إيران في أفريقيا... أهداف خفية وأدوار مشبوهة

إيران في أفريقيا... أهداف خفية وأدوار مشبوهة


23/05/2021

وضعت إيران قارة أفريقيا نصب عينيها في العقدين الأخيرين محاولة التوسع في نفوذها، لتحقيق أهدافها وتطلعاتها القائمة على استغلال موارد الآخرين وترويج تعاليمها الطائفية.

نتناول بعض الأحداث المتعلقة بالموضوع، بدءاً من شهر شباط (فبراير) عندما أفادت مصادر أمريكية مسؤولة بأنّ إيران اتجهت إلى "تنشيط خلايا نائمة" في أفريقيا، سعياً وراء "أهداف سهلة"، في محاولة للثأر لمقتل مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري قاسم سليماني بضربة أمريكية، واغتيال محسن فخري زاده نائب وزير الدفاع الإيراني لشؤون الأبحاث العام الماضي.

مصادر أمريكية: إيران اتجهت إلى تنشيط خلايا نائمة في أفريقيا للثأر لمقتل سليماني وزاده

جاء ذلك في تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، يوم 15 شباط (فبراير)، ويكشف عن تفاصيل جديدة لإحباط جهاز الاستخبارات الإثيوبي هجوماً كبيراً في العاصمة أديس أبابا، مطلع الشهر ذاته وذلك باعتقال خلية مكونة من 15 فرداً كانوا يستهدفون سفارة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن العثور على مخبأ للأسلحة والمتفجرات.

وقال المسؤولون الأمريكيون: إنّ العملية كانت من تدبير إيران، وأشاروا إلى أنّ أجهزتها الاستخباراتية قامت بتنشيط خلية إرهابية نائمة في أديس أبابا منذ الخريف الماضي، بأوامر تتمثل في جمع المعلومات الاستخباراتية حول سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هناك.

وضعت إيران قارة أفريقيا نصب عينيها في العقدين الأخيرين محاولة التوسع في نفوذها

وصرّح المسؤولون الإسرائيليون بأنّ ما لا يقل عن 3 من الخلية المعتقلة، ربما يكونون عملاء إيرانيين حقيقيين، مع الـ12 الباقين الذين سقطوا لارتباطهم بالشبكة المذكورة في إثيوبيا.

وتمثل الدليل الوحيد لمعرفة من يقف وراء المؤامرة، بحسب الصحيفة، في إلقاء القبض بالسويد على العنصر الـ16 المدعو أحمد إسماعيل، المتهم بتزعمه العصابة، واعتقل بالتعاون بين أجهزة استخبارات أفريقية، وآسيوية، وأوروبية، حسب السلطات الإثيوبية.

في هذا الصدد، قالت مديرة الاستخبارات لدى البنتاغون في أفريقيا الأدميرال هايدي بيرغ: إنّ إيران كانت وراء العناصر الـ15 الذين تمكنت السلطات الإثيوبية من اعتقالهم، وإنّ المدعو أحمد إسماعيل، وهو العقل المدبر وراء هذه المؤامرة الفاشلة، اعتُقل في السويد.

جهاز الاستخبارات الإثيوبي يحبط هجوماً كبيراً في أديس أبابا باعتقال خلية إيرانية كانت تستهدف سفارة الإمارات

وعن أسباب عدم توجيه الحكومة الإثيوبية أصابع الاتهام صوب إيران، قال كثير من الدبلوماسيين، نقلت عنهم وكالة رويترز، إنّ إثيوبيا بوصفها العاصمة الدبلوماسية للقارة الأفريقية راهناً، وفيها مقر الاتحاد الأفريقي، تحاول تفادي التورط علناً في القضايا الحساسة ذات الصلة بالقوى الدولية الكبرى.

وربط مسؤول دفاعي أمريكي رفيع المستوى بين الاعتقالات في أديس أبابا والخطة الإيرانية الفاشلة لاغتيال السفيرة الأمريكية لدى جنوب أفريقيا، لانا ماركس؛ الأمر الذي نشرته مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، ويأتي اعتقال خلية إثيوبيا في وقت تزداد فيه الحساسيات السياسية في إيران والولايات المتحدة، حول العودة إلى الاتفاق النووي.

اقرأ أيضاً: إيران تتخلى عن التزام جديد.. هل ينعكس على المفاوضات الدولية حول الاتفاق النووي؟

من جهته، حذّر خبير السياسات الخارجية لدى مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي"، آرون ديفيد ميلر من أنّ أي خطة مثل مؤامرة أديس بابا، "سوف تكون من الخيارات المثيرة للفضول، لا سيّما مع إمكانية تقويضها المنهج الدبلوماسي النووي المفترض لدى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الحكومة الإيرانية".

مديرة الاستخبارات لدى البنتاغون في أفريقيا الأدميرال هايدي بيرغ

وعن سياسة إيران في أفريقيا في تحليل نقلته صحيفة الشرق الأوسط قالت: في زمن محمود أحمدي نجاد حاولت طهران العزف على أوتار القوة الناعمة وعقد الشراكات الاقتصادية، مستغلةً في ذلك العجز الهيكلي الذي يلف دول القارة، وعجزها عن تحقيق درجة عالية من النمو، لكنها تجربة لم يُكتب لها النجاح وأخفقت سريعاً.

أمّا في عهد حسن روحاني، وفي ظل سيطرة "الحرس الثوري"، فقد بدا واضحاً أنّ الرهان على الحصان يتمثل في الأذرع المسلحة والخلايا الإرهابية، أي تفضيل القوة الخشنة، وتحويل أفريقيا إلى ساحة حرب ضد أعداء إيران الإقليميين والدوليين، مستغلةً في ذلك الخواء الأمني، والصراعات الأهلية، وسهولة الاختراقات الاستخبارية في دول القارة.

مديرة الاستخبارات لدى البنتاغون في أفريقيا: إيران كانت وراء العناصر الإرهابية الـ15 الذين تمكنت إثيوبيا من اعتقالهم

شبكات الخلايا الإرهابية التي نشرتها طهران في عمق القارة الأفريقية كانت وما تزال تملأ الأرجاء، وشأناً تناولته الصحافة العالمية، ومنها صحيفة "التليغراف" البريطانية التي أشارت في تقرير لها في حزيران (يونيو) من عام 2019 إلى قيام الإيرانيين بتأسيس بنية تحتية جديدة لأنشطتهم الإرهابية، بنية تقوم عليها تحديداً الوحدة 400 من القوات الخاصة التابعة لـ "فيلق القدس" الإيراني، ويمتد نشاطها بشكل خاص في كلٍّ من تشاد والنيجر وغانا وغامبيا وأفريقيا الوسطى، وتضم قائمة أهدافها المحتملة السفارات والقواعد العسكرية الأجنبية والموظفين الأجانب.

اقرأ أيضاً: إيران تشكل فصائل عراقية جديدة... ممن تتكون؟ وما أهدافها؟

الحديث المفصّل يأخذنا إلى السودان في زمن عمر البشير والنظام الإخواني القائم هناك، والذي سهّل دخول الإيرانيين إلى نقاط قريبة من البحر الأحمر، هذا من جانب، ومن جانب آخر من الواضح أنّ الإيرانيين قد استقدموا عناصر من تنظيم «القاعدة»، وخاصة الذين لهم دراية بالوضع اللوجيستي في أفريقيا من عقود سابقة، لمساعدة الوحدة 400 الإيرانية المعنية بشكل مباشر بتنفيذ عمليات إرهابية خارج إيران، ومنها محاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة عام 2011، وكذلك التخطيط لاغتيال دبلوماسيين سعوديين في باكستان، فضلاً عمّا كُشف عنه في شباط (فبراير) عام 2012 من خطط للمجموعة، التي تتضمن تنفيذ عمليات في نيودلهي وتبليسي وبانكوك.

رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما (إلى اليسار) والرئيس الإيراني حسن روحاني (يمين)

وفي الإطار ذاته قالت مجلة "ناشيونال إنترست" (National Interest) منتصف شهر نيسان (إبريل) الماضي: إنه بينما تركز إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على الدبلوماسية النووية المتجددة مع إيران، فإنها تخاطر بفقدان الإشارات الواضحة على أنّ النظام الإيراني يكثف نشاطه في مسرح استراتيجي مهم هو شمال أفريقيا.

وقال إيلان بيرمان، وهو خبير سياسة أمريكي في التقرير الذي حمل عنوان "رسالة المغرب: احذروا توسعات إيران في أفريقيا"، إنه سمع هذا التحذير في الرباط عندما سافر إليها في وقت سابق بناء على دعوة من وزارة الخارجية المغربية.

وأشار إلى أنّ "النظام الإيراني"، كما قيل له، يبني وجوداً إقليمياً مستداماً بإنشاء مراكز ثقافية واتصالات غير رسمية في جميع أنحاء القارة، مستفيداً من الشتات اللبناني المهم والمتعاطف الموجود في مختلف الدول الأفريقية.

نجاد حاول العزف على أوتار القوة الناعمة وعقد الشراكات الاقتصادية في أفريقيا، أمّا روحاني فقد بدا واضحاً أنّ الرهان على الحصان يتمثل في الأذرع المسلحة والخلايا الإرهابية  

وهناك أيضاً أدلة موثوق بها على أنّ إيران تعمل مع مجموعات إقليمية "متطرفة"، فعلى سبيل المثال، عن طريق ميليشيا حزب الله اللبناني، دعمت طهران جبهة البوليساريو اليسارية منذ عام 2017 على الأقل.

وكان هذا التعاون مقلقاً إلى درجة أنّ المملكة المغربية قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران رسمياً عام 2018 نتيجة ذلك، وقال خبراء أمنيون: إنّ وفود البوليساريو سافرت أيضاً إلى لبنان للتدريب، وبالمثل هناك لإيران الآن وجود كبير في موريتانيا المجاورة وتونس المجاورة، ويعتقد أنها تنشط في كلا البلدين في القيام بعمليات التجنيد.

ومع ذلك، عدّ بيرمان هذا النمط من النشاط مألوفاً جداً، وأنه يعكس جهود إيران السابقة منذ ما يقارب 15 عاماً لاختراق أمريكا اللاتينية، وخلق "ساحة دعم" في نصف الكرة الغربي لمساعدتها على تجنب العقوبات الدولية، وتعزيز العلاقات مع الأنظمة المتعاطفة المعادية لأمريكا، وإقامة قدرة تشغيلية كاملة يمكن حشدها في مواجهة الولايات المتحدة.

وأمّا عن دوافع النشاط الإيراني الجديد، فيشير المسؤولون المغاربة إلى عدد من العوامل؛ الأول الانتهازية الاستراتيجية، إذ تنمو القارة الأفريقية في الأهمية الاقتصادية والسياسية والعالمية، والثاني هو جهود النظام لتخفيف وطأة سياسة "الضغط القصوى" لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي نجحت إلى حد كبير بالتأثير في الاقتصاد الإيراني على مدى العامين الماضيين.

الإيرانيون قاموا بتأسيس بنية تحتية جديدة لأنشطتهم الإرهابية تمتد في كلٍّ من تشاد والنيجر وغانا وغامبيا وأفريقيا الوسطى

وفي سياق متصل، كشف معهد هدسون للأبحاث أنّ النظام الإيراني يكثف أعماله وأنشطته في أفريقيا.

وبينما تتجه كل الأنظار إلى الشرق الأوسط، وإلى العدوان الإسرائيلي على غزة، لم تكن إيران مكتوفة الأيدي في أي مكان آخر، حيث ظل نفوذها المستمر والمتزايد في أفريقيا تحت الرادار للعديد من المراقبين.

وبالنظر إلى العقوبات الاقتصادية التي تحد من بعض نوايا إيران الاقتصادية الأكثر طموحاً، والأميال العديدة التي تفصل بين الجمهورية الإسلامية والقارة الأفريقية، قد يبدو من غير المحتمل أن يكون لإيران مصالح كبيرة في أفريقيا، ومع ذلك، إلى جانب داعش والقاعدة ومختلف الجماعات الإرهابية السنيّة تسعى إيران بقوة لتحقيق تأثير داخل هذه الدول، وتتضمن هذه الحملة أنشطة الحرس الثوري الإيراني بمشاركة وكلائه، وأشهرهم حزب الله اللبناني، وفق ما نقلت شبكة الحرّة.

وفي العام الماضي، بحسب التقرير، أظهر المرشد الأعلى علي خامنئي أهمية القارة الأفريقية لنفوذ إيران المهووس، ونشر على "تويتر" صورة يظهر فيها الشيخ زعيم الحركة الإسلامية النيجيرية إبراهيم الزكزكي باعتباره داعماً مهمّاً للثورة الإيرانية.

وفي عام 2018، أصدرت إيران تعليمات إلى حزب الله بتدريب النيجيريين وإقامة معقل هناك حتى يكون بمثابة قاعدة عملياتية لبقية أفريقيا خاصة.

اقرأ أيضاً: "الانتخابات" الإيرانية وتدوير المناصب

وبحسب مصدر مقرّب من حزب الله، قدّمت إيران تدريبات عسكرية على غرار حزب الله لمئات النيجيريين في المعسكرات في جميع أنحاء شمال نيجيريا.

 

معهد هدسون للأبحاث: النظام الإيراني يكثف أعماله وأنشطته في أفريقيا، وقدّمت إيران تدريبات عسكرية لمئات الأفارقة

وبدعم إيراني قتل الجهاديون النيجيريون 1470 مسيحياً على الأقل، واختطفوا أكثر من 2200 من الأبرياء في الأشهر الـ4 الأولى من هذا العام.

وفي الصومال، تمتلك إيران شبكة وكلاء، وتستخدم وسطاء لتقديم الدعم للمنظمات المتطرفة العنيفة لمواجهة تأثير الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، بما في ذلك استخدام الصومال لنقل الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن ونقل الأسلحة إلى دول أخرى، وفقاً لما أفادت مجلة "فورين بوليسي".

اقرأ أيضاً: إيران تنفي طلبها من السعودية مساعدتها لبيع النفط... ما القصة؟

وعن الجزائر، قال طوني دهيوم: لقد أثار ظهور سفارة إيرانية في الجزائر قلقاً كبيراً للعالم العربي، لكن زاد هذا القلق بعد ذلك وصول أمير موسوي إلى البلاد، تحت رعاية كونه دبلوماسياً إيرانياً مهتماً بالشؤون الثقافية، وسرعان ما اتخذ ظهور موسوي إيحاءات شريرة، لأنه بعيداً عن كونه دبلوماسياً يتطلع إلى تعزيز العلاقات الثقافية مع الجزائر، سرعان ما أصبح واضحاً أنّ موسوي كان في الواقع عميلاً للمخابرات الإيرانية، وكان من اختصاصه التدخل في النزاع بين الجزائر والمغرب، خصوصاً حول نزاع الصحراء الغربية.

إيران تواصل توسعها في أفريقيا لتصنع أدوات ضغط جديدة على القوى الغربية، وللأسف دول عظمى لا تدرك خطورة توسعها في القارة السمراء التي تعتبر البيئة الأمثل لنمو وتطور الجماعات الإرهابية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية