البيتكوين.. ثورة تقنية أم فقاعة عابرة؟

التكنولوجيا

البيتكوين.. ثورة تقنية أم فقاعة عابرة؟


09/01/2018

مع تزايد حضور العوالم الافتراضية وطغيانها تدريجياً في شتى مفاصل الحياة وتعاملاتها، ظهرت تقنيات عديدة في الفضاء الرقمي، أخذت تحلّ مكان نظيراتها الواقعية، وحفّزت حدوث تغيرات جوهرية في مختلف المجالات، وفي هذا السياق أخذت العملات الافتراضية (البيتكوين) تتلمّس طريقها في مزاحمة العملات الورقية التقليدية، التي ألفها الناس عبر أزمان طويلة، وكل ما يرتبط بها من منظومات ومؤسسات ومعاملات.

البيتكوين.. ما هي؟

البيتكوين هي عملة افتراضية إلكترونية، لا وجود مادياً لها، ويقتصر تداولها على العمليات التي تتم عبر شبكة الإنترنت، من التسوق الإلكتروني إلى العمليات التي تتم عن طريق تقنية الـBlockchain، وعبر الشبكة العميقة (Dark Web)، مروراً بتحويل الأموال.

وكانت البيتكوين من أولى تطبيقات تقنية سلسلة الكتل (Blockchain)، وهي عبارة عن وسيلة لنقل البيانات وإجراء المعاملات بطريقة آمنة وسرية ولامركزية ضمن سلسلة من الكتل تحافظ على البيانات المخزنة فيها وتحول دون تعديلها، وقد ظهرت البيتكوين في العام 2008، وطرحت للتداول في يوم 3 كانون الثاني (يناير) من العام 2009.

البيتكوين عملة افتراضية إلكترونية لا وجود مادياً لها ويقتصر تداولها على العمليات التي تتم عبر الإنترنت

يُقال إن مبتكر هذه العملة مهندس ياباني يعيش في كاليفورنيا يُدعى ساتوشي ناكاموتو، ولكن المرجح أنّ "ناكاموتو" اسم وهمي لجهة مجهولة الهوية، فلا أحد يعرف إن كان رجلاً، أم امرأةً أم مجموعة من الأشخاص، ولا يستبعد ان تكون خلفه دولة أو منظمة مجهولة.

والبيتكوين هي عبارة عن اتفاق ضمني ومضاربات بين الأشخاص المتداولين لها عبر شبكة افتراضية معقدة. وحتى تكتسب قيمة، تم تحديد كمية محددة منها، تماماً كما الذهب، وتبلغ 21 مليون بيتكوين، وبالتالي فإنّ كل بيتكوين يساوي 1 من 21 مليون من ثروة البيتكوين بالعالم، وقد ظهرت أيضاً عملات افتراضية أخرى، أشهرها الايثيريوم التي تستحوذ اليوم تقريباً على ربع سوق العملات الافتراضية.

إعلانات تداول عملة البيتكوين في أحد المعارض باليابان

سرية غير قابلة للتتبع

أهم ما تتميز به البيتكوين هو السرية؛ إذ لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم من خلالها أو مراقبتها أو التدخل فيها، وذلك بسبب غياب أرقام تسلسلية مرتبطة بها، كما هو حال نظيرتها الورقية، ومن أهم الإيجابيات التي دفعت الناس للتعامل بها هو أن الحوالات فيها لا تحتاج إلى وسيط، مما يوفر رسوم التحويل، التي قد تبلغ قدراً معتبراً في حالة تحويل أرقام كبيرة، كما يرى البعض في البيتكوين فرصةً لإلغاء سيطرة البنوك المركزية على طبع الأموال وهو ما يتسبب بالتضخم.

صعود وانتشار

صعدت قيمة البيتكوين من بضعة سنتات عند بداية تداولها العام 2009، لتصل إلى حوالي 15,000 دولار للبيتكوين الواحد مع نهاية العام 2017، وبلغ حجم تداول العملة مطلع العام 2017 قرابة 450 مليار دولار، وكان تداول العملة قد بدأ أولاً في عالم الـdark web الذي تُجرى فيه نسبة كبيرة من العمليات التجارية غير الشرعية، كتجارة السلاح، والمخدرات، والدعارة. ثم أخذت العملة تكتسب قيمة وأهمية مضاعفة بعدما أشيع أن دولاً من التي فرضت عليها عقوبات دولية، ككوريا الشمالية وإيران، استخدمتها للحصول على احتياجاتها بعيداً عن العمليات البنكية المحظورة عليها.

أهم ما يميز البيتكوين السرية إذ لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء أو مراقبتها أو التدخل فيها

ولم تكتسب العملة شرعية وثقة وإقبالاً على الصعيد العام إلا مع اعتمادها من قبل عدد كبير من المتاجر الإلكترونية، فضلاً عن شركات كبرى مثل شركة "مايكروسفت" وموقع eBay، إضافة إلى عدد متزايد من الشركات التي تبعتها في استخدام وقبول العملة في تعاملاتها، وصولاً إلى قبول عدد من البورصات بعمل عقود آجلة على عملة البيتكوين، وإيجاد صراف آلي لها في دول كاليابان وكندا.

وضعت أول ماكينة صراف آلي للبيتكوين في مدينة فانكوفر بمقاطعة بريتيش كولومبيا بكندا العام 2013

مخاوف ومخاطر

تبقى المخاوف الأساسية لدى قطاعات واسعة من المحجِمين عن شراء العملة والتداول بها متمثلة بالأساس في غياب جهة مركزية تنظمها وتضمن قيمتها؛ حيث تضمن البنوك المركزية قيمة العمل الورقية من خلال تغطيتها بالذهب، وهو ما تفتقده العملات الافتراضية، إضافة إلى غياب الثقة للتأكد من عدم حصول عملية استنساخ وتزوير للعملة، وغياب تشريعات تنظم التعامل بها وتحفظ حقوق مستخدميها، كما أنّ قيمتها عُرضة للتذبذب بشكل كبير، إلى جانب العدد الذي ما يزال قليلاً نسبياً من المتاجر والشركات التي تقبل التعامل بها، وغياب الاعتراف الدولي الكامل بها.

باتت العملات الافتراضية تشكل وسيلة معتمدة لإتمام الكثير من صفقات السلاح والأعمال الإجرامية

وتبرز المخاوف من أن تصبح هذه العملة وسيلة لغسل الأموال أو تسهيل بيع السلع غير المشروعة نظراً لكونها مشفرة ولا تكشف إلا عن القليل من المعلومات عن هوية المستخدم وبيانات المعاملة، وبالفعل باتت العملات الافتراضية تشكل وسيلة معتمدة لإتمام الكثير من صفقات السلاح والأعمال الإجرامية، حيث يتم تداولها عبر الـDark Web وفي مواقع مشبوهة مثلsilkroad  الأمريكي الذي يتاجر بالممنوعات (مخدرات، أسلحة، وغيرها) بواسطة البيتكوين.

كما وسبق أن استخدمت البيتكوين في عمليات قرصنة حواسيب وحسابات شخصية وطلب فدية، وتحديداً في الهجومين الإلكترونيين العالميين: فيروس الفدية الأول "Wanna cry" والثاني "Petya" العام 2017، حينها طلب القراصنة الذي هاجموا مئات آلاف الحواسيب في العالم، دفع الفدية بعملة "بيتكوين" من أجل إرجاع الملفات المقرصنة لأصحابها، وإعادة فتح الأجهزة التي أصابها الفيروس بالشلل.

تشهد قيمة عملة البيتكوين تقلبات كبيرة وسريعة

تعدين البيتكوين

أما عن طريقة الحصول على عملات البيتكوين فهي تتم بالأساس عبر عملية التعدين (Mining)، وذلك من خلال حل مجموعة من المعادلات المعقدة، عبر برامج خاصة؛ حيث بلغ مجموع ما تم استخراجه حتى الآن 17 مليون بيتكوين، من أصل 21 مليوناً، وعملية التعدين هذه تشبه عملية استخراج الذهب بالحفر في المناجم،  ولكن في عملية تعدين البيتكوين، تستبدل أدوات الحفر بأجهزة الحاسوب وكلما زادت قدرة الجهاز على المعالجة، زادت قدرته على استخراج العملات بشكل أسرع، ويستبدل منجم الذهب ببرنامج لحل معادلات معقدة تحمل في طياتها أكواد (شيفرات) العملات، ومن يجد كود العملة تصبح هذه العملة ملكه، وهناك الكثير حول العالم من المهووسين بهذه العملة، حجزوا خوادم (سيرفرات) كاملة، تعمل على مدار اليوم لحل المعادلات واستخراج العملات، ولكن معظم المتداولين لا يستطيعون مباشرة عملية التعدين حيث تزداد العملية تعقيداً وهي بحاجة لأجهزة وبرامج خاصة، وهو ما يدفع الراغبين في الحصول عليها إلى طريق الشراء المباشر للعملة.

بين القبول والرفض

أما عن درجة القبول والاعتراف الدولي بالعملة اليوم، فلا يزال متدنياً؛ حيث أقرتها عدد من الدول، كاليابان، التي اعتمدتها كعملة رسمية للتداول، وألمانيا، التي فرضت ضريبة على مالكيها، وكندا التي سمحت بوضع آلات الصرف الخاصة بها. في حين ترفضها دول أخرى كالولايات المتحدة والصين؛ حيث أعلنت الحكومة الصينية إغلاق كل الأبواب أمام البيتكوين مع تشرين الأول (أكتوبر) 2017، ولم يستغرب البعض موقف الولايات المتحدة؛ إذ إنّها ترفض أي عملة من الممكن تأخذ مكان الدولار كعملة عالمية، ويبقى سبب الرفض الأساسي لها من قبل العديد من الدول هو المخاوف من أن تصبح هذه العملة وسيلة لغسل الأموال، أو تسهيل بيع السلع غير المشروعة نظراً لكونها مشفرة ولا تكشف إلا عن القليل من المعلومات عن هوية المستخدم وبيانات المعاملة.

وعموماً، لا يخفي العديد من الخبراء والمراقبين إعجابهم بهذه الفكرة "الثورية"، وبإمكانية تطويرها مستقبلاً، خصوصاً إذا ما تم تنظيمها على نحو أكبر –ولو أن ذلك سيفقدها عدداً من أهم مزاياها– ولكن يبقى الانطباع الطاغي هو عدم إمكانية الثقة بشخص مجهول أصدر عملة مجهولة المصدر، لا يمكن تحديد قيمتها وتقلباتها.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية