جبهة الخلاص تهدد تونس بــ "المعرة الكبيرة".. كيف وظف وكلاء النهضة أزمة المهاجرين الأفارقة؟

جبهة الخلاص تهدد تونس بــ "المعرة الكبيرة"؛ كيف وظف وكلاء النهضة أزمة المهاجرين الأفارقة؟

جبهة الخلاص تهدد تونس بــ "المعرة الكبيرة".. كيف وظف وكلاء النهضة أزمة المهاجرين الأفارقة؟


12/07/2023

تمضي جبهة الخلاص الوطني في تونس على خُطا حركة النهضة التي دأبت كثيراً على تأزيم الأوضاع الداخلية في تونس، وتعطيل عمل مؤسسات الدولة خلال العقد الماضي؛ عبر الاستمرار في تنظيم الوقفات الاحتجاجية، والندوات الصحفية الطارئة الخاصّة بعدد من الشخصيات التي تم توقيفها على ذمة قضايا تتعلق بأمن الدولة، وأخيراً الاشتباك مع أزمة الهجرة غير الشرعية، من خلال تصريحات عدد من قيادات الجبهة ضدّ الرئيس قيس سعيّد.

في هذا السياق، أعلن رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي عن تنظيم حراك ميداني يوم 25 تمّوز (يوليو) الجاري، مؤكداً أنّه لن يكون مجرد وقفة رمزية كالتي تنفذها الجبهة أسبوعياً تضامناً مع المعتقلين السياسيين.

وقال الشابي: إنّ تحرك الجبهة القادم سيركز، إلى جانب الملف السياسي الوطني، على معاناة المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء، التي تسبب فيها النظام القائم، على حد قوله، معتبراً أنّ هذا الملف هو من صميم اهتمامات الجبهة خلال الفترة الراهنة.

وزعم الشابي أنّ ما آل إليه وضع المهاجرين الأفارقة ينبغي وصفه بـ "المعرة الكبيرة"، التي ستلاحق تونس لمدة طويلة من تاريخها.

من جانبه، علّق الرئيس التونسي قيس سعيّد على أزمة المهاجرين المتفاقمة في البلاد، قائلاً: إنّ "تونس ليست شقة مفروشة للبيع والإيجار"، نافياً في الوقت نفسه وجود انتهاكات منظمة ضدّهم.

تصعيد ممنهج

في هذا السياق، يشير الكاتب التونسي مراد علالة إلى أنّه لم يعد أمام جبهة الخلاص، وعمودها الفقري حركة النهضة، سوى رفع سقف الخطاب، والإكثار من التحرك الإعلامي؛ في محاولة للضغط على السلطة، وتحديداً على رئيس الجمهورية قيس سعيّد، فالمواجهة كما يعلم الجميع مفتوحة بين الطرفين.

ويتابع علالة في تصريحاته لـ "حفريات" بقوله: "نحن أمام تصعيد كلامي يسعى نحو إحراج النظام، لكنّه لا يغير موازين القوى تغييراً جذرياً؛ باعتبار أنّ الداخل لا تعنيه كثيراً هذه المعركة، والخارج يبحث عن مصلحته، ولا يهمه إن وجدها في النهضة، أو في قيس سعيدّ، مثلما وجدها في وقت من الأوقات مع نداء تونس، وقبل 2011 مع النظام القديم". ويرى علالة أنّه حتى بالنسبة إلى المحور التقليدي المساند للإسلام السياسي، فثمّة رياح هبت على المنطقة، وفرضت تعديل الأوتار في أنقرة والدوحة وعواصم أخرى.

الكاتب التونسي مراد علالة

ويضيف علالة أنّ ذلك يأتي على مستوى الشكل؛ أي التركيز على الندوات الصحفية والحملات في الفضاء الافتراضي، ووقفات محدودة في الساحات، أمّا على مستوى المضمون، فيمكن القول إنّ جبهة الخلاص تحاول التحرك على تخوم النظام، والسعي عبر ثغرات ووهن الحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطن التونسي، وليس في إبراز مشروعها، أو برنامجها، من أجل استعاده ثقة الشعب التونسي.

وتابع: جبهة الخلاص تسعى نحو التركيز على ما يعتبرونه أخطاء، ويقدرونه تجاوزات، في طريقة اعتقال قيادات النهضة مثلاً، وكذلك الوجوه السياسية والنقابية والإعلامية، والتركيز على انتهاك حقوق الإنسان، سواء عند الإيقاف، أو خلال التحقيقات، أو توجيه التهم الخطيرة من قبيل التآمر على أمن الدولة.

مراد علالة: جبهة الخلاص، أو حركة النهضة، لم تعد قادرة على تحريك الشارع كما كانت تفعل من قبل، ومصداقيتها اهترأت إلى أبعد الحدود

كما ينبغي التركيز على اشتباك جبهة الخلاص مع أزمة المهاجرين الأفارقة، كما جاء في تصريحات أحمد نجيب الشابي، وإعلانه أنّ هذا الملف سيكون من صميم اهتمامات الجبهة؛ بغية الضغط على الرئيس، واستثمار ذلك الزخم لصالحهم.

ويختتم الكاتب مراد علالة تصريحاته بقوله: إنّ هذه المقاربة التي انتهجتها جبهة الخلاص، ووجوه معارضة أخرى في الداخل والخارج، لم تكن خياراً بقدر ما كانت ضرورة لعدة أسباب؛ منها:

أوّلاً: لأنّ جبهة الخلاص، أو حركة النهضة، لم تعد قادرة على تحريك الشارع كما كانت تفعل من قبل، ومصداقيتها اهترأت إلى أبعد الحدود، وحتى من يختلف مع قيس سعيّد اليوم، جراء القلق من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فهو لا يريد العودة إلى ما قبل 25 تمّوز (يوليو) 2021.

ثانياً: ما فعله راشد الغنوشي رئيس النهضة في التنظيم أنهكه، وجعل الكثير من الطاقات ومن الكوادر ومن الوجوه التاريخية تنسحب، واختار بعضها التقاعد السياسي، والبعض الآخر فتح مشاريع سياسية خاصّة، فضلاً عمّن دار في فلك جبهة الخلاص من باب الوفاء للماضي لا غير.

حركة النهضة على خط التصعيد

في السياق ذاته، قال القيادي في حركة النهضة، عضو جبهة الخلاص الوطني، العجمي الوريمي: إنّ معاناة التونسيين مستمرة، وأضيف إليها معاناة ضيوف تونس من المهاجرين الأفارقة، والمهاجرين العالقين في تونس، زاعماً أنّ السلطة أضافت بمواقفها وتصرفاتها مأساة فوق مأساتهم.

وأضاف الوريمي على هامش الوقفة التي نفذتها الجبهة يوم السبت 8 تموز (يوليو) الجاري، وسط العاصمة تونس للتضامن مع المعتقلين السياسيين، أنّ "تونس الثورة والديمقراطية والتنوير والعقلانية، وتونس الهوية والعروبة والإسلام، ينظر إليها اليوم باعتبارها بلد التطهير العرقي، ينظر إليها باعتبارها بلد العنصرية الذي لا يراعي حقوق الإنسان، ولا يحترمها".

وتابع قائلاً: "الجبهة اليوم لا تندد وتحتج وتستنكر الاعتداءات على حقوق الإنسان في حق التونسيين فقط، ولكن أيضاً تحتج على انتهاك حقوق الإنسان ككل، سواء كان عربياً قادماً من السودان، أو أفريقياً قادماً من جنوب الصحراء، إن أتى بطريقة شرعية أو غير شرعية، أو ضحية للاتجار بالبشر، أو ضحية حسابات إقليمية ودولية".

المحلل السياسي، جمعي القاسمي

من جانبه، يصف  الجمعي القاسمي، الكاتب والباحث السياسي التونسي، في تصريحاته لـ "حفريات" جبهة الخلاص الوطني بأنّها تعيش الآن ما بعد مرحلة الاحتضار، وفقدت كل معنى يشي بحضورها، أو يدنو من التماس أيّ أثر أو فعالية لمكوناتها؛ كونها عرفت يقيناً معنى عزلة الشارع، وانسلخت عن أيّ حاضنة اجتماعية.

ويتابع الكاتب التونسي تصريحاته، مؤكداً أنّ جبهة الخلاص تدرك تماماً أنّ الشارع التونسي غير مبالٍ بكافة تحركاتها وتصريحات قاداتها، وذلك يعود في تقديره لعدة أسباب، من أهمها أنّ الشارع لم يعد يحتمل التعامل مع قيادات النهضة والجبهة، ويرى أنّهم السبب الرئيس في كل ما يعانيه المواطن من أزمات اقتصادية ومعيشية. ويردف الجمعي قائلاً: الرئيس قيس سعيّد يدرك تماماً التصدع العنيف الذي يضرب حركة النهضة وجبهة الخلاص؛ ولذلك يبتعد تماماً عن أيّ سيناريو يدفع نحو المواجهة مع تلك المكونات في الأفق المنظور.

الجمعي القاسمي: جبهة الخلاص تدرك تماماً أنّ الشارع التونسي غير مبالٍ بكافة تحركاتها وتصريحات قاداتها

ويعلق الكاتب التونسي على تصريحات المنصف المرزوقي حول قضية المهاجرين، وهجومه المستمر على الدولة والرئيس، بقوله: إنّ "تونس أصبحت اليوم مثالاً للعنصرية في العالم"، ويرى أنّ تصريحات المرزوقي خارجة عن النص، وهو يعلم تماماً أنّه ورقة وظيفية في يد تنظيمات الإسلام السياسي، والهدف من تلك التصريحات هو الضغط على الدولة والرئيس، متوهماً أنّ ما يفعله قد يدفع الأمور نحو صيغة تفاوضية تبعث الروح مرة أخرى في الجسد الميت.

ويختتم الكاتب التونسي الجمعي القاسمي تصريحاته لـ "حفريات" بقوله: إنّ ثمّة أهمية لافتة في تجمع مكونات المجتمع  التونسي نحو حوار وطني شامل، يضم كافة العناصر الوطنية والفاعلة في الداخل؛ صوب رؤية وطنية حداثية، تقدّم الصيغة الملائمة التي ينبغي المضي فيها قُدماً لصالح المستقبل، وبعيداً عن كافة تنظيمات الإسلام السياسي.

مواضيع ذات صلة:

جدل العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية وجبهة الخلاص في تونس

هل تكون جبهة الخلاص بوابة تنازلات النهضة لاسترضاء قيس سعيد؟

تونس... هل ينجح البرلمان الجديد في ما فشل فيه برلمان الإخوان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية