مصر ترصد 170 ملياراً لتداعيات أزمة أوكرانيا... فهل تنجو من موجات التضخم؟

مصر ترصد 170 ملياراً لتداعيات أزمة أوكرانيا... فهل تنجو من موجات التضخم؟


10/03/2022

فيما تسارع الدول حول العالم إلى السيطرة على ارتباك الأسواق العالمية، وخاصة سوق النفط، إثر حظر النفط الروسي، أكدت مصر قدرتها على التعامل مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.

أكد وزير المالية المصري أنّ بلاده جنّبت نحو 170مليار جنيه كـ"احتياطي" في الموازنة للتعامل مع الأزمات العالمية

 وفي مؤتمر صحفي متلفز، أكد وزير المالية المصري محمد معيط أنّ بلاده جنّبت نحو 170 مليار جنيه (حوالي 11 مليار دولار) كـ"احتياطي" في موازنة العام المالي الحالي للتعامل مع الأزمات العالمية، في خطوة استباقية تُحسب للحكومة المصرية، وشدد معيط على أنّ "كافة الأجهزة العامة للدولة قادرة على التعامل مع تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية."

 موجات تضخمية هائلة بحجم الانفجار

حديث وزير المالية عن استعداد بلاده للتعامل مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية لا يعني أنّ مصر لم تتأثر بالأزمة، فقد أقرّ رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، في المؤتمر نفسه، تأثر بلاده بالأزمة، وخاصة بالموجات التضخمية التي طالت تقريباً كلّ دول العالم، وفي مقدمتها الدول الأوروبية.

 وقال مدبولي: "إنّ نحو 35% من التضخم في مصر يأتي من الخارج متأثراً بالموجات التضخمية المتلاحقة التي طالت العالم"، مشيراً إلى أنّ "الأزمة الروسية الأوكرانية طالت تداعياتها وآثارها السلبية كلّ دول العالم، وانعكست آثارها بالتالي علينا في مصر.

أقرّ رئيس الوزراء المصري بتأثر بلاده بالأزمة، وخاصة بالموجات التضخمية التي طالت تقريباً كل دول العالم

وعلى المستوى الوطني، كشف مدبولي أنّ الدولة المصرية "تعي وتدرك تماماً شكوى زيادة وغلاء الأسعار، لذلك قامت قبل وقوع الأزمة الروسية الأوكرانية، ومنذ بدء موجة التضخم العالمية، بالعمل على مدار الساعة لامتصاص أكبر قدر ممكن من التأثيرات السلبية لموجات التضخم".

 وأضاف مدبولي أنّ "الاقتصاد العالمي مرّ بالعديد من الأزمات منذ عام 2008 تقريباً، وكلما بدأنا نتعافى من أزمة، تتبعها أزمة أخرى جديدة؛ فعلى الرغم من أنّنا كنّا على وشك التعافي من أزمة كورونا، وما تلاها من أزمة التضخم واضطراب سلاسل الإمداد، شهدت الأسواق اضطراباً شديداً وارتفاعاً في الأسعار للسلع العالمية بسبب هذا التضخم، وكذلك ارتفاع تكلفة الشحن".

 وضرب رئيس الوزراء عدة أمثلة تبيّن حجم الآثار السلبية للموجات التضخمية، التي طالت الدول العظمى نفسها، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ معدل التضخم في الولايات المتحدة وصل إلى 7.5%، كما أنّ دول أوروبا ومنطقة اليورو وصلت بها نسبة التضخم إلى 6%، رغم أنّ هذه الدول لم يكن معدل التضخم بها يتجاوز 1 أو 2%، وهو الأمر الذي يشير إلى أنّ معدلات التضخم زادت بمقدار 3 أضعاف في فترة وجيزة.

 العالم يتكبد 400 مليار دولار فاتورة الحرب

بعد أسبوعين من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط (فبراير)، قال رئيس الوزراء: إنّها كبدت العالم نحو 400 مليار دولار، وفقاً للخبراء.

وأشار مدبولي إلى أنّ "دول العالم بدأت تغيّر لهجتها التفاؤلية مع بدء التعافي من جائحة كورونا، لتظهر نظرة تشاؤمية حيال الأزمة الجديدة وانعكاساتها على اقتصادات الدول، وبدلاً ممّا كان متوقعاً أن تستمر موجات التضخم لفترة مؤقتة، أصبحت هناك آراء عديدة ترجح استمرار هذه الموجات لفترات أخرى."

 قفزات حادة في الأسعار

لفت مدبولي إلى أنّ هذه الموجات التضخمية نتج عنها قفزات هائلة في الأسعار بشكل حاد للغاية على مستوى العالم ولجميع السلع الاستراتيجية؛ ضارباً المثل بالقمح الذي ارتفع سعره عالمياً بنسبة 48%، بما يمثل أكثر من 100 دولار زيادة على كلّ طن خلال الـ 14 يوماً منذ اندلاع الأزمة، وزاد سعر الذرة بنسبة 30%، وفول الصويا الذي يدخل في زيوت الطعام زاد سعره عالميا أيضاً بنسبة 24%.

كما ارتفعت أسعار السكر عالمياً بنسبة 7%، واللحوم المجمدة بنسبة 11%، والدواجن بنسبة 10% على مستوى العالم، إضافة إلى أسعار البترول التي قفزت بنسبة 55% منذ اندلاع الأزمة، بما يمثل 35 دولاراً زيادة، وهي قفزات لم يشهدها العالم منذ عشرات الأعوام، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الشحن التي كانت قائمة بالفعل، وتفاقمت بعد وقوع الأزمة الراهنة، وفقاً لمدبولي.

مدبولي: إنّ نحو 35% من التضخم في مصر يأتي من الخارج متأثراً بالموجات التضخمية المتلاحقة التي طالت العالم

 وأشار إلى أنّ دولاً أخرى كثيرة تقوم بتحويل كلّ هذه الزيادة مباشرة على المستهلك والمواطن، ضارباً المثل بسعر البترول الذي زاد سعره بنسبة 100% في الدول الأوروبية فقط خلال الـ 14 يوماً الماضية، وهو ما يعكس اتجاه بعض هذه الدول إلى تحميل المواطن مباشرة زيادة الأسعار التي تطرأ على أيّ سلعة، إلّا أنّ الحكومة المصرية "تركز على سبل استيعاب الآثار الناجمة عن هذه الموجات التضخمية بأكبر قدر ممكن، وتحميل المواطن جزءاً يسيراً منها فقط".

 احتياطي القمح يكفي لـ4 أشهر

مخالفاً التوقعات العالمية التي تنبّأت بأن تكون مصر في صدارة الدول المتأثرة بالأزمة الأوكرانية الروسية، أكد رئيس الوزراء المصري أنّ الدولة المصرية تعمل على توفير رصيد احتياطي دائم لا يقل عن 3 إلى 6 أشهر من السلع الأساسية، مشيراً إلى أنّ "احتياطي القمح يكفي حاجة الاستهلاك المحلي لمدة 4 أشهر، وهو ما يجعلنا لا نحتاج إلى شراء أيّ شحنات إضافية كدولة."

 في هذا السياق، كشف مدبولي أنّه "مع منتصف شهر نيسان (أبريل) المقبل سيبدأ موسم حصاد محصول القمح المحلي، وهو ما يجعلني أطمئن الشعب المصري بأنّه لا توجد أيّ أزمة أو احتياج للسوق العالمية لاستيراد القمح المطلوب لإنتاج الخبز المدعم، وذلك حتى نهاية العام الحالي 2022."

 وأوضح مدبولي أنّ "مساحة الأرض المزروعة بمحصول القمح العام الماضي وصلت إلى 3.2 ملايين فدان، ووصلت خلال العام الحالي إلى 3.6 ملايين فدان، أي بزيادة تقدر بـ 400 ألف فدان عن العام الماضي، إضافة إلى الرقعة الزراعية المزروعة بالقمح"، في إطار خطة الرئيس عبد الفتاح السيسي لاستصلاح الأراضي.

مدبولي: أطمئن الشعب المصري بأنّه لا توجد أيّ أزمة أو احتياج للسوق العالمية لاستيراد القمح المطلوب لإنتاج الخبز المدعم

 ولفت إلى أنّ حجم محصول القمح المحلي، الذي تمّ توريده لوزارة التموين العام الماضي، وصل إلى 3.5 ملايين طن، ومن المستهدف أن يصل إلى ما بين 5 إلى 5.5 ملايين طن قمح من الإنتاج المحلي هذا العام، وذلك من خلال إقرار مجموعة من الحوافز التي سيتمّ الإعلان عنها خلال الأيام القليلة المقبلة، مؤكداً أنّ لدينا القدرات التخزينية لهذه الكميات، وذلك من خلال مشروع الصوامع، الذي جاء تنفيذه وفقاً لرؤية القيادة السياسية في هذا الشأن بضرورة التوسع في حجم الصوامع الموجودة، وذلك بما يؤمن سعة تخزينية لمحصول القمح والسلع الرئيسية.

 تنويع مصادر القمح

وإلى جانب استصلاح الأراضي وتوسيع الرقعة المزروعة بالقمح والحبوب الاستراتيجية، صرّح مدبولي: "بدأنا بالفعل بتنويع مصادر استيراد الأقماح خلال الفترات المستقبلية من دول أخرى عديدة، وبالتالي نحرص على تأمين أكثر من مصدر للأقماح، بحيث لا تقتصر على دول بعينها، مضيفاً أنّنا نستهدف اليوم أن نجمع من الموسم المحلي ما لا يقلّ عن 5 ملايين طن قمح، وهدفنا زيادة هذا المستهدف، وقد تمّ الاتفاق مع وزارة المالية لتوفير الاعتمادات المالية لكي تُصرف مستحقات المزارعين مباشرة فور التوريد، وسيكون هناك رقابة مشددة على الأسواق، لضمان عدم ارتفاع الأسعار"، مشيراً إلى أنّ الأمر نفسه ينطبق على الذرة، التي تُعدّ مكوّناً رئيسياً في صناعة العلف للدواجن، فلدينا تنوّع كبير في مصادر استيراد الذرة لتأمين احتياجاتنا.

يذكر أنّ مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتعتمد في جزء كبير من وارداتها من هذه السلعة الاستراتيجية على روسيا وأوكرانيا، المنخرطتين في حرب ضارية منذ نحو أسبوعين.

الصفحة الرئيسية