"اعتناق المسيحية" تهمة في ليبيا... تضييق على الحريات وتحريض ضد الأقليات

"اعتناق المسيحية" تهمة في ليبيا... تضييق على الحريات وتحريض ضد الأقليات

"اعتناق المسيحية" تهمة في ليبيا... تضييق على الحريات وتحريض ضد الأقليات


03/05/2023

أكدت تقارير حقوقية متواترة خلال العقد الماضي قيام جماعات مسلّحة بتقييد الممارسات الدينية، وفرض الامتثال للشريعة وفقاً لتفسيرها، واستهداف أولئك الذين ينظر إليهم على أنّهم ينتهكون المعايير، خصوصاً في ضوء ارتباط الدين والسياسة والأمن ارتباطاً وثيقاً في الدولة.

هذه الفوضى التي أعقبت سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في عام 2011، الذي أغرق ليبيا في الفوضى والانقسامات مع حكومتين تتنافسان على السلطة؛ واحدة مقرها طرابلس (غرب)، والأخرى مقرها في الشرق، أدّت إلى بروز عدّة ظواهر؛ منها قمع الأقليات الدينية، وممارسة رقابة صارمة على المعتقدات، حتى بات "اعتناق المسيحية"، تهمة يعاقب عليها القانون بالإعدام، دون اعتبار "الردّة"، والتحول عن الدين.

الإعدام بتهمة "اعتناق المسيحية والتبشير بها"

بسبب تحولهم من الإسلام إلى المسيحية وممارسة التبشير للديانة الجديدة، يواجه (6) أشخاص ليبيين عقوبة الإعدام، ينتمي بعضهم إلى الأقليات العرقية في ليبيا، بما في ذلك الأمازيغ أو البربر، حسبما نقلت صحيفة "الغارديان" عن نشطاء.

وقالت الصحيفة البريطانية: إنّ المعتقلين الـ (6) احتجزوا في آذار (مارس) بشكل منفصل، وتأتي عقوبة الإعدام بموجب قوانين تُستخدم بشكل متزايد لإسكات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان.

ووجهت التهم لليبيين الـ (6) وبينهم نساء، بموجب المادة (207) من قانون العقوبات، الذي يجرم أيّ محاولة لنشر آراء تهدف إلى "تغيير المبادئ الدستورية الأساسية أو الهياكل الأساسية للنظام الاجتماعي" أو قلب الدولة، وكل من يملك كتباً أو منشورات أو رسومات أو شعارات "أو أيّ مواد أخرى" تروج لقضيتهم.

بسبب تحولهم من الإسلام إلى المسيحية وممارسة التبشير للديانة الجديدة، يواجه (6) أشخاص ليبيين عقوبة الإعدام

وقال جهاز الأمن العام في بيان: إنّ الاعتقالات كانت "لوقف عمل عصابات منظمة بهدف حث الناس على ترك الإسلام"، وفقاً لما نقله موقع "الحرة" عن "الغارديان".

وقال محامي أحد المحتجزين: إنّ عائلاتهم اكتشفت أنّه تم اعتقالهم عندما تم نشر مقاطع فيديو لاعترافاتهم على الإنترنت من قبل جهاز الأمن العام، إذ أظهر أحد مقاطع الفيديو، سيفاو مادي، وهو مهندس وأب لطفل يعترف بأنّه تحول إلى المسيحية في عام 2017 وحاول التبشير بالديانة.

وقال مادي الذي ظهر بوجه غير واضح في الفيديو: "ولدت عام 1977، واعتقلت من قبل وحدة الأمن الداخلي لاعتناقي المسيحية. انضممت إلى مجموعة من الليبيين والأجانب داخل ليبيا يدعون للمسيحية".

تضييق على حرية المعتقد

وفي العام الماضي اعتقل جهاز الأمن العام (7) نشطاء بتهمة الإلحاد، وتمّ الإفراج عن (2) منهم، لكنّ باقي المجموعة ما زالوا خلف القضبان.

وبحسب منظمة حقوق الإنسان الدولية، فإنّ التشريعات الليبية تستند إلى حدٍّ كبير على الدين. ويضمن دستور مؤقت تمّت صياغته، بعد الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي  عام 2011، لغير المسلمين حرية ممارسة عقيدتهم.

ومع ذلك، فإنّ استمرار القتال السياسي بين الحكومة الإسلامية المدعومة دولياً في طرابلس والحكومة العلمانية في طبرق يعني تعليق الدستور، بحسب "الغارديان".

الإسلام هو ديانة الغالبية العظمى من سكان ليبيا بنسبة 97% في المئة، والمسيحية تُعتبر ثاني أكثر الديانات انتشاراً

وقُتل عدد من نشطاء حقوق الإنسان الليبيين أو اضطروا إلى الفرار من البلاد، ويعمل أولئك الذين بقوا في البلاد متخفين من أجل سلامتهم.

وقالت نورا الجربي، وهي ناشطة حقوقية ليبية أُجبرت على النفي بعد تلقيها تهديدات بالقتل بسبب عملها: "حدثت زيادة في استخدام المادة (207) ضد نشطاء المجتمع المدني والمنظمات الدولية في ليبيا خلال العام الماضي".

وتابعت: "حتى الآن ما زلت أتعرّض للتهديد؛ بسبب دفاعي فقط عن حرية المعتقدات. لا يقبل المجتمع المناقشات حول حرية المعتقدات".

وأضافت أنّه "قبل اعتقال هؤلاء الأشخاص كانت هناك حملة شرسة ضدهم على وسائل التواصل الاجتماعي قادها أنصار النظام السابق".

ليبيا أكثر البلدان قمعاً للمسيحيين

وعلى الرغم من أنّ الإسلام هو ديانة الغالبية العظمى من سكان ليبيا بنسبة 97% منهم، فإنّ المسيحية تعتبر ثاني أكثر الديانات انتشاراً بعد الإسلام، ويشكل أتباع الديانة المسيحية نحو 2.7% معظمهم من الأجانب، بحسب آخر الإحصاءات الصادرة عن الدولة.

منظمة حقوق الإنسان الدولية: التشريعات الليبية تستند إلى حدٍّ كبير على الدين

ويعود تاريخ دخول المسيحية إلى البلاد إلى أواخر الحكم الروماني وبداية الحكم البيزنطي، حين اعتنقها عدد من السكان، خصوصاً من الأمازيغ، وبنيت الكنائس في كثير من المدن الساحلية، وعرفت ليبيا كثيراً من الشخصيات البارزة في التاريخ المسيحي، مثل مرقس الإنجيلي وسمعان القوريني وأريوس وفيكتور الأول.

وبحسب إحصاءات حقوقية، فقد تقلصت أعداد المسيحيين في ليبيا خلال العقد الأخير إلى بضعة آلاف، أغلبهم من الجاليات الأفريقية والمصريين، بفعل ملاحقتهم من الجماعات الراديكالية، والتي وصلت إلى حوادث قتل وتصفية، ومن جهة أخرى بسبب القيود التي باتت تفرضها السلطات الرسمية على ممارسة شعائرهم الدينية، رغم الانفتاح الظاهري بإعادة تأهيل كنائس تاريخية دمرتها الحرب.

احتلت ليبيا عام 2019 المركز الرابع دولياً والثاني عربياً في قائمة البلدان الأكثر قمعاً للمسيحيين

وقد أعلن جهاز الأمن الداخلي بداية نيسان (أبريل) المنقضي اعتقال بعض الأشخاص، أحدهم أجنبي، عُرف بعدها أنّه أمريكي الجنسية، ووجهت إليهم اتهامات تتعلق بـ "ممارسة أنشطة تبشيرية"، وما وصفه الجهاز بـ "جريمة الردّة"، وذلك قبل أن ينشر الجهاز فيديو لجزء من اعترافات الأمريكي الموقوف، واعترافات أخرى لفتاة ليبية (22) عاماً، قال الجهاز إنّه ضبطها بسبب ارتدادها عن الإسلام واعتناق المسيحية.

وسبق أن اعتقلت السلطات الليبية مطلع عام 2013 عدداً من المصريين الأقباط للاشتباه بتورطهم في دعوات تبشيرية في مدينة بنغازي، وتوفي أحدهم خلال الاحتجاز. كما قُتل في العام نفسه قبطي مصري في هجوم على كنيسة القديس جرجس للأقباط في محافظة مصراتة (غرب ليبيا).

وفي نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2014 قتل (7) مسيحيين مصريين عند أحد شواطئ شرق ليبيا، ممّا أثار موجة غضب عارمة.

واحتلت ليبيا عام 2019 المركز الرابع دولياً والثاني عربياً في قائمة البلدان الأكثر قمعاً للمسيحيين، وفقاً لتقرير أصدرته منظمة (أوبن دورز) التي تراقب أوضاع المسيحيين عبر العالم. وقال التقرير: إنّ "المسيحيين في ليبيا يتعرّضون للعنف والقتل من الجماعات الإسلامية المتطرفة، كما يتعرّض العمال المسيحيون الوافدون من الدول الأخرى للقمع نفسه".

قوانين صارمة

وتبنّت ليبيا منذ نهاية ستينات القرن الماضي قوانين صارمة بخصوص موضوع الأقليات الدينية، وقد تضمّن قانون العقوبات نصوصاً تمنع المسلمين من اعتناق أيّ ديانة أخرى، باستثناء الذين يولدون على ديانة مختلفة حيث يُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية، مع منعهم من القيام بأيّ حملة لمصلحة معتقداتهم الدينية. 

وتنص المادة (291) من قانون العقوبات الليبي على أنّه "يعاقب بالإعدام حدّاً كل مسلم مكلف ارتد عن الإسلام بقول أو فعل، وتسقط العقوبة بتوبة الجاني في أيّ مرحلة قبل تنفيذ الحكم"، كما "يعاقب بالسجن كل من صدر منه ما يُعدّ إساءة للدين الإسلامي، ما لم يبلغ حدّ الردة. ويعاقب غير المسلم بالإعدام إذا أهان دين الإسلام علانية".

تبنّت ليبيا منذ نهاية ستينات القرن الماضي قوانين صارمة بخصوص موضوع الأقليات الدينية

وفي عام 2016 أشرف خبراء قانونيون على مراجعة مجموعة من القوانين المتعلقة بالممارسات الدينية في هذا البلد المغاربي، حيث تم حذف (3) نصوص، وخضعت أخرى لبعض التعديلات.

واتهم المستشار القانوني للمنظمة الليبية لحقوق الإنسان أبو عجيلة العلاقي الجماعات المتطرفة في ليبيا بـ "السيطرة على المجال العام في البلاد، وتقويضهم لأيّ فرص لتطور المجتمع الليبي، بما يسمح له بالتعايش مع الذين يخالفونه القيم والمعتقدات". وأضاف في تصريح لـ "النهار العربي": "في الماضي لم يكن هناك أزمة أبداً في ليبيا، فعلى مرّ تاريخها، عاش فيها المسيحيون واليهود والمسلمون جنباً إلى جنب من دون أيّ أزمات". ورأى أيضاً أنّ ليبيا تواجه معضلة "عدم تكييف نصوصها القانونية مع الالتزامات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها"، داعياً إلى حوار مجتمعي واسع بشأن ملف الأقليات، الذي أصبح يسيء إلى صورة ليبيا وسمعتها في الخارج.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية