الإسلام والعلمانية لأوليفيه روا: توحش الأصوليات الدينية

الإسلام والعلمانية لأوليفيه روا: توحش الأصوليات الدينية


15/01/2018

"المشكلة ليست في الإسلام، بقدر ما هي في الأشكال المعاصرة لعودة الديني. إنّ الإسلام المعاصر والمغرَّب، منظوراً إليه من هذه الزاوية، يمكنه أن يصبح مفهوماً في النهاية"، بهذه الكلمات، يحاول أوليفيه روا، الكاتب والباحث الفرنسي، المتخصص في الشؤون الإسلامية، في كتابه: "الإسلام والعلمانية"، تخطي التشويش الأيدولوجي، والصخب السياسي التعبوي، الذي يترافق مع الأحاديث والنقاشات الدائرة، حول علاقة الإسلام بالقيم "الجمهورية"، في المجتمع الفرنسي، ومدى إمكانية الجاليات المسلمة، على الاندماج داخله، خاصة، في ظل تنامي نشاط العمليات المسلحة، والأحداث الإرهابية، التي شهدتها باريس، في تشرين الثاني(نوفمبر) 2016.

يتناوب الكتاب، الصادر عن دار الساقي، على مجموعة من الأسئلة والإشكاليات، تمتد عبر أربعة فصول، لمحاولة فهم الحقائق المضمرة، حول الأصولية الدينية ونشاطها وممارساتها، فضلاً عن، أزمة الإسلام، في فرنسا، ووصمه بالعنف والإرهاب، الذي تحول إلى هجوم "غير مبرر"، برأيه، على الإسلام والمسلمين، فيما صفه بـ"رهاب الإسلام".

الأصولية المعاصرة، الإسلامية أو المسيحية، تعكس قطيعة مع المرجعية الثقافية والاجتماعية والقومية وتجعل الدين بلا ثقافة

ومن بين تلك الأسئلة المطروقة في الكتاب: هل يعتمد النقاش حول الإسلام على المكان الذي يحتله الدين في مجتمعنا، أو أنّ الإسلام، على الرغم من مظاهر الاستمرار، هو كما يدرك اليوم دين جديد مختلف ينطوي على تهديد نوعي؟ في هذه الحالة، هل يرجع ذلك إلى نوعية اللاهوت المسلم، أم مرده، على نحو أكثر اتساعاً، إلى حقيقة أنّ الإسلام هو دين المهاجرين؟ وفي المقابل، هل أسهمت المسيحية في إرساء النظام العلماني والسياسي الحالي، حتى وإن وضعت الكنيسة على الهامش، في حين أنّ الإسلام ممتنع جوهرياً على كل أشكال العلمانية، لا بل الدنيوة؟

 أوليفيه روا

العلمانية والإسلام: الاستثناء الفرنسي

إنّ عودة الديني، التي تتمثل في صعود الأصوليات الدينية المعاصرة، لا تتقاطع مع الإسلام كعقيدة، كما أنها ليست مأخوذة من الشريعة أو تقاليد سياسية، في تاريخها القديم؛ حيث كانت سائدة في العالم الإسلامي، لكنها، بحسب "روا"، مجرد إعادة إنتاج وظيفي للمفاهيم السياسية الحديثة، داخل سياق إسلامي جديد، على النحو الذي مرّ به، أبو الأعلى المودودي وحسن البنا والخميني، مفاهيم حداثية، مثل: "دولة، ثورة، أيدولوجيا"؛ وهو ما يمكن اعتباره "أدلجة" للدين.

يرفض "روا" المقولات التي تصرح بشأن وجود تعارض بنيوي، بين الإسلام والعلمانية، وتوسيع الإشكالية ذاتها لتشمل باقي الأديان، باعتبارها سؤالاً يمتد لباقي الأديان التوحيدية، ولا يتحول إلى مجرد سجال يقتصر على الإسلام وحده. فيرى أنه: "لا يوجد دين علماني بين الأديان التوحيدية المنزلة والفكرة القائلة بأنّ الدين لا يمكن أن يقتصر على المجال الخاص مشتركة في الأديان الكبرى كافة".

كما لا يتوانى عن انتقاد أيديولوجيات اليمين، في فرنسا، ومرجعياتها، التي تعتبر الإسلام مجرد دين "جوهراني"، لا زمني وثابت، وبالتالي، تصفه بأنه غير قابل للاندماج في قيم الحداثة.

اليمين الفرنسي والأصولية البغيضة

يوضح صاحب "عولمة الإسلام"، بأنه يهدف من خلال الجدل، حول اتهام الإسلام، بعدم مقدرته على الاندماج مع العلمانية، في المجتمع الفرنسي، على وجه الخصوص، إلى اختبار مجالات استعمال العلمانية في فرنسا، والتي تتفاوت بين اعتبار العلمانية كفلسفة، والعلمانية كنتيجة للقانون، والعلمانية كمبدأ أساسي، وسيرورة تاريخية لعملية الحداثة.

وفي المقابل، عمد إلى تعرية الخطاب المتهافت والمتناقض، لدى بعض النخب الثقافية الفرنسية، الذين يذهبون إلى مساءلة الإسلام، على مستوى العقيدة، كونه ديناً معادياً للعلمانية، في حين تعتبر العقيدة المسيحية متلائمة معها.

ينتقد "روا" أيديولوجيات اليمين في فرنسا التي تصف الإسلام بأنه غير قابل للاندماج في قيم الحداثة

يقول: "هؤلاء المسيحيون الهويتيون يرفضون الإسلام، لكنهم في معارضتهم لزواج المثليين وانتقادهم لـ (شطط) الحركة النسوية، يجدون أنفسهم على وفاق مع الأصوليين المسلمين، وضد يسار ليبرالي يدافع عن الأقليات الجنسية لكنه بات يطرح تساؤلات حول الأقليات الدينية".

ويشير صاحب "تجربة الإسلام السياسي"، إلى عدم وجود متخيل سياسي للإسلام، ثابت، وقائم بلا تغيير، فيحيل إلى استمرارية تاريخية دامت، منذ أربعة عشر قرناً، حيث تحدد من خلالها، الشكل السياسي ونظام الحكم، والتعريف بالذات والهوية، والنظام المجتمعي، بثقافته وقيمه، وكذا، التطبيق الاقتصادي.

الإرهاب المعولم

وينخرط "روا" في توضيح أنّ الأصولية الدينية، لا تقتصر بوجهها على الإسلام، لكنها، تمتد بجذورها مع الأديان التوحيدية؛ ذلك الأمر، الذي يعرج من خلاله، على تفكيك المكونات المتنافرة لقضية الإسلام، مع الهوية الفرنسية، باعتباره دين المهاجرين، والذي يسهم بصورة أو أخرى، في إعادة تكوين المشهد السياسي والفكري الفرنسي، بينما يشير إلى أنّ "أكثر الناس عداءً لوجود المهاجرين وللإسلام في آن، هم أولئك الذين يرون أنّ الإرث المسيحي، يشكل جزءاً من الهوية الفرنسية والأوروبية، وبناء على ذلك، يرون أنّ الإسلام غير قابل للاندماج، حتى في شكل "علماني".

والأصولية المعاصرة، سواء الإسلامية أو المسيحية، كما يحدّد "روا"، تعكس قطيعة مع المرجعية الثقافية والإجتماعية والقومية، وتجعله "ديناً بلا ثقافة"، لو استعرنا عنواناً سابقاً لأحد مؤلفاته؛ حيث ينبذ "الأصولي"، ميراثه الثقافي والعائلي، ويغدو الدين بمثابة طقوس وشعائر دينية "تطهرية"، وليست معرفة.

وفي مثال تطبيقي، يسرد "روا" قصة مقتل ثيو فان غوغ، في هولندا، فيقول: "إذا كان القاتل مغربياً، فقد كان هولندياً يكتب باللغة الهولندية، ويدافع عن إسلام "إجمالي"، ويحيا بالأحرى هذا الإسلام المعرض للخطر والذي لم تعد له حدود إقليمية".

طرح روا مفهومين، ليسا مترادفين، هما "الدنيوة والعلمانية"؛ حيث اعتبر "الدنيوة"، أنّها "ظاهرة اجتماعية لا تتطلب أي استخدام سياسي، وذلك عندما يكف الديني عن احتلال مكان المركز في حياة البشر، حتى وإن استمروا في وصف أنفسهم بالمؤمنين".

وبالتالي، فإنّ الممارسات الدينية في ذلك السياق، والمعنى الذي يضفونه على العالم، لا تحمل سمة الديني والتعالي، وستضحى "أعلى مراحل الدنيوة هي زوال الدين، ولكن بلطف، غير أنّ الدنيوة ليست ضد الديني أو الأكليروس".

وأما العلمانية، في المقابل، فهي مجرد خيار سياسي يحدد بأسلوب سلطوي وقانوني مكان الديني ولا ينبذ الديني بالضرورة، في القطاع الخاص، لكنه، يعين إمكان رؤية الديني في المجال العام".

ولئن كان هؤلاء الأصوليون الجدد، لا يعتمدون على مشروع اجتماعي أو اقتصادي، ولا يتحدد لهم انتماء، وغائبون عن قضايا المجتمع الكبرى، كالتمييز الاجتماعي والتفاوت الطبقي؛ فلأنّهم مجرد ذوات تعيش في حالة تمرد وانسلاخ وعزلة (شعورية)، شبه دائمة، يقطع الفرد فيها كل صلاته مع محيط الأكثرية، ويصنع عالماً "مطهراً"، بغية النجاة من الفئة الضالة.

وهو ما يوضحه مؤلف "إخفاق الإسلام السياسي"، في عبارة مكثفة وشديدة الوضوح، فيقول: "إنّ طائفية هذه الأيام هي بناء طائفة خيالية تندرج في مجال آخر غير مجال الدولة-الأمة".

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية