ما حقيقة التقارب بين العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح؟

ما حقيقة التقارب بين العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح؟


15/11/2017

تحمل العلاقة التي تجمع بين حزب العدالة والتنمية المغربي وحركة التوحيد والإصلاح الإخوانية- التي أضحت في الفترة الأخيرة تعيش أزمة فراغ كبيرة- الكثير من الغموض والالتباس، وذلك لعدة أسباب منها؛ التداخل الحاصل بينهما على مستوى المهام والأهداف على الرغم من أنّ أحدهما، كما تبين القوانين التنظيمية، يسير في الاتجاه الدعوي والآخر يأخذ منحى سياسياً، والتداخل أيضاً الحاصل على مستوى الأعضاء؛ إذ إن أعضاء الحركة هم أنفسهم أعضاء الحزب مع فارق بسيط وهو أنّ عضو الحركة يتحول في الحزب إلى عضو غير عادي بهدف تهميش الأعضاء العاديين، فما هي حقيقة التقارب بين الهيئتين؟ وكيف تحدد العلاقة بينهما؟ ومن المسؤول عن هذا الخلط السياسوي؟

إن العلاقة التي تجمع بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية لم تعد شأناً يهم أعضاءهما فقط، بقدر ما أصبحت تعني العديد من الجهات، خاصة وأن الهيئتين معاً تشتغلان على المرجعية الإسلامية الحركية [الإخوانية تحديداً] بشكل أثار الكثير من علامات التعجب والاستفهام سواء لدى المسؤولين أو لدى عموم المواطنين، وإذا كان أتباع الرجل الأول في المشروع، عبد الإله بنكيران، يعتمدون هذه الازدواجية في الممارسة والخطاب من أجل إبراء ذمة حركة التوحيد والإصلاح من تهمة الخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي أو توظيف الدين لأغراض سياسوية، فإنّ العديد من المتتبعين يرون أن هذا الإبراء لا يعفي الحركة من تهمة استغلال الدين والمزج بين الديني والسياسي، على اعتبار أنّ العديد من قيادات الحزب هم في نفس الوقت قيادات في الحركة كما هو الحال بالنسبة لمحمد يتيم الذي تمت إعادة انتخابه في المكتب التنفيذي للحركة على الرغم من أنه عضو في الأمانة العامة للحزب، ووزير ونائب برلماني عن الحزب نفسه.

توظيف الدين في السياسة والعكس صحيح، ممارسة باتت اعتيادية داخل كل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية

والناظر في طبيعة العلاقة التي تجمع بين هذين التنظيمين يضطر إلى الوقوف طويلاً لمعرفة على الأقل من المسؤول عن فبركة هذا الخلط، على اعتبار أن الصورة التي تقدمها سواء هذه الهيئة أو تلك لا يمكن أن تكون من صنع جهات عادية؛ بل من جهات مسؤولة خططت ودبرت سلفاً لهذه العلاقة.
ولذلك، تجد داخل كل من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح من لا يفهم حقيقة هذه العلاقة، وكل ما يعرفه هو أنّ "الحزب هو الحركة"، وأنّ "الحركة هي الحزب"، وأنّ الفرق بينهما هو أن الحزب يؤدي إلى البرلمان وباقي مؤسسات الدولة، بينما الحركة لا تقود إلى ذلك وأن كل ما يمكن أن تقوم به لفائدة أعضائها المقربين هو الظفر بزيارة إلى الديار السعودية.
ولهذه الأسباب فرت كل الرؤوس الكبيرة إلى الحزب وأحكمت سيطرتها عليه، لتبقى الحركة متواضعة الحضور التنظيمي، بعد أن تقرر منذ تأسيسها على أن تكون هي المعتمد والأساس، فيما تظل باقي القطاعات الأخرى بما فيها حزب العدالة والتنمية مجرد واجهة من واجهات العمل، لكن شيئاً من ذلك لم يكن، وكل ما حدث هو أن الحركة تحولت إلى مجرد ديكور يؤثث به بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية حزبه ويتحجج من خلاله في الداخل والخارج، كلما أتيحت له الفرصة لذلك، للقول بأنه رجل حركة إسلامية جاء ليدعو الناس إلى الدين، بينما أن الذي يقوم به لا يخرج عن توظيف الدين في العمل السياسي، وهذه خلاصة أصبحت متداولة حتى لدى الرأي العام خلال السنين الأخيرة، بمقتضى انخراط إخوان المغرب في العمل السياسي، واطلاع الرأي العام على وزراء الحركة والحزب.
وفي هذا الصدد يُشبه محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، علاقة الحزب بالحركة، بعلاقات الشراكة الإستراتيجية التي تربط بين الحركات الاجتماعية في الغرب والأحزاب السياسية المتناغمة مع مواقفها، وهو بذلك يكرس العبارة المشار إليها أعلاه، ويؤكد بأنه هو الآخر لم يصل بعد إلى بلورة طبيعة العلاقة التي تجمع بين الطرفين، والدليل على ذلك أنّه في تصريحاته الصحفية تارة يؤكد هذه العلاقة وتارة أخرى ينفيها، ومن ذلك قوله "إنه لا توجد أية علاقة بين الحركة التي يترأسها، وحزب العدالة والتنمية المعروف في الأوساط السياسية الوطنية كونه الذراع السياسي للحركة"، وبذلك يضع الحمداوي نفسه في حرج كبير خاصة وأنّ الدارس والمتتبع لقضايا وشؤون الحركة والحزب سيخرج بخلاصة واحدة وهي أن حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية وجهان لعملة واحدة.

إن الفصل بين الدعوي والسياسي لدى إسلاميي العدالة والتنمية مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي لم تنضج بعد مقوماته وشروطه

توظيف الدين في السياسة والعكس صحيح، ممارسة باتت اعتيادية داخل كل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، ذلك أن الفصيلين المتوحدين (رابطة المستقبل الإسلامي والإصلاح والتجديد) اللذان أفرزا حركة التوحيد والإصلاح، سيختلفان في التعاطي مع قضية الدعوي والسياسي، وموقع الحزب من الحركة في المشروع الوحدوي، إلا أنهما سيتفقان على تأجيل النظر في هذه القضية إلى حين، وقد كان لتفجيرات الدار البيضاء الإرهابية في 16 أيار (مايو) 2003 الوقع السيئ على مستقبل كل من الحركة والحزب، بعدما تأكدت مسؤوليتهما المعنوية في ذلك، وهو الشيء الذي عجل بضرورة معالجة هذه القضية وإيجاد حل لها في أقرب الآجال.
وتعبر عن هذه الإستراتيجية ورقة "المشاركة السياسية والعلاقة بين الحركة والحزب" فكرياً ونظرياً، وهي وثيقة غير منشورة وغير متداولة ظهرت سنة 2006 وخضعت لنقاش طويل داخل الهياكل التنظيمية للحركة منذ 2003.
ومما جاء في هذه الورقة، أن "الحركة على مستوى الفكرة تنطلق من شمول الإسلام، فكانت لها أهداف شمولية، منها الإسهام في إقامة الدين في الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة، وصولاً إلى الإسهام في الحضارة الإنسانية الشاملة، وشمولية الأهداف انعكست على شمولية مجالات عملها أيضا فهناك دعوة فردية ودعوة عامة وعمل سياسي وآخر اجتماعي واقتصادي ونقابي وثقافي وفكري، مجالات تتعدد وتتسع باتساع الإسلام نفسه".
إن "الفصل بين الدعوي والسياسي" لدى إسلاميي العدالة والتنمية، مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي لم تنضج بعد مقوماته وشروطه رغم كونه إجراء لا يمس تنظيمياً قناعات الحزب وأولوياته التي هي أولويات الحركة نفسها، تكريساً لمبدأ توزيع الأدوار بين دعائم المشروع: الحركة والحزب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية