العالم في قبضة الشعبوية .. تعرف على أسباب صعودها ومستقبلها

العالم في قبضة الشعبوية .. تعرف على أسباب صعودها ومستقبلها


08/11/2018

ترجمة: علي نوار


يشهد العالم في الوقت الحالي ظاهرة سياسية، تتمثّل في صعود قوي للحركات الفاشية بدعم من الفئات المجتمعية، الأكثر شعوراً بأنّها تعرّضت للخيانة من جانب الأحزاب التقليدية، التي أوصلتها لوضعية الفقر الناتج عن الأزمة الاقتصادية، ويستغلّ زعماء هذه الحركات عوامل، مثل: الهجرة، وسلبيات العولمة المفرطة، وفساد النخب السياسية والمؤسسية.

اقرأ أيضاً: أخطار الشعبوية ... وتسلل الاستبداد إلى الديموقراطيات

وتوالى ظهور العواقب الوخيمة للأزمات الاقتصادية المتتابعة، وشيوع العولمة، فضلاً عن تلاحق موجات المهاجرين، ما أدّى لصعود الحركات الشعبوية التي وصلت لسدّة الحكم في دول عديدة، كان آخرها أكبر وأغنى دولة في أمريكا الجنوبية: البرازيل.

أثار تبنّي سياسات الليبرالية الجديدة استياء قطاعات من الناخبين، الذين كانوا يمنحون أصواتهم لتيارات الوسط، لدفعها بعيداً عن الأحزاب التقليدية

صعود القوى الشعبوية في أغلب الدول، كان كاسحاً، وغير متوقع على الإطلاق، في الوقت الذي ما يزال فيه هؤلاء، الذين يدورون في فلك الوضع القائم، ومهندسو الأحزاب التقليدية، وأكاديميّو "المؤسسات"، يضربون أخماساً في أسداس، كان الوضع مثالياً بالنسبة إلى الشعبويين، كي يوجّهوا ضربة في مقتل "للتقليديين".

في أوروبا؛ أثار تبنّي سياسات الليبرالية الجديدة خلال العقد الأخير استياء قطاعات من الناخبين، لطالما كانوا يمنحون أصواتهم لتيارات الوسط، لدفعها نحو مناطق بعيدة للغاية عن الأحزاب التقليدية (على غرار الديمقراطية المسيحية والاشتراكية والليبرالية)، وترى أستاذة العلوم السياسية في جامعة "كومبلوتنسي" بمدريد، روث فيريرو، أنّ "أكبر الخاسرين جراء العولمة هم من منحوا أصواتهم للشعبويين، في ظلّ عدم وجود مقترحات واضحة وجدّ حقيقية من جانب الأحزاب التقليدية".

ماتيو سالفيني وفيكتور أوربان، في ميلانو، في 28 أغسطس، 2018

مزيد من غياب المساواة وعدم الاستقرار

تسبّب الركود الكبير، الذي ضرب الغرب على مدار الأعوام الـ 10 الأخيرة، في تكوين مجتمعات تغيب عنها المساواة والاستقرار، وتتّسم بقدر محدود من الحراك الاجتماعي، ويوضّح المحلل السياسي، كارلوس كارنيثيرو أوراباين: "عرف الزعماء الشعبويون جيداً كيف يقرؤون مراحل تطوّر هذا السخط، ويقدّمون أنفسهم كحماة للشعب في مواجهة عالم غارق في وحل العولمة، تنتج عنه تغيرات جذرية تؤثّر على مسار حياتهم، فإذا ولدت فقيراً؛ فإنّ الأمور على الأغلب لن تتغيّر كثيراً".

اقرأ أيضاً: 9 دول ينشط فيها اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية

ويمتلك الشعبويون إجابات لمخاوف وقلق الناس؛ فوفق ما أكّدت رئيسة تحرير النسخة الإسبانية من مجلة "فورين بوليسي"، كريستينا مانثانو: "حتى لو كان ذلك عن طريق مقترحات غير مكتملة، أو تستند إلى أكاذيب، لكنّها تعتمد على إبراز عدوّ واحد وواضح: المهاجر والاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي عجز فيه السياسيون التقليديون عن التعاطي بكفاءة وعبر رسالة محدّدة".

اقرأ أيضاً: القمة الأوروبية وزحف الشعبوية

من جانبه؛ يرى مدير معهد "دراسات النزاعات والحراك الإنساني"، خيسوس نونييث بالبيردي: أنّ "الرجال الأقوياء الذين يبزغ نجمهم حالياً؛ هم نتيجة للمرحلة التي عايشوها، التي تشهد فيض الكيل من الأطر التقليدية المؤسّسة للنظام السياسي العاجز عن إعطاء إجابات لهؤلاء، الذين يشعرون بأنّهم تعرّضوا للتهميش جرّاء الإغراق في العولمة، وانعدام المساواة المهيمنة حالياً".

اقرأ أيضاً: 9 دول ينشط فيها اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية

ويتّفق معه رئيس قسم التحليل والتنمية العالمية في معهد الصحة العالمية ببرشلونة، رافائيل بيلاسانخوان، قائلاً: "بينما تتضاءل قوة الدولة، يطالب الشعبويون باستعادة السيادة وإغلاق الحدود؛ وهو خطأ قاتل؛ لأنّه ليس ثمة أفق بديل".

دونالد ترامب ونظيره الفلبيني رودريغو دوتيرتي

هل تواجه الديمقراطية الليبرالية خطراً؟

تتباين آراء المتخصصين حول ما إذا كان صعود الحركات الشعبوية يمثل خطراً على الديمقراطيات الليبرالية؛ حيث إنّ مصدر التهديد الحقيقي هو معرفة هذه القوى كيفية استغلال موارد النظام نفسه لإسقاطه، ويذكّر مانثانو: "نرى ذلك بكل وضوح في بولندا التي تشهد تعدّيات على استقلالية القضاء، وفي المجر حيث تُستهدف حرية التعبير والحرية الأكاديمية، وتحدّي قوانين الموازنة في منطقة اليورو".

اقرأ أيضاً: ستيف بانون يؤسس للشعبوية الدولية

ويضيف فيريرو "يشكّل حزب الاتحاد المدني المجري "فيدس"؛ الذي يتزعمه أوربان، جزءاً من الحزب الشعبي الأوروبي، ويشغل منصب نائب الرئيس، كما أنّ حزب "العدالة والقانون" البولندي متحالف مع المحافظين البريطانيين، ولا يمكن تصنيفه بغير الليبرالي، لكن بالمعادي لأوروبا"، ولا يرَى فيريرو أنّ "فيدس" و"العدالة والقانون" حزبان شعبويان، "لكنّ ماكرون وترامب وبولسونارو؛ نعم شعبويون".

تفكيك

أما كارنيثيرو؛ فقد رأى أنّه من الخطأ الاعتقاد بأنّ المؤسسات الديمقراطية غير قابلة للانهيار؛ حيث أكّد "تمكّن النازيون، وفي وقت قياسي، من تقويض الديمقراطية الألمانية عبر غزوها من الداخل"، مشيراً إلى أنّ فخّ الشعبوية يتضمّن التقليل من شأن المؤسسات المختلفة التي ترتكز إليها الديمقراطيات الليبرالية، بداعي أنّها تحول دول تحويل مدنهم الفاضلة (يوتوبيا)، إلى واقع ملموس، وأضاف "وتلعب هذه المؤسسات (مثل: السلطة القضائية والبرلمانية والصحافة الحرة)، دوراً رئيساً في عملية استمرار الديمقراطية".

تسبّب الركود الكبير، الذي ضرب الغرب لعشرة أعوام في تكوين مجتمعات تغيب عنها المساواة والاستقرار، وتتّسم بمحدودية الحراك الاجتماعي

ويوضح بيلاسانخوان؛ أنّ ترامب مهّد الطريق بتعيين قضاة موالين له، أو ضرب دور الصحافة في مقتل، مقدماً نفسه كمنقذ للوطن، وهؤلاء الزعماء "يستغلّون حالة السخط تجاه النموذج القائم لتفكيكه"، وهو ما اتفق معه فيه نونييث بالبيردي".

وتنتشر هذه الظاهرة كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، فهل يمكن وقفها؟ يرى مانثانو أنّه رغم النجاح الذي حقّقه الشعبويون في عدد من الدول، إلا أنّ قطاعاً عريضاً من المجتمعات لا تتّفق مع المقترحات التي يطرحها الزعماء الشعبويون؛ حيث ألمح إلى أنّه "من الضروري استعادة الخطاب الذي يتضمن القيم والحلول المنطقية والإجابات لمتطلّبات المواطنين"، مبرزاً أنّ الخطر الحقيقي لا يكمن في الشعبوية، بقدر النزعة الوطنية (الشوفينية) والعنصرية، والعداء للأجانب، واستهداف الديمقراطية.

وتلخّص ثلاث عبارات تفوّه بها ترامب في أحد لقاءاته الحاشدة كلّ ذلك؛ حين صرّح: "أنا وطني، حسناً؟ استخدموا هذه الكلمة، استخدموها! فالمتعولم هو شخص يتمنّى أن تسير الأمور على ما يرام في العالم، لكنّه في قرارة نفسه لا يكترث كثيراً لبلادنا"، وسط عاصفة من التصفيق الحاد وهتافات: "فلتشيّد الجدار، شيّد الجدار"، في إشارة إلى الجدار الذي يريد الرئيس الأمريكي بناءه على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، لوقف عمليات دخول المهاجرين إلى الأراضي الأمريكية، وذلك خلال فعّالية انتخابية في هيوستن.

استقبال مادورو وزوجته متابعيهما

حلول بسيطة للمشكلات

بيد أنّ كارنيثيرو لا يبدو متفائلاً؛ حيث اعترف بأنّه "من الصعب مواجهة الشعبوية لأنّها تنتهج خطاباً برّاقاً للغاية: حلول بسيطة لمشكلات معقّدة، رغم أنّ الإحباط قد يمثّل عنصر ردع"، مسترجعاً المشكلات التي تعانيها رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، من أجل تنفيذ حلم الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، الذي اتخذ القرار بشأنه عن طريق استفتاء فازت فيه، "نعم" بقدر كبير من الأكاذيب.

فخّ الشعبوية يتضمّن التقليل من شأن المؤسسات المختلفة التي ترتكز إليها الديمقراطيات الليبرالية

إلا أنّ الإحباط الذي أصاب أوساط واسعة من الشعب جرّاء سلوكيات الأحزاب التقليدية والنخب السياسية والاقتصادية، بشكل عام، يصعب تجاوزه؛ حيث رأى كارنيثيرو "توقّف المواطنين عن الإصغاء لهم، فهم يحمّلونهم مسؤولية انهيار تطلّعاتهم الأساسية، ويرون أنّ هذه النخب تعيش محصّنة في عالم حافل بالامتيازات".

وعلى الخطّ المنتقد نفسه، سار مانثانو، بقوله: "الأحزاب بالطبع هي جزء من المشكلة؛ أصبحت بالفعل تهتم بالاحتفاظ بالسلطة بقدر أكبر من العمل، كما انشغلت بنزاعاتها الداخلية، تاركة مخاوف المواطنين جانباً"، وأضاف سانخوان: "أضحت إستراتيجية الأحزاب التقليدية تميل أكثر نحو المحافظة، وتعمل كما لو كانت شركات، وبات الشاغل الأكبر هو الدفاع عن الحزب، وليست الرؤية أو المشروع"، متفقاً مع فيريرو في جزئية أنّ أحزاب اليمين المحافظ اضطرت لتغيير خطابها ولهجتها، وانخرطت هي الأخرى في اعتماد خطاب معاداة الهجرة والإسلام والتعدّدية الثقافية؛ من أجل الحفاظ على قواعدها التصويتية.

اقرأ أيضاً: الشعبوية ويمين الإسلام السياسي

وقد بدا بيلاسانخوان واثقاً من أنّ التهديد الشعبوي سيبدأ في التراجع على المدى البعيد؛ حينما يثبت فشل مقترحاته "لكنّ الأضرار وقتها، سواء على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ستتطلّب وقتاً طويلاً من أجل التعافي منها"، وصدّق نونييث بالبيردي على حديث بيلاسانخوان قائلاً: "الوقت وحده هو ما سيقنع من يؤيدون الشعبويين حالياً بفشل مقترحاتهم"، لكنّ مكمن المشكلة في أنّ مرورهم على مقعد السلطة يمثّل "تراجعاً هائلاً بالقدر الذي سيصعب معه تعويض الخسائر".


المصدر: أندريو فاراس، صحيفة "البريوديكو" الإسبانية، 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2018


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية