الإرهاب و"شريعة الغاب".. نهج طهران المستمر

الإرهاب و"شريعة الغاب".. نهج طهران المستمر


27/01/2019

عمر الأحمد

بالرغم من مرور ما يقارب 370 عاماً على ظهور مبدأ «احترام سيادة الدول» المنبثق من معاهدة «وستفاليا»، على المجتمع الدولي، إلا أن العالم يشهد بشكل مستمر قيام أنظمة باختراق وكسر هذا المبدأ عن طريق سلسلة من الاغتيالات يتم تنفيذها على أراض تقع تحت سيادة دول وحكومات أخرى.
هنا يتجلى الوصف لرسم النظام الإيراني الذي ظهر على المجتمع الدولي منذ 4 عقود كـ«سرطانٍ» طال أذاه مختلف أصقاع الأرض. وبالرغم من أن الدول الأوروبية من تلك الدول التي لم تسلم من هذا الإجرام، إلا أنها ما زالت تحافظ على «شعرة معاوية» بينها وبين طهران، حيث إنها اعترضت على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي والعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران، لتعلن الدول الأوروبية عن رغبتها في استمرار الاتفاق النووي 5+1 الذي تم توقيعه عام 2015.
«الاتحاد» تفتح ملف «إرهاب الملالي» في أوروبا، مستعرضة آراء محللين وخبراء متخصصين بالشأن الإيراني، ومعارضين لنظام طهران يعيشون في أوروبا كلاجئين سياسيين ذاقوا من ويلات هذه البلطجة، كما تستعرض «الاتحاد» موقف الاتحاد الأوروبي عبر سفارته في الدولة، وتتساءل في هذا الملف: لماذا ما زال الاتحاد الأوروبي متحلياً بالصبر والحلم تجاه نظامٍ لا يعرف سوى «شريعة الغاب»؟!.

معارضو النظام في أوروبا
أكد رئيس حزب «استقلال كردستان» الإيراني المعارض عارف باوه جاني، المستقر في أوروبا، أن الاتحاد الأوروبي ضد بقاء النظام الإيراني، بالرغم من تباين الآراء بينه وبين الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن الدول الأوروبية على يقين بحقيقة هذا النظام الإرهابي، وذلك من خلال الكشف عن عدة عمليات إرهابية قام بها النظام، فضلاً عن اغتيال القيادي الأحوازي أحمد الملا من قبل جهاز المخابرات الإيراني في هولندا، بالإضافة إلى القياديين الكرديين عبدالرحمن قاسملو وسعيد الشرفكندي، ضارباً بذلك بجميع القوانين والأعراف الدولية عرض الحائط.
وتوقع رئيس الحزب الكردي أن يقوم الاتحاد الأوروبي بخطوات عملية ضد طهران، حيث قال: «سلوك النظام الإيراني وتصرفاته من قمع الحريات الإنسانية وخلق الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة تُظهِر جلياً أنه طالما بقي هذا النظام على سدة الحكم في إيران سيتضاعف الغضب والاستياء منه، لأنه بني على الفوضى وخلق الفتن، وفي حال الكف عن هذه التصرفات فإن ذلك يعني الانحراف عن نهجه.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي ودول العالم الأخرى توصلت إلى قناعة، مفادها أن السبيل الوحيد لحل مشاكل المنطقة هو إسقاط النظام في إيران، غير أنهم يسعون للتعاطي مع الخطة الأميركية سياسياً ودبلوماسياً». وأضاف أن المؤتمر الدولي المزمع عقده في العاصمة البولندية وارسو يومي 13 و14 فبراير المقبل، والذي سيتناول «الإرهاب الإيراني»، هو بمثابة رسالة غير مباشرة مفادها أن هناك استعدادات أوروبية لإسقاط نظام الملالي وسيتضح من نتائج المؤتمر موقف الدول الأوروبية من هذا النظام.
كما توقع الناطق الرسمي للجبهة العربية لتحرير الأحواز، فؤاد سلسبيل الفيصلي، الذي يعيش حالياً في إحدى الدول الأوروبية، ردة فعل قوية تجاه إيران من قبل الاتحاد الأوروبي وهذا يعتمد أيضاً على الدور الأميركي في مثل قرارات من هذا النوع ضد إيران، مشيراً إلى أن الأيام القادمة كفيلة باتخاذ حزمة من القرارات والمواقف ضد إيران من قبل الاتحاد الأوروبي على ضوء ما لديه من أدلة تدين إيران أمام الرأي العام والمجتمع الدولي، لافتاً إلى العملية الإرهابية التي اغتال فيها النظام الإيراني، القيادي الأحوازي أحمد مولى رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في الثامن من نوفمبر 2017 وكشفتها الحكومة الهولندية على لسان وزير خارجيتها في الثامن من يناير العام الحالي.
وأكد الفيصلي أن هذا الملف يجعل الاتحاد الأوروبي أمام التزام أخلاقي وإنساني في مواجهة إيران وإرهابها بكل الطرق والوسائل. كما عبر الفيصلي عن استغرابه من صمت الاتحاد الأوروبي طوال الفترة الماضية، مشيراً إلى أنه ورغم الأدلة المتوفرة لدى الاتحاد الأوروبي التي تدين إيران بشكل صريح وواضح على ارتكابها جرائم بحق الإنسانية على أرض الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأخير مازال لا يتعامل بجدية مع ملف الإرهاب الإيراني، ولا يعامل النظام الإيراني بما يستحقه من عقاب نتيجة الجرائم التي ارتكبها.

إحصائيات «نظام العصابات»
تنوعت جرائم النظام الإيراني على أوروبا في أوقات مختلفة، استهدفت في أغلبها معارضين للنظام الإيراني، اتسمت بطابع الإجرام و«تدبير العصابات» ليؤكد هذا النظام على أنه منظمة إجرامية تعيش وهم «المافيا» وسيناريوهات أفلام العصابات. حيث قام النظام عام 1989 باغتيال إحدى القيادات الكردية المعارضة ويدعى عبدالرحمن قاسملو في النمسا، وفي عام 1990 قام باغتيال كاظم رجوي شقيق مسعود رجوي زعيم منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة، وكان ناشطاً بارزاً بمجال حقوق الإنسان، حيث اغتيل بالقرب من منزله في «كوبيه» في جنيف.
وأعلن القاضي السويسري شاتلان في 22 يونيو 1990 في بيان صحافي أن 13 مسؤولاً رسمياً للنظام الحاكم في إيران جاؤوا من طهران إلى جنيف بجوازات سفر «دبلوماسية» لتنفيذ هذا الاغتيال وعاد بعضهم مباشرة بعد الاغتيال إلى طهران برحلة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية. وفي عام 1991 تم اغتيال شهبور باختيار آخر رئيس وزراء في عهد الشاه، في منفاه بفرنسا، بينما كشفت الاستخبارات الأميركية أن النظام الإيراني قام بتنفيذ محاولات اغتيال طالت 60 شخصية في أوروبا الفترة ما بين 1979 و1994.
وقد نفذ النظام الإيراني 3 عمليات اغتيال لمواطنين هولنديين من أصول إيرانية وآخر إيراني معارض بين عامي 2015 و2017، وكشف تقرير ألماني رسمي مستَنِداً على تحقيقات جنائية للسلطات الألمانية، أن طهران نفذت 22 حالة تجسس في ألمانيا في الفترة ما بين 2007 و2017.
في مارس 2018، دبر النظام الإيراني هجوماً ضد تجمع كبير للمعارضة الإيرانية ومنظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة خلال احتفال (النوروز) في ألبانيا. وفي 30 يونيو 2018، أحبطت السلطات الفرنسية هجوماً دبره النظام الإيراني ضد تجمع سنوي يدعمه المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية، في مدينة «فيلبنت» في ضواحي باريس، حيث تورط فيهما سفارات النظام ودبلوماسيوه، وقد باء ذلك بالفشل. والآن ينتظر أحد دبلوماسييه (أسد الله أسدي) في السجن في بلجيكا، المحاكمة بسبب تسليمه القنبلة لاثنين من عملاء النظام لقيامهما بتفجير في المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية في باريس.
واعتقلت السلطات الدنماركية، في 20 أكتوبر 2018، مواطناً نرويجياً من أصل إيراني، بعد أن أحبطت هجوماً إرهابياً في الدنمارك، والرجل الموقوف كان على اتصال بسفارة إيران في أوسلو. وتم ترحيل دبلوماسيين من هولندا، نتيجة هجوم إرهابي العام الماضي ضد المعارضة، ودبلوماسيين آخرين من فرنسا، كرد على الهجوم الإرهابي في فيلبنت.

استغلال أوروبا
من جانبه ذكر الكاتب والمحلل السياسي الكويتي مشعل النامي أن الاتحاد الأوروبي يستغل إجرام النظام الإيراني في المنطقة وتمدده ليتمكن من بيع الأسلحة لدول الشرق الأوسط، مضيفاً أن دول الخليج تستغل أيضاً من جانبها قوة العلاقة التي تربطها بالدول الأوروبية للضغط على النظام الإيراني. وعبر النامي عن استغرابه من تراخي دول الاتحاد الأوروبي تجاه جرائم النظام الإيراني على أرض دول الاتحاد ومنها محاولة تفجير تجمع حركة «مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة في باريس، وقبلها اغتيال الناشط الأحوازي أحمد مولى، في ظل الأزمات التي تعصف ببعض الدول الأوروبية كالأجندات المتضاربة والأزمات الداخلية، كما عبر عن استغرابه من عدم صدور أي قرارات دولية تجاه هذه الجرائم.
وأضاف أن الاتفاق النووي 5+1، مع النظام الإيراني، يحاول الاتحاد الأوروبي الاستفادة منه عبر عقد صفقات تجارية مع إيران، لذلك رفضت دول الاتحاد الانسحاب من الاتفاق -تاركةً الولايات المتحدة تنسحب وحدها- وأصرت على التمسك به لكي تستفيد من الأموال التي تم فك التجميد عنها، لافتاً إلى صعوبة ذلك، وأن الشركات الأوروبية لا تسطيع عقد صفقات مع النظام الإيراني بسبب فرض الولايات المتحدة لعقوبات على كل من يتعاون مع إيران.
وتوقع النامي وجود ردة فعل من الاتحاد الأوروبي تجاه النظام الإيراني في حال يئس من الصفقات التي كان يأمل الاستفادة منها، وإذا أصرت الولايات المتحدة على موقفها بالانسحاب من الاتفاق النووي، ومعاقبة كل من يتعاون مع إيران.

تراخٍ ومصلحة
وذكر المختص في الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط مسعود الفك أن تراخي الاتحاد الأوروبي تجاه النظام الإيراني ناتج عن المصلحة الاقتصادية الأوروبية، مشيراً إلى أن دول الاتحاد تحاول الاستفادة من الأسواق الإيرانية والانفراد بها لاسيما وأن الأراضي الإيرانية تتمتع بغنى الموارد وأنها تعتبر في الوضع الاعتيادي ثاني منتج للنفط في منظمة الأوبك وثاني منتج للغاز بعد روسيا في العالم، وأن الشركات الأوروبية تضغط على حكوماتها للحفاظ على العلاقات مع إيران وغض الطرف عن إجرامها.
واستبعد الفك تكرار سيناريو كوريا الشمالية مع إيران، حتى لو انضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في عقوباتها على النظام، وذلك نظراً لموقع إيران الاستراتيجي في الشرق الأوسط وعلاقاتها القوية بكثير من دول الجوار منها روسيا والصين والهند وتركيا، إلا أن الوضع سيصبح صعباً للغاية، لأن الشركات الخاصة والحكومية في هذه البلدان أيضاً ستتعرض لضغوط لن تكون أميركية فحسب بل أوروبية أيضاً، مشيراً إلى أن ذلك سيدفعها للتفضيل بين الأسواق الأوروبية والأميركية وبين السوق الإيرانية، مضيفاً أن هناك شركات روسية وهندية في الوقت الحاضر انسحبت من إيران، مما يمكن معه التكهن بصعوبة الوضع للغاية بالنسبة لطهران في حال قررت أوروبا اللجوء إلى المنهج الأميركي في فرض العقوبات على النظام الإيراني.

الرأي «الأوروبي»
من جانبها أكدت سفارة الاتحاد الأوروبي لدى الدولة، إدراج جهاز تابع لوزارة المخابرات الإيرانية واثنين من موظفيه على قائمة الإرهاب بالاتحاد الأوروبي كجزء من رده على التخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال على الأراضي الأوروبية، ويشمل القرار تجميد الأصول المالية للجهاز وموظفيه الاثنين في دول الاتحاد.
وكان وزير الخارجية الدنمركي أندرسن سامويلسن قد كتب على حسابه عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «اتفق الاتحاد الأوروبي لتوه على فرض عقوبات على جهاز مخابرات إيراني لتخطيطه لاغتيالات على الأراضي الأوروبية، هذه إشارة قوية من الاتحاد الأوروبي إلى أننا لن نقبل مثل هذا السلوك في أوروبا».
وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي في وقت سابق إن القرار اتخذ بلا مناقشة خلال اجتماع لوزراء أوروبيين في بروكسل.
كما أوضحت وزارة الخارجية الدنمركية في وقت سابق، أن المسؤولين الإيرانيين هما نائب الوزير والمدير العام للمخابرات سعيد هاشمي مقدم ودبلوماسي يقيم في من فيينا يدعى أسدالله أسدي.
وجاءت العقوبات بعد جهود بذلتها الدنمارك وفرنسا لحشد التأييد لرد فعل من الاتحاد الأوروبي على الاتهامات الموجهة لإيران بالتخطيط لاغتيالات على أراضي البلدين في أواخر العام الماضي.

أوروبا فقدت الصبر مع طهران وتستعد لطلاقها رسمياً
أكد الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط أمجد طه لـ «الاتحاد» أن المسؤولين الأوروبيين أبدوا انزعاجهم من المؤامرات التي يحيكها النظام الإيراني، وأوصلوا رسالة إلى طهران مفادها بأن أوروبا لم تعد قادرة على تحمل تجارب الصواريخ البالستية في إيران، ومؤامرات الاغتيال على الأراضي الأوروبيّة، وذلك في اجتماع عقد في وزارة الخارجية الإيرانية بطهران في يوم 8 يناير من العام الجاري، ضم مبعوثين أوروبيين ومسؤولين إيرانيين، لافتاً إلى أن ذلك يدل على أن أوروبا فقدت الصبر مع طهران وتستعد لطلاقها رسمياً.
وأضاف طه أن أوروبا بدأت تتفهم وجهة نظر الدول الخليجية في أن إيران تشكل تهديداً أمنياً للعالم في دعمها للإرهابيين في المنطقة، وتأييدها لـ«تنظيم الحمدين» في دعم التطرّف في المنطقة، مشيراً إلى أن هذا الأمر جعل أكثر من 9 دول أوروبية ستشارك في قمة بولندا لتقرير مصير نظام إيران.
واستشهد طه بحديثه مع دبلوماسيين بريطانيين، حيث قال: «أكدوا لي أنهم ينظرون لإيران كدولة مارقة تقوم باغتيال مواطنين أوروبيين من أصول عربية فقط، لأنهم يطالبون بحقوقهم الإنسانية المشروعة، وتدعم الإرهاب في سوريا واليمن والعراق ولبنان وغزة».
وأشار إلى أن أوروبا برغم خلافها مع أميركا إلا أنها بدأت تخطو خطوات واشنطن، وأصبحت أكثر صرامة بشأن إجرام طهران، بما في ذلك النظر في فرض عقوبات اقتصادية جديدة قد تشمل تجميد أصول وحظر سفر على الحرس الثوري الإيراني، وعلى إيرانيين يطورون برنامج الصواريخ البالستية لطهران، لافتاً إلى أن النهج الأوروبي الجديد سيجعل إيران في حالة من الهلع السياسي والتسونامي اقتصادي سيجعل النظام على حافة الانهيار الكامل.
وأشار إلى نظام طهران يدرك أن أوروبا ستتخلى عن أي ورقة تفاوض معه يعني التقرب الأوروبي من سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتمثلة في عزل إيران بفرض عقوبات صارمة، برغم أن الحكومات الأوروبية لا تزال تدعم اتفاق فيينا المبرم في عام 2015، ولكن تصرفها يؤكد أن «الاتفاق النووي 5+1» أصبح حبراً على ورق، مما قد يترجم ذلك في تراجع طهران في اليمن وسوريا والعراق.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية