قيادات النهضة متورطة حتماً في اغتيال البراهمي وبلعيد... ما القصة؟

قيادات النهضة متورطة حتماً في اغتيال البراهمي وبلعيد... ما القصة؟

قيادات النهضة متورطة حتماً في اغتيال البراهمي وبلعيد... ما القصة؟


26/03/2024

مع بدء الجلسات القضائية الأولى للترافع بقضية اغتيال القيادي اليساري التونسي  شكري بلعيد نهاية الأسبوع الماضي، عاد الملف من جديد إلى قلب الأحداث بتونس، وقد كان إنذاراً خطيراً مع منحنى الاغتيالات السياسية في ظل الاستقطاب المجتمعي والسياسي بين الإسلام السياسي والقوى المعارضة لها. وكان تورط حركة (النهضة) وشبهات ضلوعها في الحادث مسألة تبعث بتعقيدات كثيرة، لا سيّما مع الإشارة إلى وجود جهاز سري عبارة عن ذراع أمنية لها لتنفيذ مثل تلك الحوادث وإرهاب خصومها. 

مناورات الإخوان في تونس

كما أنّ مسار القضية شهد محطات عديدة، أو بالأحرى وقع أمام معضلات متباينة، أهمها تسييس القضاء وإتلاف أدلة عديدة تخص القضية في فترة حكم (النهضة) التي عرفت بـ "العشرية السوداء". وسبق للقاضية التونسية ورئيسة جمعية القضاة التونسيين السابقة كلثوم كنو أن اتهمت نور الدين البحيري الذي تولى وزارة العدل في حكومة الترويكا بأنّه "أجرى حركة قضائية بمفرده وعلى مقاسه تحت مسمّى المجلس الأعلى للقضاء، واعتمدت حركة (النهضة) سياسة المماطلة حتى لا نؤسس هيئة وقتية للقضاء العدلي". وقالت: إنّ "البحيري وضع أشخاصاً موالين له ولحركة (النهضة) في مواقع سياسية، وآخرين تتعلق بهم شبهات وملفات فساد في مواقع القرار، وأهمها محاكم العاصمة تونس التي تنظر في قضايا البعد السياسي والحقوقي".

بدأت الجلسات القضائية الأولى للترافع بقضية اغتيال القيادي اليساري التونسي  شكري بلعيد نهاية الأسبوع الماضي

وهناك اتهامات عديدة لـ (النهضة) بشأن التستر على ملف الجهاز السرّي لها، والذي على الأرجح يدير ميليشيا تعمل لحساب الحركة الإسلامية، وتنفذ جرائم التصفية بحق المعارضين والخصوم السياسيين، كما جرى مع البراهمي وبلعيد، بحسب إيمان قزارة عضو هيئة الدفاع.

والاتهام ذاته كرره الرئيس التونسي قيس سعيد حينما ألمح إلى وجود أيادٍ خفية تعمل لتعطيل مسار القضاء، مؤكداً "أنّه لن يتدخل في القضاء، لكنّه سيعمل على تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء حتى لا تتسلل السياسة إلى أرائك القضاة".

مسار القضية شهد محطات عديدة، أو بالأحرى وقع أمام معضلات متباينة، أهمها تسييس القضاء وإتلاف أدلة عديدة تخص القضية في فترة حكم (النهضة) التي عرفت بـ "العشرية السوداء"

وقبل أيام، وجّه المحامي محمد جمور، رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، المعروف باسم (الوطد)، اتهامات إلى القيادات السياسية لحركة (النهضة) بعدم القيام بأيّ شيء لمنع حدوث جريمة اغتيال بلعيد في 6 شباط (فبراير) 2013، وفق صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية. وقال أمام هيئة المحكمة: إنّ بلعيد تلقى تهديدات بالتصفية الجسدية بعد أن اتهمته تنظيمات متطرفة بالكفر، ونشرت حوله مجموعة من الإشاعات عندما كان علي العريض، القيادي في حركة (النهضة)، وزيراً للداخلية آنذاك.

عشرية النهضة السوداء وتسييس القضاء

وبحسب الصحيفة، فقد كشف جمور أمام هيئة المحكمة نقاطاً غير معروفة في حياة بلعيد، تفند بعض الشائعات التي طالته، من بينها أنّه كان مدافعاً بقوة عن استقلالية القضاء والمحاماة، وأنّه تطوع للدفاع عن المتهمين في عدة قضايا شائكة، أبرزها انتفاضة الحوض المنجمي التي وقعت عام 2008. كما دافع عن المعتقلين في أحداث سليمان الإرهابية التي وقعت عام 2007، وذلك على الرغم من اختلافه الإيديولوجي العميق مع تلك "الأفكار المتطرفة".

وتابعت: "كما وجهت هيئة الدفاع عن بلعيد التهم مباشرة إلى ممثلي الإسلام السياسي، مرددة ما كان يقوله بلعيد قبل اغتياله بفترة قصيرة، مفاده أنّه "كلما ازدادت عزلة المتطرفين جنحوا للعنف". وقال جمور: إنّ قيادات حركة (النهضة) لم تتدخل لكفّ الاتهامات المباشرة لشكري بلعيد، وأوضح أنّ هذا الأخير تعرض لحملة تكفير في المساجد التونسية في إطار التمهيد لاغتياله، وإيجاد مبررات لذلك لدى التنظيمات المتطرفة، حيث إنّ قيادات (النهضة) كانت على علم بكل التحركات التي حدثت قبل موعد اغتيال بلعيد، وكل التهديدات لم تكن خافية عنها؛ لأنّها كانت تمسك بمقاليد الحكم". 

المحامي محمد جمور، رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، المعروف باسم (الوطد)

وأكد جمور أنّه أخبر علي العريض الذي كان يشغل وقتها حقيبة وزارة الداخلية بكل التهديدات الموجهة لبلعيد، غير أنّ رده كان مفاجئاً: "هل لديك بطاقات هوية من يهدده؟". وأضاف جمور: إنّ تهديدات تلقاها الضحية بلعيد في ولاية (محافظة  الكاف) "شمال غرب" قبل فترة قليلة من اغتياله، لكنّها لم تحظَ بالأهمية الأمنية المطلوبة في مثل هذه الحالات، مثل توفير الحماية الأمنية، وملاحقة الأطراف التي هددته على مرأى ومسمع من جميع الجهات، سواء الرسمية أو الحقوقية.

ولم تقف الاتهامات عند هذا الحد، فقد كشف المحامي جمور أنّ الوزير علي العريض وجّه اتهامات مباشرة إلى بلعيد بالوقوف وراء الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها (ولاية سليانة) "وسط"، فيما يعرف في تونس بـ "أحداث الرش"، بحسب (الشرق الأوسط)، وقد مثل أمام أنظار المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة في جلسة الترافع الأولى (7) متهمين تم جلبهم من السجن، في حين حضر الجلسة بحال سراح (6) متهمين آخرين، وسجلت الجلسة امتناع (5) متهمين عن حضور الجلسة، من بينهم الإرهابي التونسي أحمد المالكي المعروف باسم "الصومالي"؛ إذ قرروا البقاء في غرفة الحجز داخل المحكمة، وحضور جلسات المرافعة التي سيقودها عدد من المحامين، سواء من ينوب عن المتهمين أو عن عائلة بلعيد.

في حديث خاص لـ (حفريات) قال سرحان الناصري، رئيس حزب التحالف من أجل تونس: مرّت على بلادنا أعوام قاسية جداً، انتهكت فيها كرامة التونسي، واستبيحت دماؤه بفعل حركة (النهضة) وأعوانها.

 رئيس حزب التحالف من أجل تونس: سرحان الناصري

وأشار  الناصري في تصريحاته إلى أنّه رافق صعود جماعة الإخوان المسلمين في تونس، وتفشي ظاهرة التكفير وإشاعة العنف بعد "أن أصبحت تونس مزاراً لشيوخ الفتنة مثل العريفي ومحمد حسان وعايض القرني وحسن بن عبد الله القعود وغيرهم. هؤلاء الذين تم استقبالهم بالقاعة الشرفية بمطار تونس قرطاج الدولي وفرش لهم السجاد الأحمر، وجمع لهم شباب تونس ليسمعوا أبجديات التكفير ومسارات العنف والقتل، حتى أمسى ذلك جهاداً في سبيل الله، وأصبح حماة الوطن من أمنيين وعسكريين "طواغيت" يجب ذبحهم والتنكيل بهم".

غرس الكراهية وتوطين الإرهاب

يقول الناصري: مكّنت حركة (النهضة) لهؤلاء الشباب، وقد "غرسوا فيهم العنف والكراهية، كلّ التسهيلات للتدريب على السلاح، وأعدت لهم معسكرات للغرض ذاته، ومكنتهم من المساجد لنشر فكرهم لدى البسطاء الذين كانت تنطلي عليهم حيلة كون الإخوان هم حماة الدين، وانتشرت الخيم الدعوية لهذا الفكر الإجرامي في كل المدن والقرى والأحياء". 

وبدؤوا "مسلسل الدم في تونس" عبر استهداف الأبرياء، ناهيك عن شبكات التسفير إلى مناطق النزاع والتوتر الإقليميين في سوريا وليبيا بالأساس، بعد أن نظموا "مؤتمر أصدقاء سوريا"، سيّئ الذكر، بينما تمّ طرد السفير السوري، وحولوا "تونس الخضراء من بلد التسامح والتآخي العربي والإسلامي إلى منصة متقدمة ينطلق منها العدوان في البؤر الساخنة". وانفردوا بالحكم مع مجموعة صغيرة من "الوصوليين" و"العملاء"، وأشاعوا "أجواء العنف ودعت قياداتهم السياسية علناً إلى سحل المعارضة والتنكيل بها، فقتلوا الشهيد لطفي نقض عام 2012، ضرباً وركلاً بأقدامهم، وانتشرت فيديوهات عملية قتله على مواقع التواصل الاجتماعي. ولكنّ القضاء الذي كان تحت ولايتهم حكم على المتهمين بالبراءة، واعتبر أنّ الشهيد قد قضى بسبب سكتة قلبية".

كذلك الشهيد شكري بلعيد المعارض الشرس لهذا التنظيم الإرهابي، والذي أعلم الأجهزة الأمنية بكونه ملاحقاً ومستهدفاً بالتصفية من هذه الجماعة، لكنّ وزير الداخلية علي العريض في تلك الفترة استهزأ به، ولم يمضِ وقت طويل على ترصده حتى اغتالوه أمام منزله يوم 6 شباط (فبراير) من العام 2013، وفق المصدر ذاته. 

وبعد أقلّ من (6) أشهر تم اغتيال الشهيد محمد البراهمي أمام منزله أيضاً بـ (14) رصاصة يوم 25 تموز (يوليو) من العام نفسه خلال أذان صلاة الظهر في يوم رمضاني.

ويختتم رئيس حزب التحالف من أجل تونس حديثه قائلاً: إنّه "خلال أعوام مضت أنجزت هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي عملاً جباراً مع شرفاء هذا الوطن. لكنّ هيمنة حركة (النهضة) على الجهاز القضائي جعل من ملف الاغتيالات السياسية خطاً أحمر. بيد أنّ مسار الرئيس قيس سعيد خلال نهاية تموز (يوليو) 2021 وضع كل الملفات قيد التحقيق وكافة المتهمين قيد التوقيف والتحقيق. فضلاً عن توقيف عدد من قيادات حركة (النهضة) على ذمة تلك القضية وقضايا أخرى جعل مسار العدالة الناجزة قيد التحقق".

وجهت هيئة الدفاع عن بلعيد التهم مباشرة إلى ممثلي الإسلام السياسي، مرددة ما كان يقوله بلعيد قبل اغتياله بفترة قصيرة، مفاده أنّه "كلما ازدادت عزلة المتطرفين جنحوا للعنف"

إذاً، يختلف التراجع الحالي الذي تعاني منه حركة (النهضة) عمّا تعرضت له في السابق؛ نتيجة تراجع شعبيتها بعد أعوام كثيرة منذ انخراطها في السلطة، ووصولها إلى البرلمان، وصراعها مع الرئيس قيس سعيد، عن فترة صراعها مع الرئيس الحبيب بورقيبة في الثمانينيات، والرئيس زين العابدين بن علي في تسعينيات القرن الماضي، بحسب (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية)، إذ كانت تحتفظ بشعبيتها آنذاك لتبنّيها خطاب المظلومية، ممّا ساعدها على تحقيق مكاسب انتخابية، وصعودها إلى رئاسة البرلمان المنحل في 30 آذار (مارس) 2022، لكن في الوقت الحالي، وبعد تقييم تجربتها في الحكم، وضعف أدائها البرلماني، بل وصول الأمر إلى حد التشرذم داخل المجلس، ومحاولتها لفرض مشروع الإخوان في المنطقة التي لم تفلح به؛ تراجعت شعبيتها، وتفكك هيكلها التنظيمي، وتصاعدت أزماتها الداخلية عبر الانشقاقات والاعتقالات، بما يعني وجود مؤشرات قد تقود إلى حل الحركة، وربما تصنيفها كونها إرهابية، وعليه يناقش هذا التحليل مؤشرات ضعف الحركة، والسيناريوهات المتوقعة بشأنها.

ومن بين مؤشرات ذلك التراجع بحسب (المركز المصري)، التورط في قضايا أمنية، فقد تورط عدد من أعضائها وقاداتها في قضايا أمنية، ومنها اتهام الحركة بتأسيس جهاز سرّي يشرف على قضايا الاغتيالات لشخصيات سياسية، ومنها شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، وأوضحت لجنة الدفاع عنهما تورط (النهضة) عبر تنظيم سرّي في اغتيالهما، بالإضافة إلى اتهام أعضاء الحركة بتسفير الشباب إلى بؤر التوتر في كل من (ليبيا، والعراق، وسوريا)، وقد بلغ عدد التونسيين في بؤر التوتر حوالي (3) آلاف في عام 2019، وفق اللّجنة التونسية لمكافحة الإرهاب، وتمّ إيقاف رئيس الحكومة السابق علي العريض، ووزير العدل السابق نور الدين البحيري، نتيجة تورطهم في منح جوازات سفر للمقاتلين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية