تعديل حكومي مرتقب في تونس قد يقلب توازنات القوة... ما علاقة النهضة؟

تعديل حكومي مرتقب في تونس قد يقلب توازنات القوة... ما علاقة النهضة؟


10/01/2021

على الرغم من أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد بدا هادئاً خلال استقباله رئيس الحكومة هشام المشيشي أوّل من أمس، في قصر قرطاج، فإنّ ودّية اللقاء البادية لا تُخفي الصراع المحتدم بين مؤسسة الرئاسة والحكومة والبرلمان، وسط مؤشرات بأنّ الفترة المقبلة تتجه إلى مزيد من التصعيد، غير أنّه قد لا يكون في صالح الرئيس التونسي، وذلك بعد الإعلان عن تعديل حكومي مرتقب.

رئيس الحكومة هشام المشيشي

وعلى خلاف العادة، فإنّ اللقاء الأخير لم تصدر عنه تصريحات مطوّلة للرئيس الذي اكتفى بالتأكيد على أنّ "الدولة واحدة ومؤسساتها تعمل وفق القانون في تكامل"، وفق بيان للرئاسة. وأشار البيان أيضاً إلى أنّ اللقاء تناول "التباحث حول الوضع العام بالبلاد، وخاصة على المستوى الصحي، والتأكيد على ضرورة الإسراع باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للتحضير لإطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا".

يأتي ذلك عقب أيام فقط من الإطاحة بوزير الداخلية توفيق شرف الدين في 5 كانون الثاني (يناير) الجاري، دون إعلان عن الأسباب، غير أّنّ ما كشفت عنه التسريبات والأروقة السياسية أنّ الإقالة جاءت بعدما نفذ الوزير تعديلات وتعيينات في المناصب داخل الوزارة دون العودة إلى رئيس الحكومة، ويرى آخرون أنّ السبب محض حجّة للإطاحة بوزير محسوب على قصر قرطاج، وأنّ التغيير لن يكون الأخير.

صرّح المشيشي بتوجهه إلى إجراء تغيير وزاري لن يقتصر على المقاعد الـ3 الشاغرة وإنما يعتمد على تقييم أداء الوزراء

وفي غضون أيام من الإقالة، التي بموجبها باتت 3 مقاعد وزارية شاغرة في الحكومة، صرّح المشيشي بتوجهه إلى إجراء تغيير وزاري لن يقتصر على المقاعد الـ3 الشاغرة، وإنما يعتمد على تقييم أداء الوزراء.

وقبل إقالة وزير الداخلية، تمّت إقالة وزير الثقافة وليد الزيدي، المحسوب أيضاً على القصر، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ثمّ إقالة وزير البيئة مصطفى العروي، والتحقيق معه في قضية فساد.

وزير الثقافة وليد الزيدي

في وقت يرى فيه مراقبون أنّ التغيير الوزاري لن يعتمد على تقييم الأداء بقدر ما سيسعى إلى إرضاء حركة النهضة وحزب قلب تونس، فقد منحا الحكومة الثقة في أيلول (سبتمبر) الماضي، ومن وقتها باتت المؤشرات في تزايد حول ميل المشيشي إلى محور الأغلبية البرلمانية، الذي تمثله حركة النهضة وحلفاؤها، مقابل الجفاء والخلاف مع الرئيس سعيد.

وربما أراد المشيشي أنّ يضمن بقاءه أطول فترة ممكنة في رئاسة الحكومة، وألّا يكرّر ما فعله رئيس الحكومة التونسية السابق إلياس الفخفاخ، الذي رفض الخضوع للنهضة والموافقة على طلبها لإجراء تعديل حكومي يُشرك فيه حليفتها "قلب تونس" في الحكومة، لذلك انقلبت عليه وتحرّكت لسحب الثقة منه، فاضطر بضغط من الرئيس أن يبادر هو بتقديم استقالته.

ربما أراد المشيشي ألّا يكرّر ما فعله رئيس الحكومة التونسية السابق إلياس الفخفاخ، الذي رفض الخضوع للنهضة والموافقة على طلبها لإجراء تعديل

السيناريو ذاته كان متوقعاً سلوكه مع المشيشي، إذا ما اختار الولاء للرئيس الذي اختاره من البداية لتشكيل الحكومة، لذا فإنّ التغيير الوزاري المرتقب إمّا أن يأتي بشخصيات تكنوقراط مستقلة بعيدة عن هوى الأحزاب، وفي مقدمتها حركة النهضة، فيعكس شيئاً من التوازن وربما الاستقرار، وإمّا أن يأتي على هوى النهضة، وربما بأسماء حزبية فيهجّن الحكومة، ويُنذر بمزيد من التصادم.

رئيس الحكومة التونسية السابق إلياس الفخفاخ

ويرجّح تصريح سابق للرئيس قيس سعيد أنّ التغيير إنما يأتي ضمن لعبة سياسية لترجيح كفة النهضة، فقد "اتهم في خطاب بمناسبة نهاية السنة الميلادية أطرافاً لم يسمّها بإجراء مشاورات لإدخال تعديل على الحكومة، أو توجيه لائحة لوم ضدّها. وقال سعيد: إنّ "حكومات تتعاقب ومشاورات تتواصل وأعمالاً تُحبك من أجل تحقيق توازنات، بعضها ظاهر وأكثرها خفي"، بحسب ما أوردته جريدة "العرب" اللندنية.

اقرأ أيضاً: تونس: أشباح عهد بن علي تطارد الثورة؟

في غضون ذلك، دافع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن التعديل المرتقب، مشدداً على ضرورة "القيام بتعديل وزاري على أساس تقييم الأداء، لرفع كفاءة الحكومة وتحسين الأداء"، معتبراً أنّ "أداء بعض الوزراء متواضع"، وذلك حسب إذاعة "شمس إف إم" التونسية.

الحوار التونسي

ومن جهة أخرى، يتواصل التجهيز لإجراء حوار وطني في تونس لمناقشة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية غير المسبوقة، والذي سبق أن تبنّاه الرئيس التونسي، بعد دعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل.

اقرأ أيضاً: دعوى ضد نائب تونسي لإهانته المرأة .. ماذا قال؟

وعلى الرغم من تراجع فرص إحداث ذلك الحوار اختراقات في المشهد، في ظلّ حالة التشاحن السياسي وصراع القوى الذي يتزايد يوماً بعد يوم، فإنّ الأعين معلقة به على أمل أن يصبح بادرة لتفاهمات ما، إذا ما وعت الأطراف المختلفة أنّ الصراع يهدّد سلطة الجميع.

وفي غضون ذلك، أفاد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، اليوم الأحد 10 كانون الثاني (يناير) 2021، أنّ آلية مشاركة الشباب في الحوار الوطني المرتقب تنظيمه قريباً، ستحتكم إلى تمثيل هذه الفئة العمرية ضمن الوفود المشاركة من المنظمات والأحزاب، بحسب ما أورده موقع إذاعة شمس إف إم التونسية.

الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري

واعتبر الطاهري أنّ المواقف الصادرة عن الأحزاب السياسية رحّبت جلّها بالحوار الوطني، مشيراً إلى أنّ الحوار يهمّ الأحزاب والمنظمات الوطنية، إلّا من أقصى نفسه بنفسه.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد دعا مؤخراً إلى مشاركة الشباب في أشغال الحوار الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، في إطار مبادرة تهدف إلى إنقاذ البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، زادت من وطأتها جائحة كورونا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية