كيف تَحكُم جماعة "الإخوان" السودان خلال الحرب؟

كيف تَحكُم جماعة "الإخوان" السودان خلال الحرب؟

كيف تَحكُم جماعة "الإخوان" السودان خلال الحرب؟


28/04/2024

للحروب الأهلية في السودان التي تعتبر أطول الحروب في أفريقيا، إن لم تكن في العالم،  تاريخ قديم، فقد دبت الخلافات قبل أن يرفع السودانيون علمهم ليصبحوا دولة مستقلة اعترفت بها الأمم المتحدة في كانون الثاني (يناير) عام 1956، وأشعلوا حربهم الأولى عام 1955 بتمرد حامية (توريت) بشرق المديرية الاستوائية  (جنوب السودان)، لتستمر حتى 27 شباط (فبراير)  1972 حين وضعت أوزارها بموجب اتفاقية سلام أديس أبابا، لكنّها ما لبثت أن استُؤنفت مجدداً عام 1983، لتنتهي بما سُمّي باتفاقية السلام الشامل في 9 كانون الثاني (يناير) 2005، بضاحية نيفاشا الكينية، التي آلت فيما بعد إلى انفصال جنوب السودان دولة مستقلة في 7 شباط (فبراير) من خلال استفتاء شعبي صوّت خلاله شعب الجنوب لصالح الانفصال بنسبة تفوق 99%. وفي الأثناء اشتعلت حرب دارفور (غرب) عام 2003،  لتنتهي بموجب اتفاقية جوبا للسلام في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، عقب إطاحة نظام الإخوان المسلمين عن السلطة بانتفاضة شعبية في 11 نيسان (أبريل) 2019، لكن ما لبثت الحرب أن اشتعلت مجدداً بين الجيش السوداني وإحدى مكوناته (قوات الدعم السريع) في 19 نيسان (أبريل) 2023. 

على مدى هذه الحروب الأهلية لم يثبت تورط أيّ حزب سياسي أو جماعة دينية أو فكرية فيها، مثلما تورط الإخوان المسلمون في الحرب الأخيرة، ويتوفر الكثير من الشواهد والأدلة والوثائق التي تثبت أنّ جماعة الإخوان هي من خططت لها ونفذتها (أطلقت الرصاصة الأولى)، وما تزال تخوض غمارها عبر ميليشياتها المسلحة والجماعات الإرهابية (داعش) الموالية لها، بجانب قادة الجيش الذين يدينون لها بالولاء. 

بصمة الإخوان 

لا تكتفي جماعة الإخوان (السودانية) بإدارة العمليات العسكرية على الأرض، وإنّما هي من تضع الخطط السياسية وتدير العلاقات الخارجية والدبلوماسية في حكومة الأمر الواقع التي تتخذ من ميناء بورتسودان على البحر الأحمر (شرق) عاصمة بديلة. 

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

ويرى مراقبون أنّ الحكومة التي تدير المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش السوداني، لا تقدّم خططاً ولا استراتيجيات جديدة، وإنّما تمضي على نهج النظام السابق وتطبق سياساته نفسها، فقد خسرت بسرعة علاقتها بدول  الجوار أوّلاً، حين استعدت إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وحافظت على مستوى معقول من العلاقات مع مصر وإريتريا في بداية الحرب، كما أنّها فشلت في استقطاب أيّ دعم خارجي، حتى من (تركيا) التي هرب إليها رموز الجماعة بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، كما خسرت علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، وشنت حملات إعلامية منظمة على رؤساء دول الجوار ووصفتهم بالمرتشين والفاسدين، وأوكلت مهمة تخريب العلاقات مع الدول للفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، والمقرّب من الجماعة. 

الحرب والطاولة 

الناظر إلى تاريخ الحروب الأهلية السودانية يجد أنّها جميعها انتهت بالجلوس إلى طاولات مفاوضات أُبرِمت عليها اتفاقيات سلام، ولعبت الدول المجاورة والمنظمات الأفريقية الدور الرئيس في تقريب وجهات النظر بين أطرافها المتحاربة، فحرب الجنوب الأولى انتهت باتفاقية أديس أبابا في عهد الإمبراطور الإثيوبي هيلي سلاسي، بمساعدة ورعاية منظمة الوحدة الأفريقية  حينها، وحرب الجنوب الثانية انتهت باتفاقية نيفاشا (كينيا) بمساعدة ورعاية منظمة إيغاد، وحرب دارفور انتهت باتفاقية جوبا، بمساعدة ورعاية دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمة إيغاد ودولة جنوب السودان. 

ورغم هذا التاريخ من الدور الأفريقي الكبير في التدخل لصالح وقف  الحروب السودانية وتحقيق السلام والوحدة الوطنية، إلا أنّ جماعة الإخوان منذ انقلابها على الحكومة الديمقراطية "حكومة الصادق المهدي" 1989، نأت بنفسها عن القارة معتبرة الحكومات الأفريقية محض سُلطات كافرة (علمانية) وأدوات للغرب وقوى (الاستكبار والبغي) التي تحارب الإسلام والمسلمين، وفقاً لوصفها للدول الغربية، وعندما استلمت السلطة في الخرطوم قطعت علاقاتها بمصر (محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك)، وإرتريا وإثيوبيا وتشاد وليبيا (القذافي) وأفريقيا الوسطى، والسعودية والكويت والإمارات وجميع دول الخليج العربي، وتوعدت الولايات المتحدة وروسيا بالعذاب من خلال النشيد الجهادي الشهير الذي كانت تبثه إذاعة أم درمان "أمريكا روسيا قد دنا عذابها ... عليّ إن لاقيتها ضِرابها".  

دبلوماسية صِفريّة 

سياسة الدبلوماسية (الصفريّة) أو دبلوماسية حافة الهاوية، هي سياسة إخوانية شائعة، تتيح للجماعة اللعب على كل الحبال في علاقاتها الخارجية، وهذا ما بدا واضحاً خلال عام من الحرب الراهنة، فتارة تقترب حكومة (بورتسودان) من مصر، ثم تذهب مباشرة إلى تركيا، قبل أن تنحرف إلى إيران، وتارة تستجلب خبراء وقوات أوكرانية، وأخرى تذهب إلى روسيا لتغريها بقاعدة عسكرية على البحر الأحمر وتدعوها حكومتها إلى زيارة السودان، فتغضب أوكرانيا.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

وبالنسبة إلى مراقبين ومحللين، فإنّ البصمة الإخوانية في إدارة الدولة والحرب باتت شديدة الوضوح، فالجماعة عُرفت داخلياً بأنّها تعتمد على البقاء في السلطة بإثارة النعرات والفتن القبلية في مجتمع تغلب عليه البداوة والحمية العرقية، وهذا ما يحدث الآن في غرب وشرق السودان، حيث يغلب الولاء القبلي على القومي لغياب الدولة وضعفها وعدم قدرتها على تقديم الخدمات والحماية لمواطنيها في المناطق النائية. 

وتتجلى بصمة الإخوان في إدارة الدولة على حكومة الأمر الواقع الحالية في استخدامها وسائل الإعلام لتخريب العلاقات الخارجية، والترويج لما تسمّيه مؤامرة دولية لتخريب البلاد تستخدم فيها قوات الدعم السريع عسكرياً وتنسيقية القوى المدنية (تقدّم) سياسياً، لرميهما بالعمالة والارتزاق والخيانة الوطنية، وغيرها من المصطلحات التي ما عاد لها تأثير كبير في ظل الانفتاح وتوفر المعلومات. 

أساليب قديمة 

ووفقاً لمحلّلين سياسيين وعسكريين، فإنّ عجز جماعة الإخوان، التي تدير مناطق سيطرة الجيش، عن ابتكار أساليب جديدة  لإدارة ملفات الحرب والعلاقات الخارجية والسياسة الداخلية، والركون إلى الأساليب القديمة التي تعود إلى عام 1989، تسبب في خسائر عسكرية ودبلوماسية كبيرة للجيش السوداني، ولم يجد ما يكفي من المساندة الشعبية الداخلية التي تمكنه من  تحقيق انتصارات ذات بال في حربه ضد قوات الدعم السريع؛ فقد أثّر وجود الإخوان (فلول النظام السابق) الكبير في مفاصل الحكومة وفي ميادين القتال سلباً على حصول الجيش على إجماع وطني يؤهله أخلاقياً وسياسياً لوصف الحرب بأنّها معركة (كرامة وطنية)، كما لم يجد من المبررات ما يكفي لإقناع العالم الخارجي بأنّه يواجه تمرداً مسلحاً أو انقلاباً عسكرياً، فقوات الدعم السريع لم تكن في أيّ وقت من الأوقات قوات متمردة على الدولة، بل ظلّ قادة الجيش وجماعة الإخوان يرددون حتى قبل الحرب بأيام أنّها جزء لا يتجزأ من الجيش، وأنّها حامية الوطن، وهي التي حققت انتصارات كاسحة على الحركات المتمردة في إقليم دارفور (غرب) وكسرت شوكتها إبّان حكم البشير الذي منح قائدها رتبة عميد دون مروره بالكليّة العسكرية، وتمّت ترقيته فيما بعد إلى لواء ثم إلى فريق، قبل أن يمنحه عبد الفتاح البرهان رتبة فريق أوّل، ويختاره نائباً له في المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى مقاليد الحكم بعد خلع الرئيس السابق عمر البشير. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية