الصومال: هل تُنهي التعديلات الدستورية حكم الرئيس حسن شيخ محمود؟

الصومال: هل تُنهي التعديلات الدستورية حكم الرئيس حسن شيخ محمود؟

الصومال: هل تُنهي التعديلات الدستورية حكم الرئيس حسن شيخ محمود؟


25/04/2024

مطلع شهر نيسان (أبريل) الجاري مرر البرلمان الفيدرالي في الصومال الفصول الـ (4) الأولى المعدلة من الدستور الانتقالي لعام 2012، وسط معارضة شديدة من أقلية من النواب، والعديد من رؤساء الولايات والرؤساء السابقين وقوى سياسية وازنة.

تأتي هذه الخطوة ضمن عملية مراجعة الدستور التي أعلن الرئيس حسن شيخ محمود عن عزمه الانتهاء منها في بداية تنصيبه في أيار (مايو) 2022. واستفاد شيخ محمود من العديد من الإنجازات التي حققها في عامه الأول في فيلا صوماليا، ومنها: هزيمة حركة الشباب المصنفة إرهابيةً في مناطق واسعة، وإعفاء الصومال من الديون، ورفع حظر السلاح الدولي، والانضمام إلى تجمع دول شرق أفريقيا.

مراجعة الدستور

في العام 2012 أُقر الدستور الانتقالي الصومالي، وتضمن مواد انتقالية من بينها مراجعة الدستور بهدف تعديله بالتوافق بين جميع المكونات الصومالية وعلى رأسها الولايات والحكومة الفيدرالية، ثم عرضه على البرلمان الفيدرالي، والانتقال لعرضه على الشعب في استفتاء عام.

وخلال (10) أعوام لم تشهد هذه العملية أيّ تقدم يُذكر، حتى تنصيب حسن شيخ لولاية رئاسية ثانية -غير متتابعة-، فقام بإعادة تشكيل الجهة المسؤولة عن إتمام المهمة، وهي اللجنة المستقلة لمراجعة وتنفيذ الدستور (ICRIC).

(شهد البرلمان الفيدرالي اشتباكات بالأيدي في مناقشة التعديلات الدستورية)

وبدأت اللجنة عملها بتعديل الفصول الـ (4) الأولى، وقدمت تعديلات إلى البرلمان الفيدرالي. ويعتبر الفصل الرابع هو الأكثر إثارةً للجدل؛ لكونه يتعلق بالنظام السياسي والانتخابي في البلاد.

وتتبع البلاد نظاماً سياسياً انتخابياً عشائرياً، يُعرف باسم قاعدة الـ (4.5)، والتي تقوم على تقسيم مقاعد البرلمان الفيدرالي إلى (4) حصص ونصف، تحصل كل قبيلة من القبائل الكبرى على حصة واحدة، وهي قبائل (درّ، دارود، هوية، دغل ومرفلي)، بينما تحصل القبائل الصغيرة/الأقليات على حصة النصف المتبقية.

 

هناك العديد من القضايا الخلافية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية؛ ومنها تقاسم الثروات والصلاحيات.

 

وتُجرى الانتخابات في هذا النظام من خلال مندوبين من العشائر يمثلون الناخبين، بدلاً من تصويت جميع المواطنين/ات الذين يحق لهم التصويت كما في جميع دول العالم، وهو المعروف بالاقتراع العام المباشر. 

وعقب تشكيل البرلمان الفيدرالي، يقوم النواب بانتخاب الرئيس من خلال التصويت السرّي بين أعضائه. بينما تهدف التعديلات إلى تغيير ذلك النظام، من خلال إقرار نظام الانتخاب العام المباشر لكافة المؤسسات التشريعية على المستويين الفيدرالي والولائي (الولايات الخمس)، وكذلك في انتخابات رئاسة الدولة ورئاسة الولايات الإقليمية.

(يحظى حسن شيخ بدعم كبير من أعضاء البرلمان الفيدرالي)

إلى جانب ذلك، هناك العديد من القضايا الخلافية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، ومنها تقاسم الثروات والصلاحيات، فقد تشكّل العديد من الولايات قبل تشكيل الحكومة الفيدرالية، وعلى وجه الخصوص ولاية بونتلاند، التي رفضت عملية تعديل الدستور.

الخلافات حول الدستور

ورغم الاتفاق بين الجميع في الصومال على أهمية الانتهاء من مراجعة وتعديل الدستور الانتقالي، وكتابة دستور دائم للبلاد، إلا أنّ هناك خلافات كبيرة حول الطريقة التي تحدث بها تلك العملية، وحول مضمون التعديلات المطلوبة.

وكان الرئيس السابق محمد عبد الله "فرماجو" قد حاول تعديل النظام الانتخابي في العامين 2020-2021، ودخل في صراعات واسعة مع المعارضة نفسها التي تواجه حسن شيخ اليوم. واللافت للنظر أنّ حسن شيخ كان من المعارضين لتعديل الدستور وإلغاء النظام العشائري حين كان في المعارضة، ولكنّه اليوم من يتصدر إلغاء هذا النظام واستبداله بالنظام نفسه الذي طالب به فرماجو.

 

تحديات كبيرة تواجه تطبيق النظام الجديد الذي تضمنته التعديلات الدستورية؛ ومنها غياب إحصاء عام منضبط للسكان لتحديد من له حق التصويت، والافتقاد إلى التجهيزات الفنية واللوجستية والمالية والبشرية.

 

لهذا السبب لا ينظر معظم الصوماليين لعملية مراجعة الدستور كعملية مستقلة، بل يرونها كتعديلات تهدف إلى خدمة السلطة الحاكمة، سواء مع فرماجو أو حسن شيخ.

واستندت التعديلات في الفصل الرابع إلى اتفاقية المجلس الاستشاري الوطني (NCC) في اجتماعه في أيار (مايو) 2023. ونصّت الاتفاقية على تجاوز نظام (4.5)، وإجراء الانتخابات وفق نظام الاقتراع العام المباشر اعتباراً من الانتخابات المقبلة.

ووفق تلك الاتفاقية من المفترض أن تُجرى الانتخابات الفيدرالية والإقليمية والبلدية في موعد واحد. ونصت على إنشاء نظام رئاسي كامل من رئيس ونائب رئيس، ولكن حين عُرض الفصل الرابع على البرلمان أدخل النواب تعديلات، فتمّ استبدال نائب الرئيس برئيس وزراء يعينه ويعزله الرئيس، بما يعني أنّ جميع الصلاحيات في السلطة التنفيذية بيد الرئيس، بعد أن كان لرئيس الوزراء صلاحيات واسعة، ويُعيّن ويُعزل من البرلمان الفيدرالي.

(أعضاء المجلس الاستشاري الوطني دون رئيس ولاية بونتلاند)

وتضمّن الفصل الرابع المُعدل نصّاً حول تحديد عدد الأحزاب السياسية التي يعترف بها القانون ويحق لها التنافس في الاستحقاقات الانتخابية إلى (3) أحزاب فقط. تعتبر تلك التعددية المحددة غريبة عمّا هو معروف عالمياً من وجود حزب واحد فقط أو تعددية حزبية غير مقيدة، ولكنّ ذلك التوجه الصومالي ليس بجديد، حيث يُعمل به في "صومالي لاند" ونصّ عليه دستور ولاية بونتلاند.

مخاطر في الأفق

كانت ولاية بونتلاند التي تُعتبر أقدم الولايات الـ (5) التي تمثّل المناطق التي تمارس فيها الحكومة الفيدرالية سلطتها، أول من عارض التعديلات الدستورية المقترحة، منذ اجتماع المجلس الاستشاري الوطني الذي خرج بخطة التعديلات.

ورغم إعلان رؤساء الولايات الـ (4) المتبقين؛ وهم: هرشبيلي وغلمدغ وجنوب الغرب وجوبالاند موافقتهم على التعديلات في البداية، إلا أنّ المراقبين يرون تحولاً منهم إلى رفض تلك التعديلات، التي لن تصب في صالح بقائهم في السلطة.

واللافت أيضاً أنّ الرئيس السابق فرماجو وقع في تناقض حسن شيخ؛ فقد عارض التعديلات الدستورية التي حاول تمرير بعضها خلال رئاسته للبلاد 2017-2022.

وكان حسن شيخ قد عقد اجتماعاً مع الرئيس السابق شريف شيخ أحمد في العاصمة الكينية، نيروبي، بوساطة من رجال أعمال صوماليين، للتوصل إلى تفاهم مع المعارضة، لكن بحسب مقربين أخفق الاجتماع، وتحدث شيخ أحمد عن أنّ حسن شيخ يريد من التفاوض الحصول على الوقت لتمرير مشروعه السياسي.

إلى جانب المواقف المعارضة لحسن شيخ، هناك تحديات كبيرة تواجه تطبيق النظام الجديد الذي تضمنته التعديلات الدستورية، ومنها غياب إحصاء عام منضبط للسكان لتحديد من له حق التصويت، والافتقاد إلى التجهيزات الفنية واللوجستية والمالية والبشرية والخبرة للانتقال من نظام انتخابي محدود العدد إلى نظام الاقتراع العام المباشر.

وإلى جانب ذلك، لن تتمكن الحكومة الفيدرالية أو الولايات من توفير الأمن اللازم لمنح جميع السكان الحق في الانتخاب، خاصة أنّ مساحات واسعة في وسط وجنوب البلاد ما زالت بيد حركة الشباب، بل حتى المناطق التي سبق وحُررت إبّان العام الأول من حكم حسن شيخ، تمكنت الحركة من استعادتها في ظل خفوت زخم الحرب على الإرهاب.

فضلاً عن ذلك، فالوقت المتبقي أمام الانتخابات المقبلة في العام 2026 غير كافٍ لتجاوز التحديات السابقة، خاصة في ظل عدم التعاون المتوقع من رؤساء الولايات وشيوخ العشائر الذين سلبتهم تلك التعديلات مزايا واسعة.

يفرض ما سبق مسارين لمستقبل حكم حسن شيخ؛ الأول التنازل عن تلك التعديلات أو إرجاء تنفيذها، من خلال التوصل إلى اتفاق مع رؤساء الولايات، والثاني المضي قُدماً في التعديلات ومحاولة تطبيقها، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات من عدم الاستقرار والفوضى، كما حدث مع الرئيس السابق، الذي اضطر للتنازل عن خطته بعد عامين من العناد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية