشابّ فلسطينيّ، اسمه بلال، يعيش في برج البراجنة للقيام بمونتاج صور ومقاطع فيديو عبر الإنترنت، وإنّه معجب بموهبة الشابّ وكيف أنّه يوفّر عليه الوقت الكثير.

وفي طريق عودتي من أستوديو أحمد، بقي اسم برج البراجنة في بالي، وتذكّرت زيارتي له قبل 5 أعوام، وصدمتي لما شاهدت من بؤس يملأ المكان. أقول صدمتي وأنا الّذي ألِف حياة المخيّم منذ طفولته عبر زياراتي أثناء العطل الصيفيّة لأهل أمّي في مخيّم اليرموك في سوريا، وعمّتي في مخيّم حطّين في الأردن، وغيرهما ممّا لا يمكن مقارنته بمخيّمات لبنان عموماً، وتذكّرت أسلاك الكهرباء والهاتف المتدلّية، والخبر الذي قرأته قبل أيّام عن الـ76 الذين ماتوا صعقاً بأسلاك الكهرباء خلال السنتين الأخيرتين، وتذكّرت الأزقّة الضيّقة غير المعبّدة، والاستحمام بالماء المالح، وأصوات الجيران العابرة للجدران والنوافذ، وتذكّرت الأستاذ بيّاع العصير، والمهندس بائع الأحذية، والممرّضة التي تقف لساعات في صالونات التجميل. ثمّ تساءلت: كم شابّاً مثل بلال يمكن أن يحصل على نافذة عمل عن بعد؟

تخيّل المشهد

دعونا نتخيّل هذا المشهد: فلسطينيّ في الولايات المتّحدة يريد تصميم لوغو لشركته الجديدة. يدخل على تطبيق إلكترونيّ على هاتفه النقّال ويكتب (تصميم غرافيك)، فتظهر أمامه قائمة حسابات لعدد من مقدّمي هذه الخدمة من الفلسطينيّين. يتصفّح بعضها ويختار شخصاً يعيش في مخيّم شاتيلا في لبنان حصل على تقييمات ممتازة من قبل عملاء سابقين. يتواصل معه ويتّفقان على تفاصيل العمل والرّسوم وموعد التسليم، ثم يتمّ تقديم الخدمة والدّفع للمصمّم عبر منصّة دفع متاحة بعد اقتطاع نسبة للتّطبيق.

يقوم متطوّعون في أماكن تواجد الفلسطينيّين بالعمل على إنشاء قاعدة بيانات وإنشاء حسابات للرّاغبين بتوفير خدماتهم عبر التّطبيق

الفكرة: تطبيق إلكترونيّ على الهواتف الذكيّة يقوم بربط الباحثين عن العمل من الفلسطينيّين بفرص عمل عن بعد، بحيث يتمّ تقديم الخدمة على الإنترنت ودون الحاجة للسفر.

إنّ البطالة هي إحدى أكثر الآفات فتكاً بالمجتمع الفلسطينيّ وخاصّة في مخيّمات اللّجوء، وإنّ تبعاتها تتجاوز الأزمات الاقتصاديّة إلى الاجتماعيّة والنفسيّة وأحياناً السياسيّة. ولا نحتاج إلى دراسات واستبيانات لنرى أنّ مردّ البطالة ليس نقص المؤهّلات والمهارات لدى الشّباب الفلسطينيّ، بل شحّ الفرص النّاتج بدرجة كبيرة عن قسوة التّشريعات، كما هو الحال في لبنان، أو النّزاعات والحروب كما في سوريا، أو الاحتلال كما في الضّفة والقدس، أو الحصار في غزّة، أو التّهميش بالنّسبة لفلسطينيّي الخطّ الأخضر.

اقرأ أيضاً: هكذا يتحوّل الشباب العاطل عن العمل في تونس إلى "قنبلة موقوتة"

وإذا كانت المؤشّرات لا تبعث على التّفاؤل، فيما يتعلّق بزيادة نسب تشغيل الفلسطينيّين في الأسواق المحلّيّة، فقد يكون هناك شيء من الأمل في الأسواق البعيدة؛ حيث يوجد الطّلب، عبر تشجيع نمط التّعاقد عن بعد.

ولأنّ فكرة هذا المقال تتعلّق بمشروع وطنيّ على شكل تطبيق إلكترونيّ، فليعذرنا القارئ الكريم إذا خضنا بعض الشيء في أمور فنّيّة ضمن تصوّرات عامّة لتوضيح الفكرة.

بخصوص التّطبيق

لا شكّ في أنّ كثيراً من الفلسطينيّين- وخاصّة في سوريا ولبنان- يعرفون جيّداً مؤسّسة (صامد)، والّتي تأسّست بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات العام 1969 لتشغيل أبناء الشهداء وتأهيل جرحى الثّورة الفلسطينيّة، وغدت خلال أعوام قليلة أهمّ مؤسّسة اجتماعيّة إنتاجيّة فلسطينيّة.

ضمّت (صامد) منذ البداية عدداً من آلات الخياطة، ثم أنشأت معمل نجارة ومركزين لأشغال الصّدف. وسرعان ما أصبحت (صامد) تضمّ ستّة وعشرين مشغلاً يحمل كلّ منها اسم شهيد فلسطينيّ. أنتجت (صامد) الألبسة الجاهزة والأثاث والموادّ الإعلاميّة والسينمائيّة، فضلاً عن الإنتاج الزراعيّ، وساهمت بشكل كبير في توفير فرص عمل لعشرات الآلاف من العائلات الفلسطينيّة. فتيمّناً بهذه المؤسّسة العملاقة، وأملاً في أن يسير التّطبيق على خطاها، ليكن اسم التطبيق "إي-صامد".

إي - صامد تطبيق إلكترونيّ على الهواتف الذكيّة يقوم بربط الباحثين عن العمل من الفلسطينيّين بفرص عمل عن بعد

أما بالنّسبة لتمويل إي-صامد، فلدى الشّعب الفلسطينيّ ما يكفي من الطّاقات في كافّة المجالات لتتطوّع بالعمل على تصميمه وإدارته وصيانته وتطويره إلى أن يستطيع التّطبيق تغطية تكاليفه، ومن بينها دفع رواتب العاملين به، سواء من خلال ما سيتقاضاه التّطبيق من رسوم تحميل، أو نسبة مئويّة عن كل عمليّة تجاريّة تتمّ على التّطبيق من جهة، أو من التبرّعات الّتي قد يحصل عليها من جهة أخرى. 

وفيما يلي بعض الخاصيّات التي يتيحها إي-صامد للمتصفّح:

- البحث عن المهارة أو الخدمة المطلوبة.

- الدخول على صفحة المتقدّم بالخدمة والاطّلاع على سجلّه السابق وعلى تقييمات العملاء أو ملاحظاتهم.

- اختيار الشّخص المناسب والتّواصل معه.

- الدّفع عبر منصات الدّفع الآمن.

- تقييم الخدمة.

بخصوص العرض

المقصود بالعرض هنا المهارات والكفاءات الّتي بحوزة الفلسطينيّين الباحثين عن فرصة عمل، والمأمول تقديمها عبر الإنترنت إلى عملاء في دول أخرى.

على عكس التّطبيقات المشابهة الّتي تكون مصدراً مفتوحاً لكلّ من يريد أن ينشئ حساباً لتقديم خدمة ما، لن يتيح إي-صامد هذه الخاصيّة وذلك لضمان أن يكون المستفيدون من الفلسطينيّين فقط. بدلاً من ذلك،  يقوم متطوّعون من المختصّين في العمل الاجتماعيّ الميدانيّ في أماكن تواجد الفلسطينيّين بالعمل على إنشاء قاعدة بيانات وإنشاء حسابات للرّاغبين بتوفير خدماتهم عبر التّطبيق، وذلك حسب نوع المهنة/ الخدمة التي يرغب كلّ فلسطينيّ بتقديمها- بشرط أن يكون ممكناً القيام بها عبر الإنترنت، ومن بينها: بعض المهن الخاصّة بالمعلوماتية وتصميم المواقع والتطبيقات والبرمجة، تصميم غرافيك، ترجمة تحريريّة، تدقيق لغويّ، دروس تقوية مدرسيّة ودورات طبخ عبر سكايبي، مونتاج صور، مونتاج فيديو، تسجيل صوتيّ، وغير ذلك.

اقرأ أيضا: احذروا ناجي العلي فالكون عنده أصغر من فلسطين

يتمّ فيما بعد رفع وتحديث قاعدة البيانات من قبل المشرفين الميدانيّين، إمّا بشكل مباشر عن طريق إعطائهم خاصيّة إدخال بيانات من قبل إدارة التّطبيق أو بإرسال البيانات إلى إدارة التّطبيق.

في المراحل التجريبيّة، من المستحسن البدء في نطاق عمل واحد لمدّة معيّنة قبل الانتقال لبقيّة أماكن المجتمعات الفلسطينيّة، ولتكن المخيّمات/ التجمّعات الفلسطينيّة في لبنان هي البداية (وعددها 12 مخيّماً و12 تجمّعاً) كونها قد تكون الأكثر تردّياً في الأوضاع المعيشيّة والأسهل إداريّاً من الناحية الميدانيّة للتّطبيق .

المستفيدون من الخدمة

أما بخصوص الطّلب فيعني العملاء الّذين يحتاجون خدمة معيّنة، والمتوقّع أن يكونوا بالدّرجة الأولى في بلدان مثل؛ الولايات المتّحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبيّة، حيث يعيش أكثر من مليون فلسطيني،ّ بالإضافة لعدد كبير من المناصرين الأجانب، وبدرجة ثانية في الدّول العربيّة وخاصّة دول الخليج.

اقرأ أيضاً: قانون أمريكي جديد يمسّ اللاجئين الفلسطينيين.. هكذا يُعرفهم

بعد إطلاق إي-صامد، يتولّى عدد من المتطوّعين الترويج للتّطبيق بين الفلسطينيّين في المهجر ومناصري القضيّة الفلسطينيّة من العرب والأجانب، ممّن سيعطون الأولويّة- في غالبيّتهم- لتطبيق وطنيّ فلسطينيّ على تطبيقات قد تكون أكثر تنافسيّة. بمعنى آخر، إي-صامد لن يخضع- وخاصّة في المراحل الأولى من عمره- لقواعد التّسويق التّقليديّة بل لقاعدة التّمييز الإيجابيّ، ولكن ليس على حساب جودة الخدمة.

التّقليل من البطالة

بالإضافة للهدف الرئيس من إي-صامد، وهو التّقليل من نسبة البطالة بين الفلسطينيّين في المخيّمات والمجتمعات الفلسطينيّة، فمن المأمول كذلك أن يعود هذا التّطبيق الإلكترونيّ بفوائد وطنيّة أخرى كتوفير منصّة إضافيّة للتواصل بين فئات الشعب الفلسطينيّ الممزّق جغرافيا، وتهيئة أداة نضالية جديدة وفعّالة لفلسطينيّي المهجر والمناصرين العرب والأجانب.

لدى الشّعب الفلسطينيّ ما يكفي من الطّاقات في كافّة المجالات لتتطوّع بالعمل على تصميم التطبيق وإدارته وصيانته وتطويره

ما سبق هو مجرّد تصوّرات للشّكل المبدئيّ لتطبيق إي-صامد، ولكن قد يكون لأصحاب الاختصاص رأي مختلف في الشّكل والمضمون إذا اقتنعوا بالهدف، علّنا نوفّر لأمثال أحمد في ملبورن وبلال في برج البراجنة ملتقى في هذا الفضاء الإلكترونيّ يليق بنبل الغاية المرجوّة. 

نرفض بشكل قاطع كلّ محاولات الالتفاف على حقّ اللّاجئ عبر مشاريع توطين مشبوهة، ونؤكّد أنّ حقّه في العودة حقّ مقدّس وقابل للتّطبيق ولا يسقط بالتّقادم، ولكن علينا ألّا ننسى أنّه حتّى يتحقّق ذلك، فلكلّ لاجئ الحقّ في الحياة الكريمة، وإلا فستظلّ شعارات رفض التوطين تعزيزاً للعنف بحقّ اللّاجئ، فكما يقول المهاتما غاندي: الفقر هو أسوأ أشكال العنف.

الصفحة الرئيسية