تجارة الأسلحة غير الشرعية بنابلس تقتحم عالم الإنترنت

فلسطين

تجارة الأسلحة غير الشرعية بنابلس تقتحم عالم الإنترنت


23/12/2018

تشهد تجارة الأسلحة والعتاد العسكري، غير المرخصة، رواجاً متزايداً، عبر صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، في الضفة الغربية، تحديداً في مدينة نابلس، وأصبح بإمكان أيّ شخص بالمدينة اقتناء قطعة سلاح بسهولة دون قيود تذكر، الأمر الذي من شأنه أن يهدّد الأمن والاستقرار المجتمعي بكافة أرجاء الضفة الغربية المحتلة.

كل شيء متاح للبيع

بعد محاولات صعبة، ووعود له بضمان سرية معلوماته الشخصية، تجنّباً للملاحقة الأمنية له، وافق المواطن "ناصر. خ" (42 عاماً)، من مخيم بلاطة شمال مدينة نابلس، وهو أحد أبرز تجار الأسلحة النارية في المدينة، أن يكشف لـ"حفريات" تفاصيل هذه التجارة الخفية، وكيف يتم الحصول على الأسلحة؟ ومن هم زبائنها؟

اقرأ أيضاً: الأسلحة الكيماوية تاريخيا: إلى أين وصلت الآن؟

يسرد ناصر أنّه "يقوم بالتجارة غير الشرعية للأسلحة النارية والمواد المتفجرة، منذ أكثر من 6 أعوام"، وتحدث ساخراً: "تستطيع شخصياً شراء دبابة "ميركافاه" عبر شبكة الإنترنت، بعد الانتشار الواسع لإعلانات بيع الأسلحة والمعدات العسكرية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت سوقاً مفتوحة للأسلحة والمواد المتفجرة بكافة أنواعها".

أبو وادي: كثير من صفحات بيع الأسلحة عبر الإنترنت مشبوهة تهدف للإيقاع بالمواطنين والنصب عليهم

ويضيف "الأسلحة التي بحوزتنا يتم شراؤها من عدة تجار سلاح إسرائيليين في المستوطنات المجاورة لمدينة نابلس، ويتم الاتفاق عن طريق الهاتف الخلوي مع التاجر الإسرائيلي، على نوعية الأسلحة التي بحوزته، وأسعارها، وكيفية تسليمها لنا، وغالباً ما تكون صفقات التسليم خارج حدود المستوطنات؛ تجنباً لقيام القوات الإسرائيلية باعتقالنا".

ويردف "بعد أن يتم الحصول على قطع السلاح، يتمّ عرضها فوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختصة، بوضع صور لقطع السلاح من عدة زوايا مختلفة، ليتأكد الشخص المشتري من ضمان نظافتها وجودتها العالية، وأقوم بترك رقم هاتفي على الصفحة؛ ليستطيع الزبائن التواصل معي بسهولة، وفي الكثير من الأحيان؛ يتم تقديم نبذة مختصرة أسفل كلّ صورة، عن بلد المنشأ لكلّ قطعة سلاح، وكيفية استخدامها، وتحديد أسعار بيعها".

يمكن لتجارة الأسلحة غير المرخصة في نابلس أن تهدّد الاستقرار المجتمعي

توفير الوقت والجهد

وعند سؤاله عن آخر الأسلحة التي عرضها على صفحة الـ"فيسبوك"، أجاب أنّه حصل عليها من تاجر إسرائيلي، وهي: "أربعة مسدسات "جلوك" عيار 9 ملم، وقطعتي سلاح "M16"، ومنظار ليلي، و5 قنابل يدوية، و50 كيلوغراماً من مادة "TNT" المتفجرة، إضافة إلى كيسين من مادة "اليوريا" الزراعية، التي تستخدم في صناعة المتفجرات، وتبلغ مجموع أسعارها 20 ألف دولار أمريكي".

اقرأ أيضاً: "السلاح المثالي": تكنولوجيا الدمار في عصر الإنترنت

يؤكد ناصر أنّ صفحات بيع الأسلحة المنتشرة على الإنترنت استطاعت توفير الكثير من الوقت والجهد على البائعين والمشترين؛ "حيث كان يتطلب بيع الأسلحة سابقاً وجود وسيط بين البائع والمشتري، أما الآن، ومع ازدياد هذه الصفحات وانتشارها؛ فقد أصبح التواصل مباشراً مع الزبائن، بكل بسهولة وأمان"، موضحاً أنّه يتلقى خلال اليوم الواحد العديد من الاتصالات من قبل الزبائن الذين يرغبون بشراء قطع السلاح التي تتناسب مع احتياجاتهم ومقدرتهم المالية، "حتى أصبحت الصفحات الإلكترونية التي تعرض الأسلحة المتنوعة أشبه ما تكون بمنصات للمزاد العلني، وفيها يزايد المشترون على بعضهم، حتى يتم الاستقرار على السعر المرتفع والمناسب لي، ليتمّ بعدها الاتفاق مع المشتري على كيفية تسليمه قطع السلاح والمعدات العسكرية الأخرى".

صفحات بيع الأسلحة المنتشرة على الإنترنت سهلت عملية البيع والشراء

أولوية الربح المادي

وعن آليات تسليم البضاعة يبين ناصر "بعد أن يتم الاتفاق مع المشتري على قطع السلاح؛ يتم تخييره بين الحضور لمنطقة نائية وبعيدة عن المدينة، يتم تحديدها والاتفاق عليها مسبقاً، أو نقوم نحن بتسليمها له مقابل دفع مبلغ مالي إضافي على سعرها الأصلي، وغالباً ما يفضّل المشترون توصيل السلاح إليهم مباشرة، لقلة الخبرة لديهم، وخوفهم من الملاحقة الأمنية والقانونية".

ناصر يقوم بالتجارة غير الشرعية للأسلحة النارية والمواد المتفجرة منذ أكثر من 6 أعوام

ويتابع ناصر: "زبائني من الفئات الاجتماعية المختلفة، ويقبل على شراء الأسلحة أصحاب محال العقارات والصرافة والمعادن الثمينة، وبعض الأشخاص المتهمين بقضايا جنائية، كما يتم بيع السلاح لجميع الأشخاص بمختلف أعمارهم، طالما أنه يتوفر معهم ثمن قطعة السلاح التي يريدون اقتناءها، فعملي بالدرجة الأولى هدفه تحقيق الربح المادي فقط".

ويؤكد "هناك بعض الأسلحة التي تتم صناعتها محلياً، ويوجد طلب متزايد عليها، كسلاح "الكارلو"؛ وهي بندقية رخيصة الثمن وسهلة الاستخدام، تتمّ صناعتها من تدوير بعض النفايات الصلبة، كالحديد والنحاس، وتستخدم من قبل الأشخاص للحماية الشخصية ولحماية بعض الممتلكات الخاصة".

اقرأ أيضاً: داخل حزب الله..يوجد ما هو أخطر من السلاح

ويشير ناصر إلى أنّ "ازدياد صفحات بيع الأسلحة أثّر كثيراً في مبيعاتنا، وأدّى لاشتداد حدّة المنافسة فيما بيننا، حتى أننا نضطر أحياناً لبيع قطع السلاح بأقل من ثمنها الحقيقي، بعد أن كنا قبل أعوام قليلة نبيع أكثر من 200 قطعة سلاح مختلفة خلال العام الواحد، أما الآن؛ فقد تراجعت نسب المبيعات كثيراً، وتضاءلت أرباحها، وذلك لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يمرّ بها المواطنون".

أبو وادي: لا يمكن اعتبار تجارة السلاح عبر الإنترنت بالضفة الغربية ظاهرة منتشرة

أستاذ علم الاجتماع بكلية الشرطة الفلسطينية، أحمد أبو وادي، يقول إنّ "تجارة الأسلحة من خلال شبكة الإنترنت في الضفة الغربية لا يمكن اعتبارها ظاهرة منتشرة، وغالباً ما تكون صفحات بيع الأسلحة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تابعة لبعض العصابات ومروّجي المواد المخدّرة، الذين لديهم علاقات مباشرة مع مهربين ورجال مافيا إسرائيليين".

اقرأ أيضاً: جمعيات حقوقية تنتقد بيع السلاح الألماني للجزائر

ويضيف في حديثه لـ "حفريات" أنّ "اقتناء الأسلحة غير الشرعية يكون له نتائج سلبية وعكسية على المجتمع، ويقوّض السلم والأمن المجتمعي، ويتسبّب بنتائج كارثية، في ظلّ استخدامه من قبل المراهقين وبعض الأشخاص في المشكلات العائلية، وتهديد المواطنين الآمنين، واستخدامه في عمليات السطو المسلح على بعض المتاجر والبنوك ومحال الصرافة".

قوانين غير رادعة

ويؤكد أبو وادي أنّ "كثيراً من صفحات بيع الأسلحة عبر الإنترنت هي صفحات مشبوهة، تهدف إلى الإيقاع بالمواطنين والنصب عليهم وسرقتهم، في ظلّ تعمّد مروجي الأسلحة استخدام أرقام هواتف مجهولة المصدر، وتحت مسميات وهمية ومستعارة، كي يصعب الإيقاع بهم في قبضة عناصر الأجهزة الأمنية بسهولة".

ناصر: الأسلحة التي بحوزتنا يتم شراؤها من عدة تجار سلاح إسرائيليين في المستوطنات المجاورة لمدينة نابلس

ويشير إلى أنّ "القانون الفلسطيني المعمول به حالياً لا يفي بالتطلعات، ويكتفي بفرض غرامات مالية على بعض المخالفين، ولا تتضمن نصوصه عقوبات صارمة تهدف القضاء على هذه الظاهرة، ووأدها في مهدها".

وتنصّ المادة (2) لسنة 1998 من قانون الأسلحة النارية الفلسطيني؛ على أنّه "يحظر بغير ترخيص من وزارة الداخلية اقتناء وحمل الأسلحة النارية، ويعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة مالية مقدارها (500) دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كلّ من باع أو قدم سلاحاً نارياً للغير، أو ذخيرة، أو تصرف بصورة تخالف أحكام هذا القانون".

أصبحت صفحات التواصل سوقاً مفتوحة للأسلحة والمتفجرات بكافة أنواعها

وذكرت دراسة لمنظمة "راند يوروب"؛ أنّ الولايات المتحدة باتت مصدر 60% من الأسلحة المعروضة للبيع عبر الإنترنت، فيما تمثل أوروبا مصدر نحو 25% من الأسلحة، ووفق البيانات المتاحة؛ فإنّ هناك أكثر من 6 آلاف صفقة عقدت لبيع السلاح عبر موقع فيسبوك في منطقة الشرق الأوسط، خلال العام الحالي، ولا يستبعد أن يكون الرقم أكبر من ذلك بكثير.

وتؤكد نتائج التقرير الذي أصدرته منظمة "Small Arms Survey"؛ أنّه بعد تتبُع 1346 محاولة بيع أسلحة عبر الإنترنت، اتضح أنّ الصفقات في هذا المجال تتم بواسطة تطبيقات الهواتف الجوالة ومواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح التقرير أنّه تمّ العثور على أسلحة من 26 دولة، بينها: الولايات المتحدة، والصين، وبلجيكا، وتركيا.

الصفحة الرئيسية