الصراع بين الاتحاد التونسي للشغل والرئيس سعيد حلقة مفرغة في معادلة صفرية

الصراع بين الاتحاد التونسي للشغل والرئيس سعيد حلقة مفرغة في معادلة صفرية

الصراع بين الاتحاد التونسي للشغل والرئيس سعيد حلقة مفرغة في معادلة صفرية


22/02/2023

فيما تتصاعد وتيرة الخلافات بين مؤسسة الرئاسة والاتحاد التونسي للشغل، على خلفيّة قرار الرئيس قيس سعيّد بترحيل الأمينة العامة لاتحاد النقابات المهنية إستر لينش، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن تنظيم تجمع عمالي يوم السبت 4 آذار (مارس) المقبل بساحة محمد علي الحامي، ستعقبه مسيرة تنطلق عبر عدد من شوارع العاصمة، وصولاً إلى مقر ولاية تونس، وذلك ضمن عدد من التحركات الاحتجاجية للاتحاد، في ضوء ما تعتبره المنظمة الشغيلة استهدافاً لها وللحق النقابي.

في ضوء ذلك، خرج الآلاف من العمال المنتسبين إلى الاتحاد العام التونسي للشغل في تحركات احتجاجية يوم السبت 18 شباط (فبراير) الجاري، في ولايات: صفاقس، وبنزرت، والقيروان، ونابل، وجندوبة، والمنستير، والقصرين، وفي مناطق أخرى من البلاد؛ للتنديد بتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، واحتجاجاً على ما سمّوه "اعتداءات السلطة على الحريات والحقوق النقابية"، في استعراض قوة من قبل الاتحاد، مصعّداً بذلك المواجهة مع الرئيس قيس سعيّد.

صراع يصب في صالح الإخوان

الباحث السياسي رافع الطبيب يشير في تصريحات خصّ بها "حفريات" إلى أنّ الاتحاد التونسي للشغل هو عمود 25 تموز (يوليو)؛ فجماهيره هي نفسها من فجرت الانتفاضة التي أطاحت سلمياً بالفاشية الإخوانية. مضيفاً أنّه لا ينبغي للاتحاد أن  يخوض معارك بالنيابة عن الآخرين، وهو الأدرى أنّ أيّ صراع مع الرئيس سعيّد سيضعف المنظمة أوّلاً، ورأس السلطة ثانياً، ويقوي أعداءهما من الإخوان.

رافع الطبيب: ضغط الملف الاقتصادي والمالي يستوجب البحث عن حلول شجاعة

ويؤكد أنّ ضغط الملف الاقتصادي والمالي يستوجب البحث عن حلول شجاعة خارج المربع الركيك،  صندوق النقد - وكالات التصنيف - عائلات الريع المفترسة - الحلقة المفلسة للغرب. حيث إنّه إذا تكثف الضغط، لا مفرّ من الشرق.

ويختتم حديثه لافتاً إلى أنّ الأعوام القادمة ستفرض على الاتحاد إصلاحات هيكلية داخله، وفي طرق نضاله وتموقعه اجتماعياً، وله من الكوادر القادرة على رسم استراتيجياته، لذا لن يتورط في معارك ستقضي على هذا الأفق المستقبلي، ليس خوفاً، بل تجاوزاً لأزمة مركّبة.

مواصلة الضغط على حركة النهضة

كانت وسائل إعلام تونسية قد أفادت يوم الخميس الماضي بأنّ سلطات الأمن أوقفت القيادي في حركة النهضة فوزي كمون، المدير السابق لمكتب رئيس الحركة راشد الغنوشي.

وذكرت إذاعة "موزاييك" التونسية أنّ "النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتونس أذنت لأعوان الفرقة المركزية الرابعة للحرس الوطني بالعوينة، شمال العاصمة تونس، بتوقيف مدير مكتب راشد الغنوشي السابق فوزي كمون".

رافع الطبيب: الاتحاد التونسي للشغل هو عمود 25 تموز؛ فجماهيره هي نفسها من فجّرت الانتفاضة التي أطاحت سلمياً بالفاشية الإخوانية

وأشارت القناة إلى أنّ "إيقاف فوزي كمون يتعلق بمباشرة الأبحاث اللازمة في شأنه بخصوص قضية منشورة ضده منذ أكثر من شهر".

في غضون ذلك، قال عماد الخميري القيادي في حركة النهضة يوم الإثنين الماضي: إنّ السلطات الأمنية استدعت زعيم الحركة راشد الغنوشي للتحقيق. وزعم الخميري في مؤتمر صحفي أنّ الغنوشي استدعي للتحقيق بسبب ادعاءات "باطلة". واعتبر القيادي في حركة النهضة أنّ ذلك يأتي في سياق الإيقافات الأخيرة التي شملت قيادات في الحركة، وسياسيين، وقضاة، ورجال أعمال.

من جانبه، يذهب ناجي جلول رئيس حزب الائتلاف الوطني إلى التأكيد على أنّ الرئيس قيس سعيّد سيواصل يقيناً الضغط على حركة النهضة؛ عبر فتح جميع الملفات القضائية المتورطة فيها الحركة، خلال العشرية السوداء، لا سيّما ملفات التسفير والتمكين والتمويل الأجنبي.

ناجي جلول: حركة النهضة فقدت شعبيتها

ويتابع جلول حديثه لـ"حفريات"، لافتاً إلى أنّ حركة النهضة فقدت شعبيتها، وأنهكتها الانقسامات الداخلية، والوضع الحالي للحركة في تونس يعكس بصورة كبيرة حالة تردي تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة.

إلى ذلك، تعمل حركة النهضة على صياغة خطابها السياسي نحو تكييف توقيف قيادات النهضة، والزعم بأنّ ذلك يأتي ضمن حملة توقيف شاملة لخصوم السلطة، دون التعرض لحقيقة الأمر وواقعه، صوب ملفات ينظر فيها القضاء التونسي، وتستلزم تفعيل مبدأ المحاسبة والفصل في القضايا المعلقة.

حانت لحظة الحساب

في هذا السياق، قالت النائبة في البرلمان الجديد فاطمة المسدي: إنّ المحاسبة انطلقت، ولا وجود لتشفٍّ أو تصفية حسابات. وتابعت في سياق تصريحاتها لـ"حفريات" أنّ ملف التسفير لم يغلق بعد، وأنّها لن تتخلى عنه، مؤكدة أنّ المحاسبة هي أول خطوة نحو إرساء دولة القانون.

ناجي جلول: الرئيس قيس سعيّد سيواصل يقيناً الضغط على حركة النهضة عبر فتح جميع الملفات القضائية المتورطة فيها الحركة خلال العشرية السوداء، لا سيّما ملفات التسفير والتمكين  والتمويل الأجنبي

وتستطرد النائبة في البرلمان الجديد عن دائرة صفاقس الجنوبية، لتؤكد أنّ الانطلاقة شملت أغلب القضايا، خاصّة في مجالي الرشوة والتلاعب بالقضاء، وهي من أبرز الملفات التي ينتظر التونسيون فتحها.

وأضافت قائلة: "أنا سعيدة لانطلاق المحاسبة، ولا يصح وصف ذلك بالتشفي أو الخصومة، على اعتبار أنّ حق التونسيين ينبغي أن يقع، خاصّة ملف تسفير الشباب التونسي نحو بؤر التوتر، وكلّ من أجرم يجب أن يحاسب من قبل القضاء، ولا أحد فوق القانون، نور الدين البحيري وبشير العكرمي كانا السبب في التغطية على الملفات التي تهم الإرهاب، وأعتبر أنّهما قد استعملا القضاء ونفوذهما في وزارة العدل، أو في وكالة الجمهورية، للتغطية على عدد من الإرهابيين، إلى جانب ملف تدليس جوازات السفر".

القيادي في حزب النهضة الإخواني، نور الدين البحيري كان سبباً في التغطية على ملفات تهم الإرهاب

وشدّدت المسدي على أنّ إجراءات الإيقاف يجب أن تكون فوراً، في اتهامات متعلقة بالتآمر على أمن الدولة، وتغيير هيئة الدولة، والتخطيط لاغتيال رئيس الجمهورية قيس سعيّد، حيث في مثل هذه الحالات يجب أن يكون الإيقاف دون أيّ تأخير.

فاطمة المسدي: إجراءات الإيقاف يجب أن تكون فوراً، في اتهامات متعلقة بالتآمر على أمن الدولة، وتغيير هيئة الدولة، والتخطيط لاغتيال رئيس الجمهورية قيس سعيّد

وفيما يخص الشكل، أوضحت النائبة فاطمة المسدي أنّ الجميع متعطش ليرى نوع الجرائم التي كانت تمارس في تونس خلال العشرية الفائتة، مبينة أنّ الملف بيد القضاء، ولن يغلق إلّا عندما تنتهي محاسبة كل الأطراف المتورطة. وأضافت: "بالنسبة إليّ لن أبقى في موقع المتفرج، حيث أرى أطرافاً بعينها تحاسب وغيرها لا يحاسب، فيجب محاسبة جميع المتورطين، هناك من تم إيقافه لشبهات خطيرة، وعاد إلى عمله السابق في مناصب حساسة، ولا بدّ من تغيير هذه المناصب، ليعمل في مناصب غير حساسة، وملف التسفير إلى بؤر التوتر الذي فتحته منذ برلمان "2014/2019" لم يغلق بعد، ولن أتخلى عنه".

سيناريوهات الصراع بين الاتحاد والرئيس

من جهته، يؤكد الكاتب السياسي البارز نزار مقني أنّ حركة النهضة أمست ضعيفة للغاية سياسياً، وتعوّل على الدعم الخارجي، خاصّة فيما يتصل بالجانب الإعلامي، حيث إنّها اليوم تمارس مناورة سياسية، تتمركز على مساحات الفراغ الناتجة عن أداء الرئيس قيس سعيّد، بغية تحقيق أيّ مكاسب.

ويحدد مقني في إطار حديثه لـ"حفريات" ملامح الضربة القاصمة لحركة النهضة، إذا استطاع الرئيس والاتحاد التونسي للشغل الوصول إلى اتفاق، خاصّة أنّ سرديّة المنظمة الشغيلة من داخل تحالف 25 تمّوز (يوليو)، ولا تطالب بالعودة لما قبل هذا التاريخ، بل تدعو لجملة إصلاحات صوب المسار السياسي الأحادي لقيس سعيّد.

نزار مقني: حركة النهضة أمست ضعيفة للغاية سياسياً، وتعوّل على الدعم الخارجي، خاصّة فيما يتصل بالجانب الإعلامي

وفيما يختص بآفاق العلاقة بين الاتحاد والرئيس، يضع نزار مقني (3) سيناريوهات محتملة؛ الأول: يبدو في حدوث تقارب وإيجاد مساحات مشتركة للتفاهم حول المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للاتحاد، الأمر الذي يعني قبول الرئيس بمبادرة الاتحاد، أو بجزء منها على الأقل، وهو ما يستبعده حالياً.

والسيناريو الثاني: يتمثل في التباعد والحفاظ على المسافات، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. أمّا السيناريو الثالث والأخير، فهو سيناريو المواجهة المباشرة في الشارع؛ ممّا قد يؤدي إلى اشتعال الوضع، والصدام المباشر، الذي لن يخدم صورة السلطة خارجياً، في ظل وضع اقتصادي بحاجة للدعم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية