زيارة بايدن للسعودية بين بوصلة العلاقات وبورصة المصالح

زيارة بايدن للسعودية بين بوصلة العلاقات وبورصة المصالح


13/07/2022

في خضم حرب عقوبات ضروس على روسيا، الخصم التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية، لم يخف الرئيس الأمريكي جو بايدن حاجته إلى المملكة العربية السعودية، ذات الثقل الإقليمي الأكبر، لامتصاص الموجات التضخمية الهائلة الناجمة عن (6) حزم عقوبات غربية وأمريكية استهدفت الاقتصاد الروسي على وجه التحديد، في إعادة على ما يبدو لتوجيه بوصلة العلاقات نحو دفء ما قبل عهد بايدن.

وقبل أيام معدودة من جولته في الشرق الأوسط، وصف بايدن، في مقال رأي لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، زيارته للمملكة العربية السعودية بالـ"مهمة" لـ"أمن الولايات المتحدة الأمريكية"، التي تواجه ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات التضخم وتباطؤ نمو الناتج المحلي بسبب العقوبات على روسيا.

محبة مفاجئة بعد عداوة

محبة بايدن المفاجئة تأتي في الوقت الذي يواجه فيه ضغوطاً اقتصادية جمة في الداخل الأمريكي قبل أشهر معدودة من انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فقد دافع الرئيس الأمريكي عن زيارته للمملكة العربية السعودية، بعد توترٍ دام لأكثر من عام على خلفية تصريحاته العدائية تجاه السعودية وقيادتها.

ونقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن بايدن قوله: "كرئيس، وظيفتي هي الحفاظ على بلدنا وًآمناً. وعلينا مواجهة العدوان الروسي، ووضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتغلب على الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة مهمة من العالم".

وصف بايدن، زيارته للمملكة العربية السعودية بالـ"مهمة" لـ"أمن الولايات المتحدة الأمريكية"

وحفاظاً على "الصفحة الجديدة" التي يعتزم بايدن فتحها مع السعودية منتصف الشهر الجاري، أمسك الرئيس الأمريكي العصا من المنتصف، ففي حين أكد "عندما أقابل القادة السعوديين يوم الجمعة، سيكون هدفي هو تعزيز شراكة إستراتيجية"، قال إنّ تلك الشراكة الإستراتيجية "تستند إلى المصالح والمسؤوليات المتبادلة، مع التمسك أيضاً بالقيم الأمريكية الأساسية"، في إشارة إلى الملف الحقوقي الذي لطالما استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية كذريعة للتدخل في شؤون الدول.

"شرق أوسط أكثر أمناً"

مقال الرئيس الأمريكي حمل العديد من النقاط التي لا يمكن اختزالها في المعنى الحرفي للكلمات، غير أنّ اللافت أنّ بايدن، المعروف بدعمه للإخوان المسلمين، إحدى أدوات نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بدا أكثر حرصاً، وفقاً للمقال، على استقرار المنطقة، فقد قال إنّه "يسعى إلى شرق أوسط أكثر أمناً وتكاملاً وإنّ تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة يأتي بفوائد للأمريكيين"، دون الخوض في مزيد من التفاصيل حول تلك الفوائد.

في خضم حرب عقوبات ضروس على روسيا، الخصم التاريخي للولايات المتحدة، لم يخف الرئيس الأمريكي حاجته إلى السعودية

بيد أنّ حديثه عن الممرات المائية في الشرق الأوسط وأهميتها يطرح العديد من علامات الاستفهام، ولا سيما في ضوء محاولات أطراف إقليمية ودولية السيطرة على البحر الأحمر. كما يثير العديد من التكهنات بأنّ إدارة بايدن، الذي يشارف على الثمانين من عمره، قد تتخذ إجراءً ما ضد جماعة الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، والتي هددت الملاحة في البحر الأحمر وإمدادات الطاقة العالمية في نهاية شهر آذار (مارس) الماضي بعد اعتدائها على ناقلات النفط السعودية.

وقال بايدن نصاً "الممرات المائية في الشرق الأوسط مهمة للتجارة العالمية وسلاسل التوريد تعتمد عليها، موارد المنطقة من الطاقة حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية للحرب الروسية في أوكرانيا"، التصريح الذي قد يُفسر كذلك في ضوء مساعي روسيا إلى إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، الذي يمثل كذلك جزءاً لا غنى عنه من أكبر وأهم ممر مائي عالمي وهو قناة السويس الذي أدى إغلاقها، نهاية آذار (مارس) 2021، بسبب جنوح السفينة العملاقة "إيفرجيفين" إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 4 في المائة.

تعليق سعودي

تعليقاً على مقال الرئيس الأمريكي، غرّد الأمير السعودي عبدالرحمن بن مساعد بن عبد العزيز، على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلاً: "لم يراودني شك للحظة أن ما سينتهي إليه موقف الإدارة الأمريكية تجاه السعودية هو ما تضمنه هذا التصريح وقلت هذا قبل عام مع الإعلامي طارق الحميد في برنامجه (الموقف) فأمريكا بلد عظيم ودولة مؤسسات يديرها غالباً عقلاء ولا يحكمه قصيرو نظر وإن قصر نظرهم لفترة وأخطأوا في حساباتهم يعيدون النظر فيها بما يحقق مصالح أمريكا في النهاية بعيداً عن شعارات ووعود تم التنصل منها لعدم واقعيتها وإعادة النظر فيها تمت بالتدريج وهذا ممكن تفهمه فتحول موقف معلن وحاد تجاه السعودية -حُسب بشكل خاطئ وكارثي ويضر بمصالح أمريكا- تحول هذا الموقف إلى موقف معاكس تماماً طبيعي أن يصاحبه الارتباك والضبابية والحرج الشديد المفهوم لحفظ ماء وجه رئيس دولة هي الأقوى في العالم وأنّ يكون هذا بالتدريج إلى أنّ يظهر بهذا الوضوح الوارد في التصريح الملغي لكل ما قيل سابقاً بهذا الصدد ويعاكسه تماماً".

وتابع "السعودية بلد كبير وعظيم بموقعه ومكانته الإسلامية والعربية وباقتصاد قوي يؤثر في العالم وهذا أمر لا ينكره إلا أحمق والأهم أنّ الشعب متناغم ومتلاحم مع قادته ويدعمها في كل الأوقات في يسر وشدة وأثبتت الأحداث بفضل الله أنّ هذه العلاقة لا يمكن اللعب بها أو التأثير عليها رغم المحاولات التي لم تكل ولا تمل لعقود لإفساد هذه اللحمة الحقيقية، وأمريكا بلد عظيم وكبير وعلاقته بالسعودية تاريخية تعود على ثمانية عقود منذ لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس روزفلت ومن يومها إلى الآن مرت العلاقات بصعود وهبوط ولكن الثابت فيها أن العلاقة بينهما استراتيجية ومفيدة لمصالح كليهما ولا غنى عنها للبلدين والحقيقة أنّ البلدين يحتاجان بعضهما البعض ولكن حاجة أمريكا (حالياً) للسعودية أكبر بكثير من حاجة السعودية لها (حالياً) كمواطن سعودي أرحّب أجمل ترحيب برئيس أمريكا البلد الصديق والشريك التاريخي".

ليست روسيا وحدها على أجندة أهداف زيارة بايدن للمملكة العربية السعودية، فالصين أيضاً ربما تكون ضمن الأهداف

وأضاف: "وأقول للسيد بايدن نرحب بوصولك لنا ووصولك إلى قناعتك الحالية الصحيحة بوجوب تعزيز العلاقات مع السعودية هذه القناعة وإن تأخرت قليلاً لأسباب ذكرتها آنفاً فالمهم أنها أتت ورسخت وكما قيل أن تصل متأخراً أفضل -لمصالحك- من أن لا تأتي أبداً.. وأقول للسيد بايدن وغيره من قادة العالم السعودية بلد كبير يستحيل تجاهله أو نبذه وتكلفة هذا من كل النواحي لا يمكن لأحد تحملها والسعودية تقدر صداقة أمريكا وحجمها وتأثيرها حق التقدير ولا تقبل إلا أن تكون العلاقة بين الأصدقاء ندية وقد جرب آخرون أن لا يتعاملوا كذلك وكانت النتيجة ليست في صالح بلادهم أبداً والأمثلة موجودة ولا تحتاج لسرد.. إن أتى بايدن للسعودية سيجتمع مع ملكنا وسيجتمع مع ولي العهد حفظهما الله وآمل أن ينتج عن هذا ما صرح به بايدن وهو تعزيز الشراكة الأمريكية السعودية".

مآرب أخرى

في حين لم يخف بايدن لجوءه إلى السعودية لـ"مواجهة العدوان الروسي"، الذي يدور في بقعة جغرافية بعيدة كل البعد عن الشرق الأوسط، لم يذكر صراحة أي دولة أخرى، غير أنّ مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية دفعت في اتجاه إدراج الصين على أجندة أهداف زيارة بايدن للمملكة العربية السعودية منتصف تموز (يوليو) الجاري، فقد شددت المجلة على ضرورة أنّ يضع الرئيس الأمريكي الصين "في ذهنه" كذلك.

 لم يُخفِ بايدن لجوءه إلى السعودية لـ"مواجهة العدوان الروسي"

وقالت المجلة "يجب على الرئيس (بايدن) أيضاً استخدام هذه الرحلة للقول إنّ العلاقات الأعمق مع الصين ليست في مصلحة المملكة على المدى الطويل، ولإظهار أنّ الولايات المتحدة تريد العودة إلى وضعها التقليدي كشريك مفضل للمملكة العربية السعودية"، مشددة على ضرورة أنّ "يكون هدف بايدن هو السعي لقلب العلاقة الإستراتيجية الناشئة" بين السعودية والصين.

والصين هي أهم عميل للنفط الخام السعودي، حيث تشتري نحو ربع صادرات النفط السعودية؛ أي أكثر من ثلاثة أضعاف حصة الولايات المتحدة. كانت المملكة أكبر مصدر لواردات الصين من النفط في عام 2021، على الرغم من أنّ مصدري النفط الروس حلوا محلها هذا العام بحثاً عن أسواق لم تتأثر بالعقوبات التي فرضها الغرب بسبب حرب روسيا في أوكرانيا، على حد قول "فورين بوليسي"، التي رأت أنّ الولايات المتحدة "مع ذلك، يمكنها أنّ تسعى لوقف ازدهار شراكة إستراتيجية صينية سعودية أوسع".

مواضيع ذات صلة:

"الأمير المجدد"... وثائقي يبرز دور محمد بن سلمان في تطوير السعودية

بأي معنى نقرأ المحادثات الجديدة بين السعودية وإيران؟

إرهاب الحوثي ضد منشآت نفط السعودية.. رسائل إيرانية للغرب



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية