تصفية حسابات عراقية بذريعة "مكافحة الفساد"

تصفية حسابات عراقية بذريعة "مكافحة الفساد"

تصفية حسابات عراقية بذريعة "مكافحة الفساد"


13/12/2022

تمثل الإقالات التي جرت في صفوف قيادات أمنية بوزارة الداخلية العراقية، انعكاساً للسياسة التي تنفذها حكومة محمد شياع السوداني، والتي يصفها مراقبون لـ"حفريات" أنّها حكومة "الإطار التنسيقي". هذه التغييرات المؤثرة التي طاولت مناصب وقيادات عليا في جهاز المخابرات الوطني تؤشر إلى صراع نفوذ بين القوى السياسية، رغم الدوافع الأخرى المعلنة ومنها "مكافحة الفساد".

العودة إلى ما قبل الكاظمي

وبحسب تقديرات عديدة، فإنّ هذه الخطوة تعكس رغبة محمومة من قبل المجموعات السياسية المقربة من إيران، لجهة السيطرة على جهاز المخابرات العراقي. ولذلك جرى عزل قوى وشخصيات لا تحظى بقبول لدى "الإطار". وجاءت القرارات الأخيرة، لتشمل تنحية مدير الأمن ومدير المراقبة ومدير عام الفنية ومدير عام الإدارية في جهاز الاستخبارات العراقي. كما أصدرت الهيئة العليا لمكافحة الفساد قرار ضبط وإحضار ومنع سفر بحق الرئيس السابق لجهاز المخابرات، القاضي رائد جوحي، على خلفية اتهامه بالتراخي في تنفيذ أمر القبض الصادر بحق أحد مديري عمليات المخابرات الهارب، اللواء ضياء عبدالعزيز الموسوي.

وفي حين تبدو إزاحة الأسماء المقربة من حكومة مصطفى الكاظمي، أمراً مقصوداً ومتعمداً، فإنّ الجنرال أحمد أبو رغيف، وكيل الاستخبارات في الداخلية، كان من بين أبرز العناصر المستهدفة، وقد بلغت أعدادهم أكثر من 900 شخص في وزارة الداخلية وجهازي الأمن الوطني والمخابرات. كما جرى إقالة قائد حرس الحدود ووكيل الشرطة وجهاز مكافحة المخدرات، وعشرات القيادات في الشرطة الاتحادية.

محمد الطائي: الحكومة الحالية شكلت رغماً عن إرادة الشارع العراقي

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن مصادر "موثوقة" ترجيحاتهم بشأن "إصدار مذكرات بحق عدد منهم"، تتحدث عن "عمليات تطهير متعمدة داخل الحكومة لصالح جهات حزبية نافذة في الإطار التنسيقي".

ونفى قياديان في "حركة عصائب أهل الحق" و"الدعوة الإسلامية"، وجود أيّ دور للإطار التنسيقي في حدوث هذه الإجراءات. وقال القياديان إنّ "الإطار التنسيقي لا يتدخل في هذه القرارات". غير أنّهما تحدثا عن "ضرورة تصويب العمل الحكومي بتعيين شخصيات كفؤة بدلاً من آخرين ارتكبوا مخالفات قانونية وإدارية ومالية خلال العامين الماضيين".

التغييرات المؤثرة التي طاولت مناصب وقيادات عليا في جهاز المخابرات الوطني تؤشر إلى صراع نفوذ بين القوى السياسية، رغم الدوافع الأخرى المعلنة ومنها "مكافحة الفساد"

ونهاية الشهر الماضي، تم تغيير العديد من القيادات الأمنية نتيجة الاعتداءات المتكررة على الحدود العراقية الإيرانية، وتحديداً في إقليم كردستان، إذ كلف وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري، اللواء محمد سكر بمنصب قائد حرس الحدود بدلاً من الفريق حامد الحسيني. ووفق وكالة الأنباء العراقية، فإنّ خلية الإعلام الأمني قالت إنّ التغييرات تأتي في إطار "ضرورة النهوض بواقع المؤسسة الأمنية وتلبية لمتطلبات تطوير الأداء ورفع مستوى الجاهزية".

وعزا الباحث العراقي في مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، رائد الحامد، هذه الإجراءات التي تطغى عليها التأويلات السياسية، إلى أنّها "محاولة من قوى الإطار التنسيقي الاستحواذ على جهاز المخابرات؛ لذلك يمكن القول إنّ برنامج مكافحة الفساد الذي يعمل عليه السوداني يركز أساساً على القوى والشخصيات التي لا يرغب فيها قيادات الإطار".

السوداني ومعضلة الولائية

ووفق الباحث العراقي في مركز تريندز، فإنّ "قيادات الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، لم تكن راضية عن الكاظمي الذي جاء به مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري المنافس لـ"الإطار التنسيقي"، رغم أنّ نفوذ هذه الفصائل تضاعف في أيامه لاعتقاده أنّ فتح مؤسسات الدولة أمام قياداتها وعدم الصدام سيساعده في ولاية جديدة، وكانت حساباته خاطئة".

ويتابع: "قرار الكاظمي حين كان رئيساً للوزراء ومشرفاً على جهاز المخابرات باستبعاد نحو 300 من موظفي الجهاز أغضب قيادات الإطار، واتهمت الجهاز بأنّه مخترق لصالح دولة في الإقليم. ليس مستغربا أن تكون أولى قرارات حكومة السوداني "الإطارية" إعادة هيكلة جهاز المخابرات بما يكفل إبعاد المحسوبين على التيار الصدري والكاظمي، وتجريد قياداته من أكراد وعرب سنة من صلاحياتهم ما لم يتم استبعادهم؛ تجنبا لكسر أقانيم المحاصصة السياسية".

الناشط والسياسي العراقي المستقل، محمد الطائي، يقول إنّه قد توالت أحداث كثيرة قبيل تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، الأمر الذي وضع، في الحقيقة، الإطار التنسيقي أمام خطر وجودي يتصل باحتمالية تلاشي نفوذه في جميع مؤسسات الدولة، نتيجة قرارات حكومية قبل وبعد وأثناء انتفاضة تشرين.

ولمّح الطائي في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّه من أولى قرارات حكومة السوداني إلغاء 900 أمر إدراي قد صدر من الحكومات العراقية في الفترة ما بين عامي 2014 و2022، موضحاً أنّ "هذه الفترة رغم مشاكلها الكثيرة إلا أنّها بشكل أو بآخر كانت فترة تفتيت الدولة العميقة لأحزاب الإطار التنسيقي، خاصة في عام 2021". ويرجح أنّ "الأوامر التي صدرت من السوداني لتغيير كثير من المناصب العسكرية لا تختلف عن تلك التغييرات في المناصب الإدارية داخل الوزارات وفي إدارة المحافظات. فبعد معركة الوصول التي خاضها "الإطار التنسيقي" للفوز بهذه الحكومة ومواجهة أخطار جمّة استهدفت نفوذه في جميع المؤسسات، كان لا بد له أن يعيد سيطرته على تلك المفاصل الحيوية، خاصة أنّ هذه الحكومة لا تمتلك خيارات كثيرة".

صراع مع إرادة الشعب العراقي

ويؤكد الناشط العراقي والسياسي المستقل، أنّ هذه الحكومة الحالية قد شكلت رغماً عن إرادة الشارع العراقي الناقم على أحزاب "الإطار التنسيقي" التي تطاولها الكثير من شبهات الفساد المالي والإداري. وهذا كله تحت مراقبة المجتمع الدولي والتأثيرات الإقليمية. وفي مثل هذه الظروف نرى تلك القرارت التي يعتقد "الإطار" أنّها فرصة لإعادة فرض هيمنته وشبكة نفوذه، بشكل كامل ومحكم، بما يضمن لقوى "الإطار" النجاح والفوز في انتخابات مجالس المحافظات القادمة. وقد سعى "الإطار التنسيقي" إلى إعادة العمل بنظام الانتخابات "سانت ليغو 107" والذي تم الغاؤه نتيجة لاحتجاجات تشرين. وفي ظل هذا النظام الانتخابي، فإنّ أصوات الناخبين من المؤسسة العسكرية ستضمن الفوز لقوى الإطار. وهذه، ربما، أحد أهم أسباب التغييرات في المناصب الأمنية، فضلاً عن أنّ بسط النفوذ والسيطرة على المؤسسة الأمنية يضمن حرية التحرك للفصائل المسلحة التابعة للاطار التنسيقي.

المحلل السياسي العراقي محمود عزو لـ"حفريات": الإقالات تعتبر بمثابة جزء من برنامج حكومي لاستبدال القيادات الأمنية بأخرى، الأمر الذي يعتبر نهجاً لا يختلف عن سوابقه

وإلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي العراقي، محمود عزو، على أنّ هذه الإقالات تعتبر بمثابة "جزء من برنامج حكومي لاستبدال القيادات الأمنية بأخرى، الأمر الذي يعتبر نهجاً لا يختلف عن سوابقه".

وتهدف حكومة السوداني، التي هي حكومة "الإطار"، إلى أن تثبت جديتها في إقالة الجنرالات والقادة العسكريين في وزارتي الدفاع والداخلية، وفق حديث عزو لـ"حفريات"، وذلك بما يضمن لها تحقيق رؤيتها في هيكلة المؤسسات الأمنية العراقية. ففي ظل الترهل الكبير لهذه المؤسسات والهشاشة الأمنية في بعض المناطق، ومنها الحدود، فإنّ الوضع الأمني يحتاج إلى إعادة نظر، خاصة مع تنامي احتمالات حدوث صراع إقليمي على الساحة المحلية.

مواضيع ذات صلة:

ماذا بعد تهديدات قائد فيلق القدس بمواصلة قصف العراق؟

الأكراد تحت النيران... هجمات إيرانية ـ تركية عنيفة شمالي العراق

موقع إيراني يتهم المالكي بالفساد: هو سبب فشل حكم الشيعة بالعراق



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية