المفكر طارق حمو لـ "حفريات": تحالف الإخوان واليسار الأوروبي يعيق اندماج المسلمين

المفكر طارق حمو لـ "حفريات": تحالف الإخوان واليسار الأوروبي يعيق اندماج المسلمين

المفكر طارق حمو لـ "حفريات": تحالف الإخوان واليسار الأوروبي يعيق اندماج المسلمين


28/04/2024

أجرى الحوار: حامد فتحي

تثير العلاقة التي تجمع بين جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية التي تدور في فلكها في أوروبا من جانب، وأحزاب اليسار ومنظمات حقوق الإنسان والنشطاء بشكل عام من جانب آخر، تثير تساؤلات حول الأسباب التي تجمع بين فريقين؛ كلّ فريق منهما عدوّ في منطلقاته الفكرية للفريق الآخر.

 

وتُعتبر جماعة الإخوان حركة رجعية من منظور الأدبيات اليسارية، كما أنّها حركة تتبنّى نهج الاقتصاد الحر وفق التوجه النيوليبرالي، وبشكل عام هي حركة تناقض أدبيات اليسار ومبادئ حقوق الإنسان.

لكن على ما يبدو تقف أهداف سياسية وراء التقارب بين الفريقين، فضلاً عن خواء اليسار في الغرب ومعظم دول العالم، وتحوله إلى حركات ترفع قضايا ثقافية أشبه ما تكون بتضليل للشعوب عن مطالبها الحقيقية.

ولمزيد من التوضيح حول هذه العلاقة التخادمية بين الإخوان واليسار في الغرب، وواقع جماعة الإخوان المسلمين في العالم ودولنا العربية، حاورت (حفريات) الدكتور طارق حمو، الباحث في (المركز الكردي للدراسات) والمحاضر في قسم العلوم السياسية بالأكاديمية العربية في الدنمارك.

الحوار:

  • بعد مرور نحو (13) عاماً على أحداث الربيع العربي التي شهدت صعوداً كبيراً للإسلام السياسي ثم الإطاحة به في معظم البلدان أو انزلاقه إلى مربع الفوضى، هل تغير الموقف العام الشعبي في البلاد العربية تجاه الإسلام السياسي كبديل للسلطة في العالم العربي؟

 

ـ لا شك أنّ بريق الإسلام السياسي خفت بشكل واضح، ولم تعد الجماهير العربية متحمّسة للشعارات التي دأب الإسلاميون على طرحها، وعلى رأسها شعار "الإسلام هو الحل". وليس دقيقاً القول إنّ الجماهير العربية هي التي جاءت بحركات الإسلام السياسي للحكم بعد أحداث ما يُسمّى بـ "الربيع العربي"، فهذا كلام فيه تعميم كبير يحتاج إلى شرح دقيق لتفاصيل كل حالة عربية، ولقراءة المشهد في زمانه ومكانه، للتعرف على أسباب وصول الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية إلى الحكم. 

ويكفي معرفة أنّ الإسلاميين في كل من مصر وتونس لم يتمكنوا من إدارة الدولة إلا لفترة قصيرة. فقد فشلوا في قيادة الدولة وإدارة المشهد، ولم يحققوا التنمية والرخاء ولا العدالة الاجتماعية، بل ساهموا في تفاقم المشاكل، ولم يمتلكوا لا الفكرة ولا البرنامج الجيد للتطوير، ولا الخبرة والدّراية الكافية في إدارة المؤسسات ورسم مشاريع التطوير والإنماء.

لذلك تسببوا بخلق مشاكل وأزمات، فانفضّ عنهم جزء كبير من الكتلة التي صدرتهم ومنحتهم فرصة للإدارة والحكم، ولم يبقَ حولهم سوى الأعضاء والأنصار، وهو ما سهّل عملية لفظ الجماهير لهم. 

أمّا في بقية الحالات، فقد تحوّل الإسلاميون إلى العنف وحمل السلاح في كل من ليبيا وسوريا واليمن والسودان، وانخرطوا في الحرب الأهلية، وقبلوا الدعم والمساعدة من دول إقليمية، استغلت انهيار الدولة المركزيّة، وانتشار الميليشيات، فتحولوا إلى أدوات في صراع أبعد ما يكون عن مصالح الشعوب التي خرجت للمطالبة بالحرية والعدالة ودولة القانون. 

 

  • خلال الأعوام الأخيرة تحدثت جماعة الإخوان المسلمين المصرية ممثلة في جبهة لندن عن إجراء مراجعات، وقدّم تيار الشباب (التغيير) داخلها ما وصفه بالمراجعات، كما أعلن صلاح عبد الحق القائم بأعمال المرشد عن إجراء مراجعة شاملة سيعرضون نتائجها خلال عام، فهل تعتقد أنّ الجماعة قادرة أو يمكن أن تقدّم مراجعات جادة تمسّ إيديولوجيتها؟

 

ـ تجارب جماعة الإخوان المسلمين المصرية السابقة في المراجعات وتعهداتها بالكفّ عن التدخل في الشأن السياسي، والبقاء في حيّز الدعوة والعمل الخيري، لم تكن مشجعة ولا صادقة. 

من يتابع تاريخ صراع الجماعة مع السلطة في مصر منذ تأسيسها عام 1928 في العهد الملكي إلى حين تسلمها السلطة عام 2012، سيكتشف إصرار الجماعة على الاستحواذ على السلطة، واستخدامها كل الأساليب لتحقيق هذا الهدف، ومنها العنف والاغتيالات السياسية. فالمراجعات كانت تأتي عادة بعد كل فشل تتعرض له خطة ما من خطط الإخوان في السيطرة والاستحواذ على الحكم والدولة. 

حدثت المراجعات بعد تأسيس "النظام الخاص" واغتيال القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي في العهد الملكي، وبعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954، والتورط في تأسيس ودعم "تنظيم 66" بقيادة سيد قطب، وبعد حادثة اغتيال الرئيس السادات التي وقعت بوحي من قادة ومنظّري الإخوان. 

كما حدثت بعد الكشف عن "خطة التمكين" في منزل القيادي خيرت الشاطر عام 1992، والخطة كانت عبارة عن برنامج وضعته الجماعة للتغلغل في المؤسسات، ومن ثم تتويج كل ذلك بالسيطرة الكاملة على مصر. 

والمحاولة الحالية في القيام بـ "مراجعات شاملة" من قبل "جبهة لندن" لا تشذ عن سياق المحاولات السابقة، ويجب قراءتها في ضوء الظروف الحالية، من حيث إنّ الجماعة مشتتة وضعيفة وقياداتها وكوادرها في السجون ويخضعون للمحاكمات.

كما أنّ حظرها في مصر قد شلّ قدراتها على العمل السياسي والاجتماعي، وبات جيل شاب في الظهور لا يعرف من الجماعة غير تاريخها الدموي واللجوء إلى العنف والدسائس، وتجربتها الفاشلة في حكم مصر لمدة عام. 

ولا شك أنّ المراجعات لن تكون في الأسس والدعائم التي قامت عليها الجماعة، ولن تنتقد وتتبرأ من تراث الجماعة وشخصياتها الكبيرة، فهي لن تحدث قطيعة مع حسن البنا وسيد قطب وزينب الغزالي وخيرت الشاطر، ولن تتبرأ من "الحاكمية" و"الجاهلية" و"صناعة الموت" و"أستاذية العالم".

بل ستقدم عرضاً جديداً للسلطة، يقوم على عودة الجماعة إلى العمل السياسي والاجتماعي، مقابل تعهدها بالابتعاد عن السياسة، بمعنى منحها الساحة والفرصة للتمدد والتمكين مجدداً. 

من المهم أن تمنح الدولة فرصة للأفراد الذين يقومون بمراجعة صادقة على ضوء تجربتهم ضمن الجماعة، يتبرؤون فيها من فكر الجماعة واتصالاتها المشبوهة وعملها ضد الدولة المصرية، مع إبقاء الموقف الرافض لمنح الجماعة فرصة جديدة و"الصك المفتوح" للعودة كتنظيم وفكر.   

 

  • بعد العام 2013 في مصر، وما حدث في تونس 2021 من إطاحة شعبية دعمتها المؤسسة العسكرية في الأولى وقرارات الرئيس في الثانية، هل زاد نشاط الإخوان المسلمين في أوروبا نتيجة هجرات العديد من القيادات والأعضاء فراراً من الملاحقات في بلدانهم؟

 

ـ جماعة الإخوان المسلمين موجودة منذ عشرات الأعوام في القارة الأوروبية، ولديها مراكزها الدينية وتشرف على أعداد كبيرة من المساجد والمؤسسات التعليمية والتربوية والاقتصادية. ومن مميزات الجماعة العمل تحت عناوين عديدة، تخفي من خلالها هويتها وأهدافها، واعتمادها على الكوادر الشابة المولودة في المجتمعات الغربية والتي تفهم عقلية هذه المجتمعات وتتقن لغاتها. 

كذلك تعمد الجماعة إلى الاستفادة من مساحة الحرية ورغبة أحزاب معينة كالخضر والاشتراكيين واليسار بالدفاع عن الأقليات والحريات الدينية، في تقديم نفسها كممثلة عن المسلمين بغية نيل الدعم المادي والمعنوي في قضايا الاندماج. 

وهناك عشرات الدراسات الرصينة التي كتبها باحثون غربيون حول مديات تغلغل جماعة الإخوان المسلمين بين صفوف الجاليات المسلمة، وكيفية إشرافها على عدد كبير من الجمعيات والمساجد والمراكز والمؤسسات، فضلاَ عن النشاط الاقتصادي الكبير وجمع التبرعات. 

وتحاول السلطات في كل دولة رصد جماعة الإخوان ومعرفة طرقها في العمل ومدى تأثيرها على الجاليات المسلمة وبشكل خاص الشباب. 

وهناك توجه في العديد من الدول الأوروبية مثل النمسا وفرنسا، ومؤخراً بريطانيا، بالتضييق على مؤسسات الإخوان، وإصدار قوانين جديدة تمنع عمل هذه المؤسسات وتحول دون تدخل الإخوان في شؤون المواطنين من أصل مسلم، عبر تجريم خطاب الكراهية والعنصرية ودعوات تفكيك الدولة الوطنية والنظام لصالح إيديولوجية الإخوان المسلمين القائمة على الشريعة والخلافة ونبذ الآخر ووصفه بالكفر. 

وكانت بريطانيا قد وضعت مؤخراً جماعة الإخوان المسلمين على رأس قائمة التطرف وفق المقاييس الرسمية الجديدة. 

ومن المؤكد أنّ هجرة كوادر وقيادات الإخوان إلى أوروبا، عقب فشل تجربة الإسلام السياسي في دول "الربيع العربي"، قد زادت من زخم وحضور الإخوان ضمن الجاليات المسلمة، وهو ما تنبهت له الأجهزة المختصة بمراقبة التطرف الإسلامي. 

وكانت مصادر إعلامية ألمانية قد نقلت عن "دائرة حماية الدستور"، وهي الاستخبارات الداخلية الألمانية، تزايد مظاهر التطرف والانزواء ورفض الآخر بين المسلمين في المدن الألمانية الكبيرة (خاصة ولاية شمال الراين)، مقتبسة جملة على لسان موظف في "دائرة حماية الدستور" بأنّ  "الإخوان المسلمين باتوا أخطر على ألمانيا من داعش والقاعدة". 

 

  • في ظل التحولات المتعددة في المنطقة العربية والعالم، وانشغال الغرب بقضايا مثل الحرب في أوكرانيا وزيادة التنافس مع الصين وزيادة حدة الصراعات الداخلية في الولايات المتحدة، هل تراجعت أهمية جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في المنطقة العربية لدى الغرب؟

 

ـ أراد الغرب في بداية "الربيع العربي" أن يساعد جماعات الإسلام السياسي على تولي السلطة، بوصفها "مرنة" وحضورها هو مطلب جماهيري، بعد أعوام طويلة من الإقصاء على أيدي الأنظمة الشمولية. 

ومن يتابع التصريحات الغربية في بدايات الاحتجاجات والتحولات في العالم العربي، يعي مدى دعم ومساندة الغرب لحركات الإسلام السياسي، ورغبته في توليها السلطة. 

وقد حدثت زيارات واتصالات بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية ومسؤولين في حكومات الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى مؤثرة، لاقت فيها الجماعة تفهماً واضحاً لموقفها، وقُدّمت لها رعاية خاصة، ساهمت في تصلب موقفها إزاء القوى السياسية وتمسكها بالانفراد بالسلطة وبإدارة الدولة ورفض المطالب الشعبية المعارضة لها. 

وبعد إطاحة الجيش المصري بحكم الإخوان في مصر في 2013، إثر مخاوف حقيقية من الانزلاق لحرب أهلية، وعزل الرئيس التونسي لحكومة حركة النهضة وحلّ البرلمان عام 2021، فقد الإسلام السياسي بريقه، وتراجع الرهان الغربي على حراك إسلامي "معتدل" قادر على قيادة الدول العربية.

وذلك على غرار ما كان يُعتقد أنّه سيكون على غرار تجربة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا، قبل أن يتحول هو الآخر إلى حزب سلطوي يتحكم به فرد، ويصبح عاملاً لعدم الاستقرار في المنطقة من خلال دعمه للجماعات المسلحة وللإسلاميين والتدخل عبرهم في الشؤون الداخلية للبلاد العربية التي شهدت اضطرابات وحروباً أهلية. 

ومع تراجع الحزب الحاكم في تركيا مؤخراً وخسارته الانتخابات المحلية، بدأت آخر قلاع الإسلام السياسي تهتز وتتهاوى، وساهمت الحرب الروسية في أوكرانيا، وتقدم قوى اليمين في الغرب، وتداعيات الحرب في غزة، وتصاعد حركة الهجرة من البلدان الإسلامية إلى أوروبا، وزيادة تطرف المسلمين ورفضهم الاندماج، في ترتيب الأولويات لدى الغرب وخاصة الدول الأوروبية. 

 

  • كيف تقيّم تأثير وجود الإسلام السياسي في أوروبا على التعايش والاندماج بين المسلمين والمجتمعات الأوروبية؟

 

ـ يشكّل الإسلام السياسي وحركاته وجماعاته ومنظماته العقبة الكبرى الرئيسية أمام اندماج المسلمين في أوروبا. 

ويساعد الإسلام السياسي في ذلك قوى سياسية يسارية واشتراكية وحماة البيئة في أحزاب الخضر إضافة إلى الناشطين في مؤسسات الاندماج وجمعيات المجتمع المدني، فضلاً عن تشكيلة واسعة من الصحفيين والأكاديميين والإعلاميين. 

هذه القوى ترى في المسلمين "بروليتاريا" جديدة يجب أن تدافع عنها، وترى فيهم أقلية تحتاج إلى الحماية والرعاية، وتظن أنّها كأقلية، كلما تمسكت بتقاليدها وخصوصياتها الدينية، وتشددت فيها، فهي تحقق ذاتها وتتفادى الصهر والذوبان في مجتمع الأغلبية. 

وهذه القوى ترى في منظمات ومؤسسات الإسلام السياسي المنظم بشكل جيد شريكاً في "الدفاع عن خصوصية المسلمين"، وترعاها وتدافع عنها من على كل المنابر من هذا المنطلق. ويتوطد هذا التعاون من خلال محاولة هذه القوى الحصول على أصوات المسلمين في الانتخابات. 

وهذا "التخادم" بين الجانبين يؤثر سلباً على المسلمين وعلى عملية اندماجهم في المجتمعات الأوروبية، ويبقيهم في أيدي منظمات الإسلام السياسي التي تمتلك قنوات اتصال رسمية مع مؤسسات الدولة وأحزابها، وتتحدث باسم المسلمين وتستفيد من الأموال والمشاريع المخصصة للاندماج. 

ومؤخراً بدأت أصوات ليبرالية تظهر من بين الجاليات المسلمة تطالب بفك الارتباط بين هذه القوى والإسلام السياسي، ومنح المسلمين فرصة للاندماج والتنوير والتخلص من تدخلات وتأثير الإسلام السياسي وأجندته الخطيرة. 

كما بدأت الحكومات الغربية، من خلال دراسات مستقلة، تعي مخاطر ودور الإسلام السياسي، ومن خلال قيامها بجردة حساب لما حققتها سياسة منح الحرية للإسلام السياسي، فإنّ النتيجة ظهرت بخلق المزيد من التطرف والانزواء ضمن الجاليات المسلمة، ونشر مظاهر الإسلام السياسي من حجاب ونقاب وزي وتعليم إسلامي في المناطق والأحياء ذات الأغلبية المسلمة. 

 

  • انتقالاً إلى المجتمعات الكردية في البلاد العربية، لماذا تنشط جماعة الإخوان المسلمين بقوة في مجتمع كردستان العراق؟

 

ـ يتشكل المشهد السياسي الإسلامي في إقليم كردستان العراق من الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وهو الفرع الكردي للإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية الكردستانية، التي يتزعمها علي بابير. 

وينشط اتحاد علماء المسلمين، بقيادة علي القره داغي الكردي، في الإقليم بالتعاون مع الاتحاد الإسلامي الكردستاني، ويعمل على نشر مظاهر التدين والإسلام الحركي بين الكرد السنّة. 

ثمة عمل محموم لتوطيد مظاهر الإسلام السياسي من حجاب ولحية في كردستان، وهناك تدخل في مناهج التعليم والتربية، ومراقبة الصحافة والمواقع الإلكترونية، مع إطلاق تصريحات متشددة من المنابر التي يسيطر عليها الأئمة الموالون للإخوان المسلمين. 

ويحاول اتحاد علماء المسلمين والاتحاد الإسلامي الكردستاني استغلال الحرية النسبية في الإقليم في ممارسة العمل العلني في التجنيد والتغلغل داخل الشرائح الكردية السنيّة، بالإضافة إلى الاستفادة من حالة الفساد وسوء توزيع الثروة واحتكار السلطة من قبل عائلات، في نقد الخطاب القومي وتحميله المسؤولية عن الواقع المعيشي وانتشار مظاهر الثراء الفاحش، مقابل وجود واقع الفقر المدقع. 

ويعمل الإسلاميون على تقديم أنفسهم كبديل، مستغلين حالة التدين الطبيعي التقليدي لدى الكرد، ومن هنا ينشرون الأفكار الحركية ومبادئ الإخوان وأدبياتهم بأساليب بسيطة قريبة من فكر وحياة الناس. 

 

  • لماذا يركز الإسلام السياسي في كردستان العراق على تحجيب الفتيات، حيث نشاهد تخريج دفعات سنوية لآلاف الفتيات ممّن يرتدين الحجاب؟

ـ كما أشرنا سابقاً، فإنّ جماعات الإسلام السياسي تستفيد من انتشار الفساد والرشاوى وحالة الاستياء الشعبي إزاء الأحزاب والعائلات الحاكمة في كردستان، في التمدد وتقديم نفسها كبديل تستند إلى تعاليم الدين والشريعة لنشر المظاهر الدينية في كل مكان. 

ويمارس فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نشاطاً محموماً لخلق حواضن وتوطيد "نظام الأسر" على غرار تجربة الإخوان المسلمين في مصر، بغية خلق شريحة موالية للإخوان المسلمين قد تتحول إلى رقم قوي في الحسابات السياسية في المستقبل، تجعل من الإسلاميين لاعبين أقوياء في المشهد السياسي الكردي. 

وهناك ما يُسمّى بمهرجان "التاج الذهبي" الذي ينظمه فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع الاتحاد الإسلامي الكردستاني كل عام، والذي يحتفل بتحجيب آلاف الفتيات الكرديات الصغيرات كل عام، وخاصة في محافظتي دهوك وأربيل، حيث سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتمتع بعلاقات قوية بالحزب الحاكم في تركيا.  

 

  • في ظل الحرب في غزة، هل نجحت الجماعة في إحياء جزء من شعبيتها بالاستناد على سردية المقاومة؟

 

ـ سارعت جماعة الإخوان المسلمين في تسجيل ما فعلته حركة حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من هجوم طال مدنيين إٍسرائيليين، على حسابها وحساب الإسلاميين، وعدّته انتصاراً، رغم أنّه استهدف مدنيين، وكان السبب في الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة، والذي ما يزال مستمراً حتى الآن. 

وهذا الاحتفاء الإخواني بهجوم حماس وسياستها، يوضح مدى تمسك الجماعة بخطابها القديم في العنف والانتقام وتبرير استهداف المدنيين. 

كما يبين التفسير العاطفي الماورائي لمجريات السياسة، وتناسي وإهمال توازنات القوة، وعواقب المنازلة غير المتكافئة على المدنيين الأبرياء. 

ومن يتابع خطاب الإخوان المسلمين، وكل الأحزاب الإسلامية، سيلاحظ حالة الاحتفاء والتمجيد بحماس، وتبرئتها من كل خطأ، والمراهنة على حدوث معجزة تنقذها وتنقذ قطاع غزة من التدمير على يد الآلة الإسرائيلية المتفوقة. 

وما يهم الإخوان والإسلاميين عموماً هو استغلال الحالة العاطفية لاستحصال الدعم الشعبي وتسجيل موقف دعائي، دون مراعاة لحسابات الربح والخسارة، وهي هنا حسابات تعني حياة ومستقبل ملايين المدنيين الأبرياء.  

  • في ظل ما يشهده القطاع من تدمير كبير، هل تلاحظون تشكيكاً في مشروع نموذج الإسلام السياسي الممثل في حماس كحركة مقاومة، خاصة في ظل الموقف الإيراني الذي يصرح بتوظيف غزة في صراعه مع إسرائيل؟

 

ـ للأسف حماس ما زالت تحكم قطاع غزة بالحديد والنار، وتمارس إرهاباً واضحاً على كل صوت ناقد لها ولما فعلته من هجوم طال مدنيين إسرائيليين، وكان السبب في ردة الفعل العسكرية الإسرائيلية العنيفة. 

حركة حماس تكمم الأفواه، وتهدد كل من ينتقدها ويظهر على الإعلام ويتقوّل عليها بأشد العقوبات التي قد تصل إلى الموت.

والحال أنّ أهالي غزة يعلمون مدى ارتباطات حماس الإقليمية، ومدى علاقاتها مع النظام الإيراني، والتي جعلت من الحركة عبارة عن "جماعة وظيفية" تستخدمها ضمن استراتيجيتها في السيطرة على المنطقة وتثبيت نفسها كقوة إقليمية معترف بها وبقوتها ونفوذها. 

وكان مسؤولون إيرانيون سبق أن أشاروا إلى أنّ عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) كانت رداً على مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، بمعنى أنّ كل ما حدث لم يكن ضمن الحسابات الفلسطينية الوطنية، ولم يراعِ مصلحة الفلسطينيين وعواقب الهجوم الموسع على المدنيين الإسرائيليين، بل كانت ضربة انتقامية إيرانية، استخدمت فيها طهران سلاحاً كان هنا حركة حماس الفلسطينية.   

 

  • كانت هناك أسباب دولية وإقليمية وراء صعود الإسلام السياسي أو ترويجه كنموذج بديل لدولة ما بعد الاستقلال في البلاد العربية، واليوم في ظل الصعوبات والتحديات التي تواجه تجربة حزب العدالة والتنمية الاقتصادية في تركيا وانشغال الغرب وصعود قادة جدد برؤى مختلفة في المنطقة، كيف ينعكس ذلك على فكرة الإسلام السياسي التي لازمت البلاد العربية منذ مرحلة التحرر من الاستعمار؟

 

ـ نموذج الإسلام السياسي فشل في الإدارة من خلال مشاركة أحزاب إسلامية في مصر وتونس والمغرب في الحكم. 

كما انخرطت الحركات والجماعات الإسلامية في الحرب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن والسودان، وتعاونت مع دول ومحاور إقليمية معادية للدولة الوطنية وطامعة في ثرواتها. 

وحتى في الحالة التركية، فشل نموذج الإسلام السياسي "المرن" الذي راهن عليه الغرب، عندما عجز حزب العدالة والتنمية عن تحقيق الازدهار الاقتصادي وحل المشاكل العالقة، وتأمين مستقبل الشباب وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية. 

ومؤخراً حصل هذا الحزب على 35% من أصوات المواطنين في تركيا، بعد أن كان يحقق نسباً تتراوح بين 42% و50%، وهذه بداية الانحدار بعد التململ الشعبي من سياسات الحزب الإسلامي، وفشله في الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وإبقائه القضية الكردية دون حل، وتورطه في الحروب الأهلية والصراعات في المنطقة، ودعمه للمجموعات المسلحة والجهاديين. 

أمّا في منطقة الخليج العربي، فالتوجه الرسمي بات واضحاً في رفض الإسلام السياسي ويضيّق على كل تمظهراته، وهناك رفض شعبي لأفكار ومخططات الإخوان في التدخل في الشؤون الداخلية في تلك البلدان. 

وتلاشى بريق الإسلام السياسي مع الفشل الواضح في الحكم، ومع التورط الحاصل في الحروب الأهلية، والمحاولات السافرة في ضرب الاستقرار في العديد من الدول العربية، لصالح شعارات عاطفية غير قابلة للتحقيق. 

ناهيك عن ارتباطات الجماعة مع كل من إيران وتركيا، وهما دولتان إقليميتان لهما تمدد في العديد من الدول العربية وحضور في الصراعات الأهلية هناك، وتتحكمان في ميليشيات مسلحة، وتحتلان أجزاء كبيرة من دول عربية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية