المراهنون على إيران... أمريكا والإخوان

المراهنون على إيران... أمريكا والإخوان

المراهنون على إيران... أمريكا والإخوان


25/06/2023

يبدو أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن أصبحت لديه قناعة مفرطة بأنّ التعامل مع ملف إيران النووي بكثير من التصعيد ينطوي على مخاطرة كبرى، لذلك توجه نحو تبريد هذه الحالة المربكة من التصعيد التي استمرت أعواماً كثيرة، تغلي على نار العقوبات السياسية والعسكرية دون أن تنتج أيّ تقدم باتجاه منع إيران من تحقيق مستويات قياسية في عمليات الصناعة النووية من التخصيب العالي لليورانيوم إلى الآلات والأجهزة إلى الأرضية الدولية المهيّأة لاستقبال إيران كقوة نووية.

الولايات المتحدة الأمريكية، كلّ ما يرشح عن سياساتها باتجاه إيران لا يوفر نسبة معقولة من القناعة بأنّها ماضية إلى الأمام بكبح جماح إيران النووي، بأيّ وسيلة ممكنة أو غير ممكنة، فالحرب على إيران وسيلة غير ممكنة، والعقوبات وسيلة ممكنة، ولكن هناك خيار أو خطة جديدة، أو بديلة، تعرّض لبعض تفاصيلها كل من إيريك بروير نائب الرئيس في مبادرة التهديد النووي الذي عمل في مجلس الأمن القومي ومجلس الاستخبارات الوطني، وهنري روما من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في مقال لهما في (فورين أفيرز) ترجمته (إندبندنت عربية)، ذكرا في مقالهما المشترك أنّ تبنّي بايدن للخطة بديلة في المواجهة مع إيران قوامها الدبلوماسية المرنة، أو بعبارة الكاتبين (التوسل بحل دبلوماسي على أمل أن تنضج شروط صفقة جديدة لتحل محل خطة العمل الشاملة المشتركة، وتكون أكثر ملاءمة مع مرور الوقت)، وهذا يعبّر عن رغبة الولايات المتحدة في تجنب إثارة أزمة تصرف الانتباه عن الأولويات الأخرى، وأنّ الخوف من دفع تكاليف باهظة في المستقبل يجعل من الضرورة تبنّي هذا النوع من التوسل الأمريكي لإيران. ولعل ما يقلق أكثر إدراك الولايات المتحدة أنّ إيران لم تسدد أيّ ثمن تقريباً خلال الأشهر الأخيرة لقاء اجتيازها مراحل التقدم النووي هذه، لا، بل على العكس من ذلك، تحسن موقعها الجيوسياسي، وعززت صلاتها بالصين وروسيا، وطبّعت العلاقات مع بعض جيرانها، بما فيهم منافستها الإقليمية السعودية، كما يقول بروير وروما.

سيبقى الإخوان يراهنون على إيران، وإن بدت منهم بعض التصريحات المناهضة للتوجهات الإيرانية، إلّا أنّ ذلك لا يرقى إلى  أن يكون قناعة وإيماناً، بل مجرد محاولة للانسجام مع الراهن وتطورات المشهد السياسي تجاههم

خوف الولايات المتحدة أيضاً من استنفاد طاقتها في الملف الإيراني، ممّا قد يبعدها قليلاً أو كثيراً عن أمور أهم وقضايا أكثر إلحاحاً، هو أيضاً دافع لتبريد المواجهة السياسية والاقتصادية مع إيران.

باختصار، فإنّ الولايات المتحدة بهذا التفكير، وهذا الاتجاه الجديد والاستدارة الملفتة الهادئة، تعلن أنّ الرهان على إيران يمكن أن يكون صواباً، أو على الأقل، تريد أن تمارس ذلك دون قناعة كافية، المهم ألّا تتورط في اهتمامات طويلة الأمد، تلهيها عن اهتماماتها الأخرى الأكثر إلحاحاً وضرورة، مثل الملف الصيني الروسي، عدا عن أنّه كان واضحاً أنّ الولايات المتحدة تعيد إنتاج تفكيرها إزاء الشرق الأوسط، وقد يكون الآن -كما يصرّح بايدن- خطر الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي والاقتصاد الأمريكي كبيراً جداً، ومهدداً حقيقياً، ربما يكون أكبر من خطر إيران.

الرهان الأمريكي على إيران تعلم الأولى أنّه خاسر، أو أنّ نسبة الخسارة فيه أكثر من نسبة الربح، لكنّها تمضي فيه، لأنّه في لحظة ما يكون الخيار الفاشل خياراً مقبولاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تأجيل الملف وتبريده دبلوماسياً ليس فشلاً، والرهان عليه، وإن كان ليس نجاحاً، لكنّه أيضاً ليس فشلاً بالمطلق.

الطرف الثاني الذي يراهن على إيران، وبقوة، خاصة في مثل هذا الظرف العالمي والواقع الدولي، هم الإخوان المسلمون، فالذي تعانيه الجماعة من فقدانها لأرضية صلبة تسند فيها أقدامها الرخوة، جعلها تعيد إنتاج تفكيرها باتجاه قوى ودول الممانعة، فإيران بالنسبة إلى الإخوان تاريخياً، خيار دائم ومستمر، وإن كانا يمثلان طرفي صراع مرير في التاريخ الإسلامي بين السنّة والشيعة، إلّا أنّهما متقاربان في التوظيف الإيديولوجي للدين في الحقل السياسي، ليس هذا فحسب، بل تحت غطاء محاولة صناعة تقارب وظيفي بين ممثلي القوى الإسلامية وإيران جزء من هذا، اعتبروا إيران شريكاً، وتعاطوا معها باهتمام، ونسقوا المواقف ومارسوا المقاومة بتحريض ودعم وتوجيه منها، واليوم في الوقت الذي يقف فيه الإخوان المسلمون على حافة الجغرافيا المفخخة التي تثور تحت أقدامهم، يعتبر الرهان على إيران في صالحهم، وفي صالح إيران بالطبع، لأنّها تريد أن تمسك الريموت كونترول المبرمج مع قوى اليمين الإسلامي، وتحديداً مع الإخوان المسلمين، وتستثمر فيه إقليمياً، بما يعزز من نفوذها وتوسعها، وهذا ليس مثار قلق لدى الإخوان الذين لم يعترفوا يوماً بالدولة القُطرية، بل بالدولة الإسلامية، ويذكر مؤرخو الحركات الإسلامية حادثة قديمة تأسست عليها انحيازات الإخوان لإيران، وهي ما نُشر في مجلة الدعوة المصرية التي مثلت الخطاب الرسمي للإخوان المسلمين، حول تصريح لأبي الأعلى المودودي، قائلاً: "ثورة الخميني ثورة إسلامية، والقائمون عليها هم جماعة إسلامية، وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية، وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيد هذه الثورة، وتتعاون معها في جميع المجالات".   

خوف الولايات المتحدة من استنفاد طاقتها في الملف الإيراني هو أيضاً دافع لتبريد المواجهة السياسية والاقتصادية مع إيران

سيبقى الإخوان المسلمون يراهنون على إيران، وإن بدت منهم بعض التصريحات المناهضة للتوجهات الإيرانية، إلّا أنّ ذلك لا يرقى إلى  أن يكون قناعة وإيماناً وعقيدة، بل مجرد محاولة للانسجام مع الراهن وتطورات المشهد السياسي تجاههم.

رهان الإخوان على إيران حقيقي، على الأقل في العقل القيادي لديهم، بمعزل عن قناعات القواعد الإخوانية وأفرادها، فعقد القران بين إيران والإخوان قديم وجديد ومتجدد، لا سّيما في ظل حالة الانغلاقات التي يواجهها الإخوان المسلمون.

الفرق بين رهان الولايات المتحدة الأمريكية والإخوان المسلمين على إيران، أنّ الأول رهان تكتيكي، بينهما الرهان الثاني انسجام بنيوي.

مواضيع ذات صلة:

إيران والإخوان: ما فرّقته المذهبية تجمعه المصالح السياسية

العالم يفكر بعقل قلق تجاه إيران... لماذا؟

العرب المحاصرون بالأيديولوجيا .. دينية إيران وقومية تركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية