بين المعارضة والنظام: سوريات يدفعن الثمن مرتين

سوريا

بين المعارضة والنظام: سوريات يدفعن الثمن مرتين


29/01/2019

لم يدرك السوريون أنّ الاحتجاجات التي انطلقت في آذار (مارس) العام 2011، للمطالبة بإصلاحات سوف تأخذ ذلك المنحى الخطير، الذي لم يسلم من شره سوري موالٍ أو معارض أو من المنطقة الرمادية الفاصلة بين الجانبين، خاصة عندما تشكلت المئات من الفصائل المسلحة التي ابتعدت رويداً رويداً عن مطالب السوريين في حياة كريمة، إلى مجرد أدوات تنفذ أجندات دول تشغّلها، وفق ما يراه مراقبون.

اقرأ أيضاً: تركيا ترحّل لاجئين سوريين لإثبات روايتها بمحاربة الإرهاب!
لتصبح معها الفئات المستضعفة، خاصة النساء، الأكثر تضرراً من استمرار الصراع المسلح، وهي الفئات التي زادت الحرب من العقبات أمام ممارستها حياتها بشكل طبيعي وكريم يحفظ لها كينونتها، مع سيادة قوانين الحرب التي تصبح معها القيم الإنسانية محل تدنيس المتحاربين.

النساء والأطفال أكثر الفئات تضرراً من الحرب السورية

انتهاكات بالجملة

"بعد اندلاع الأزمة السورية، وسيطرة الفصائل المعارضة على بعض المناطق، أصبح وضع المرأة هناك أكثر ضغطاً، وباتت مسجونة في منزلها، فُرضت عليها قوانين غير إنسانية بحجة تطبيق الشرع، وأضحت فقط مربية للأولاد، ولا رأي لها في باقي مجالات الحياة"، هذا ما تقوله رقية الرفاعي (اسم مستعار) من مدينة قباسين التابعة لريف الباب شمال شرق حلب، وهي منطقة تسيطر عليها فصائل سورية معارضة تسمى "درع الفرات" مدعومة من تركيا.

رقية: المرأة باتت رهينة منزلها وفرضت عليها قوانين غير إنسانية بذريعة تطبيق الشرع الإسلامي

وتضيف رقية، في حديثها إلى "حفريات": "المرأة السورية كانت محكومة بالبيت، ومحرومة من أبسط حقوقها في مختلف النواحي، بسبب العادات والتقاليد الموجودة لدى المجتمع بحجة الحرام وعيب"، مردفة: "المرأة في ريف حلب الشمالي تختلف عن باقي النساء في باقي المحافظات السورية، حيث لها خصوصية الارتباط بأرضها وأبنائها، لكنها كانت تعاني من العادات المتطرفة المطبقة بحق مختلف السوريات على العموم، وعقب سيطرة الفصائل المسلحة على ريف حلب الشمالي، من جرابلس حتى عفرين، تحولت حياة المرأة إلى جحيم، بسبب فرض قوانين لاإنسانية تحت مسميات تطبيق الشرع، وفق اعتقاد المتشددين".
وتستذكر الرفاعي، في هذا السياق، بعض الأمثلة عن الانتهاكات التي تعرضت لها النساء في ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية، فتقول: "تعرضت المرأة في مناطقنا للاعتداء الجنسي وللاغتصاب من قبل مجموعات متطرفة مدعومة من قبل تركيا، وبالأخص في قرى منطقة الباب، فقد تعرضت فتاة في الـ17 من عمرها، من بلدة قباسين إلى الاغتصاب، وتم العثور على جثتها مرمية في بئر بالبلدة، وهذا الحدث لم يظهر إلى الرأي العام، بسبب ضغوطات الجيش التركي والفصائل التابعة له على الأهالي".

رفاعي: المجموعات المسلحة ضمن ما يعرف بالجيش الحر مارست انتهاكات عديدة في المناطق الخاضعة لها

وترى الرفاعي أنّ المجموعات المسلحة العاملة ضمن ما يعرف بـ "الجيش الحر" قد "مارست انتهاكات عديدة في المناطق الخاضعة لها، ومنها التهجير على أساس عرقي طال المكون الكردي في عدد من القرى التي يقطنونها بريف حلب الشمالي، حيث تم جلب عائلات من حمص وحلب بما فيها عوائل المجموعات المسلحة، بغية التوطين فيها وتغيير الديمغرافيا في المنطقة، والذي شمال أيضاً تدريس اللغة التركية في المدارس، وكتابة اللافتات فوق الدوائر الرسمية باللغة التركية، ورفع الأعلام التركية في كافة المناطق التي تسيطر على فصائل درع الفرات".

مقاتلون معارضون من فصائل "درع الفرات" المدعومة تركياً

إعادة التشدد إلى مجتمعات منفتحة
وتسيطر فصائل معارضة تسمى بـ "درع الفرات" مدعومة تركياً، على مجموعة مدن في ريف حلب الشمالي تمتد على الشريط الحدودي السوري التركي ابتداءً من جرابلس إلى الباب، قباسين، مارع، الراعي التي تم تتريك اسمها إلى "جوبان بيك"، اعزاز، ووصولاً إلى منطقة عفرين الكردية شمال غرب حلب، والتي قامت تركيا بشن عملية عسكرية ضدها مطلع العام الماضي، بهدف القضاء على حكم "الإدارة الذاتية الكردية" فيها، وتمكنت من السيطرة عليها في الثامن عشر من آذار (مارس)، بعد قرابة شهرين من المعارك.

اقرأ أيضاً: كيف استخدمت تركيا المريدية والإخوان في اختراق المجتمعات الكردية؟
وفي الوقت الذي كان يتباهى فيه الأكراد في عفرين بتقديم نصف مقاعد حكمهم الذاتي أو ما عرف بـ "الإدارة الذاتية"، عبر اعتماد نظام "الرئاسة المشتركة" من خلال تقلد رجل وامرأة لمختلف المناصب في مؤسساتها، كالمجلس التشريعي والمجلس التنفيذي، عادت الأمور إلى ما كانت عليه، عقب سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على المنطقة، ولا تبدو تجربة الهجوم التركي والسيطرة على عفرين مشجعة للأكراد؛ إذ تشهد المنطقة منذ آذار (مارس) الماضي حالة من الانفلات الأمني التي يصفها مراقبون بالمُتعمدة؛ حيث يتهم الأكراد أنقرة بمحاولة تهجيرهم وتوطين آخرين موالين لها من مناطق المعارضة، التي  أخرجها منها النظام السوري بموجب اتفاقيات ترحيل نحو إدلب.
التشدد ليس تديناً
وفي هذا السياق، تقول المواطنة الثلاثينية افرين حنان، من مدينة عفرين، في حديثها لـ "حفريات": "هناك اختلاف كبير ما بين فترة الإدارة الذاتية ومرحلة سيطرة الفصائل التابعة لتركيا، يمكنني وصف ما يدور حولي بأنّه تشدد وليس تديناً؛ لأنّ الدين لا يعني أن تتدخل في حياة الآخرين"، وتضيف: "هنالك العديد من الفصائل التي تهيمن على عفرين حالياً وتمارس التشدد الديني ومنها فصائل الحمزة وأحرار الشرقية وجيش الإسلام وفيلق الرحمن والجبهة الشامية والسلطان مراد والسلطان سليمان شاه وغيرها الكثير، لا يمكن حصر تشددهم ذاك في فصيل معين، كونهم جميعاً ينتمون في النهاية للمصدر ذاته".

بعد أن كان أكراد عفرين يتباهون بالمساواة بين الجنسين غدت الأمور أسوأ عقب سيطرة الفصائل الموالية لتركيا

وحول الحوادث التي تقع في عفرين، والمضايقات التي يتسبب بها المسلحون للنساء في عفرين، خاصة أن الثقافة الاجتماعية الكردية تختلف عن الثقافات التي ينتمي لها المسلحون، تقول آفرين: "في إحدى المرات كنا أنا ووالدتي في السوق، ورغم أني كنت ارتدي غطاءً على رأسي وهو ما لم أكن أضعه خلال حياتي السابقة، تفاجأت بمرور مسلحين اثنين من جانبنا، حيث طالب أحدهما أن أغطي كامل رأسي، لكن والدتي تصدت له وطالبته بالمغادرة". وتضيف آفرين: "هناك تقييد كامل على النساء الكُرديات في عفرين من حيث فرض الزي الذي يناسب ثقافة المسلحين، حيث تعمل الفتيات والسيدات على ارتداء زي مغطى بالكامل، ورغم ذلك فإنّ نظرات المسلحين لا تفارق السيدة الموجودة في الشارع، وكأنها المرة الأولى التي يشاهد فيها هؤلاء أنثى!".

اقرأ أيضاً: تركيا تحرم 38 ألف طالب كُردي من التعلم بلغتهم الأم
وتؤكد آفرين أنّه "ليس هناك من فرق بين فصيل مسلح وآخر"، فالجميع، كما تقول، سواسية من حيث تعاملهم مع الأهالي في عفرين، متابعة: "في الفترة الأخيرة، لم يعد أحد يخرج من منزله، لأنّ الاشتباكات باتت تقع في أي لحظة بين المسلحين أنفسهم، ومن الممكن أن تصيب الطلقات الطائشة أي مواطن في الشارع، وضع النساء هو الأسوأ في عفرين، كونهن محكومات بالالتزام بمنزلهن، في السابق كنت أعمل، وكنت أستطيع الذهاب والإياب دون معوقات، أما الآن فقد بات ذلك مستحيلاً".

اعتماد الأكراد نظام الرئاسة المشتركة في عفرين إبان حكم "الإدارة الذاتية"

التصدي للمتشددين
أما في إدلب، فلا يبدو الحال أفضل، وهي التي تخضع في معظمها إلى تنظيمات مسلحة كجبهة النصرة وحراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني وحزب التحرير؛ حيث تقول السيدة حنين عباس (اسم مستعار) من قرية "جوزف" بريف إدلب: "اختلف واقع المعيشة بعد سيطرة الفصائل المتشددة متل؛ جبهة النصرة وحراس الدين على بعض القرى الريفية في محافظة إدلب، يمكننا التمييز بين التشدد والمحافظة الدينية، نحن نعيش في قرى إدلب تحت سيطرة متشددين مثل؛ تنظيم القاعدة الذي يتميز بتشدده بذات الطريقة التي يمارسها تنظيم داعش".

مواطنة من ريف إدلب: لا يُسمح للمرأة بالسير في شارع وحدها أو أن تخرج دون خمار

وتضيف حنين في حديثها لـ"حفريات": "يُطلب من النساء أن يتخمرن بملابس سوداء، كما يمارسون القصاص وحد السيف، وقطع يد السارق، وتسيطر على منطقة جبل الزاوية تنظيمات عدة كحراس الدين وجبهة النصرة، وهي تنظيمات تمارس التشدد الديني"، مضيفة: "خلال الأشهر الماضية، خرجت مظاهرة نسائية في قرية جوزف، طالبت بإسقاط النصرة والإفراج عن السجناء، ليرد عناصر متشددون بإطلاق النار على النساء، بحجة أنهن مُرتدات، حيث يحرم على النساء الخروج دون محرم وفقاً لقوانينهم".
وحول الحوادث التي تبرز تشدد المسلحين الذين يسيطرون على منطقتها التابعة لمناطق جبل الزاوية، تضيف حنين: "هناك تشدد كبير ضد النساء، ففي إحدى قرى جبل الزاوية، كانت إحدى السيدات تعمل في أرضها الزراعية، وأثناء جلوسها على ركبتها وجني المحصول، قام أحد مسلحي الحسبة التابعين لجبهة النصرة، من الجنسية المصرية بإطلاق نار عليها، بحجة أنها تعمل وحدها في الأرض، دون أن يكون معه محرم أو أخ لها، وقد أصيبت بجراح خطيرة". 
نساء الأقليات
وحول أوجه التشدد التي تمارسها الفصائل المسلحة في منطقتها، تقول حنين: "لا يجوز للنساء السير في شارع وحدهن، كما لا يجوز لها التبضع من محال تجارية فيها رجال، ولا يجوز للمرأة أن تتزين، أو أن تخرج دون خمار، وفي قرية البارة التابعة لجبل الزاوية، قامت مجموعة من الحسبة بسجن أحد رجال القرية بسبب خروج زوجته مع ابن خاله في سيارته دون أن يكون معهم شخص ثالث، كما تم سجن إحدى النساء بسبب خروجها  دون خمار، وفي قرية بليون، تم اعتقال امرأة بحجة جلوسها في محل تجاري وبيعها الملابس، وفي نفس القرية تم قتل امرأة بحجة أنها تتعامل مع السحر والشعوذة، ولكن  الأهالي أكدوا أن سبب القتل كان رفضها الزواج من أحد أمراء النصرة".

اقرأ أيضاً: "الغوطة وعفرين": أحلام المهجرين بالعودة إلى منازل تهدّمت وجغرافيا سُرقت
وتنوّه حنين في ختام حديثها، إلى تعرض مكونات بعينها إلى انتهاكات مضاعفة، وهو ما طبق بحق بعض القرى الدرزية في ريف إدلب فتقول: "تعرضت النساء في منطقة جبل السماق في ريف ادلب الشمالي، التي تعد منطقة انتشار الطائفة الدرزية، بعد دخول النصرة الى القرية إلى انتهاكات عدة، فقد تم إجبار النساء الدرزيات على الصلاة ووضع الخمار الشرعي".
مستقبل أسوأ مع الإسلام السياسي
تقول الباحثة الاجتماعية السورية، منى مصطفى، في حديثها لـ "حفريات" حول الحريات والقيود التي وقعت للمرأة السورية منذ أحداث العام 2011: "مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا شاركت المرأة في المظاهرات السلمية، وفي بعض المناطق شُكلت تنسيقيات نسائية دعت لمظاهرات من أجل الإفراج عن المعتقلين، ولكن تراجع دورها بعد سيطرة السلاح والانتقال إلى العسكرة، كما واجهت الاعتقال بسبب فكرها ومعارضتها للنظام، أو للضغط على ذويها الشبان لتسليم أنفسهم، كما أنّها عانت من التهجير وتحملت أعباء إضافية على عاتقها بعد غياب المعيل في الأسرة".

مصطفى: ربما ينتظر المرأة مستقبلاً أسوأ في حالة وصول تنظيمات الإسلام السياسي للسلطة

وحول مشاركة المرأة في المجال السياسي وصنع القرار عقب الحراك الجماهيري السوري، تشير مصطفى إلى أنّها كانت "محدودة جداً في أوساط الهيئات السياسية المُعارضة كالائتلاف وغيرها من التنظيمات السياسية، ويكاد يكون تمثيلاً شكلياً وربما ينتظر المرأة مستقبل أسوأ في حالة وصول تنظيمات الإسلام السياسي للسلطة".
وتضيف فيما يخص المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد شمال وشرق سوريا: "بعد انسحاب النظام السوري من المناطق الكردية، واكتفائه بإبقاء نقاط أمنية في بعض المدن، شكل "حزب الاتحاد الديمقراطي "الإدارة الذاتية"، كما أسس ثلاث مقاطعات في الجزيرة وعفرين وكوباني، وقد منحت "الإدارة الذاتية" المرأة أدواراً مهمة، وحوّلتها إلى شريكة في إدارة المؤسسات المدنية التي أنشأتها برئاسة مشتركة بين الرجل والمرأة، كذلك تم تشكيل وحدات عسكرية خاصة بالمرأة سميت بـ"وحدات حماية المرأة"، وجرى إنشاء تنظيمات نسائية مدنية مثل "اتحاد ستار"، الذي يعدّ من أكبر التجمعات النسائية في المنطقة، ويهدف إلى معالجة قضايا المرأة".

نساء سوريات ضمن فرق الدفاع المدني التابع للمعارضة

مناطق الأكراد والنظام
أما على صعيد الحريات الشخصية فتردف مصطفى: "على النساء أن ينتبهن لطبيعة أزيائهن عند التنقل، عليهن عند الخروج من المناطق التي يسيطر عليها النظام أو من مناطق سيطرة الكُرد، إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، كارتداء العباءة، وتغطية الوجه، وعدم الاكتفاء بحجابهن العادي".

مواطنة كردية: وضع النساء هو الأسوأ في عفرين ففي السابق كنت أعمل أما الآن فقد بات ذلك مستحيلاً

وتقارن مصطفى بين الفصائل المتحاربة على الجغرافية السورية فتقول: "إذا قارنا وضع المرأة في المناطق الكردية مع باقي المناطق في سورية، نجد أن المرأة الكردية قد قطعت أشواطاً مهمة، للحصول على حقوقها، ونسب التمثيل في الإدارة، والعمل السياسي والخدمي.. واقع المناطق الكردية مختلف تماماً؛ فالمرأة لها تمثيل يصل إلى 50 % بحسب قوانين الإدارة الذاتية، والمجلس التشريعي؛ حيث إنّ الرئاسة مشتركة، وكذلك فإنّ إدارة مختلف المؤسسات مشتركة بين الرجل والمرأة‪، وشكّل إصدار قانون المساواة بين الرجل والمرأة، وقانون منع تعدد الزوجات في مناطق الإدارة الذاتية حدثاً مهماً في سورية، كونها جاءت في وقت تتالت فيه تقارير تشير إلى انتهاكات كبيرة تقوم بها مختلف فصائل المعارضة، والنظام ضد النساء في مناطق سيطرتهما".‬، وتضيف "القانون جاء منصفاً للمرأة، ومكملاً لما صدر سابقاً حول حقوق النساء في مناطق الإدارة الذاتية، من خلال تشريعات خاصة سنّتها جمعيات نسائية خاصة، فعقد الزواج المدني، الذي بات اليوم يطلق عليه عقد الحياة المشتركة وتمّ اعتماده في الجزيرة، وعفرين، وكوباني، يتضمن منع تعدد الزوجات، ومنع زواج الأنثى قبل سن الـ18، وأن يتحمّل تكاليف الزواج الطرفان، كما تمّ أيضاً إقرار توزيع الميراث بالتساوي بين الطرفين".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب يعرقل "الإخوان المسلمون" توافق السوريين في إدلب
وتوضح مصطفى "المرأة الكردية مربية، معلمة، تشارك في إعادة الإعمار، وحمل السلاح لحفظ الأمن، القتال ضد قوى الظلام، ولكن رغم ما يتردد إيجاباً عن استصدار قوانين، وتشريعات لصالح المرأة، يمكن تسجيل حالات انتهاك بحقهن من قبل "الادارة الذاتية" نفسها، وخاصة فيما يتعلق بتجنيد القاصرات".‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬

المرأة الكردية شاركت في القتال ضد الجماعات المتشددة

أما بالنسبة لمناطق النظام، فترى مصطفى أنّ الحرية فيها مباحة للمرأة بعكس مناطق المُعارضة السورية المسلحة، فتقول: "المرأة مازالت تعمل في المؤسسات الحكومية والتعليمية، وفي أعمال الحياة اليومية، سواء في معامل أو شركات وحتى في أسواق عامة وفي مجالات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، لكن ظاهرة غير مألوفة بدأت تنتشر مع اشتداد حملات النظام في سَوق الشباب إلى الخدمة في الجيش، وهي تسيّد النساء عرش مهن عديدة منها: المقاهي، والبيع في سوق الهال، وقيادة وسائل نقل عامة وغيرها، بعدما كانت هذه المهن وغيرها من نصيب الرجال فقط".

اقرأ أيضاً: الكُرد يتخلون عن حلمهم بالفيدرالية استجابة للأسد ودرءاً لأردوغان
وتنوه أنّه في مقابل ذلك "تصاعدت أشكال القمع والعنف ضد الناشطات من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري من اعتقال وخطف وتعذيب، فبحسب تقرير الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بعنوان "العنف ضد المرأة السورية"، فإنّ أغلب ادعاءات الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي قد ارتكبتها القوات الحكومية والمسلحون الموالون لها، أثناء تفتيش البيوت واحتجاز النساء، كما أنّ العديد من المُغتصبات قتلن على يد المُغتصبين دون أن تجري أي محاسبة للجناة".
صوت السلاح هو الأعلى
أما فيما يخص المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، فتشير مصطفى إلى أنّها "الأسوأ، ويتفاوت ذلك تبعاً للفصائل المسلحة المهيمنة عليها، والتي تتراوح من أقصى التشدّد كما في مناطق داعش وجبهة النصرة إلى الفصائل الإسلامية الأقل تشدداً.. فبدل من أن تجد المرأة حرية أوسع في المناطق المُحرّرة، تمّ التضييق عليها وفقدت حقوقاً كانت قد حصلت عليها بعد نضال طويل، وذلك لما يسود في أوساط الفصائل الإسلامية من مفاهيم مُتخلفة تصنف المرأة في مرتبة أدنى من الرجل، حيث ترى المرأة "ناقصة عقل ودين"، مهمتها منزلية فقط لرعاية أولادها وإرضاء زوجها القوّام عليها".

اقرأ أيضاً: العودة إلى عفرين: الأكراد أمام مُقاومة بيضاء أو استسلام بطعم الهزيمة
متابعةً بالقول: "علا صوت السلاح على أصوات الناس المُطالبة بالحرية، بحيث أصبحت السياسة تنبع من فوهة البندقية، فحامل السلاح لا يتحكم فقط في السياسة العامة، بل عمل لفرض قيود اجتماعية متشددة على الجميع وخاصة النساء، وبرّر ذلك بنصوص دينية وعرف سائد، بالإضافة لبنية مُجتمعيّة مُتخلفِة ذكوريّة التوجه خاصة في الأرياف، تنسجم مع ما يهدف اليه الإسلام السياسي من إبقاء المرأة ضمن قيودها ومنعها من تحصيل حرياتها".
وتعتقد مصطفى أنّ "التضييق على الحريات في المناطق المحررة" (الخارجة عن سيطرة النظام السوري) يتناول الجميع رجالاً ونساء، لكنه أكثر قساوة بالنسبة للمرأة، وبذلك تراجعت المشاركة الواسعة للمرأة عما كانت عليه في الفترة السلمية الى أدوار ثانوية لا تكاد تتجاوز المُقرّر لها حسب النصوص المستقاة من الدين، فيما عدا بعض النشاطات الإغاثية، أمّا في المجال القتالي فقد تم إشراكها بمناطق داعش في كتائب أمنية نسائية خاصة بملاحقة النساء وقمع مخالفاتهن للقيود المفروضة".

اقرأ أيضاً: الطعم التركي والإدارة الذاتية في عفرين: نار المقاومة تنبعث من جديد
وتؤكد مصطفى أنّ النساء والفتيات لا يزلن "يواجهن التمييز والقيود الشديدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة"، مشيرة إلى تقرير أصدرته "لجنة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في سوريا" أفاد أن "مقاتلي داعش تزوجوا قسراً نساءً سُنيات يعشن في مناطق سيطرته، ويواصل تنظيم داعش أيضاً ارتكابه التعذيب والاغتصاب والقتل، والاسترقاق الجنسي للنساء".

فتاتان سوريتان وضعتا شعارات معارضة على وجهيهما

أما حول ما يمكن استنتاجه من مسيرة الحراك النسائي السوري، فتقول مصطفى: "المرأة لن تحصل على حقوقها إلاّ في ظل نظام ديمقراطي علماني يقطع الطريق على تطبيق ما لا يتوافق مع العصر ومع المسيرة الانسانية الحضارية"، مختتمة بالقول: "الثورة لا تكون ثورة فعلاً إن اقتصرت على إسقاط نظام ليليه آخر يُعيد التضييق على الحريات وبشكل خاص حرية المرأة التي يقاس بها مدى تقدم البلدان والشعوب، لن تكون ثورة إن لم تسن قوانين تقدمية، بما فيها قانون عصري للأحوال الشخصية يعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهود والاتفاقيات الدولية المُتممة له كمرجعية، والخطوة الأولى في هذا المجال هي تشكيل منظمات نسائية لا تتبع النظام أو المعارضة أو أية جهة سياسية، تمثل المرأة وتعمل من أجل حقوقها ومساواتها بالرجل".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية