ما الذي يعترض طريق حل القضية الروسية الأوكرانية؟

ما الذي يعترض طريق حل القضية الروسية الأوكرانية؟


28/12/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

منذ وصول الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين إلى السّلطة لأوّل مرّة، قبل عقدين، يمكن القول إنّ التّعليق الأكثر دلالة الّذي أدلى به، فيما يتعلّق بعلاقات موسكو مع العالم الخارجيّ، هو إشارته إلى أنّ انهيار الاتّحاد السّوفيتيّ، قبل 30 عاماً، «كان أعظم كارثة جيوسياسيّة في القرن».

بوتين الشّابّ، بصفته ضابطاً كبيراً في جهاز المخابرات السّوفيتيّة متمركزاً في ألمانيا الشّرقيّة، اختبر شخصيّاً السّلطة الهائلة الّتي تمتّعت بها موسكو نتيجة للسّيطرة الّتي مارستها على الإمبراطوريّة السّوفيتيّة الشّاسعة. ومثل ملايين الرّوس، اختبر بنفسه التّأثير العميق لانهيار الاتّحاد السّوفيتيّ.

 

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا: طبول الحرب تقرع... وأمريكا وأوروبا تتوعدان

ومنذ ذلك الحين، صعد بوتين ليصبح الشّخصيّة المهيمنة في السّياسة الرّوسيّة في فترة ما بعد الاتّحاد السّوفيتيّ، حيث شغل منصب الرّئيس في مناسبات عديدة منذ عام 1999.

الفترة التّكوينيّة لبوتين

ومع ذلك، فإنّ الفترة التّكوينيّة لبوتين في أوائل التّسعينيّات لا تزال وثيقة الصّلة اليوم لأنّها توفّر نظرة ثاقبة رائعة لوجهات نظر الزّعيم الرّوسيّ حول الدّول السّوفيتيّة الرّئيسة السّابقة، مثل أوكرانيا المجاورة.

بوتين في جولة عسكرية

بينما يأسف بوتين بشدّة على زوال الاتّحاد السّوفيتيّ، يبدو أيضاً أنّه مستاء بشدّة من حقيقة أنّ العديد من الدّول السّوفيتيّة السّابقة قد تحالفت فيما بعد مع الغرب.

في رأيه، فقدت روسيا الكثير من السّلطة والنّفوذ عندما انهار الاتّحاد السّوفيتيّ، وهي خسارة تفاقمت بسبب حقيقة أن المؤسّسات الغربيّة الرّئيسة، مثل الاتّحاد الأوروبيّ وحلف شمال الأطلسيّ، قد توسّعت شرقاً، ممّا مكّن الدّول الّتي كان يسيطر عليها الاتّحاد السّوفيتيّ السّابق في أوروبا الشّرقية من إقامة علاقات وثيقة مع الغرب على حساب علاقاتها التّاريخيّة مع موسكو.

تظلّ واشنطن حذرة من نوايا موسكو النّهائيّة، ومن تواصل تصعيد حشدها العسكريّ على الحدود مع أوكرانيا، ممّا دفع الولايات المتّحدة إلى تجديد تحذيراتها ضدّ أيّ "عدوان" من قِبل موسكو

ومن أجل منع أوكرانيا، الّتي كانت ذات يوم من أهمّ الدّول الأعضاء في الاتّحاد السّوفيتيّ، من اتّباع أجندة مماثلة، يقوم بوتين بمواجهة الغرب بشأن ما يراه الكرملين تودّداً غير مرحّب بها من قِبل حلف شمال الأطلسيّ لكييف.

هل ينوي بوتين..؟

وبينما أصرّ بوتين مراراً وتكراراً على أنّه لا ينوي إثارة نزاع عسكريّ حول أوكرانيا، تصاعدت التّوترات بين موسكو وحلف شمال الأطلسيّ بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، بعد أن نشرت روسيا ما يقدّر بنحو 100 ألف جنديّ على الحدود الشّرقيّة لأوكرانيا.

توتّرت العلاقات بين موسكو وكييف منذ أن شنّت روسيا غزوها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ثمّ قامت بضمّها، وهي منطقة كانت تسيطر عليها أوكرانيا في السّابق، فضلاً عن تقديم الدّعم للمتمرّدين الموالين لروسيا في شرق البلاد.

بدأت روسيا تدخّلها بعد انتخاب أوكرانيا حكومة موالية للغرب أعلنت رغبتها في إقامة علاقات أوثق مع الاتّحاد الأوروبيّ وحلف شمال الأطلسيّ.

الرئيس الأوكراني يتفقد خطوط التماس

بوتين، الّذي يعتبر أوكرانيا تقع تاريخيّاً تحت نفوذ روسيا، يُعارض بشدّة مثل هذه الخطوة. ويُنظر إلى وجود مجموعة قتاليّة روسيّة كبيرة على الحدود الأوكرانيّة على أنّه محاولة من قِبل روسيا للضّغط على الغرب لإنهاء أيّ محاولة من قِبل كييف لإقامة علاقات أوثق مع الغرب.

ولهذه الغاية، أصدرت روسيا بوتين عدداً من مسودات الاتّفاقيّات الأمنيّة، الّتي تطالب حلف شمال الأطلسيّ برفض عضويّة أوكرانيا ودول أخرى من الاتّحاد السّوفيتيّ السّابق، وكذلك التّراجع عن نشر القوّات والأسلحة في وسط وشرق أوروبا.

 

اقرأ أيضاً: هل نجحت قمة بوتين-بايدن في تجنّب الحرب في أوكرانيا؟

وتدعو الوثائق، الّتي نشرها الكرملين الأسبوع الماضي، أيضاً إلى حظر إرسال السّفن الحربيّة والطّائرات الأمريكيّة والرّوسيّة إلى مناطق يمكن من خلالها مهاجمة أراضي الطّرف الآخر، بالإضافة إلى وقف التّدريبات العسكريّة لحلف شمال الأطلسيّ بالقرب من حدود روسيا.

 الفترة التّكوينيّة لبوتين في أوائل التّسعينيّات لا تزال وثيقة الصّلة اليوم لأنّها توفّر نظرة ثاقبة رائعة لوجهات نظر الزّعيم الرّوسيّ حول الدّول السّوفيتيّة الرّئيسة السّابقة، مثل أوكرانيا المجاورة

المقترحات، الّتي قُدّمت إلى الولايات المتّحدة وحلفائها، استُبعدت بالفعل، لأنّها ستمنح موسكو فعليّاً حقّ النّقض بشأن إمكانيّة عضويّة أوكرانيا المستقبليّة في حلف شمال الأطلسيّ.

كما رفض الأمين العامّ لحلف شمال الأطلسيّ، ينس ستولتنبرغ، المقترحات الرّوسيّة، مصرّاً على أنّ أيّ محادثات أمنيّة مع موسكو يجب أن تأخذ في الاعتبار مخاوف الحلف وإشراك أوكرانيا وشركاء آخرين.

وبالمثل قال البيت الأبيض إنّه يناقش المقترحات مع حلفاء وشركاء الولايات المتّحدة، لكنّه أشار إلى أنّ جميع الدول لها الحقّ في تقرير مستقبلها دون تدخل خارجيّ.

مبادرة الكرملين

لكنّ مبادرة الكرملين لم تُرفض بالكامل، لأسباب ليس أقلّها وجود بعض أعضاء حلف شمال الأطلسيّ الّذين يتساءلون علانية عمّا إذا كان من مصلحة الحلف منح أوكرانيا، الّتي تتمتّع حالياً بوضع الشّريك في الحلف، العضويّة الكاملة. وكانت العضويّة الكاملة في الحلف قد عُرضت على أوكرانيا لأوّل مرّة في قمّة الحلف لعام 2008 في بوخارست، وتُحاجج أوكرانيا بأنّ الغرب عليه التزام أخلاقيّ بالوفاء بهذا التّعهّد.

تصرّ واشنطن على أنّها تبحث عن حلّ دبلوماسيّ لحلّ الأزمة

في محاولة لحلّ المشكلة، تَعد إدارة بايدن الآن بإجراء محادثات مع روسيا والأطراف المعنية الأخرى في كانون الثّاني (يناير).

لكن في حين أنّ احتماليّة إجراء محادثات بشأن مستقبل أوكرانيا مع الحلف موضع ترحيب، تظلّ واشنطن حذرة من نوايا موسكو النّهائيّة، حيث حذّر مسؤولون أمريكيّون من أنّ روسيا تواصل تصعيد حشدها العسكريّ على الحدود مع أوكرانيا، ممّا دفع الولايات المتّحدة إلى تجديد تحذيراتها ضدّ أيّ «عدوان» من قِبل موسكو.

 

اقرأ أيضاً: هل يرسل بايدن قوات أمريكية إلى أوكرانيا؟.. وماذا عن فرض عقوبات على روسيا؟

أكد مسؤول في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة أنّ واشنطن وحلفائها يراقبون الوضع «عن كثب»، وكرّر التّحذيرات من أنّ «أيّ عدوان آخر ضدّ أوكرانيا سيكون له عواقب وخيمة وسيكون له ثمن باهظ».

كما تصرّ واشنطن على أنّها تبحث عن حلّ دبلوماسيّ لحلّ الأزمة. قال المسؤول: «هدفنا هو خفض التّصعيد من خلال الدّبلوماسيّة؛ إنّ الولايات المتّحدة مستعدّة للانخراط دبلوماسيّاً في كانون الثّاني (يناير) عبر قنوات متعدّدة».

 

اقرأ أيضاً: ما لا تخبرنا به الصراعات الجارية في أوكرانيا وسوريا وليبيا وناغورنو-قاراباخ عن مستقبل الحرب

ومع ذلك، بالنّظر إلى التّاريخ الحديث لروسيا في التّدخّل العسكريّ في الأراضي الأوكرانيّة، طالما استمرّت روسيا في الحفاظ على مثل هذه السّلطة الكبيرة بالقرب من حدود أوكرانيا، فستظلّ هناك مخاوف من أنّ موسكو قد تميل إلى الّلجوء إلى خيار عسكريّ لحلّ النّزاع إذا لم يظهر الحلّ الدبلوماسيّ قريباً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كون كوغلين، 23 ذي ناشونال، كانون الأوّل (ديسمبر) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية