سوريا والعراق: صندوق الرسائل السياسية في زمن الصراعات الإقليمية

سوريا والعراق: صندوق الرسائل السياسية في زمن الصراعات الإقليمية

سوريا والعراق: صندوق الرسائل السياسية في زمن الصراعات الإقليمية


23/11/2023

في ظل تفاقم الحرب في قطاع غزة، بعد الهجمات التي شنتها حركة حماس على إسرائيل، تكررت الاعتداءات الميليشياوية المدعومة من إيران، وخاصّة ما تعرف بـ "المقاومة الإسلامية في العراق"، على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بينما تتواصل وتتزايد الهجمات الولائية، بما يعكس نوعاً من الرسائل التي تبعث بها طهران إلى الولايات المتحدة والغرب، وبالتبعية تل أبيب. 

ويمثل ذلك تطوراً خطيراً على الساحة السورية والعراقية؛ نظراً لتصاعد التوترات إلى حدّ تبادل الطرفين القصف الذي لم يهدأ بعد، خاصّة أنّ واشنطن استهدفت مؤخراً منشآت عسكرية تابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني"، وتشمل المعدات العسكرية مثل: الصواريخ، والأسلحة، والذخائر والطائرات بدون طيار "المسيّرات".

وعلى الرغم من نفي إيران ضلوعها في استهداف هذه الفصائل الإسلاموية المسلّحة للقواعد الأمريكية في سوريا والعراق، فإنّ ثمّة معلومات استخباراتية غربية تشير إلى أنّها كانت تخطط لتكثيف حدّة هذه الاستهدافات ضدّ القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، ضمن إطار محاولة إيران الاستفادة من ردّ الفعل العنيف في المنطقة، على الدعم الأمريكي لإسرائيل، بحسب مسؤولين أمريكيين.

المقاومة الإسلامية تتبنّى الهجمات

أصيب (59) جندياً أمريكياً في هجمات بالمسيّرات والصواريخ على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، والتي بلغت (55) هجوماً في أقلّ من شهر، وفقاً لتصريحات المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، سابرينا سينغ، للصحفيين خلال مؤتمر صحفي، إذ قالت إنّ عدد الهجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا ارتفع إلى (55) حتى يوم الإثنين، ممّا أدى إلى إصابة (59) جندياً حتى الآن. 

وبحسب سينغ، تتوزع الهجمات بين (27) في العراق و(28) في سوريا، وتنفذها بحسب ما تصفها وزارة الدفاع الأمريكية "الميليشيات المدعومة من إيران" منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أي بعد نحو أسبوع من اندلاع الحرب في غزة.

واشنطن استهدفت مؤخراً منشآت عسكرية تابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني"

وردّاً على التساؤلات حول ما إذا كانت الضربات الأمريكية قد فشلت في ردع الميليشيات عن شنّ المزيد من الهجمات، أجابت سينغ بالقول: "لدينا حضور قوي للغاية في المنطقة في الوقت الحالين وأعتقد أنّ هذا يبعث برسالة ردع قوية للغاية (...)، نحتفظ دائماً بالحق في الردّ في الوقت والمكان الذي نختاره".

اللافت أنّ فصائل "المقاومة الإسلامية في العراق" في كل هجوم تشنه تقوم بالإعلان عن الحادث عبر بيان رسمي، وقد تبنت الهجوم الأخير الذي نفذته يوم الثلاثاء الماضي لقاعدة أمريكية في (حقل كونيكو) النفطي شرقي سوريا، وذلك بعد يوم من إعلانها استهداف قاعدة أخرى لواشنطن في (حقل العمر) النفطي بسوريا، بمسيّرة، وقد أصابت هدفها بشكل مباشر، وفق بيان الجماعة.

ثمّة معلومات استخباراتية غربية تشير إلى أنّ إيران كانت تخطط لتكثيف حدّة هذه الاستهدافات

وجاء في بيان "المقاومة الإسلامية": "ردّاً على الجرائم التي يرتكبها العدو بحق أهلنا في غزة، استهدف مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق قاعدة الاحتلال الأمريكي في حقل كونيكو النفطي بسوريا برشقة صاروخية، فأصابت أهدافها بشكل مباشر".

فعالية مكونات الظل

يعتقد الباحث السوري والمختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، في تصريحات خصّ بها (حفريات)، أنّ العمليات التي تقوم بها ما يطلق عليها غرفة "عمليات فصائل المقاومة الإسلامية في العراق"، والعاملة في الجغرافيا العراقية والسورية، إحدى أهم الوسائل التي تقوم من خلالها إيران بتنفيذ استراتيجيتها الخارجية عبر "مكونات الظل"، والتي لا ترتبط بإيران رسمياً كما يزعم نظام الملالي؛ حيث إنّ تلك الفصائل هي خارج نطاق العملية السياسية في العراق.

وكذلك ليس لديها ارتباط وثيق كما تزعم إيران مع قيادات "فيلق القدس" و"الحرس الثوري الإيراني"، لكنّ تحركاتها في الآونة الأخيرة تشير إلى أنّ الغالبية العظمى من تلك الاستهدافات لصالح وبتنسيق إيراني مباشر، وقد قاربت الـ (50) عملية تجاه القوات الأمريكية في سوريا والعراق، والتي بدأت بـ "قاعدة حرير" شمال العراق بمحافظه أربيل، وصولاً إلى المنطقة الوسطى من العراق، وتحديداً "قاعدة عين الأسد" العسكرية في شمال الأنبار، وصولاً إلى الجغرافية السورية؛ حيث تمّ استهداف "قاعده التنف"، وحقول الغاز والنفط والعديد من مناطق النفوذ الأمريكي والقوات الحليفة للولايات المتحدة في محافظة دير الزور، وعليه فإنّ لها صلات مباشرة مع إيران وأجنداتها، وفق حديث النعيمي لـ (حفريات).

سابرينا سينغ: عدد الهجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا ارتفع إلى (55) حتى يوم الإثنين، ممّا أدى إلى إصابة (59) جندياً حتى الآن.

هذه الفصائل الإسلاموية المسلّحة على ارتباط وثيق مع طهران، وقد أكد ذلك المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي في وقت سابق، حيث قال: إنّ "هناك ارتباطاً مباشراً للغاية بين هذه الجماعات والحرس الثوري الإيراني".

رسائل إيران لواشنطن

العمليات التصعيدية التي تقوم بها إيران من خلال تحريك ما يطلق عليها فصائل "المقاومة الإسلامية" هي رسائل ردع مباشرة للولايات المتحدة، يتم استثمارها بشكل كبير في تنفيذ الأجندة الإيرانية، وتأتي كنوع من الردّ على واشنطن وإسرائيل في سياق حرب غزة.

أصيب (59) جندياً أمريكياً في هجمات بالمسيّرات والصواريخ على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق

وإذا ما نظرنا إلى بداية تلك العمليات، نشاهد أنّ الردود الأمريكية ربما كانت تتجاوز (24) ساعة، بينما اليوم وخاصّة بعد استهداف تموضع ميليشيا إيران في مطار دير الزور العسكري في سوريا، نراها تحمل دلالة أمنية عميقة؛ مفادها أنّ واشنطن تقوم برصد تلك الأهداف بدقة متناهية، وذلك من خلال عمليات المسح الجوي التي يجريها سلاح الجو الأمريكي، وتحديداً طائرات الاستطلاع من طراز (أواكس)، على الحدود السورية العراقية على مدار الساعة، وفق النعيمي.

وبالتالي، وفق تقدير النعيمي لـ (حفريات)، فإنّ آخر عملية كانت عملية استباقية وليست كالعمليات الجوية التي سبقتها، رغم أنّها تأتي في سياق الجهد الدائم الذي تجريه الولايات المتحدة، لكن عملياً تمّ استهداف تجمع للميليشيات الإيرانية، إضافة إلى مراكز تجميع وتصنيع الأسلحة في الداخل السوري، وتحديداً برنامج المسيّرات؛ حيث إنّه الأقرب إلى قاعدة مطار دير الزور العسكري.

احتمالات التصعيد

الباحث السوري المختص بالشأن الإيراني يرى أنّ وتيرة التصعيد قد تزداد في الفترات المقبلة، والردّ الأمريكي سيكون بناءً على تحديد حجم المخاطر التي تنطلق منها التهديدات الإيرانية، وتحديداً في التموضع في "قاعدة الإمام"، التي أنشاها قاسم سليماني زعيم ميليشيا "فيلق القدس"، وبالتالي يرجح النعيمي أن تزداد العمليات الأمريكية، وخاصًة بعد أن قامت تلك الميليشيات باستهداف إحدى المسيّرات الأمريكية المضادة للمسيّرات في سماء دير الزور، وهذا يعتبر تغييراً لقواعد الاشتباك ما بين الجانبين.

مصطفى النعيمي: العمليات التصعيدية التي تقوم بها إيران، من خلال تحريك ما يطلق عليها فصائل "المقاومة الإسلامية"، هي رسائل ردع مباشرة للولايات المتحدة، يتم استثمارها بشكل كبير في تنفيذ الأجندة الإيرانية

وبالتالي يرجح النعيمي بأنّه سيتم الدفع بمجموعة من الأسلحة الجديدة لمواجهة تلك الميليشيات، فضلاً عن إيصال منظومات دفاع جوي قصيرة المدى للقواعد الأمريكية من أجل مجابهة المسيّرات الإيرانية.

أمّا المخاطر التي ستنجم عن هذا التموضع الجديد للقوى المسلحة والولائية، فإنّها باتت كبيرة، خاصّة أنّ الاعتداءات التي تنفذها لامست حدود الشهر بشكل متواصل، وما زال هذا الدور الخطير يزداد تدريجياً، وبالتالي يرجح الباحث السياسي حدوث تصعيد في المناوشات في المنطقة، ولا سيّما في سوريا، وربما تنتقل باتجاه الأردن، طبقاً لتوقعات النعيمي.

مواضيع ذات صلة:

البنتاغون يعلن حصيلة الهجمات التي طالت قواعده في سوريا والعراق

تقرير يُحذر الولايات المتحدة من هجمات الميليشيات الإيرانية المتجددة في سوريا والعراق

في سوريا والعراق... ماذا ينتظر الأكراد بعد فوز أردوغان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية