5 دول أوصلها الاغتيال الاقتصادي إلى الإفلاس

دول

5 دول أوصلها الاغتيال الاقتصادي إلى الإفلاس


10/12/2018

تعيد الأزمات الاقتصادية الحالية التي تعاني منها كلٍ من فنزويلا والبرازيل والمكسيك، إلى الأذهان المصاعب التي طالما واجهتها معظم دول أمريكا الجنوبية بعد الاستقلال، نتيجة ويلات الانقلابات العسكرية التي كانت تقف وراءها المخابرات الأمريكية، ما أخضعها لحقب طويلة من القمع والاستبداد حد إيصال البلاد حافة الانهيار.

في هذا التقرير ترصد "حفريات" خمس دول، جميعها من أمريكا اللاتينية، كانت أعلنت إفلاسها بسبب هيمنة الولايات المتحدة:

الإكوادور

في كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم"، يسرد الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز، قصة نهب الولايات المتحدة الأمريكية، لثروات أمريكا اللاتينية، الدول التي لا تكف عن إعلان إفلاسها كل فترة، فتاريخ الإكوادور كدولة مستقلة بعد انفصالها عن كولومبيا العام 1830، كان مليئاً بمراحل الرخاء الاقتصادي بفضل الثروات الطبيعية المتواجدة في الدولة، وفي هذا الشأن يناقش بيركنز، كيف عزّزت الولايات المتحدة نفوذها داخل الإكوادور، وأغرت النخب الحاكمة، بمزيد من الرخاء الاقتصادي، وإقراضها المزيد من أموال صندوق النقد الدولي، وسيطرتها على قطاع النفط، الدعامة الأولى في الاقتصاد المحلي للإكوادور.

غلاف كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم" لجون بركنز

وبمجرد صعود الرئيس" خايمي رولدوس"، الذي حاول كسر شوكة النفوذ الأمريكي المسيطر على شركات النفط، العام 1979، تم التخلص منه، بعد تفجير طائرة كان يستقلها، بعد أن حاول إرغام شركات النفط الأمريكية على مغادرة البلاد، العام 1981، ثم عاد الوضع كما كان عليه، وغرقت الدولة في القاع، بعد وصول نسبة البطالة إلى 70%، وتخطت نسبة الفقر 50%، حتى أصبحت المديونية العامة 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وتزايدت معدلات الفقر والبطالة، أكثر مما كانت عليه.

فنزويلا

بعد وصول معدل التضخم إلى 46300%، أصبحت فنزويلا على شفا الإفلاس في العام 2018، وهي ليست هي المرة الأولى؛ فالاقتصاد الفنزويلي تعرض لأكثر من هزة قوية عبر تاريخه، وعلى الرغم من امتلاك هذه الدولة لأكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، فقد توقع تقرير البنك الدولي العام 2016، أن اقتصادها سينكمش بنسبة 8%، وسيرتفع معدل التضخم إلى 720%، وبالفعل اندلعت فيها أزمات نقص الكهرباء والغذاء والأدوية في الآونة الأخيرة المستمرة منذ فترة، فضلاً عن انخفاض التصنيف الائتماني، ومنع تصدير الأسلحة، فيما تتزايد حدة النزاع بين نظام الرئيس نيكولاس مادورو، والمعارضة التي تريد الإطاحة به، بالرغم من علاقته الوطيدة مع روسيا والصين الداعمتين له بشكل قوي.

اقرأ أيضاً: تحذيرات من إفلاس تونس على وقع صراع بين الحكومة والنقابات

وقد أشارت صحيفة واشنطن بوست في مقال نُشر عن أزمة فنزويلا العام 2017إلى بعض الأسباب التي أدت إلى انفجار الأزمة الحالية، ومنها ارتفاع معدل الجريمة  (المركز الثاني عالمياً)، وكذلك سوء التخطيط الإداري بعد انخفاض أسعار النفط عالمياً كونه مصدراً أساسياً للاقتصاد المحلي، كما أن أزمة التضخم، دفعت بالبنك المركزي إلى طبع المزيد من العملات النقدية، مما أضعف قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وساهم في تفاقم التضخم، لكن أغفلت الصحيفة دور الانقلابات العسكرية، وهيمنة الولايات المتحدة على قطاع النفط باعتبار فنزويلا ثاني أكثر دولة تصدر النفط إلى أمريكا الشمالية.

دفعت أزمة التضخم في فنزويلا البنك المركزي لطبع المزيد من العملات النقدية

البرازيل

على الرغم من ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي الذي حققته البرازيل في الأعوام الأخيرة، إلا أنّ هذا لم يكن سوى ثمرة عمل مضنٍ، وسياسات اقتصادية صارمة انتهجها الرئيسان "لولا ديسيلفا، وديلما روسيف"، بعد سنوات عاشها البرازيليون، تحت وطأة الحكم العسكري والفقر، والإفلاس لمرات عديدة، فبعد وصفه من قبل المخابرات الأمريكية بـ"الشيوعي الصريح"، دعمت الولايات المتحدة انقلاباً ضد الرئيس البرازيلي "خواو غولارت" العضو في حزب العمال البرازيلي، العام 1963، وتولى قائد أركان الجيش "اومبرتو برانكو"، سلطة البلاد حتى العام 1985، أعلنت خلالها البرازيل الإفلاس مرتين 1983، 1984، حيث بلغت مديونيتها 900%، وامتنع صندوق النقد الدولي عن إقراضها.

يسرد كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم" قصة نهب الولايات المتحدة الأمريكية لثروات أمريكا اللاتينية

وبعد اعتراف الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، أنّ بلاده هي من موّلت الانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية، وعدة دول أخرى، عاودت الكرّة مرة أخرى، عن طريق إزاحة الرئيسة ديلما روسيف، بعدما استطاعت البرازيل الحصول على تصنيف أقوى سادس اقتصاد عالمياً متقدمة على المملكة المتحدة، فبدعم من الصندوق الدولي للديموقراطية، والوكالة الأمريكية الدولية للتنمية حسبما نشرت صحيفةBBC ، حصل ما يشبه الانقلاب الناعم على روسيف، التي عملت على صنع تحالفات مع الصين وروسيا، وهاجمت الشركات الأمريكية في بلادها، وأنهت الولايات المتحدة بذلك حكم حزب العمال الذي امتد 13 عاماً، قفزت فيها البرازيل بمعدلات نمو هائلة.

المكسيك

الجارة الأقرب للولايات المتحدة الأمريكية، والتي خاضت حروباً تاريخية معها أدت لاستيلاء أمريكا على أجزاء كبيرة من مساحتها، ويرتبطان بعلاقات اقتصادية حتى اليوم، إلا أنّ الأزمة الاقتصادية التي طالت المكسيك في التسعينيات من القرن الماضي، دفعتها لإعلان إفلاسها العام 1994، بعد محاولة تعويم البيزو المكسيكي أمام الدولار بضغط من صندوق النقد الدولي، مما خلق معدلات فقر تجاوزت 60% بحسب تقرير البنك الدولي 1995، ووصلت نسبة البطالة إلى 70%.

اقرأ أيضاً: كيف يهيمن صندوق النقد الدولي على النظام الاقتصادي العالمي؟

وبفضل التحالف بينه وبين الإدارة الأمريكية، استطاع الرئيس المكسيكي المنتخب "فنسنت فوكس"، خلال فترة رئاسته من 2000 إلى 2006، دفع الإقتصاد المكسيكي للأمام، وإن كان لم يفلح إلا في إصلاح الضرر الذي خلفته الأزمة الاقتصادية، أما معدلات الفقر فقد بقيت مرتفعة، وتجاوزت العام 2006 في آخر ولاية فوكس حاجز 30%.

دفع رئيس المكسيك "فنسنت فوكس" خلال فترة رئاسته اقتصاد بلاده للأمام

وعلى غرار ما تنتهجه الولايات المتحدة، فقد سهّلت للمكسيك قروضاً كبيرة، وتم تطبيق خطط تقشفية لم يدفع كلفتها سوى الفقراء ومحدودي الدخل الذين يمثلون غالبية الشعب، ولم يستفد من هذا الدعم، سوى الطبقة المتحكمة، في كلٍ من المكسيك والولايات المتحدة، فالمحرك الرئيسي للأزمة منذ البدء كان تعجل الرئيس المكسيكي "كارلوس ساريناس"، الانضمام لاتفاقية دول "البافتا"، التي تبرمها أمريكا الشمالية لتحرير التجارة، وهو ما دعمته المخابرات الأمريكية في المكسيك أولاً، فكان على الرئيس المكسيكي، تحرير العملة طبقاً للشروط التي فرضتها عليه الإدارة الأمريكية، وبعد تحريرها اندلعت الأزمة التي لم تنتهِ حتى اليوم، وقد صرح الرئيس الحالي "أندريس أوبرادور"، في أيلول (سبتمبر) 2018، بأن الدولة تعجز عن سداد ديونها، مما ينذر ببادرة إفلاس جديدة.

الأرجنتين

بينما الحرب العالمية الأولى تدمّر القارة الأوروبية، كانت الأرجنتين تحقق أعلى معدل نمو اقتصادي العام 1914، بمقدار 6%، مستوعبةً المهاجرين الأوروبيين على أراضيها، إلا أنّ هذا لن يستمر طويلاً، فبعد توجيه الولايات المتحدة الأمريكية أنظارها، إلى الدولة الأغنى في أمريكا اللاتينية، قامت بدعم انقلاب عسكري العام 1976 بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، الذي قتل قرابة 30 ألف شخص، وأخفى الآلاف قسرياً، ووقعت البلاد في قبضته حتى إسقاط الانقلاب العام 1983، وخلال سبع سنوات عمل خلالها فيديلا، على اتباع أجندة صندوق النقد الدولي، وتوسيع النفوذ الأمريكي داخل الأرجنتين، التي أعلنت إفلاسها عدة مرات، بعد فترات طويلة من الرخاء الاقتصادي، الذي اعتبرته الإمبريالية الأمريكية قوة تواجهها في السيطرة الكاملة على موارد أمريكا اللاتينية.

الجنرال خورخي فيديلا الذي قام الانقلاب العسكري في الأرجنتين عام 1976

في كتابه "الأرجنتين: الثورة على حافة الأزمة العالمية"، يوضح الكاتب والصحفي الإنجليزي "كريس هارمان"، كيف استطاعت الولايات المتحدة، التغلغل إلى داخل المؤسسات الأرجنتينية، واتخذت من فيديلا مندوباً لها، فعقب توليه الحكم قام بتحرير الاقتصاد، وخصخصة العديد من المصالح الحكومية، وتسريح آلاف من العاملين، وكذلك إصدار قانون يُجرّم الإضراب عن العمل، وتخفيض الأجور على نحو كبير، ورفع معدل الفائدة لجذب المستثمرين الأجانب، وخلال السنوات التي قضاها "فيديلا" في السلطة، انخفضت حصة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي من 43% إلى 22%، كما تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة تقترب من 40%، وارتفعت الديون الخارجية للبلاد من نحو 8 مليارات دولار إلى أكثر من 43 ملياراً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية